الخميس - الموافق 26 ديسمبر 2024م

فى طريق الهدايه ومع الشهادة من أجل الوطن ” الجزء الخامس عشر ” إعداد / محمـــد الدكــــرورى

ونكمل الجزء الخامس عشر مع الشهادة من أجل الوطن، وقد توقفنا عند حكم الصلاة على الشهيد، فقيل أنه من جرح في المعركة وعاش حياة مستقرة ثم مات، يغسل ويصلى عليه، وإن كان يعد شهيدا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم غسل سعد بن معاذ، وصلى عليه بعد أن مات بسبب إصابته بسهم قطع أكحله، فحمل إلى المسجد فلبث فيه أياما ثم انفتح جرحه فمات شهيدا، ومن عاش عيشة، غير مستقرة، فتكلم، أو شرب ثم مات، فإنه لا يغسل ولا يصلي عليه، وقال ابن قدامة في المغني، الجريح إن رجلا قال أخذت ماء لعلي أسقي به ابن عمي إن وجدت به حياة، فوجدت الحارث بن هشام، فأردت أن أسقيه فإذا رجل ينظر إليه، فأومأ لي أن أسقيه، فذهبت إليه لأسقيه، فإذا آخر ينظر إليه، فأومأ لي أن أسقيه حتى ماتوا كلهم، ولم يفرد أحد منهم بغسل ولا صلاة، وقد ماتوا بعد انقضاء الحرب، وقيل أن الحكمة في ترك الصلاة عليهم هو أن الصلاة تكون على الميت، أما الشهداء فهم أحياء، أو أن الصلاة شفاعة، وهم في غنى عنها لأنهم يشفعون لغيرهم، وأنهم استغنوا بكرامة الله عز وجل عن الصلاة عليهم، وأيضا التخفيف على من بقي من المسلمين لما يكون فيمن مات متأثرا بجراحه، وأيضا خوف عودة العدو ورجاء طلبهم، وأيضا همهم بأهليهم وهم أهلية بهم، وأيضا إبقاء أثر الشهادة عليهم والتعظيم لهم، باستغنائهم عن دعاء القوم، فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال “ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين قطرة من دموع في خشية الله وقطرة دم تهراق في سبيل الله وأما الأثران فأثر في سبيل الله وأثر في فريضة من فرائض الله “رواه الترمذى.
وقال الحنفية لا يغسل كل مسلم قتل بالحديد ظلما، وهو طاهر بالغ، ولم يجب عوض مالي في قتله، فإن كان جنبا أو صبيا، أو وجب في قتله قصاص، فإنه يغسل، وإن وجد قتيلا في مكان المعركة، فإن ظهر فيه أثر لجراحة، أو دم في موضع غير معتاد كالعين فلا يغسل، ولو خرج الدم من موضع يخرج الدم عادة منه بغير آفة في الغالب كالأنف، والدبر والذكر فيغسل، والأصل عندهم في غسل الشهيد أن كل من صار مقتولا في قتال أهل الحرب أو البغاة، أو قطاع الطريق، بمعنى مضاف إلى العدو كان شهيدا، سواء بالمباشرة أو التسبب، وكل من صار مقتولا بمعنى غير مضاف إلى العدو لا يكون شهيدا، فإن سقط من دابته من غير تنفير من العدو أو انفلتت دابة مشرك وليس عليها أحد فوطئت مسلما، أو رمى مسلم إلى العدو فأصاب مسلما، أو هرب المسلمون فألجأهم العدو إلى الخندق، أو نار، أو جعل المسلمون حسكا حولهم، فمشوا عليها، في فرارهم، أو هجومهم على الكفار فماتوا يغسلون، وكذا إن صعد مسلم حصنا للعدو ليفتح الباب للمسلمين، فزلت رجله فمات، يغسل، وقال الحنابلة لا يغسل الشهيد سواء كان مكلفا أو غيره إلا إن كان جنبا أو امرأة حائضا أو نفساء طهرت من حيضها، أو نفاسها، وإن سقط من دابته أو وجد ميتا ولا أثر به، أو سقط من شاهق في القتال أو رفسته دابة فمات منها، أو عاد إليه سهمه فيها، فالصحيح في المذهب في ذلك كله أنه يغسل، إذا لم يكن ذلك من فعل العدو، ومن قتل مظلوما، بأى سلاح قتل، كقتيل اللصوص ونحوه يلحق بشهيد المعركة، فلا يغسل في أصح الروايتين عن أحمد.
وقال الشافعية، والمالكية يغسل من قتله اللصوص، أو البغاة، أما من مات في غير ما ذكر من الذين ورد فيهم أنهم شهداء كالغريق، والمبطون، والمرأة التي ماتت في الولادة، وغير ذلك فإنهم شهداء في الآخرة، ولكنهم يغسلون باتفاق الفقهاء، وأما عن إزالة النجاسة عن الشهيد، فقد ذهب الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه إذا كان على الشهيد نجاسة غير دم الشهادة تغسل عنه، وإن أدى ذلك إلى إزالة دم الشهادة، لأنها ليست من أثر العبادة، وفي قول عند الشافعية، ولا تغسل النجاسة إذا كانت تؤدي إلى إزالة دم الشهادة، وأما عن تكفين الشهيد فقد ذهب الحنفية إلى أن شهيد المعركة وهو الذي قتله المشركون، أو وجد بالمعركة جريحا، أو قتله المسلمون ظلما ولم يجب فيه مال يكفن في ثيابه، لقوله صلى الله عليه وسلم” زملوهم في ثيابهم” رواه أحمد، والثياب التي يكفن بها وتلبس للستر، ولأن الدفن بالسلاح وما ذكر معه فكان من عادة أهل الجاهلية، فإنهم كانوا يدفنون أبطالهم بما عليهم من الأسلحة وقد نهينا عن التشبه بهم، وعند المالكية أن شهيد المعركة يدفن بثيابه التي مات فيها وجوبا إن كانت مباحة وإلا فلا يدفن بها، ويشترط أن تستره كله فتمنع الزيادة عليها، فإن لم تستره زيد عليها ما يستره، فإن وجد عريانا ستر جميع جسده، ولا يدفن الشهيد بآلة حرب وهي معه كدرع وسلاح وقال الحنابلة إن شهيد المعركة يجب دفنه في ثيابه التي قتل فيها، ولو كانت حريرا على ظاهر المذهب، وينزع السلاح، ولا يزاد في ثياب الشهيد ولا ينقص منها، ولو لم يحصل المسنون بها لنقصها أو زيادتها.
وقال الشافعية أنه يكفن شهيد المعركة ندبا في ثيابه، لخبر أبي داود بإسناد حسن عن جابر ، قال رمي رجل بسهم في صدره أو في حلقه فمات فأدرج في ثيابه كما هو قال ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد ثيابه التي مات فيها واعتاد لبسها غالبا، وإن لم تكن ملطخة بالدم، ويفهم من عبارتهم أنه لا يجب تكفينه في ثيابه، التي كانت عليه وقت استشهاده، بل هو أمر مندوب إليه فيجوز أن يكفن كسائر الموتى، فإن لم يكن ما عليه سابغا، أي ساترا لجميع بدنه، تمم وجوبا، لأنه حق للميت، ويندب نزع آلة الحرب عنه كدرع، وكل ما لا يعتاد لبسه غالبا كجلد أما شهداء غير المعركة كالغريق والحريق والمبطون والمطعون فيكفنون كسائر الموتى وذلك باتفاق جميع الفقهاء، وأما عن دفن الشهيد فأنه من السنة أن يدفن الشهداء في مصارعهم، ولا ينقلون إلى مكان آخر، فإن قوما من الصحابة نقلوا قتلاهم في واقعة أحد إلى المدينة، فنادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر برد القتلى إلى مصارعهم،عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال فبينما أنا في النظارين إذ جاءت عمتي بأبي وخالي عادلتهما على ناضح فدخلت بهما المدينة لتدفنهما في مقابرنا إذ لحق رجل ينادي ألا إن النبي صلى الله عليه وسلم يأمركم أن ترجعوا بالقتلى فتدفنوها في مصارعها حيث قتلت فرجعنا بهما فدفناهما حيث قتلا” رواه أحمد، وأما عن دفن أكثر من شهيد في قبر واحد فأنه يجوز دفن الرجلين والثلاثة في القبر الواحد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول أيهم أكثر أخذا للقرآن.
فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد وقال أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة وأمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم ” رواه البخارى، ودفن عبد الله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح في قبر واحد، لما كان بينهما من المحبة، إذ قال صلى الله عليه وسلم ” ادفنوا هذين المتحابين في الدنيا في قبر واحد” وأما عن شهيد البحر فعن أبي امامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول شهيد البحر مثل شهيدى البر، والمائد في البحر كالمتشحط في دمه في البر، وما بين الموجتين كقاطع الدنيا فى طاعة الله وإن الله عز وجل وكل ملك الموت بقبض الأرواح إلا شهيد البحر فإنه يتولى قبض أرواحهم ويغفر لشهيد البر الذنوب كلها إلا الدين ولشهيد البحر الذنوب والدين رواه ابن ماجه، إنما كان لشهيد البحر هذا الفضل العظيم لما في ركوب البحر من مقاساة الأهوال، واقتحام الأخطار، ومن الأمثال المتداولة المشهورة “راكب البحر مفقود والناجي منه مولود” ولذلك أفتى كثير من علماء المالكية بالأندلس، بأن ركوب البحر عذر يسقط فريضة الحج لعدم سلامة راكبه غالبا في زمانهم وإذا كان هذا حال راكب البحر في سفر اعتيادي آمن، فكيف حال راكبه في جهاد العدو وقتاله؟ لا شك أن الخطر يتفاقم، وأما عن شهيد الجو، فإن لشهيد الجو من الفضل، مثل ما لشهيد البحر، لأن في ركوب الطائرة من الأخطار، والتعرض للتميد والقيء، مثل ما في ركوب الباخرة، بل قد يكون الخطر في ركوب الطائرة أعظم، فالطائرة تقع أحيانا في مطب جوي، فترتج ارتجاجة، تنخلع لها القلوب.
ومن الناس من يختار ركوب الباخرة، على ركوب الطائرة، لأن الخطر فيها أقل من الطائرة، ومن سقط من سفينة يمكنه أن يسبح، أما من سقط من طائرة فالأمر يختلف، وأما عن أرواح الشهداء في الجنة فقد قال الله تعالى كما جاء فى سورة آل عمران ” ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون” وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عند الحرب فقال الله سبحانه أنا أبلغهم عنكم قال فأنزل الله ” ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله” إلى آخر الآية” رواه أبو داود، وهذه الآية نزلت في شهداء أحد، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهداء “أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال هل تشتهون شيئا قالوا أي شيء نشتهى ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ففعل ذلك بهم ثلاث مرات فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا” رواه مسلم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة” رواه البخارى.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “للشهيد عند الله ست خصال يغفر له في أول دفعة ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها ويزوج اثنتين وسبعين زوجةً من الحور العين ويشفع في سبعين من أقاربه” رواه الترمذي، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرةً وعشيا” رواه أحمد، وقد يتساءل المرء كيف تكون روح المؤمن فى حوصلة الطير، فذلك حبس لها، وتضييق عليها؟ والجواب بأن الطير مركبة لها، كما يركب أحدنا سيارة تحمله من مكان إلى آخر، قال أحد العلماء في الجواب عن ذلك، إن الله جعل أرواح الشهداء في أجواف طير خضر، فإنهم لما بذلوا أنفسهم لله، أعاضهم عنها في البرزخ أبدانا خيرا منها، تكون فيها إلى يوم القيامة، ويكون نعيمها بواسطة تلك الأبدان، أكمل من نعيم الأرواح المجردة عنها، ولهذا كانت نسمة المؤمن في صورة طير أو كطير، ونسمة الشهيد في جوف طير، وفى النهاية نقول بأن الله تبارك وتعالى يفعل في خلقه ما يشاء، لا راد لحكمه، ولا معقب لأمره، هو الذي اختاره فكيف لا تختارونه أنتم لأنفسكم؟ والله عز وجل واسع الفضل، يهب لمن يشاء العلم ويحرم من يشاء، ويهب لمن يشاء الفضل ويحرم من يشاء، فالله عز وجل عالم وعليم بمن يستحق الشهادة ممن لم يستحقها، وهذا يؤكد لنا أن نسعى مجاهدين على تأصيل الإيمان وغرسه في قلوب أبناء الصحوة وعدم الالتفات إلى الحماس الزائف، وأنه يجب على الدعاة إلى الله عز وجل في هذا الزمان في هذا البلد وغيره ألا يتحمسوا، وألا يغتروا بهذا الحماس الزائف، بل لابد من تأصيل الإيمان، وزرع وبذر أصول العقيدة في قلوب أبناء الصحوة لأن العقيدة إذا صلحت ونبتت نباتا حسنا في قلب صاحبها، فكان بعد ذلك خيره مرجوا وإلا فلا.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك