الإثنين - الموافق 23 ديسمبر 2024م

فى طريق الهدايه ومع تربية الأبناء مسؤلية مَن ؟” الجزء الأول ” إعداد / محمـــد الدكـــرورى

أيها الأب الكريم، إن أولادك مرآة يعكسون أخلاقك وأعمالك، فإن رأوك تعظم الله وتخافه عظموا الله عز وجل، إن رأوك تخشى الله وتتقيه خشوا الله واتقوه في أعمالهم بتوفيق من الله، إن رأوك ذا محافظة على الصلوات الخمس فى أوقاتها، إن رأوك على هذه الصفة تأسوا بك فحافظوا عليها، إن رأوك معظما لأبيك وأمك فإنهم سيعاملونك كذلك، إن رأوك تجالس ذوى التقى والصلاح بعيدا عن أهل الإجرام والإفساد نفروا من تلك الشلل الفاسدة والمجتمعات الآسنة، إن رأوا منك كلمات طيبة وألفاظا حسنة كانت ألفاظهم كذلك، وإن سمعوا منك السباب واللعان والقبح والفحش فى الأقوال سمعت منهم مثل ذلك وأشد، فيا أيها الأب الكريم، لا بد من عظة للأبناء ونصيحة لهم، ورسم الطريق الصالح ليسلكوه، وأن الأب ليس مجرد صندوق مالي يحصل من خلاله الأبناء على الأموال اللازمة لشراء احتياجاتهم ومتطلباتهم المعيشية، فالرجل لا يقتصر دوره على توفير النفقات فقط، وإنما يظل هو القدوة والنموذج الذي يحتذى فى البيت والحياة عموما.
لذلك فهو له دور كبير في تنشئة وتوجيه الأبناء وإرشادهم، خاصة فى مراحل حياتهم الأولى، وأن عاطفة الأبوة ضرورية وإن اختلفت طبيعة العاطفة بين الطرفين الأب والأم بحكم التكوين الجسدى والنفسى للرجل الذي غالبا مايكون عقلانيا في التعامل مع أبنائه أكثر من المرأة التي تسيطر عليها العاطفة، وأن ما يشاع من أن تربية الأبناء تقع على عاتق الأم فقط اعتقاد خاطئ، فالمسؤولية مشتركة بين الزوجين، وتربية الأبناء ليست مهمة الأمهات، فحضور الآباء مهم جدا في حياة أبنائهم من كافة النواحي، خاصة فيما يتعلق بتنشئتهم الاجتماعية، وأنه يغفل الكثير من الآباء عن تخصيص وقت مناسب لقضائه مع أبنائهم وينشغلوا بأهميته جلب المال إلى الأهل والأبناء، ولكن هناك دور مهم يجب الحفاظ عليه وهو الإسهام في التنشئة النفسية والعاطفية للصغار، مما يجعلهم أكثر قدرة على النجاح والإبداع في حياتهم الشخصية والعملية، فيا أيها الآباء اتقوا الله في أبنائكم، وربوهم على حب الله وخوفه ورجاء ما عنده.
ربوهم على منهج الله، وعودوهم على الطاعة، وعلموهم العبادة، ربوهم على أن يعيشوا في الدنيا بمنظار الآخرة، فيتزودوا من ممرهم لمقرهم، حتى تكونوا وإياهم في الجنة في شغل فاكهين، وعلى الأرائك تنظرون، ولم يكن اهتمام الإسلام منصبا على حشو الأدمغة بالمعلومات والمعارف الإنسانية أو الدينية بقدر ما كان يهتم بتأديب المتلقي وتربيته على المبادئ التي تحملها تلك المعلومات بل والتماهي والتمازج بين المبادئ العقلية والشخصية الإنسانية حتى تصيرا شيئا واحدا، لذلك كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يتجاوزون حفظ عشر آيات حتى يتعلموا ما فيهن من العلم ويعملوا بما فيها، فيتعلمون القرآن والتقوى معا، وتزداد قلوبهم إيمانا مع إيمانهم، وتتعمق في نفوسهم المعاني التربوية العظيمة التى قد لا يحويها كتاب ولكن يحويها قلب امرئ مسلم، ويحسب بعض الآباء أن مسؤولية تربية الطفل تقع على الأم فقط، ولا يطلب منه سـوى تأمين الحاجات المادية لأطفاله وزوجته، فتجده يقضى معظم وقته خارج المنزل في العمل.
أو مع الأصدقاء، حتى إذا عاد إلى منزله جلس وحده فى غرفته، محذرا زوجته من أن تسمح للأطفال بتعكير صفو تأملاته وأحلامه وهو نائم، وإن الرؤية الإسلامية لا تقدم مسؤولية أى من الرجل أو المرأة في الأسرة على الآخر، فمشاركة الأب والأم فى التنشئة الاجتماعية والسياسية للطفل هي مشاركة واجبة ولازمة، إذ لا يغنى أحدهما عن الآخر، وهما يشكلان معا، بالإضافة للأبناء، هيكل السلطة فى الأسرة من خلال مسؤوليات كل طرف، ولا يكتمل الهيكل أو البناء إذا تخلى أحد الأطراف عن واجباته، فالرعاية مسؤولية الوالدين معا، وكلاهما مسؤول عن رعيته، وإن من أهم وسائل إصلاح النشء هو التربية بالقدوة، وهى تربية صامتة، ولكن أثرها أعظم من كل توجيه، فالطفل منذ ضعفه مفطور على محاكاة مَن هو أكبر منه، فأنت أنت صورة حية لأولادك، فانظر ماذا ترسم في شخصيتهم من خلال قولك، وسمتك، وفعلك، فإن القدوة ليست كلمات تقال، بل هي سلوك وأفعال، وإنه لشرخ فى جدار التربية.
أن تنهى طفلك عن الخطأ وتأتى مثله، وعار عليك عظيم أن تنهى صفيك عن النظر للحرام، ثم يراك مرسلا طرفك للحسناوات والجميلات، وإنه مَن هجر المسجد والجماعات لا ينتظر من ولده أن يكون من أهل الصلاة، ومَن هيأ لنفسِه وبنيه جو المعاصى والمحرمات، لا ينتظر من أولاده أن يكونوا من أهل التقى والعبادات، ولا تكن القيم والمثل التي تسقى للأبناء في الصباح تحرقها الأفعال فى المساء، فإن القدوة الحقة أن يرى فيك ولدك أثر توجيهك وقولك، يرى الابن خوف الله ورجاءه، وتعظيم حرماته والوقوف عند حدوده ماثلا فى حال وحياة أبيه، وإن الدراسات التي تناولت دور الأب في تربية الأبناء كثيرة، وأغلبها أكد أن مشاركة الأب في التنشئة بشكل فعال، مهمة جدا لاستقرار نفسية الطفل، بل إن الخلل فى العلاقة بين الطفل وأبيه كما أثبتت بعض الدراسات، قد يؤدي إلى نمو شخصية سلبية لا تشعر بجدوى المشاركة في الحياة الاجتماعية، وقد وُجدت دراسات عدة حول أثر قيام الأم بمفردها بعملية التنشئة داخل الأسرة.
وأوضحت النتائج أن ذلك ينعكس بالسلب على شخصية الطفل بسبب عدم توازنها، وهو ما يظهر في غلبة السلوك الطفولي عليه حتى مع نموه في مرحلة المراهقة، وميله إلى الاعتماد على الآخرين والخضوع لهم، كما يؤدي أحيانا إلى العكس أي اتصاف الطفل بالسلطوية، مع ملاحظة وجود فوارق بين الجنسين، وإن من أهم ما ينبغى أن يهتم به الوالد تربية ابنه تربية ثقافية، وعدم إهمال هذا الجانب أو نسيانه، لأن العالم المعاصر يحتاج ذوى الثقافات الخاصة والعالية، والثقافة هي مجموعة العلوم والمعارف والفنون التي يطلب الحذق فيها، والحقيقة أن العصر الذي نعيشه يتسم بأنواع كثيرة من الثقافات، ونحن نركز هنا على الأوعية الثقافية للطفل ودورها في تنمية ثقافته وتوعيته، ونستطيع أن نجمل أهم هذه الأوعية في أربعة أشياء وهم الأسرة، والمسجد، ودور العلم، ووسائل الإعلام، فالأسرة لها دور كبير وخطير فى توعية الطفل وتثقيفه ثقافة دينية، وثقافة تربوية وعلمية، وعلى الوالد أن يجلس مع أولاده بعض الوقت كل يوم، يلاعبهم ويعلمهم.
ويبث فيهم معتقداته وأفكاره، ولا يتحجج أحد بأنه ليس لديه الوقت الكافي للجلوس مع الأولاد، لا بد أن يخصص لهم وقتا ولو قصيرا، لأنهم مسؤولون منه، وفي الحديث “وإن لأهلك عليك حقا” فللمرأة وللأولاد على الرجل حق، ولا بد أن يعطيهم جزءا من وقته، وهذا ويقع على الأم العبء الأكبر فى هذا الموضوع، فهى الأقرب للأطفال، وهي التي تجلس معهم الوقت الأكثر، والمراحل الأولى من العمر خصوصا، ولذلك فقد اعتنى الإسلام بحسن اختيار الرجل زوجته، واختيارها على أساس الدين، وواجب على الأب أن يوضح للزوجة ما خفي عنها من الأمور، ويوفر لها الوسائل لتربية أبناءها وتثقيفهم، ولقد كان المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثابة جامعة للدولة المسلمة، فكانت تقام فيه الصلوات ودروس العلم، وكان يتم التشاور فيه فى أمور المسلمين، فكان بمثابة مجلس النواب، وكان منه يخرج المسلمون للجهاد، وإليه يعودون، وكان يقابل فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وفود الدول، ورسل الملوك والأمراء.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك