ونكمل الجزء الثانى مع تربية الأبناء مسؤلية مَن؟ وقد توقفتا عند دور المسجد فى التربيه فكان بمثابة مجلس النواب، وكان منه يخرج المسلمون للجهاد، وإليه يعودون، وكان يقابل فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وفود الدول، ورسل الملوك والأمراء، ويتسلم فيه رسائلهم، وكان يعقد المسلمون أفراحهم في المسجد، فكان المسجد مصدر حياة فكرية وثقافية للأمة، ولم يكن يمنع الأولاد من ارتياد المساجد، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل ابنة ابنته زينب وهي “أمامة”، فيضعها حين يسجد ثم يحملها، ثم يضعها ثم يحملها وهكذا، ويقول الإمام أبو حامد الغزالى رحمه الله “لا بأس بدخول الصبي المسجد إذا لم يلعب، ولا يحرم عليه اللعب في المسجد، ولا السكوت على لعبه، إلا إذا اتخذه ملعبا، وصار ذلك معتادا فيجب المنع منه، فهذا مما يحل قليله دون كثيره، ودليل حله ما روى في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف لأجل عائشة رضي الله عنها حتى نظرت إلى الحبشة يزفون يعني يسرعون.
ويلعبون بالحراب فى المسجد يوم عيد، ولا شك أن الحبشة لو اتخذوا المسجد ملعبا لمنعوا، ولم يرد ذلك على الندرة والقلة منكرا، وقد يحتج بعضهم بما رواه واثلة مرفوعا “جنبوا صبيانكم المساجد” وهو حديث لا يصح الاحتجاج به، لكونه ضعيفا يعارض الأحاديث الصحيحة الكثيرة المتقدمة، فيمكن للوالد أن يحمل طفله معه إلى المسجد في صلوات الجماعة، ويأمره بالمكوث هادئا، وعدم اتخاذه ملعبا أو التشويش على المصلين، ويمكن للأب أن يعطي ابنه شيئا يتلهى به، وإن حضور الطفل المسجد وشهوده الجماعات له فوائد ثقافية عديدة للطفل، منها بث المبادئ وتعاليم الإسلام في نفس الطفل منذ الصغر، فهو يشهد صلوات الجماعة، ويرى ما فيها من وقوف الناس جميعا جنبا إلى جنب يناجون الله تعالى، لا فرق بين غني وفقير، أو رفيع ووضيع، أو كبير وصغير، الكل أمام الله تعالى سواسية، كما أنه يتعلم الأخوة الإيمانية تعليما عمليا عن طريق حب المسلمين المصلين بعضهم لبعض، وأخوتهم الصادقة، وسؤالهم عن الغائب.
وعيادة من مرض، ومساعدة من يحتاج، فيدرس بطريق عملية قول رسول الله صلى الله عليه وسلم “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى” وهذا هو الأصل فى المسلمين، وقد يقول قائل إن المسجد اليوم ليس كما كان في السابق، والمسلمون اليوم يصلون ويذهب كل إلى حال سبيله، وليس فيهم من يسأل عن صاحبه، نقول نعم كثيرون هكذا، لكن هناك قلة لا زالت تحافظ على تلك الأمور، ولعلها مع التزامنا نحن بتلك المبادئ وغرسها في أطفالنا تصبح الكثرة إن شاء الله كذلك، والخير في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة، وإن تعود الطفل على ارتياد المسجد وألفته به، فإن لم يتعود الطفل على ارتياد المسجد منذ الصغر، سيكون من الصعوبة بمكان عليه تعوده في المستقبل في شبابه، وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله “ورجل قلبه معلق بالمساجد” فالرجل الذى يعتاد الذهاب إلى المسجد مشهود له بالإيمان.
وما أجمل أن يتعلق قلب الصبي وعقله بالمسجد والأذان، فحين يسمعه ما يلبث إلا أن يلبي داعي الله، وربما كان هذا سببا للأذان فى أذن المولود حين يولد، حتى يكون أول ما يسمعه الأذان حتى يطرد الشيطان عنه، وذلك لأن الشيطان إذا سمع الأذان ولى وله ضراط، وإن حضور الطفل دروس العلم فى المسجد وحلقات تحفيظ القرآن، وفى هذا ثقافة دينية للطفل، أيضا دخوله مكتبة المسجد وتزوده بما فيها من قصص للقرآن الكريم، وكتب للسيرة، والمغازى، والتاريخ الإسلامى، ونحوها، وينبغى أن تشمل مكتبة المسجد على كتب تناسب أعمار الطفل المختلفة، كما أن حضور الطفل خطبة الجمعة وهى الدرس الأسبوعى المفروض على المسلمين جميعا وشعور الطفل بوحدة المسلمين وتجمعهم وقوتهم، ووحدتهم، كل هذا يغرس في نفس الطفل الكثير من المبادئ التي يصعب عليه تعلمها نظريا لأنها أمور علمية، وإن تعود الطفل ارتياد المسجد سوف يدفعه إلى البعد عن أصدقاء السوء، والبعد عن مواطن الشبهات، وعن اقتراف المحرمات.
والبعد عن الانحراف بكل وسائله، ومصاحبة الأخيار والصالحين ومن ينفعه في الدنيا والدين، وبالنسبة للأب على وجه الخصوص، فإن لوجوده عظيم الأثر في حياة الطفل، ولا يقصد بكلمة وجوده أن يراه الطفل فقط دون أن يكون له أي دور فعّال في تنشئة وتقويم الطفل، ومعاقبته إذا لزم الأمر، ومن المعلوم أن حنان الأب يجنّب الطفل الشعور بالقلق والخوف، ويزيد من إحساسه بالثقة بالنفس وتقدير الذات، ويحدّ من شعوره بالعدائية، فمن خلال التوجيه الأبوى القائم على النصح والإرشاد وتقويم الأخطاء، يتكون الضمير والمثال الأعلى للطفل، أما إذا تعرض الطفل لغياب الأب بشكل دائم، فقد يحدث له إعاقة في النمو الفكرى والعقلي والجسمي، خصوصا إذا كان هذا الحرمان من الأبوة في السن التى تتراوح بين الثانية والسادسة، وذلك لأن تطور الطفل بشكل سوى وطبيعي يتطلب وجود الأب، فهو الحامي والراعي والمسؤول عن توفير الاحتياجات الضرورية للطفل فى هذه المرحلة المهمة من حياته.
ومع تطور وتسارع وتيرة الحياة المعاصرة، أصبح الآباء يأخذون دورا أكثر فاعلية في حياة أطفالهم على عكس الآباء في القدم، الذين لم يكونوا على صلة مباشرة بأبنائهم، ويضع الخبراء عشرة نصائح للآباء لبناء علاقة طيبة مع الأطفال، تؤثر في مستقبلهم، وهى احترم أم أطفالك، فيجب أن يحاول الأب بكل استطاعته حماية زواجه وصورة زواجه أمام أطفاله، وعليه تجنب الصراخ على الأم، فعندما يجد الأطفال أن الوالدين يحترمان بعضهما، ولا يتعاركان أو يتجادلان بطريقة مؤذية، فإنهم سيشعرون بأنهم مميزون وأن عائلتهم تقدرهم، وأن يقضى الأب وقتا مع الأطفال، فإن الطريقة التى يقضى فيها الأب وقته مع أطفاله مؤثرة جدا عليهم، فإذا كان الأب دائم الانشغال ولا يقضي الوقت مع أبنائه، فإنهم سيشعرون بأنهم مهملون، وعلى الأب التضحية قليلا في بعض وقته الخاص من أجل أطفاله، لأن الوقت الذى سيقضيه معهم ضرورى في بناء شخصياتهم، وأيضا أيها الأب اكسب حقك في أن تكون مسموعا.
فإن في غالبية الأحيان لا يتحدث الأب مع أطفاله، إلا عندما يرتكبون الأخطاء، وهذا الأمر لا يساعد فى تقويم سلوك الأطفال، لذا على الأب التحدث مع أطفاله وتخصيص وقت لذلك، والتحدث في الأمور الحرجة في وقت مبكر من الطفولة، والاستماع إلى مطالبهم ومشكلاتهم حتى تنكسر جميع الحواجز، ويصبح الأب الصديق الفعلى لأطفاله، الذى يعودون إليه في كل المسائل، إذن الواجب على الوالدين القيام بمهام التربية الإسلامية الصحيحة للأولاد، وألا يتخلوا عن هذه الأمانة العظيمة في أعناقهم، وألا يقفوا موقف الناظر فحسب، الذى يتألم على ما يرى دون أن يقدم يد العون لغيره، فإن الله تعالى نهانا عن الخيانة لله ولرسوله وللمؤمنين، والذي يضيع أمانة التربية لأسرته، والأخذ بأيديهم من الهلاك والانحراف، لا ريب أنه واقع فى هذه الخيانة العظمى، فإن على الأسرة المسلمة أن تقوم بغرس الدين وشعائره ومحبته في قلوب أبنائها وبناتها، وعليها أن تغرس حب العبادة والقرآن والذكر فيهم، كما تغرس فيهم قيم الإسلام وأخلاقه الفاضلة وآدابه.
التعليقات