ونكمل الجزء الثانى مع كالب بن يوفنا، وقد كان كالب هو أحد أفراد الجماعة التي أقامها نبى الله موسى عليه السلام، قبل الدخول إلى أرض كنعان، لتقسيم الأرض، وكان يمثل في ذلك العمل سبط يهوذا حسب العادة وكان عمره خمسة وثمانون سنة لما تم الاستيلاء على أرض كنعان وكان نصيبه من القسمة مدينة حبرون التي طرد منها العناقيين الذين كانوا يقيمون فيها وقد اشترك في الاستيلاء على البلدة المجاورة المدعوة قرية سفر أو دبير، وناحية جنوبي كالب، ويمكن أن تكون جنوبي حبرون أو جوار دبير، وقيل أنه لما توفي نبى الله موسى بن عمران عليه السلام بعث الله يوشع بن نون بن إفرائيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السلام نبيا إلى بني إسرائيل وأمره بالمسير إلى أريحا مدينة الجبارين، واختلف العلماء في فتحها على يد من كان فقال ابن عباس رضى الله عنهما إن موسى، وهارون توفيا في التيه، وتوفي فيه كل من دخله، وقد جاوز العشرين سنة، غير يوشع بن نون وكالب بن يوفنا، فلما انقضى أربعون سنة أوحى الله إلى يوشع بن نون فأمره بالمسير إليها وفتحها، ففتحها، وقال آخرون إن موسى عاش حتى خرج من التيه، وسار إلى مدينة الجبارين، وعلى مقدمته يوشع بن نون ففتحها، وهو قول ابن إسحاق، قال ابن إسحاق سار موسى بن عمران إلى أرض كنعان لقتال الجبارين، فقدم يوشع بن نون، وكالب بن يوفنا، وهو صهره على أخته مريم بنت عمران، فلما بلغوها اجتمع الجبارون إلى بلعم بن باعور، وهو من ولد لوط ، فقالوا له إن موسى قد جاء ليقتلنا ويخرجنا من ديارنا.
فادع الله عليهم وكان بلعم يعرف اسم الله الأعظم، فقال لهم كيف أدعو على نبي الله والمؤمنين، ومعهم الملائكة؟ فراجعوه في ذلك وهو يمتنع عليهم فأتوا امرأته وأهدوا لها هدية، فقبلتها، وطلبوا إليها أن تحسن لزوجها أن يدعو على بني إسرائيل ، فقالت له في ذلك، فامتنع، فلم يزل به حتى قال أستخير الله، فاستخار الله تعالى، فنهاه في المنام، فأخبرها بذلك، فقالت راجع ربك فعاود الاستخارة فلم يرد إليه جواب، فقالت لو أراد ربك لنهاك، ولم تزل تخدعه حتى أجابهم، فركب حمارا له متوجها إلى جبل مشرف على بني إسرائيل ليقف عليه ويدعو عليهم، فلما سار عليه إلا قليلا حتى ربض الحمار، فنزل عنه وضربه حتى قام فركبه فسار به قليلا فبرك، فعل ذلك ثلاث مرات، فلما اشتد ضربه في الثالثة أنطقه الله فقال له ويحك يا بلعم، أين تذهب ؟ أما ترى الملائكة تردني ؟ فلم يرجع، فأطلق الله الحمار حينئذ، فسار عليه حتى أشرف على بني إسرائيل، فكان كلما أراد أن يدعو عليهم ينصرف لسانه إلى الدعاء لهم، وإذا أراد أن يدعو لقومه انقلب دعاؤه عليهم، فقالوا له في ذلك، فقال هذا شيء غلبنا الله عليه، واندلع لسانه فوقع على صدره، فقال الآن قد ذهبت مني الدنيا والآخرة، ولم يبق غير المكر والحيلة، وأمرهم أن يزينوا نساءهم ويعطوهن السلع للبيع ويرسلوهن إلى العسكر، ولا تمنع امرأة نفسها ممن يريدها وقال إن زنى منهم رجل واحد كفيتموهم ففعلوا ذلك، ودخل النساء عسكر بني إسرائيل، فأخذ رمزى بن شلوم، وهو رأس سبط شمعون بن يعقوب امرأة وأتى بها موسى، فقال له أظنك تقول هذا حرام فوالله لا نطيعك.
ثم أدخلها خيمته فوقع عليها، فأنزل الله عليهم الطاعون، وكان فنحاص بن العزار بن هارون صاحب أمر عمه موسى غائبا، فلما جاء رأى الطاعون قد استقر في بني إسرائيل، وأخبر الخبر، وكان ذا قوة وبطش، فقصد رمزى فرآه وهو مضاجع المرأة، فطعنها بحربة في يده فانتظمها، ورفع الطاعون، وقد هلك في تلك الساعة عشرون ألفا، وقيل سبعون ألفا فأنزل الله في بلعم قوله تعالى “واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين” ثم إن موسى قدم يوشع إلى أريحا في بني إسرائيل فدخلها وقتل بها الجبارين ، وبقيت منهم بقية، وقد قاربت الشمس الغروب، فخشي أن يدركه الليل فيعجزوه، فدعا الله تعالى أن يحبس عليهم الشمس، ففعل وحبسها حتى استأصلهم، ودخلها موسى فأقام بها ما شاء الله أن يقيم، وقبضه الله إليه لا يعلم بقبره أحد من الخلق، وأما من زعم أن موسى كان قد توفي قبل ذلك فقال إن الله أمر يوشع بالمسير إلى مدينة الجبارين، فسار ببني إسرائيل، ففارقه رجل يقال له بلعم بن باعور، وكان يعرف الاسم الأعظم، فلما ظفر يوشع بالجبارين أدركه المساء ليلة السبت فدعا الله فرد الشمس عليه وزاد في النهار ساعة فهزم الجبارين ودخل مدينتهم، وجمع غنائمهم ليأخذها القربان ، فلم تأت النار، فقال يوشع فيكم غلول فبايعوني، فبايعوه، فلصقت يده في يد من غل، فأتاه برأس ثور من ذهب مكلل بالياقوت فجعله في القربان وجعل الرجل معه، فجاءت النار فأكلتهما، وقيل بل حصرها ستة أشهر، فلما كان السابع تقدموا إلى المدينة وصاحوا صيحة واحدة فسقط السور.
فدخلوها وهزموا الجبارين، وقتلوا فيهم فأكثروا ثم اجتمع جماعة من ملوك الشام، وقصدوا يوشع فقاتلهم، وهزمهم، وهرب الملوك إلى غار، فأمر بهم يوشع بن نون، فقتلوا، وصلبوا، ثم ملك الشام جميعه فصار لبني إسرائيل وفرق عماله فيه، ثم توفاه الله فاستخلف على بني إسرائيل كالب بن يوفنا، وكان عمر يوشع مائة وستا وعشرين سنة، وكان قيامه بالأمر بعد موسى سبعا وعشرين سنة، وأما من بقي من الجبارين فإن إفريقش بن قيس بن صيفي بن سبإ بن كعب بن زيد بن حمير بن سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان مر بهم متوجها إلى إفريقية فاحتملهم من سواحل الشام فقدم بهم إفريقية فافتتحها، وقتل ملكه جرجير، وأسكنهم إياها، فهم البرابرة، وأقام من حمير في البربر صنهاجة وكتامة، فهم فيهم إلى اليوم، ويوشع بن نون قد قسم الارض التى ملكها بين بنى اسرائيل وأعطى جبل المقدس لكالب بن يوفنا فسكن مدينة أورشليم وأقام مع بنى يهودا ووضع القبة التى فيها تابوت العهد والمذبح والمائدة والمنارة على الصخرة التى في بيت المقدس وأما بنو أفرايم فكانوا يأخذون الجزية من الكنعانيين ثم قبض يوشع وفي سفر الحكام انه قبض لثمان وعشرين سنة من ملكه وهو ابن مائة وعشرين سنة وقال الطبري ابن مائة وستة وعشرين سنة والاول أصح وقال وكان تدبير يوشع لبنى اسرائيل في زمن منوشهر عشرين سنة وفي زمن افراسياب سبع سنين وقال أيضا ان ملك اليمن شمر بن الاملوك من حمير كان لعهد موسى وبنى ظفار وأخرج منها العمالقة ويقال أيضا كان من عمال الفرس على اليمن.
وزعم هشام بن محمد الكلبى ان الفل من الكنعانيين بعد يوشع احتملهم يقش بن قيس بن صيفي من سواحل الشأم في غزاته إلى المغرب التى قتل فيها جرجيس الملك وانه أنزلهم بافريقية فمنهم البربر وترك معهم صنهاجة وكتامة من قبائل حمير، وقام بأمر بنى اسرائيل بعد يوشع كالب بن يوفنا بن حصرون بن بارص بن يهودا وقد مر نسبه وكان فنحاص بن العيزر بن هارون كوهنا يتولى أمر صلاتهم وقربانهم ثم تنبأ وتنبأ أبوه العيزر وكان كالب مضعفا فأقاما كذلك سبع عشرة سنة وقال الطبري كان مع كالب في تدبيرهم حزقيل بن يودى ويقال له ولد العجوز لانه ولد بعد أن كبرت أمه وعقمت، وعن وهب بن منبه قال ان حزقيل هذا دبرهم بعد كالب ولم يقع لهذا ذكر في سفر الحكام ثم بعد يوشع اجتمع بنو يهودا وبنو شمعون لحرب الكنعانيين فغلبوهم وقتلوهم وفتحوا أورشليم وقتلوا ملكها ثم فتحوا غزة وعسقلان وملكوا الجبل كله ولم يقتلوا الغور وأما سبط بنيامين فكان في قسمهم بلد اليونانيين في أرضهم وأخذوا منهم الخراج واختلطوا بهم وعبدوا آلهتهم فسلط الله عليهم ملك الجزيرة واسمه كوشان شقنائم ومعناه أظلم الظالمين ويقال انه ملك الارمن في الجزيرة ودمشق وملك حوران وصيدا وحران ويقال والبحرين ويقال انه من أروم، وقال الطبري أنه من نسل لوط فاستعبد بنى اسرائيل ثمان سنين بعد وفاة كالب بن يوفنا ثم ولى الحكم فيهم عثينئال ابن أخيه قناز ابن يوفنا فحاربهم كوشان هذا وأزال ملكته عن بنى اسرائيل ثم حاربه فقتله وكان له بعد ذلك حروب سائر أيامه مع بنى مؤاب.
وبنى عمون أسباط لوط ومع العماليق إلى أن هلك لاربعين سنة من دولته ثم عبد بنو اسرائيل الاوثان من بعده فسلط الله عليهم ملك بنى مؤاب واسمه عغلون فاستعبدهم ثمانى عشرة سنة ثم قام بتدبيرهم ايهوذ بن كارا من سبط أفرايم وقال ابن حزم من بنيامين، وإنه كان من أنبياء بني إسرائيل بعد نبى الله موسى عليه السلام ثم نتبعهم بذكر داود وسليمان عليهما السلام، حيث قال ابن جرير في تاريخه أنه لا خلاف بين أهل العلم بأخبار الماضين وأمور السالفين من أمتنا وغيرهم أن القائم بأمور بني إسرائيل بعد يوشع كان هو كالب بن يوفنا، ويعني أنه أحد أصحاب موسى عليه السلام، وهو زوج أخته مريم، وهو أحد الرجلين اللذين ممن يخافون الله وهما يوشع وكالب وهما القائلان لبني إسرائيل حين نكلوا عن الجهاد كما جاء فى سوة المائدة “أدخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين” وقال ابن جرير ثم من بعده كان القائم بأمور بني إسرائيل حزقيل بن بوذي، وهو الذي دعا الله فأحيا الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت، وفى قصة نبى الله حزقيل عليه السلام قال الله تعالى كما جاء فى سورة البقرة ” ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون” وقال محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه إن كالب بن يوفنا لما قبضه الله إليه بعد يوشع خلف في بني إسرائيل حزقيل بن بوذي وهو ابن العجوز، وهو الذي دعا للقوم الذين ذكرهم الله في كتابه.
وأنها كانت قرية يقال لها داوردان وقيل واسط ، وقع بها الطاعون، فخرج عامة أهلها، وبقيت طائفة، فهلك أكثر الباقين وبقي منهم بقية في المرض والبلاء فلما ارتفع الطاعون رجع الذين هربوا سالمين فقال من بقى من المرضى هؤلاء أحزم منا، لو صنعنا كما صنعوا لنجونا، ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن إلى أرض لا وباء فيها، فوقع الطاعون من قابل، فهرب عامة أهلها وهم بضعة وثلاثون ألفا حتى نزلوا واديا أفيح فلما نزلوا المكان الذين يبتغون فيه النجاة ناداهم ملك من أسفل الوادي، وآخر من أعلاه أن موتوا فماتوا جميعا وبليت أجسامهم، فمر بهم نبي يقال له حزقيل بن يوذي وهو ثالث خلفاء بني إسرائيل، بعد نبى الله موسى عليه والسلام وذلك أن القيم بعد موسى بأمر بني إسرائيل يوشع بن نون ثم كالب بن يوفنا، ثم حزقيل، وكان يقال له ابن العجوز لأنه أمه كانت عجوزا، فسألت الله الولد بعدما كبرت، وعقمت فوهبه الله لها، ولما مات نبى الله موسى خلف بعده في بني إسرائيل يوشع بن نون يقيم فيهم التوراة وأمر الله، حتى قبضه الله، ثم خلف فيهم كالب بن يوفنا حتى قبضه الله ثم حزقيل حتى قبضه الله، وهكذا فإن كالب بن يوفنا هو اسم عبري بمعني كلب وهو اسم سبط يهوذا، وإن كالب بن يوفنا هو الشخص الذي قيل عنه ست مرات في الكلمة إنه “اتبع الرب تماما” وكان واحدا من الجواسيس الاثني عشر الذين أرسلهم موسى نبى الله من قادش برنيع، في برية فاران، ليستكشفوا أرض كنعان وبينما أشاع عشرة من الجواسيس “مذمة الأرض” ومما أصاب الشعب بالإحباط عندما سمعوا أن “الشعب الساكن في الأرض معتز والمدن حصينة عظيمة جدا، فإن كالب ويشوع شجعا الشعب قائلين إننا نصعد ونمتلكها لأننا قادرون عليها “والرب معنا” .
التعليقات