ونكمل الجزء الثانى مع ليلة القدر، وإنه كما أن لكل مرض دواء، فكذلكم الذنوب، لكل ذنب ما يناسب تكفيره، ومن أعظم المكفرات إحياء ليلة القدر بالقيام بين يدي الملك العلام بمناجاته وحسن التبتل بين يديه، لا أن تأتي على المسلم وهو في غفلة معرض، فذلك من الحرمان والخسران المبين، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على إدراكها ويبين لأمته كيف يكون التحري، وذلك بالاعتكاف والقيام كما روى أبوسعيد الخدري رضي الله عنه قال اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر الأول من رمضان واعتكفنا معه، فأتاه جبريل، فقال إن الذى تطلب أمامك، فاعتكف العشر الأوسط، فاعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال إن الذي تطلب أمامك، فقام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا صبيحة عشرين من رمضان، فقال “من كان اعتكف مع النبي صلى الله عليه وسلم، فليرجع، فإني أريت ليلة القدر، وإنى نسيتها، وإنها في العشر الأواخر، في وتر، وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء” وكان سقف المسجد جريد النخل.
قال أبوسعيد وما نرى في السماء شيئا، فجاءت قزعة، أى بمعنى سحابة، فأمطرنا، فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهته وأرنبته تصديق رؤياه” وكان ذلك ليلة واحد وعشرين، وهو ميل الشافعي رحمه الله تعالى في تعيينها، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم أشد الناس بحثا عنها وتحريا لها، حتى أنهم تراءوها في منامهم، كما روى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أرى رؤياكم قد تواطأت فى السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر” فإن ليلة القدر هي أفضل الليالي، وقد أنزل الله فيها القرآن، وأخبر سبحانه أنها خير من ألف شهر، وأنها مباركة، وأنه يفرق فيها كل أمر حكيم، وقيامها يكون بالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن وغير ذلك من وجوه الخير، وقد دلت السورة العظيمة أن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر مما سواها.
وهذا فضل عظيم ورحمة من الله لعباده، فجدير بالمسلمين أن يعظموها وأن يحيوها بالعبادة، وقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم أنها في العشر الأواخر من رمضان، وأن أوتار العشر أرجى من غيرها، فقال صلى الله عليه وسلم “التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، التمسوها في كل وتر” وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذه الليلة متنقلة في العشر، وليست في ليلة معينة منها دائما، فقد تكون في ليلة إحدى وعشرين، وقد تكون في ليلة ثلاث وعشرين، وقد تكون في ليلة خمس وعشرين، وقد تكون في ليلة سبع وعشرين وهي أحرى الليالي، وقد تكون في تسع وعشرين، وقد تكون في الأشفاع، فمن قام ليالي العشر كلها إيمانا واحتسابا أدرك هذه الليلة بلا شك، وفاز بما وعد الله أهلها، وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يخص هذه الليالي بمزيد اجتهاد لا يفعله في العشرين الأول، فقالت السيدة عائشة رضي الله عنها، كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها”
وقالت رضى الله عنها ” كان إذا دخل العشر أحيا ليله وأيقظ أهله وجد وشدّ المئزر وكان يعتكف فيها عليه الصلاة والسلام غالبا، وقد قال الله تعالى فى سورة الأحزاب ” لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة” وسألته السيدة عائشة رضي الله عنها فقالت يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر فما أقول فيها، قال صلى الله عليه وسلم قولى اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنى” وقيل أن من علامات ليلة القدر تطلع الشمس صبيحتها لا شعاع لها فقال صلى الله عليه وسلم “صبيحة ليلة القدر تطلع الشمس لا شعاع لها كأنها طست حتى ترتفع” رواه مسلم، وقيل لكثرة نزول وصعود وحركة الملائكة فيها فتستر بأجنحتها وأجسامها اللطيفة ضوء الشمس وشعاعها وتكون ليلة القدر معتدلة لا حارة ولا باردة ، حيث قال صلى الله عليه وسلم “ليلة طلقة لا حارة ولا باردة تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة” وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال تذاكرنا ليلة القدر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال “أيكم يذكر حين طلع القمر وهو مثل شق جفنة”
وقال صلى الله عليه وسلم” إنها ليلة بلجة، أى منيرة مضيئة، لا حارة ولا باردة، لا يرمى فيها بنجم” وسألت السيدة عائشة رضي الله عنها فقالت يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر فما أقول فيها، قال صلى الله عليه وسلم قولى” اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنى” وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان السلف بعدهم، يعظمون هذه العشر ويجتهدون فيها بأنواع الخير، فالمشروع للمسلمين في كل مكان أن يتأسوا بنبيهم صلى الله عليه وسلم وبأصحابه الكرام وبسلف هذه الأمة الأخيار، فيحيوا هذه الليالى بالصلاة، وقراءة القرآن، وأنواع الذكر والعبادة، إيمانا واحتسابا، حتى يفوزوا بمغفرة الذنوب، وحط الأوزار، والعتق من النار، فضلا منه سبحانه وجودا وكرما، وقد دل الكتاب والسنة أن هذا الوعد العظيم مما يحصل باجتناب الكبائر، كما قال سبحانه وتعالى” إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر”
وكان أصحاب النبى الكريم صلى الله عليه وسلم وكان السلف بعدهم، يعظمون هذه العشر ويجتهدون فيها بأنواع الخير، فالمشروع للمسلمين في كل مكان أن يتأسوا بنبيهم صلى الله عليه وسلم وبأصحابه الكرام وبسلف هذه الأمة الأخيار، فيحيوا هذه الليالي بالصلاة، وقراءة القرآن، وأنواع الذكر والعبادة، إيمانا واحتسابا، حتى يفوزوا بمغفرة الذنوب، وحط الأوزار، والعتق من النار، وقد اختلف العلماء في تحديد توقيت ليلة القدر واتفقوا على أنها فى العشر الأواخر من رمضان، ويرجع اختلافهم في معرفة الموعد الصحيح لليلة القدر نظرا لتعدد الأحاديث الواردة في ذلك، وأخفى الله تعالى موعد ليلة القدر لكى يجتهد الناس في العبادة، فعلى المسلم أن يتحرى موعد ليلة القدر في الأيام الفردية الوترية من العشر الأواخر من رمضان، وكشف الإعجاز العددى في القرآن أن ليلة القدر في ليلة السابع والعشرين من رمضان وقال ذلك ابن عباس رضي الله عنهما أنه وفقا لما جاء فى كتاب الله والسنة النبوية الشريفة لا توجد ليلة محدد لليلة القدر.
وإنما الوارد والصحيح تحريها في الأيام الوتر من العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، لما جاء في حديث السيدة عائشة أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال “تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر” وقال ابن عباس رضي الله عنهما أن ليلة القدر توافق ليلة السابع والعشرين من رمضان، مؤكدا رأيه بالأدلة العددية التي وردت في سورة القدر، التي منها أن قوله تعالى ” سلام هى” فالضمير ” هى” هو الكلمة السابعة والعشرون من السورة، وكلمات سورة القدر ثلاثون كلمة، والسابعة والعشرون” سلام هى” ولكن أين قال ابن عباس هذا الكلام؟ فقد سأل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الصحابة رضي الله عنهم، والصحابة مختلفون في ليلة القدر متى هي؟ فكل واحد ذكر له شيئا فسأل ابن عباس وقال له لماذا لا تتكلم؟ فقال له إن أذنت لي يا أمير المؤمنين تكلمت، فأمره أن يتكلم، فقال السبع بناء على أي شيء قال ذلك ابن عباس؟ قال رأيت الله ذكر سبع سماوات، ومن الأرضين سبعا، وخلق الإنسان من سبع، وبرز نبات الأرض من سبع.
٠ تعليق
التعليقات