الجمعة - الموافق 18 أكتوبر 2024م

فى طريق الهدايه ومع موقعة دير الجماجم ( الجزء الثانى ) إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثانى مع موقعة دير الجماجم، وقد توقفنا مع مدينة البصره بالعراق ومدينة البصرة واحدة من أكثر المدن حرارة في العالم، حيث تتجاوز درجة حرارتها في الصيف إلى خمسه وأربعين درجه مؤيه، وتشترك مدينة البصرة بحدود دولية مع كل من السعودية والكويت جنوبا وإيران شرقا، والحدود المحلية لمحافظة البصرة تشترك مع كل من محافظة ذي قار وميسان شمالا، والمثنى غربا، وتزخر البصرة حاليا فى ذلك العصر بحقول النفط الغنية ومنها حقل الرميلة وحقول الشعيبة وحقل غرب القرنة وحقول مجنون ونهران عمر، وبحكم موقعها حيث تقع في سهول وادي الرافدين الخصيبة، فإنها تعتبر من المراكز الرئيسية لزراعة نخيل التمر بشكل رئيسي والأرز، الشعير، والقمح، والدخن بشكل ثانوي.
كما تشتهر بتربية قطعان الماشية، وهى تقع على أرض اما سهلية رسوبية أو صحراوية، وأما عن الكوفه فهي إحدى مدن العراق، وتقع على بعد مائه وسبعون كيلو متر من العاصمة بغداد، وهى شمال شرق النجف، وتقع الكوفة على ضفتي نهر الفرات، وتشكل الكوفة والنجف منطقة حضرية واحدة تعرف بمنطقة النجف، وتشكل مع سامراء، كربلاء، الكاظمية والنجف العراقية الخمسة المقدسة لدى الشيعة، وقد كانت الكوفة عاصمة الخليفة علي بن أبي طالب، رابع الخلفاء الراشدين، وأسسها ثاني الخلفا الراشدين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فى العام السابع عشر هجريا وأما عن أطراف الواقعه فالطرف الأول فهو الحجاج بن يوسف وهو أبو محمد الحجاج بن يوسف الثقفي، وهوقائد في العهد الأموي.
وقد ولد ونَشأَ في الطائف وانتقل إلى الشام فلحق بروح بن زنباع نائب عبد الملك بن مروان فكان في عديد شرطته، ثم ما زال يظهر حتى قَلده عبد الملك بن مروان أمر عسكره، وقد أمره عبد الملك بن مروان بقتال عبد الله بن الزبير، فزحف إلى الحجاز بجيش كبير وقتل عبد الله وفرَّق جموعه، فولاَّه عبد الملك مكة والمدينة والطائف، ثم أضاف إليها العراق والثورة قائمة فيه، فانصرف إلى الكوفة في ثمانية أو تسعة رجال على النجائب، فقمع الثورة وثبتت له الإمارة عشرين سنة، وقد بنى مدينة واسط ومات بها، وأجري على قبره الماء، فاندرس، وكان سفاكا سفاحا مرعبا باتفاق معظم المؤرخين وقد عُرف بـالمبير أي المُبيد، وأما عن الطرف الثانى فهوعبد الرحمن بن الأشعث وهو عبد الرحمن بن محمد الكندي وقد كان قائدا عسكريا أمويا.
وهو من أهل الكوفة وأشرافها وصاحب أعنف الثورات ضد الدولة الأموية، وقد بدأ عبد الرحمن كأي قائد عسكري حليف لبني أمية وضم عددا كبيرا من البلدان لصالح الدولة الأموية ولم تكن أسباب خروجه دينية على الإطلاق، وقد ولد عبد الرحمن في الكوفة في بيت من أشرافها فأبوه محمد بن الأشعث، وهو أحد وجوه كندة وكانت أمه هى السيده أم عمران بنت سعيد بن قيس الهمداني، وقد ولد مترفا غنيا فكان لذلك أثر على شخصيته إذ وصفته عدد من كتب التراث بالغرور والأبهة والاعتداد بالذات، وكان والده هو قاتل مسلم بن عقيل وهو الذى اشترك أيضا في قتال المختار الثقفي وكان الحجاج بن يوسف الثقفي واليا في العراق ورغم تبعيته لأمير المؤمنين عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي في ذلك الوقت.
ولكنه كان يتصرف في العراق كحاكم مستقل تمام الاستقلال، وكان أحد القواد والشخصيات المهمة في العراق على زمن الحجاج هو عبد الرحمن بن الأشعث الكندي، وقد وجهه الحجاج بن يوسف وكلفه بعدة مهام منه محاربة شبيب الشيباني الوائلي من بكر بن وائل الخارجي، وولاه كذلك امارة بلاد مايعرف بسجستان، وهي شمال شرق العراق اليوم، وكان ابن الاشعث من القواد البارزين والزاهدين المتدينين، وكان بسبب خلاف بينه وبين الحجاج خرج عليه واعلن عصيانه سنة اثنين وثمانين من الهجره، والتف اليه اهل العراق الراغبين بالتخلص من استبداد الحجاج بن يوسف، الا ان الحجاج وبعد سلسلة من المعارك الضارية هزم ابن الأشعث وقتله سنة ثلاثه وثمانين من الهجره، وقتل معه من أهل العراق البارزين.
الشاعر عمران بن عصام العنزي والذي كان من اشد المخلصين لبني امية الا انه كان يكره الحجاج بن يوسف الثقفى، وأما عن عبد الملك بن مروان التى كانت الواقعه فى عهده وفى خلافته فهو عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس ابن عبد مناف بن قصي بن كلاب أبو الوليد، وهو أحد أهم خلفاء الأمويين وقد تولى الخلافة بعد أبيه مروان بن الحكم، في السادس والعشرين من رمضان سنة خمسه وستين من الهجره، وكان عابدا زاهدا ناسكا بالمدينة المنوره قبل الخلافة، وأما عن عمران العنزى الذى قتله الحاج بن يوسف مع بن الأشعث، فهو عمران بن عصام الهيمي العنزي من بني هيم من عنزة من ربيعة وهو من أهل مدينة واسط، وقد كان الحجاج بن يوسف كتب إلى عبد الملك بن مروان.
يزين له ولاية الوليد من بعده، وأوفد إليه وفدا في ذلك، وكان عليهم عمران بن عصام العنزي، فلما دخلوا عليه قام عمران خطيبا فتكلم، وتكلم الوفد في ذلك، وحثوا عبد الملك بن مروان على ذلك، وكانت وقعة دير الجماجم في شهر شعبان فى عام ثلاثه وثمانين من الهجره النبويه الشريفه، كما قال الواقدى، وفى ذلك قيل أن ابن الأشعث لما قصد الكوفة خرج إليه أهلها، فتلقوه، وحفوا به، ودخلوا بين يديه، غير أن شرذمة قليلة أرادت أن تقاتله دون مطر بن ناجية، وهو نائب الحجاج بن يوسف، فلم يمكنهم من ذلك، فعدلوا إلى القصر، فلما وصل ابن الأشعث إلى الكوفة أمر بالسلاليم فنصبت على قصر الإمارة ، فأخذه، واستنزل مطر بن ناجية، وأراد قتله، فقال له : استبقني، فإني خير من فرسانك، فحبسه، ثم استدعاه فأطلقه وبايعه.
واستوثق لابن الأشعث أمر الكوفة، وانضم إليه من جاء من أهل البصرة، وكان ممن قدم عليه عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن عبد المطلب، وأمر بالمسالح من كل جانب، وحفظت الثغور والطرق والمسالك، ثم إن الحجاج بن يوسف ركب فيمن معه من الجيوش الشامية من البصرة في البر، حتى مر بين القادسية والعذيب، وبعث إليه ابن الأشعث عبد الرحمن بن العباس في خيل عظيمة من المصرين، فمنعوا الحجاج بن يوسف، من نزول القادسية، فسار الحجاج حتى نزل دير قرة، وجاء ابن الأشعث بمن معه من الجيوش البصرية والكوفية حتى نزل دير الجماجم، ومعه جنود كثيرة، وفيهم القراء من المصرين، وخلق من الصالحين، وكان الحجاج بعد ذلك يقول ” قاتل الله ابن الأشعث ، أما كان يزجر الطير حيث رآني قد نزلت دير قرة.
ونزل هو بدير الجماجم” وكان جملة من اجتمع مع ابن الأشعث مائة ألف مقاتل، ممن يأخذ العطاء، ومعهم مثلهم من مواليهم، وقدم على الحجاج في غبون ذلك أمداد كثيرة من الشام، وخندق كل من الطائفتين على نفسه وحول جيشه خندقا، يمتنع به من الوصول إليهم، غير أن الناس كان يبرز بعضهم لبعض في كل يوم فيقتتلون قتالا شديدا في كل يوم، حتى أصيب من رءوس الناس خلق من قريش وغيرهم، واستمر هذا الحال مدة طويلة، واجتمع الأمراء من أهل المشورة عند عبد الملك بن مروان، فقالوا له إن كان أهل العراق يرضيهم منك أن تعزل عنهم الحجاج بن يوسف، فهو أيسر من قتالهم وسفك دمائهم ، فاستحضر عبد الملك بن مروان، عند ذلك أخاه محمد بن مروان، وابنه عبد الله بن عبد الملك بن مروان.
ومعهما جنود كثيرة جدا، وكتب معهما كتابا إلى أهل العراق يقول لهم ” إن كان يرضيكم مني عزل الحجاج عنكم عزلته، وأبقيت عليكم أعطياتكم مثل أهل الشام، وليختر ابن الأشعث أي بلد شاء يكون عليه أميرا ما عاش وعشت، وتكون إمرة العراق لمحمد بن مروان، وقال في عهده هذا ” فإن لم يجب أهل العراق إلى ذلك فالحجاج بن يوسف، على ما هو عليه، وإليه إمرة الحرب، ومحمد بن مروان وعبد الله بن عبد الملك في طاعته وتحت أمره، لا يخرجون، عن رأيه في الحرب وغيره، ولما بلغ الحجاج ما كتب به عبد الملك إلى أهل العراق من عزله إن رضوا به، فقد شق عليه ذلك مشقة عظيمة جدا، وعظم شأن هذا الرأي عنده، وكتب إلى عبد الملك ” يا أمير المؤمنين، والله لئن أعطيت أهل العراق نزعي عنهم.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك