ونكمل الجزء الثانى مع نبى الله ذو الكفل عليه السلام، وقد توقف شيخ المفسرين الطبري في هذا الأمر، فلم يقطع بنبوة ذي الكفل، ولم يقطع بكونه غير نبي، وقد استدل الرازي على كون ذي الكفل نبيا بأدلة ثلاثة، وهي أن ذا الكفل يحتمل أن يكون لقبا، وأن يكون اسما، والأقرب أن يكون مفيدا، لأن الاسم إذا أمكن حمله على ما يفيد، فهو أولى من اللقب إذا ثبت هذا، فيقال الكفل، وهو النصيب، حيث قال الله تعالى كما جاء فى سورة الحديد ” يؤتكم كفلين من رحمته” والظاهر أن الله تعالى إنما سماه بذلك على سبيل التعظيم، فوجب أن يكون ذلك الكفل، هو كفل الثواب، فهو إنما سمي بذلك، لأن عمله وثواب عمله، كان ضعف عمل غيره، وضعف ثواب غيره، ولقد كان في زمنه أنبياء، ومن ليس بنبي لا يكون أفضل من الأنبياء، وأن الله سبحانه وتعالى قرن ذكره بذكر إسماعيل وإدريس، والغرض هو ذكر الفضلاء من عباده ليتأسى بهم، وذلك يدل على نبوته، وأن السورة ملقبة بسورة الأنبياء، فكل من ذكره الله تعالى فيها فهو نبي، ولم يتعرض القرآن الكريم لقصة هذا النبي الكريم من قريب أو بعيد، بل غاية ما فعل أن ذكره ضمن عدد من الأنبياء، وصفهم بالصابرين والأخيار، ومن قصة ذي الكفل فيما ورد عن بعض الروايات، أن إبليس جعل يقول للشياطين عليكم بفلان، فأعياهم ذلك، فقال دعوني وإياه فأتاه في صورة شيخ كبير فقير، وأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة، وكان لا ينام الليل والنهار، إلا تلك النومة فدق الباب، فقال ذو الكفل من هذا؟
قال شيخ كبير مظلوم، فقام ذو الكفل ففتح الباب، فبدأ الشيخ يحدّثه عن خصومة بينه وبين قومه، وما فعلوه به، وكيف ظلموه، وأخذ يطول في الحديث حتى حضر موعد مجلس ذو الكفل بين الناس، وذهبت القائلة، فقال ذو الكفل إذا رحت للمجلس فإنني آخذ لك بحقّك، فخرج الشيخ وخرج ذو الكفل لمجلسه دون أن ينام، لكن الشيخ لم يحضر للمجلس، وانفض المجلس دون أن يحضر الشيخ، وعقد المجلس في اليوم التالي، لكن الشيخ لم يحضر أيضا، ولما رجع ذو الكفل لمنزله عند القائلة ليضطجع أتاه الشيخ فدق الباب، فقال من هذا؟ فقال الشيخ الكبير المظلوم، ففتح له فقال ألم أقل لك إذا قعدت فاتني؟ فقال الشيخ إنهم اخبث قوم إذا عرفوا أنك قاعد قالوا لي نحن نعطيك حقك، وإذا قمت جحدوني، فقال ذو الكفل انطلق الآن فإذا رحت مجلسي فأتني، ففاتته القائلة، فراح مجلسه وانتظر الشيخ فلا يراه وشق عليه النعاس، فقال لبعض أهله لا تدعن أحداً يقرب هذا الباب حتى أنام، فإني قد شق عليّ النوم، فقدم الشيخ، فمنعوه من الدخول، فقال قد أتيته أمس، فذكرت لذي الكفل أمري، فقالوا لا والله لقد أمرنا أن لا ندع أحدا يقربه، فقام الشيخ وتسوّر الحائط ودخل البيت ودق الباب من الداخل، فاستيقظ ذو الكفل، وقال لأهله ألم آمركم ألا يدخل علي أحد؟ فقالوا لم ندع أحدا يقترب، فانظر من أين دخل، فقام ذو الكفل إلى الباب فإذا هو مغلق كما أغلقه؟ وإذا الرجل معه في البيت، فعرفه فقال أعدُوّ الله؟ قال نعم أعييتني في كل شيء ففعلت كل ما ترى لأغضبك.
ويعتقد العديد من الباحثين والمؤرخين أن ذو الكفل هو نفسه حزقيال لدى اليهود ويعد حزقيال نبيا لدى اليهود أيضا وقد ورد ذكره في سفر نبوة حزقيال في العهد القديم ووفقا لبعض روايات اليهود أنه قد قدم للعراق خلال السبي البابلي ويرى بعض العلماء أنه رجل من الصالحين وقد رجح ابن كثير نبوته لأن الله عز وجل قرنه مع الأنبياء كما في سورة الأنبياء، وكما ذكر أنه بعث لأهل دمشق، وقال أهل التاريخ ذو الكفل هو ابن أيوب ونسبه هو نسب أيوب واسمه في الأصل حزقيل وقد بعثه الله بعد أيوب إلى أهل دمشق وما حولها وسماه ذا الكفل لأنه تكفل ببعض الطاعات فوفى بها، وقيل أنه كان ذو الكفل يصلي كل يوم مائة صلاة، وقيل إنه تكفل لبني قومه أن يقضي بينهم بالعدل ويكفيهم أمرهم ففعل فسمي بذي الكفل وقال ابن كثير فالظاهر من ذكره في القرآن بالثناء عليه مقرونا مع هؤلاء السادة الأنبياء أنه نبي عليه السلام وهذا هو المشهور، وإن القرآن الكريم لم يزد على ذكر اسمه في عداد الأنبياء أما دعوته ورسالته والقوم الذين أرسل إليهم فلم يتعرض لشيء من ذلك لا بالإجمال ولا بالتفصيل، وبحسب موسوعة “المسالك” الثقافية، اختلف في اسمه فقيل بشر ابن أيوب عليه السلام وقد بعثه الله تعالى نبيا بعد أبيه وسماه ذا الكفل وأمره سبحانه بالدعاء إلى توحيده، وكان مقيما بالشام عمره ومات وهو ابن خمس وسبعين سنة وأوصى إلى ابنه عبدان وأخرج ذلك الحاكم عن وهب، وقيل هو إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون أخي موسى بن عمران عليهم السلام.
وصنيع بعضهم يشعر باختياره، وقيل يوشع بن نون، وقيل اسمه ذو الكفل، وقيل هو نبى الله زكريا وقد حكى كل ذلك الكرماني في العجائب، وقيل هو اليسع بن أخطوب بن العجوز، وزعمت اليهود أنه حزقيال وجاءته النبوة وهو في وسط سبي بختنصر على نهر خوبار، وكذلك يعتقد العديد من الباحثين والمؤرخين أن ذو الكفل هو نفسه لدى اليهود ويعد حزقيال نبيا لدى اليهود أيضا وقد ورد ذكره في سفر نبوة حزقيال في العهد القديم ووفقا لبعض روايات اليهود أنه قد قدم للعراق خلال السبي البابلي، ويرى بعض العلماء انه رجل من الصالحين وقد رجح ابن كثير نبوته لان الله عز وجل قرنه مع الأنبياء كما في سورة اللأنبياء، ويذكر أن له قبرا كان يزوره اليهود والمسلمون في المنطقة حيث يعتقد اليهود أن هذا القبر هو قبر النبي حزقيال وكما ذكر انه بعث لاهل دمشق، وكما أن الكثير من المؤرخين لم يوردوا عنه إلا النزر اليسير، وقيل أنه يوجد قبر بمدينة دزفول في الجنوب الغربي لإيران يسمونه بقبر حزقيل ويعتقد أهلها أنها لذي الكفل وأنه أبو دانيال النبي عليهما السلام، فوجود قبر دانيال النبي فی مدينة شوش على بعد ثلاثين کيلومترا جنوب دزفول يقوي احتمال صحة هذه الادعاءات، وقيل أن مقامه في الشام وأهل دمشق يتناقلون أن له قبرا في جبل هناك يشرف على دمشق يقال له جبل قاسيون، وقيل بل في بلدة الكفل في العراق، وقيل أنه في فلسطين في بلدة كفل حارس، ويعتقد أن ذو الكفل عاش خمسه وسبعون عاما وأنه دُفن في العراق.
ولكن قيل أن القبر المنسوب إلى ذي الكفل ببلاد العراق بحسب عدد من المصادر، فهذا لا يعلم له أصل صحيح، ولا ذكر أحد من أهل العلم له أصلا، ولا سندا وإنما ذلك كله من عمل الجهلة الذين يفتنون بأصحاب القبور، ويتوسلون بهم إلى ربهم، وربما عبدوهم من دون الله، فيسألونهم ويستغيثون بهم وينذرون لهم، ويعرف النبي بأنه من بعثَه الله إلى قوم كانوا قد آمنوا بشريعة جاء بها رسول قَبله، فيوحى له أن يبلغ شريعة من جاء قبله، فلا يأتي بكتاب سماوى جديد، ولا بشريعة جديدة، بل يأتي لإقرار أحكام شريعة من قَبله، وتأكيدها، فيصحح ما اختل منها، بِأن يدعوهم لإبطال البدع فيها، وبيان الأخطاء التي انتشرت بينهم، وتصحيحها، وتذكيرهم بالأحكام التي نسوا تطبيقها، والحكم بينهم فيما أمر الله تعالى، وعليه فالأنبياء عليهم السلام، يوحى لهم من الله تعالى، فيما يفعلونه ويأمرون الناس به، لكنهم لا يبعثون في أقوام لم تأتيهم رسالة سابقة، ولكن فى أقوام بلغتهم رسالة الله تعالى، وآمنوا بها، وقال الثعلبي في كتاب العرائس وقال بعضهم ذو الكفل بشر بن أيوب الصابر، بعثه اٌلله بعد أبيه رسولا إلى أرض الروم، فآمنوا به وصدقوه واتبعوه، ثم إن الله تعالى أمره وأمرهم بالجهاد فكاعوا أى فكفوا عن ذلك وضعفوا، وقالوا يا بشر إنا قوم نحب الحياة ونكره الموت، ومع ذلك نكره أن نعصي الله ورسوله، فإن سألت الله تعالى أن يطيل أعمارنا ولا يميتنا إلا إذا شئنا لنعبده ونجاهد أعداءه، فقال لهم بشر بن أيوب لقد سألتموني عظيما وكلفتموني شططا، ثم إنه قام وصلى ودعا الله عز وجل.
فقال” إلهي أمرتني أن نجاهد أعداءك وأنت تعلم أني لا أملك إلا نفسي، وإن قومي قد سألوني ما أنت أعلم به مني، فلا تؤاخذنى بجريرة غيري، فإني أعوذ برضاك مِن سخطك، وبعفوك من عقوبتك قال وأوحى الله تعالى إليه يا بشر إني سمعت مقالة قومك، وإني قد أعطيتهم ما سألوني، فطولت أعمارهم فلا يموتون إلا إذا شاؤوا، فكن كفيلا لهم مني بذلك، فبلغهم بشر رسالة الله فسمي ذا الكفل، ثم إنهم توالدوا وكثروا ونموا حتى ضاقت بهم بلادهم، وتنغصت عليهم معيشتهم، وتأذوا بكثرتهم، فسألوا بشرا أن يدعو الله تعالى أن يردهم إلى آجالهم، فأوحى الله تعالى إلى بشر أما علم قومك إن اختياري لهم خير من اختيارهم لأنفسهم؟ ثم ردهم إلى أعمارهم فماتوا بآجالهم، قال فلذلِك كثرت الروم حتى يقال إن الدنيا خمسة أسداسها الروم، وسموا روما لأنهم نسبوا إلى جدهم روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام، قال وهب وكان بشر بن أيوب مقيما بالشام عمره حتى مات، وكان عمره خمسا وتسعين سنة، ولكن قيل أن نهاية الخبر لا يلائم ما تقدم مما أعطاهم الله من طول العمر حتى ضاقت عليهم الأرض من كثرة الأولاد، وقال السيد بن طاوس في سعد السعود، قيل إنه تكفل لله تعالى عز وجل أن لا يغضبه قومه فسمي ذا الكفل، وقيل تكفل لنبي من الأنبياء أن لا يغضب فاجتهد إبليس أن يغضبه بكل طريق فلم يقدر فسمي ذا الكفل لوفائه لنبي زمانه أنه لا يغضب.
وروى المفسرون عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال “إن نبيا من أنبياء بني إسرائيل، آتاه الله الملك والنبوة، ثم أوحى الله إليه أني أريد قبض روحك، فاعرض ملكك على بني إسرائيل، فمن تكفل لك أنه يصلي بالليل حتى يصبح، ويصوم بالنهار فلا يفطر، ويقضي بين الناس فلا يغضب، فادفع ملكك إليه، فقام ذلك النبي في بني إسرائيل وأخبرهم بذلك، فقام شاب، وقال أنا أتكفل لك بهذا فقال في القوم من هو أكبر منك فاقعد، ثم صاح الثانية والثالثة، فقام الرجل، وقال أتكفل لك بهذه الثلاث، فدفع إليه ملكه، ووفى بما ضمن فحسده إبليس، فأتاه وقت القيلولة، فقال إن لي غريما قد مطلني حقي، وقد دعوته إليك فأبى، فأرسل معي من يأتيك به، فأرسل معه، وقعد حتى فاتته القيلولة، ودعا إلى صلاته، وصلى ليله إلى الصباح، ثم أتاه من الغد عند القيلولة، فقال إن الرجل الذي استأذنتك له في موضع كذا، فلا تبرح حتى آتيك به، فذهب وبقي منتظرا حتى فاتته القيلولة، ثم أتاه، فقال له هرب مني، فمضى ذو الكفل إلى صلاته، فصلى ليلته حتى أصبح، فأتاه إبليس وعرفه نفسه، وقال له حسدتك على عصمة الله إياك، فأردت أن أخرجك حتى لا تفي بما تكفلت به، فشكره الله تعالى على ذلك ونبأه، فسمي ذا الكفل” وروي نحو هذا الخبر عن مجاهد، وقد روى خبر ابن عباس رضي الله عنهما ابن كثير، ولم يعقب عليه، وهو ما يدل على قبوله له، وروى القرطبي عن كعب خبرا آخر، ليس ببعيد عما جاء في خبر ابن عباس رضى الله عنهما.
التعليقات