ونكمل الجزء الثالث عشر مع لله على الناس حج البيت، وعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” جاءني جبريل فقال مُر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعار الحجّ” رواه ابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان، وعن بريدة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف” رواه أحمد، وعن جابر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” لا يحلّ لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح” رواه مسلم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من حج هذا البيت, فلم يرفث ولم يفسق, خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه” وقال صلى الله عليه وسلم ” والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة” وقال صلى الله عليه وسلم” تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب, كما ينفي الكير خبث الحديد, والذهب والفضة”
والحجاج والعمار وفد الله إن سألوه أعطاهم, وإن دعوه أجابهم, وإن استغفروه غفر لهم، فيا لها من وفادة عظيمة على ملك الملوك, وأكرم الأكرمين، وعلى من عنده ثواب الدنيا والآخرة, وجميع مطالب السائلين، ليست وفادة على أحد من المخلوقين الفقراء المساكين، وإنما هي وفادة على بيته الذي جعله مثابة للناس, وهدى ورحمة للعالمين، فقد غنم الوافدون فيها منافع الدنيا والدين، غنموا تكميل إيمانهم, وتتميم إسلامهم، ومغفرة ذنوبهم, وستر عيوبهم, وحط آثامهم، وغنموا الفوز برضى ربهم, ونيل رحمته وثوابه، والسلامة من سخطه وعقوبته وعذابه، فقد وعدوا الثواب على المشقات, وما ينالهم من الصعوبات، ووعدوا إخلاف ما أنفقوا, ومضاعفته, ورفعة الدرجات، ووعدوا بالغنى, ونفي الفقر, وغفران الذنوب, وصلاح الأحوال, وحصول كل مطلوب ومرغوب، والسلامة من كل سوء, ومكروه ومرهوب.
فيا لها من وفادة تشتمل على تلك المواقف العظيمة، والمشاعر الفاضلة الكريمة، وفادة أهلها في مغنم عظيم في كل أحوالهم، وتنوع في طاعة المولى في جميع أعمالهم، إذا أنفقوا ضوعف أجرهم بغير حساب، أو نالهم نصب ومشقة, فذلك يهون في طاعة الملك الوهاب، أو تنقلوا في مناسكهم ومواقفهم, نالوا به الخير والثواب، فهم في كرم الكريم يتمنون, وفي خيره وبره المتواصل يرتعون، فإذا فرح الوافدون على الملوك بالعطايا الدنية الفانية، فقد اغتبط هؤلاء الأخيار بالعطايا الجزيلة الباقية، وإذا سارع المترفون إلى المصيف, والنزهة في البلاد النائية, مع كثرة النفقات، تسابق هؤلاء الصفوة إلى المواقف الكريمة, التي وعد أهلها بالخيرات الكثيرة والبركات، فهل يستوي من قدم أغراضه الدنيّة, واتبع هواه، مع من ترك محبوباته, وسارع لرضى مولاه؟ فقال تعالى فى سورة الزمر ” قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب”
وتقوى الله عز وجل أن يعمل بطاعة الله، على نور من الله، رجاء ثواب الله، وأن يترك معصية الله، على نور من الله، يخاف عقاب الله بهذا يحقق العبد تقوى الله عز وجلّ وينال بذلك عظيم موعود الله، وجزيل ثوابه الذي أعده للمتقين في الدنيا والآخرة، فإن هذه الوفود المباركة جاءت قاصدة بيت الله الحرام، بعد أن تكبد هؤلاء المشاق العظيمة، والمتاعب الكبيرة، وواجهوا مشاقا كثيرة من جمع المال، والتهيؤ للسفر، والتغرب عن الأوطان، وترك الأولاد والديار إلى غير ذلك، فإن الحج، هذه الطاعةُ العظيمة التي يتوافد الناس لأدائها، عبادة جليلة من أجلّ العبادات وأعظمها، جاء في فضلها وبيان عظم شأنها، وكثرة فوائدها في الدنيا والآخرة، نصوص كثيرة في كتاب الله عز وجل وسنة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم”الحج يهدم ما كان قبله”
وفي الحديث الآخر يقول عليه الصلاة والسلام “الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة” ويقول صلى الله عليه وسلم “مَن حجّ البيت ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه” فإن هذا الحج طاعة عظيمة، فيها من الفوائد الكبار، والمنافع الغزار، والعوائد الحميدة التي يجنيها حجاج بيت الله، فيها من الفوائد مالا يعد ولا يحصى، فالخليل إبراهيم عليه السلام أذن في الناس بالحج ليشهدوا تلك المنافع، وفي هذا إشارة إلى أن الحج فيه من الفوائد العظيمة، والمنافع الكبيرة، والعوائد الجمّة على حجاج بيت الله الحرام، مالا يُحاط به ولا يحصى، وإن من الدروس العظيمة التي يتلقاها حجاج بيت الله الحرام من خلال أدائهم لهذه الطاعة، وبدءا من وصولهم إلى الميقات، وانتهاء بطواف سبعة أشواط ببيت الله الحرام توديعا للبيت، من خلال هذه الأعمال يمرون على فوائد عظيمة، ومنافع جمة لا يحاط بها ولا يحصى.
التعليقات