قليلون يحملون هم الوطن وللأسف ليسوا من رجال السلطة ولا يمكنهم اتخاذ القرارات ولكنهم يصرخون هنا وهناك بأعلى الصوت منبهين ومحذرين ومنهم الدكتور احمد زاهر – أخصائي تحاليل الأنسجة والأورام وعضو رابطة أطباء الباثولوجيا
الاكلينيكة – الذي بادرني بالقول هل تعلم أن القانون المنظم لمعامل التحاليل الطبية فى مصر حاليا يسمح لخريج كلية الزراعة أن يفتح معمل تحاليل طبية ويقوم بإجراء التحاليل الطبية للبشر بهدف تشخيص الأمراض – وقبل ان اظهر تشككي في صحة هذه المعلومة – قال لي ” عليك الرجوع إلى القانون رقم 367 لسنة 1954 وقراءة المادة 3 حتى تقطع الشك باليقين “. وواصل : لك أن تتخيل ما هي العواقب التي تترتب على أن يكون المدير الفني لمعمل تحاليل طبية خريج كلية الزراعة، وقد حكي لي احد الأشخاص موقف حدث لوالدته المصابة بمرض السكر و التي تعالج بحقن الأنسولين، حيث ذهبت لمعمل تحاليل فتح حديثا في الشارع الذي تقيم فيه لإجراء تحليل سكر للاطمئنان على مستوى السكر وعلى أن جرعة الأنسولين مناسبة وقد اخبرها الشخص الموجود فى المعمل بأنه يجب أن تأتى للمعمل لسحب العينة بدون اخذ الأنسولين ،وبالفعل ذهبت له فى اليوم التالي لإجراء التحليل بدون اخذ الأنسولين وبالتالي أظهرت نتيجة التحليل ارتفاع شديد في مستوى السكر، وعلى هذا الأساس قرر طبيب الأمراض الباطنة المتابع لحالتها زيادة جرعة الأنسولين مما أدى إلى إصابتها بغيبوبة نقص السكر في الدم، وكادت ان تفقد المريضة حياتها بسبب جهل هذا الشخص ، ويواصل الدكتور أحمد ..كلمة جهل لا اقصد بها أي إساءة أو اهانه لأنه بالفعل خريج كلية الزراعة جاهل بالطب وجاهل بالأمراض التي تصيب الإنسان وجاهل بالمعلومات الإكلينيكية التي يدرسها الأطباء في كلية الطب والتي يحتاجها طبيب المعمل وهذا الجهل بهذه الأمور لا يعيب خريج كلية الزراعة ، وكذلك عندما نصف طبيب بأنه جاهل بالأمراض التي تصيب النبات فهذا ليس فيه اى إساءة أو اهانه للطبيب. وتساءل : ما الذي دفع المشرع إلى هذا عند صياغة القانون سنة 1954؟ وأجاب : – بحثت في هذا الأمر واكتشفت أن السبب هو رغبة ثورة يوليو فى تمصير الكثير من المهن ،وكانت معامل التحاليل الطبية فى هذا الوقت تسيطر عليها جالية أجنبية تسمى الأرمن ،وكان لهم الكثير من المعامل في مصر مثل معامل انديان ومندوفيان فى القاهرة ومعامل كشيشيان وليفون فى الإسكندرية،وفى هذا الوقت كان عدد الأطباء المصريين قليلا وكان عدد أطباء التحاليل الطبية المصريين قليلا جدا أو شبه منعدم مما دفع المشرع إلى الاعتماد على غير الأطباء من خريجي الكليات الأخرى مثل الزراعة والطب البيطري والصيدلة والعلوم لمجرد أنهم درسوا كيمياء حيوية أو ميكروبيولوجى ! وفى الحقيقة تمصير المهن فى حد ذاته هدف نبيل وعظيم ولكنه تم بطريقة غريبة جدا حيث سمح لأشخاص غير مؤهلين علميا لتشخيص الأمراض بالعمل في معامل تهدف إلى تشخيص الأمراض لمجرد أنهم مصريين! ولكنها السياسة عندما تتدخل في العلم والطب، وحتى إن كان هدف المشرع هو تمصير المهنة بهذه الطريقة في ذلك الوقت ولكن الطب فى عام 1954 يختلف تماما عن الطب حاليا وتخصص التحاليل الطبية بالذات حدثت فيه طفرة كبيرة جدا وتقدم علمي هائل وتم استحداث تخصصات فرعية دقيقة داخل تخصص التحاليل الطبية مما يدفعنا إلى إصدار قانون جديد ينظم هذا الأمر طبقا لقوانين الدول المتقدمة وذلك حرصا على صحة المصريين. ويكمل الدكتور احمد زاهر : ما قامت به نقابة الأطباء في الفترة الأخيرة من إعداد مشروع قانون جديد لتنظيم معامل التحاليل الطبية التشخيصية هو خطوة جيدة جدا على الطريق الصحيح تأخرت كثيرا، وفى الحقيقة مشروع القانون الجديد لم يهدف فقط إلى مراجعة المؤهلات العلمية للعاملين بالمعمل بل تجاوز إلى ما هو ابعد من ذلك حيث احتوى على فصل كامل لمعايير مراقبة الجودة في المعمل حتى نضمن دقة النتائج ،وعلم مراقبة الجودة لم يكن موجودا بهذه الصورة وهذه الأهمية عام 1954 عندما صدر القانون الحالي، وكذلك احتوى مشروع القانون الجديد على ضوابط لمكافحة العدوى والتخلص من نفايات المعامل بطرق علمية سليمة حتى لا تكون مصدرا لانتشار الأمراض المعدية في المجتمع، وأيضا تم تغليظ العقوبات على المعامل المخالفة فى مشروع القانون الجديد حيث أن العقوبات هزيلة جدا في القانون الحالي فعلى سبيل المثال عقوبة مزاولة مهنة التحاليل الطبية بدون ترخيص أو فتح معمل بدون ترخيص أو خالف ضوابط مكافحة العدوى هي غرامة مالية لا تزيد عن 200 جنيه. وفى نهاية حديثة وجه الدكتور احمد نداء إلى أعضاء مجلس النواب القادم ووزارة الصحة بسرعة إجراء إصلاح تشريعي في القانون المنظم لمعامل التحاليل الطبية في مصر و حتى يحدث ذلك طالب المريض المصري بالتأكد من شخصية من يعمل في معمل التحاليل هل هو مهندس زراعي أم طبيب بيطري أم كيميائي أم صيدلي أم طبيب بشرى ؟ لا تتعجبوا – نحن في بلد العجائب.
التعليقات