الأحد - الموافق 15 ديسمبر 2024م

مؤسسات بيت العائلة ودورها في الحوار الديني المعاص..بقلم الدكتور عادل عامر

منذ بداية تأسيسه وضع بيت العائلة المصرية لنفسه عدة أهداف أبرزها الحفاظ على النسيج الوطني الواحد لأبناء مصر. بحيث يصبح بيت العائلة حلقة وصل بين جميع المؤسسات والهيئات والوزارات المعنية ويعقد مؤتمرات ولقاءات في جميع المحافظات.

ثم بدأ في تأسيس فروع له بجميع المحافظات. انطلاقًا من هذا الهدف، فإن اسم بيت العائلة المصرية كان يتصدر الصحف ووسائل الإعلام إذا ما حدثت فتنًا طائفية أو أحداث عنف ديني. لاسيما في محافظة المنيا التي سجلت أعلى معدلات تلك الأحداث في السنوات الفائتة.

ومن ثم عمل بيت العائلة على لعب دور الوساطة في تلك الأحداث. هذه الوساطة التي أزعجت النشطاء والحقوقيين في أحداث بعينها كان أبرزها حادث سيدة الكرم بالمنيا. إذ يقول إسحق إبراهيم الباحث والحقوقي المتخصص في حقوق الأقباط. إن بيت العائلة المصرية تحول إلى آلة لدعم التدخلات العرفية في التوترات الطائفية على حساب النظام القضائي. واتخذ عديد من القرارات التي تنتهك حقوقًا دستورية في صالح تهدئة ترضي الأغلبية.

نشأ بيت العائلة المصريّة في قلب مشيخة الأزهر بدعوة من شيخ الأزهر عقب الاعتداء على كنيسة القدّيسين بالإسكندريّة وكنائس أخرى في عام 2011 م. وقد استجابت لهذه الدعوة الكنائس المصريّة. ويتناوب على رئاسته منذ تأسيسه شيخ الأزهر وبابا الكنيسة الأرثوذكسيّة. وقد لعبت مؤسّسة بيت العائلة المصريّة برئاسة شيخ الأزهر وبابا الكنيسة الأرثوذكسيّة من خلال لجانها وفي مقدّمتها لجان الشباب والمرأة والتعليم “بتوعيّة الشعب المصري في التقريب بين وجهات النظر الإسلاميّة والمسيحيّة، وفي تأهيل وتدريب شباب الدعاة والقساوسة، وفي فضّ النزاعات التي تنشأ بين مختلف الطوائف”.

ومن أهمّ إنجازات بيت العائلة خارج حدود مصر تمكّن الوفد الذي أرسله شيخ الأزهر، استجابة لطلب من رئيسة أفريقيا الوسطى السابقة من تحقيق مصالحة تاريخيّة بين الفرقاء هناك، كما جمع الأزهر الشريف تحت مظلّته وبالتنسيق مع مجلس حكماء المسلمين الفرقاء في ميانمار من المسيحيّين والبوذيّين والمسلمين لأوّل مرّة في القاهرة، وقد اتّفق المجتمعون على مواصلة الجهود حتّى تحقيق المصالحة بإذن الله على غرار مصالحة فرقاء أفريقيا الوسطى.

لم يتمكّن الأزهر من التحرّر من الوصاية السياسيّة منذ نشأته. وقد مرّت العلاقة بينه وبين السلطة الحاكمة، أيّا كان توجّهها واعتقادها، بمراحل متخبّطة. السِّمة العامّة فيها هو التدخّل المستمرّ من قبل السلطة في موقف الأزهر وعمله وفتاويه. ولم تكن العلاقة بين الطرفين على ما يرام على الدوام، بل يشوبها الشدّ والجذب، وتمرّ بفترات من التوتّر الشديد، وغالبًا ما يقف الإعلام بوجه الأزهر حين يمتنع الأخير عن الخضوع التامّ والكامل للتوجّهات السياسيّة التي أحيانًا قد تسبّب الحرج الشديد للأزهر ولدوره ولوظيفته عالميًّا.

ومن التداعيّات التي أثّرت على قوّة الأزهر ودوره العالمي نتيجة التدخّل السياسيّ المستمرّ فيه هو ضعف مؤسّسات الأزهر وافتقاده للمرجعيّة العامّة لكامل المسلمين واضمحلال دوره العالمي في الدول التي ينشط فيها دعويًّا وتربويًّا وثقافيًّا حيث يكون عمله خارج مصر مرتبطًا دومًا بطبيعة العلاقة بين النظام السياسي في مصر والدولة المستضيفة للأزهر الشريف. فإذا ما كانت العلاقة ودّيّة بين البلدين نشط الأزهر ومنح العمل. وإذا ما ساءت العلاقة ضعف دور الأزهر ووصل حدّ التضييق عليه.

ولكثرة التدخّل السياسي في نشاطه، بات ينظر للأزهر الشريف عند نخب عربيّة وإسلاميّة باعتباره ذراعًا من أذرع الدولة المصريّة في التمدّد. فهو لا يملك القدرة على توجيه السلطة السياسيّة ووعظها والضغط عليها إذا ما حصل سوء إدارة وسوء استخدام للأمانة الممنوحة لها من قبل الشعب، ولم يعد يكفي منه الصمت على الانحرافات السياسيّة على قاعدة” السكوت عن قول الحقّ خير من الخوض في الباطل” بل بات لازمّا عليه منح الغطاء الشرعي والكامل وغير المشروط لما تريد أن تمليه السلطة السياسيّة.

ومن وجهة نظر هؤلاء فإنّ السلطة تسعى إلى تهميش الأزهر متى ما وجدت الأمر يقتضي ذلك. فلا هو يستأمر ولا يستشار ولا يستأذن في أيّ قرار سياسيّ ذي صِلة بالاستقرار والسلم الأهلي داخليًّا وفي علاقة مصر الخارجيّة. وغالبا ما تلجأ السلطات إليه حينما تكون في ورطة سياسيّة أو تحتاج إلى فتاوى داعمة أمام انتقادات المعارضة السياسيّة والدينيّة للنظام السياسي. الأزهر جامع وجامعة يأمر بالعدل والإحسان ، وينهى عن المنكرات أينما كانت ويحث في مناهجه على احترام الآخر ويبث في نفوسهم روح التعايش بالمحبة والسماحة والسلام وله منهج حياة متكاملة وهي عمق رسالته لضبط الحياة الفردية والأسرية والمجتمعية من منطلق أن أصل البشرية نبعت من معين ومشكاة واحدة، وأن الدين أصله المعاملة بالحسنى، وأن تعاليم الدين جاءت منسجمة مع تكوين الإنسان نفسه، لذلك كانت مناهج الأزهر قريبة من الفطرة التي خلق الله البشر عليها، والإنسان كما يقول ابن سينا مدنيًا بطبعه، يألف الآخرين ، ويألفه الآخرون.

ومن هذا الفهم الأيديولوجي خرجت دعوات الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور/ أحمد الطيب شيخ الأزهر إلى العالم أجمع من خلال زياراته المتكررة ـ إلى المؤسسات الدينية المسيحية العالمية واضعًا أسسًا لحوار الأديان، وإنشاء وثيقة الأخوة الإنسانية، وسبقها من قبل ذلك وثيقة الأزهر التي حدد فيها دعم الأزهر غير المحدود للحريات ووقوفه تجاه القضايا التي تمس الأمن المجتمعي.

ومن هذا المنطلق كان دور الأزهر فعالًا وواضحًا في وضع أسس للمواطنة وأن الوطن حبه من الإيمان والمحافظة على وحدته من صميم الدين لذلك كانت مبادرة الأزهر بقيادة شيخه المنير المستنير الشيخ الأستاذ الدكتور أحمد الطيب بإنشاء بيت العائلة المصرية في عام 2011م والذي كان من أهم أهدافه وأولويته حفظ القيم ونشر السلام والدفاع عن حقوق الإنسان, وتأكيد المواطنة والعمل معا من أجل مستقبل أفضل.

وبناءً عليه تم إنشاء مقر وممثلين له في جميع محافظات مصر وتم عقد الاتفاقيات وبرتوكولات التعاون مع الهيئات والمؤسسات التعليمة والعلمية والجمعيات الأهلية وإنشاء عدد من جمعيات الصداقة داخل بعض المدارس المصرية من أجل ترويج لفكرة بيت العائلة المصرية إذ إنه يعد ثمرة من ثمار التفاهم وعمق التواصل بين الديانتين المسيحية والإسلام وكان دور الأزهر منذ إنشائه داعمًا وبانيًا لجسور التقارب واحترام الآخر. أدّت التحوّلات السياسية التي عرفتها كل المنطقة في أعقاب اندلاع الانتفاضات العربيّة عام 2011 إلى الدفع بالمعطى الديني كركيزة محورية ومحرّكاً للتعبير عن هويّة الدولة داخل سياقات إقليمية تتصارع وتتلاقى فيها مجموعات مؤثرة ذات مرجعيات دينية “إسلامية” متنافرة (التيارات السياسية الإسلامية/ الجماعات المتطرفة/ التيارات المذهبية/ الصوفية..). بموازاة ذلك، وفي خضم سيرورة النزاعات الأيديولوجية والمسلحة ظهرت نزعة التماهي بين هويّة الدولة وأنماط التديّن، وهو ما أدى إلى تعاظم دعم “الإسلام المعتدل”، مثلما يحدث منذ سنوات في دولة الإمارات العربية المتحدة. لذلك تشتغل هذه الورقة البحثية على تفسير الأسباب الكامنة حول تفضيل دولة الإمارات العربية المتحدة للإسلام الصوفي، الذي غالباً ما يطلق عليه تسميات مثل الإسلام المعتدل أو الإسلام التنويري في دوائر صناع القرار، والطرق المؤسساتية المُعتمدة والمُسخرة للدفع به كأيديولوجيا مناهضة لفكر الجماعات الدينية الراديكالية وسلوكياتها.

وتلتزم بتقديم قراءة متعمقة لطبيعة السياسة الدينيّة المتعلقة بتدعيم التديّن الصوفي في دولة الإمارات العربية المتحدة بوصفها دراسة حالة. تضم هذه الورقة عدّة عناصر، تساعد في مجملها على فهم الأسباب والعوامل التي أسهمت في نزوع دولة الإمارات نحو خيار الإسلام المعتدل، وتحديداً ما يطلقون عليه تسمية الإسلام الصوفي-التنويري، بالتركيز على المؤسسات المُسخرة لخدمة هذا التوجه.

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك