عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : ما خُيِّرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنَ أمْرَيْنِ إلَّا اخْتارَ أيْسَرَهُما ما لَمْ يَأْثَمْ، فإذا كانَ الإثْمُ كانَ أبْعَدَهُما منه ،، واللَّهِ ما انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ في شيءٍ يُؤْتَى إلَيْهِ قَطُّ، حتَّى تُنْتَهَكَ حُرُماتُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمُ لِلَّه ..صحيح البخاري..
* شرح الحديث *
كانَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم رَؤوفًا رحيمًا، وكان يحبُّ التيسيرَ على المسلِمين في كلِّ الأمورِ المُحتَملةِ لذلك، ومع ذلكَ فإنَّه كانَ وقَّافًا عندَ حُدودِ اللهِ ومحارمِه ويغضبُ لله أشدَّ الغَضبِ حتى يُزالَ الحرامُ ،، فكان صلَّى الله عليه وسلَّم يُوازِنُ بين ما فيه مَصلحةٌ للعبادِ وبينَ ما يكون حقًّا للهِ تعالى ،، وفي هذا الحَديث تقولُ عائشةُ رضي الله عنها: “ما خُيِّرَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بينَ أَمريْنِ إلا اختارَ أَيْسرَهما ما لم يأثمْ، فإذا كانَ الإثمُ كانَ أَبعدَهُما منه”، أي: إِنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان دائمًا ما يميلُ عندَ الاختِيارِ إلى السَّهلِ اليَسيرِ، إلَّا أنْ يكونَ في ذلكَ وقوعٌ في الحُرماتِ أو المعْصيةِ، فإذا رأى أنَّ في التيسيرِ دُخولًا في الإثم فإنَّه يأخذُ بالعزائمِ والشِّدَّةِ..
وكانَ من حُسن خُلُقِه أنه يُسامِحُ في حَقِّ نفسِهِ، تقولُ عائشةُ رضي الله عنها: “واللهِ ما انتقَمَ لنفسِهِ في شيءٍ يُؤتى إليه قطُّ، حتى تُنتَهكَ حرماتُ اللهِ، فينتقمُ للهِ”، أي: إِنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم لم يكنْ ينتقِمُ إلا إِذا انتُهِكتْ حُرماتُ الله بالتَّعدِّي عليها وارْتكابِ المعاصي، فَحينئِذٍ يكونُ أشدَّ الناسِ انتقامًا للأخذِ بحقِّ اللهِ..
وفي الحديثِ: إرشادٌ المسلمينَ إلى أَنْ يكونَ سبيلُ حَياتِهم على التيسيرِ والمُسامحةِ والبعدِ عن التشدُّدِ المبالَغِ فيه، مع الوقوفِ عندَ حُرماتِ اللهِ وحُدودِه؛ فلا تُرتكَبُ المعاصي والذُّنوبُ، ولا يُنتَهكُ حقُّ اللهِ في المجتمعِ المسلمِ، فإذا حدَثَ ذلكَ وجَبَ على المسلمِ الغضَبُ للهِ مُقتدِيًا بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، مع مُراعاةِ وَضعِ الأُمورِ في نِصابِها، وأن يكونَ الغضبُ في مَحلِّهِ ولا يَتجاوَزَه إلى أَكثرَ منه حتَّى لا يُفسِدَ من حيثُ أرادَ الإصلاحَ..
التعليقات