إن محاولة الدعوة لأديان جديدة لم نسمع عنها من قبل وما أنزل الله بها من سلطان، لم يكن شيئاً جديداً في تاريخ البشرية ولا في المخططات الاستعمارية ، بل سعت الدول الاستعمارية في كل زمان لاستخدام هذا السلاح لتحقيق مخططاتها الشيطانية واطماعها الاستعمارية، فعلى سبيل المثال اصطنع الاستعمار الانجليزي دين جديد المعروف ” بالسيخية ” التي تجمع بين تعاليم الإسلام والهندوسية وهذه الديانة اعتمد عليها الإنجليز في بعض الحروب وتشجيع السيخ للهجرة خارج بلادهم، وهناك ديانة أخرى من صنع الإنجليز تعرف أيضاً ” بالديانة الأحمدية ” بدأت في الظهور في أوخر القرن التاسع عشر كبديل مزيف للإسلام في وسط أسيا فى البنجاب بالهند، يعد الأحمديون أنفسهم مسلمين، يؤمنون بالقرآن وبالبعث والحساب، وتؤمن هذه الجماعة بأن ” ميرزا غلام أحمد ” مبعوث من الله سبحانه وتعالى، للقضاء على الحروب الدينية، مستنكراً سفك الدماء، معيداً أسس العدالة والسلام إلى العالم، ويؤمنون بأنه سيخلص الإسلام من الأفكار والممارسات المتعصبة، ليعيده إلى شكله الحقيقى كما كان فى عهد النبى محمد. ولكن الوجه الحقيقي لهذه الطائفة هي بث أفكار زائفة تندد بالجهاد ضد العدو المستعمر للأرض، وتشويه صورة الجهاد في الإسلام ببث فكرة السلام والتسامح كمحاولة للرضوخ للعدو مما يحقق أهدافها الاستيطانية والاستعمارية من استنزاف ثروات الدول والهيمنة عليها وحرمان شعوبها من التمتع بخيرات وموارد بلادهم.
وما أشبه اليوم بالبارحة فإن العدو للعالم الإسلامي يبحث اليوم عن خدعة جديدة تحت شعارات ومسميات بارقة مثل ” السلام العالمي و”معًا نصلي” و”الأخوة الإنسانية” كوسيلة لتصفية الخلافات وحل النزاعات وتحقيق السلام العالمي في المنطقة تحت مسمي ” الدين الإبراهيمي الجديد ” الذي يسعى إلي الوقوف بين القيم الأخلاقية المشتركة التي تدعو إليها الأديان السماوية الثلاثة ” الإسلام والمسيحية واليهودية ” كمحاولة لتصفية النزاعات من جذورها ” النزاع العربي الإسرائيلي ” وتصفية القضية الفليسطينية، وهذا ما أعربت عنه د.هبة جمال الدين في دراسة لها بعنوان” الدبلوماسية الروحية بوابة تصفية الصراع مع إسرائيل ” .
وكشفت د. هبة جمال الدين في هذه الدراسة عن أمر شديد الخطورة وهو ما يخفيه هذا الاتفاق من مخطط كبير لإنشاء ما يسمى ب ” الولايات المتحدة الإبراهيمية “، وهي دولة فدرالية موعودة تشمل مجمل الدول العربية في الشرق الأوسط و ” إسرائيل ” وإيران وتركيا وحتى المغرب العربي، أي أنها أكثر اتساعا حتى من ” حدود النيل إلي الفرات “، على أن تكون القيادة الفيدرالية في المنظقة لإسرائيل، ولقد أدلى أيضاّ نائب مدير مباحث أمن الدولة المصرية الأسبق، اللواء خيرت شكري، في حديث لـ RT أنه” هناك وثيقة بعنوان “الولايات الإبراهيمية المتحدة” لا تقل خطورة عن وثيقة “هنري كامبل” لمؤتمر 1907، ” عن تأسيس كيان غريب في المنطقة العربية، عرف فيما بعد بدولة إسرائيل، التي أصبحت واقعا الآن”. وأكمل اللواء خيرت شكري قائلاً : ” قد تبدو فكرة الوثيقة غريبة على شعوبنا، لكن كم من المخططات التآمرية على منطقتنا بدأت غريبة وتحولت إلى حقيقة، فوثيقة “هنري كامبل” بدأت عام 1907، وبعد 113 عاما تحولت الى واقع تعيشه المنطقة”.
وأننا نعيش اليوم في حرب فكرية ضروس متعددة الأبعاد ترمي إلي تشويه الحقائق وتزييف التاريخ من خلال عمل غسيل دماغ لأبنائنا والمستهدف به الأخص ” جيل النشأ ” من أجل تقبل فكرة دين عالمي جديد، لذلك من أهم وأقوى الأسلحة التي يجب التسلح بها هي سلاح الفكر والعلم، فلم تعد الحروب كما كانت في الماضى حروباً عسكرية بل أصبحت أشد ضراوة في خطورتها على الأجيال القادمة وهي حروب فكرية استعمارية من أجل إعادة تشكيل البنية المعرفية بما يحقق أهداف العدو الاستعمارية الاستيطانية، ورغبته في محو التاريخ والدين والانتماء للدين والوطن من الذاكرة، وهذا ما أدلت به د. نعيمه عبد الجواد في مقال لها بعنوان ” الإبراهيمية الجديدة وخدعة التسامح ” مبينه أن ما تسعى إليه مخططات العدو بالفعل من خلال ما يعرف بأسم ” مراكز الدبلوماسية الروحية ” التي قامت بتوزيع كتيبات تشمل على مجموعة من القيم السامية المشتركة بين الأديان الثلاثة مثل: المحبة، والتسامح، المساواة، والتعايش، وتقبل الآخر” على المدارس الدولية (والمعروفة باسم المدارس الإنترناشيونال)، بغرض إعداد جيل يتقبل فكرة ” الديانة الإبراهيمية الجديدة ” ومن أجل خلق حالة من النفور والعداء الخفي للأديان التي يتبعونها التي تسببت في نظرهم في قتل وتشريد الكثير من أبناء الوطن الواحد، وأستطردت قائلة: ” ولعل ذلك يكشف لنا الهدف عن سعي الولايات المتحدة الأمريكية في تمكين تيارات الإسلام السياسي في المنظقة بعد ثورات الربيع العربي ” .
وقبل أن نتطرق لمعرفة الهدف من الترويج لهذا الدين الاستعماري الجديد، يجب علينا أولاً أن نجيب على سؤال شديد الأهمية كمحاولة لردع هذا المخطط الاستعماري بالحجة والمنطق والبيان….أولاً هل يوجد شيء في تاريخ البشرية اسمه ” الدين الإبراهيمي ” ….هل كان لسيدنا إبراهيم دين خاص مختلف عن باقي الأنبياء ؟، وهناك سؤال آخر هل هذه الإدعاءات الكاذبة ” أي الزعم أن سيدنا إبراهيم كان يهودياً ” صحيحاً أم لا ؟ وهل هذه الإدعاءات جديدة أم متجددة على مر الزمان ؟!!!
فإن تضليل المؤمنين عن الحق الذي أنزل على محمد لم يكن أمراً جديداً، ولقد أخبرنا الله به في آياته لنحذرهم قال تعالى: ” يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ* مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ” (آل عمران:65) تفسير السعدي: لما ادعى اليهود أن سيدنا إراهيم كان يهودياً، والنصارى أنه نصراني، وجادلوا على ذلك، رد تعالى مجادلتهم على أوجه متعددة، أحدهما: أن جدالهم في إبراهيم جدال في أمر ليس لهم به علم، نظراً لأن الله أنزل التوراة والإنجيل من بعد إبراهيم، وأن الله تعالى برأ خليله من اليهود والنصارى والمشركين، وجعله حنيفاً مسلماً، وجعل أولى الناس به من آمن به أمته، وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومن آمن معه، فهم الذين اتبعوه وهم أولى به من غيرهم قال تعالى: ” إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ” (آل عمرآن: 67) ، فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم دعوة سيدنا إبراهيم قال تعالى: ” رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ” (البقرة: 129-131). وسيدنا إبراهيم هو الذى سمانا مسلمين قال تعالى: ” وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ ” (الحج: 78).
وبين لنا الله سبحانه وتعالى هدفهم الذين يسعون إليه من وراء هذه الإدعاءات الكاذبة ألا هو تضليل المؤمنين عن الحق الذي أنزل على محمد في قوله تعالى: ” وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُون ” (آل عمران: 69)َ. ويخبرنا الله سبحانه وتعالى أن من يسعون لتضليل المسلمين عن دينهم بإدعاءاتهم الكاذبة ” أن سيدنا إبراهيم كان يهودياً أو نصرانياً “، هم في الحقيقة يسعون إلي لبس الحق بالباطل، تفسير الطبري: لم تلبسون اليهودية والنصرانية بالإسلام وقد علمتم أن دين الله الذي لا يقبل غيره هو الإسلام قال تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ” (آل عمران: 71). وأخبرنا الله سبحانه وتعالى أن هدفهم الحقيقي هو رد المسلمين من بعد إيمانهم بالله وكتبه كافرين في قوله تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ” (آل عمران: 100). فهذا هو الهدف الحقيقي لليهود الذين يسعون إليه على مر الزمان، فلم يكن اليهود يوما ما أصحاب عهد منذ فجر التاريخ، فهم معرفون بالغدر والخيانة عبر الزمان، فقلد غدروا بالمعاهدة مع الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة من أشهرها غدر ” بني قريظة ” يوم الأحزاب، فلما انقض المشركين من القبائل العربية، ورأوا اليهود الشدة والضيق الذي يعاني منه المسلمين نقضوا العهد وألتحموا مع المشركين ضدهم قال تعالى: ” أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ” (البقرة: 100). ولقد علم أعدائنا أنهم لم يستطيعوا السيطرة على المسلمين طالما القرآن محفور في صدورهم حفظاً وفهماً، لأن القرآن يحذر من كل مخططاتهم على مر الزمان ويكشفها ، ويخبرنا بكيفية ردعها وإحباطها. وهذا ما قاله ” لاكوست ” وزير المستعمرات الفرنسي في الجزائر ” لن ننتصر على الجزائر ما دموا يقرؤون القرآن ويتكلمون العربية لذلك يجب القضاء على القرآن واقتلاع العربية من ألسنتهم. ودائماً يسعى الاستعمار إلي ذلك لكي يجعلنا نتبع أهواءهم فنسقط فريسة في أيديهم، لأن الله توعد لنا بأنه سيتخلى عن نصرنا ويتركنا فريسة لأعدائنا إن تركنا هديه ومنهجه وأتباعنا أهواءهم قال تعالى: ” وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ” (البقرة: 120).
وسيظل هناك أختلاف إزاء القضايا المطروحة بين مؤيد ومعارض، فإن الاختلاف سنة الحياة، فكما أن هناك من يروج لهذا الدين الإبراهيمي الجديد، نجد أيضاً كثير من أبناء الشعوب العربية والإسلامية معارضأ بأن يكون هناك انتماء لدين غير الإسلام الذي ارتضاه الله لنا قال تعالى: ” الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ” (المائدة:3). فإذا أردوا المتآمرون أن يمحوا التوحيد والإيمان بالله فعليهم بمحو القرآن أولاً من صدور المؤمنين والقضاء على العقل المفطوره على الإيمان بالله والتوحيد ” فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ” (الروم:30)، وهذا لن يحدث أبداً لو تأمر عليه الأعداء الماكرون فالله هو الذي يحمى دينه والمتولى بحفظه وإظهاره على كل الأديان ولو كره الكافرون قال تعالى: ” يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ” (الصف: 8-9).
المراجع:
– من هم الأحمدية.. طائفة إسلامية أم ديانة مستقلة وموقف أهل السنة منهم؟
– الدبلوماسية الروحية والمشترك الإبراهيمي: بين صفقة القرن والمخطط الاستعماري للقرن الجديد…..د.هبة جمال الدين.
– ضابط سابق في أمن الدولة يكشف عن مخطط جديد لـ”ديانة جديدة” ستفرض على الشعوب العربية.
أبعد من اتفاقيات التطبيع….” مشروع ” الولايات المتحدة الإبراهيمية ”
– “الإبراهيمية الجديدة” وخدعة التسامح…..د. نعيمة عبد الجواد.
بقلم: هند درويش
ماجستير في التفكر في القرآن الكريم وعلاقته بالتفكير الإبداعي
التعليقات