** ولد أحمد بن حنبل في شهر ربيع الأول من سنة 164هـ .. وُلد ببغداد بعد أن جاءت أمه حاملاً به من مدينة مرو التي كان بها أبوه، فقد روي عن عبد الله بن أحمد بن حنبل أنه قال: سمعت أبي يقول: «قدمت بي أمي حاملاً من خراسان، وولدت سنة أربع وستين ومئة»..
** فقد ابن حنبل أباه وهو طفل صغير، فقد قال: «لم أرَ جدي ولا أبي»، والمعروف أن أباه مات بعد ولادته، ولا بد أن ذلك كان وهو صغير لا يعي ولا يدرك شيئاً، بدليل أنه نفى رؤيته لأبيه وجده، وقد ذُكر أن أباه مات شاباً في الثلاثين من عمره، ولقد قامت أمه بتربيته في ظل مَن بقي من أسرة أبيه، وكان أبوه قد ترك له ببغداد عقاراً يسكنه، وآخر يغل له غلة قليلة تعطيه الكفاف من العيش، فاجتمع له بتلك الغلة الضئيلة أسباب الاستغناء عما في أيدي الناس..
** نشأ ابن حنبل في بغداد وتربى بها تربيته الأولى، وقد كانت بغداد تموج بالناس الذين اختلفت مشاربهم، وتخالفت مآربهم، وزخرت بأنواع المعارف والفنون، فيها القراء والمحدثون والمتصوفة وعلماء اللغة والفلاسفة والحكماء .. فقد كانت حاضرة العالم الإسلامي، وقد توافر فيها ما توافر في حواضر العالم من تنوع المسالك وتعدد السبل وتنازع المشارب ومختلف العلوم، وقد اختارت أسرة ابن حنبل له منذ صباه أن يكون عالماً بكل العلوم الممهدة له ، من علم بالقرآن والحديث واللغة ومآثر الصحابة والتابعين وأحوال النبي محمد وسيرته وسيرة أوليائه الأقربين ، وقد اتفقت هذه التربية أو هذا التوجيه مع نزوعه النفسي ، وما كانت تصبو إليه همته من غايات .. فقد وجهته أسرته إلى القرآن الكريم منذ نشأته الأولى فحفظه، وظهرت عليه الألمعية مع الأمانة والتقى، حتى إذا أتم حفظ القرآن الكريم وعلم اللغة، اتجه إلى الديوان ليتمرن على التحرير والكتابة، ولقد قال في ذلك: «كنت وأنا غُلَيم أختلف إلى الكتاب، ثم اختلفت إلى الديوان وأنا ابن أربع عشرة سنة»..
** كان ابن حنبل وهو صبي محل ثقة الذين يعرفونه من الرجال والنساء، وقد كان نُجبه واستقامته أثرين ملاحظين لكل أترابه وآبائهم، يتخذه الآباء قدوة لأبنائهم، حتى قال بعض الآباء: «إني أنفق على أولادي وأجيئهم بالمؤدبين لكي يتأدبوا فما أراهم يفلحون، وهذا أحمد بن حنبل غلام يتيم، انظروا كيف يخرج!»، وجعل يعجب..
التعليقات