الثلاثاء - الموافق 15 يوليو 2025م

من يحدد الأعمال السيادية بقلم :- الدكتور عادل عامر

 

يقصد بأعمال السيادة طائفة من أعمال السلطة التنفيذية لا تخضع لرقابة القضاء قلا تكون محلا للإلغاء أو التعويض أو وقف التنفيذ أو فحص للمشروعية.

وأعمال السيادة بهذا المفهوم تمثل خروجا صريحا عن مبدأ المشروعية و تجاهلا لأحكامه لأن السلطة التنفيذية تستطيع استغلال فكرة أعمال السيادة و تقوم بتصرفات تسبغ عليها هذه الصفة و بالتالي تخرج عن القواعد القانونية التي يتضمنها مبدأ المشروعية و لا يكون للقضاء بصدد هذه الأعمال حق التعقيب عليها إذ تخرج عن ولايته فلا تقبل الطعون المقدمة ضدها و لا طلبات التعويض عن الأضرار التي تحدثها ولا يملك القضاء حيالها سلطة الإلغاء أو التعويض.

و في هذا تكمن خطورة أعمال السيادة إذ تعتبر سلاحا في يد الحكومة يهدد حقوق الأفراد و حرياتهم و لا يجد الأفراد وسيلة للدفاع يردون بها هذا السلاح لأن القضاء ممنوع من التعرض لمناقشة هذه الأعمال الموصوفة بالسيادية.

نظرية أعمال السيادة نظرية قانونية تخلص السلطة التنفيذية من رقابة السلطة القضائية في بعض المسائل التي تخص علاقة الدولة بالمواطنين أو أعمال الدولة السيادية مع الدول الأخرى، أو سياسة الدولة الخارجية، والكثير من الأعمال الحكومية قد يندرج تحت الأعمال السيادية للدولة. وبالنظر لتشريعات دول كثيرة نجد أنها نصّت على أعمال السيادة، ولكن دون وصف واضح لها، مما يدع المجال مفتوحاً للتأويل وإدراج قرارات وأعمال للسلطة التنفيذية تحت هذه النظرية، وفي حالة وصفها يكون الوصف قاصراً ويتسع احتمالات كثيرة.

أن المبدأ الذي أصدرته الإدارية العليا بشأن أعمال السيادة، يؤكد أن التنازل عن الأرض في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ليس من أعمال السيادة،  فقد أكدت في الوقت ذاته، أنها من ضمن صلاحيتها تحديد الأعمال السيادية من عدمه، القرار السيادي هو قرار سياسي، ويختلف عن القرار الإداري، فالقران الإداري يتم طبقا لقوانين ولوائح، أما القرار السياسي، فهو ممارسة لسلطة، لا تجوز إلا للسلطة المنتخبة، وهو ممارسة لصلاحية طبقا للدستور والقانون، ولكن هذه الممارسة تعتمد على التقدير السياسي، وإذا اخضع القرار السياسي للقضاء، فان ذلك يعني أن يكون للقضاء سلطة التقدير السياسي، فيصبح حكمه رأيا سياسيا، وليس حكما قضائيا.

ومن أجل ذلك فقد أعطى القانون الدستوري أحقية لرئيس الجمهورية في إصدار عدد من القرارات السيادية للحفاظ على أمن وسلامة البلاد فالمسئولية لابد أن يقابلها سلطة تعمل على تنفيذها والحفاظ عليها.

وطبقًا لذلك تنقسم القرارات الصادرة من رئيس الجمهورية إلي نوعين من القرارات وهي القرارات الإدارية، والقرارات السيادية فالقرارات الإدارية هي القرارات التي يجوز الطعن عليها، أما القرارات السيادية: وهي طائفة من القرارات التي يتم إخراجها من مجال التغطية القضائية بصفة كلية وتحصينها إما بموجب نصوص قانونية أو اجتهادات قضائية.

والقرارات السيادية هي أيضًا تلك الأعمال التي تصدر من السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية وتنظم علاقتها مع السلطة التشريعية، وكذلك علاقات الدولة بدول أخرى فدعوة الناخبين للانتخاب في أية استفتاءات أو انتخابات تعد عملًا من أعمال السيادة التي لا يختص القضاء برقابتها، وكذلك قرارات قطع العلاقات الدبلوماسية مع أي دولة أو توقيع الاتفاقيات الدولية، أو استئناف العلاقات الدبلوماسية وجرى العرف على أن القرارات السيادية هي أعمال محصنة من رقابة القضاء.

وتعتبر القرارات السيادية هي التي تمس مصالح الدولة السيادية الاقتصادية والخاصة بالأمن القومي، كصدور قرارات تتعلق بالحرب أو التموين أو زيادة أسعار السلع الإستراتيجية.

فهي القرارات المتعلقة بعمل من أعمال السيادة أو السياسة، وليست أعمال إدارة وتنظيم مرافق الدولة، مثل تشكيل الحكومة أو قبول استقالتها أو إعلان الحرب أو تنظيم القوات المسلحة إعدادًا للتعبئة العامة وإقامة علاقات مع دول أو قطعها، وكذلك طرح مشروع دستور للاستفتاء أو إعلان نتيجة الاستفتاء، وهذا كله مستقر عليه في أحكام الدستورية والإدارية العليا.

ونظرية أعمال السيادة تجتزئ بالتحديد مثل هذه التصرفات المتعلقة بالمصلحة القومية العليا للبلاد من الرقابة الدستورية أو المشروعية التي تسمح بوقف وإلغاء هذه القرارات، وطبعًا هذه القرارات لابد أن تكون صادرة مطابقة لأحكام الدستور والقوانين النافذة، ولابد أن تصدر من الجهات المختصة بها فإذا صدر مثلًا قرار إعلان الحرب من رئيس الوزراء، وهو غير مختص بذلك يلغى القرار رغم أنه في حقيقته قرار سيادي، وإذا صدر قرار توقيع اتفاقية أو معاهدة من رئيس الجمهورية بدون موافقة مجلس الشعب، يكون قرارًا باطلًا رغم أنه في حقيقته قرار سيادي، وحيث إن جميع القرارات الرئاسية والبرلمانية الناشئة عن صلاحيات دستورية تعتبر من أعمال السيادة.

وهناك بعض الأحكام في مصر التي أَعمل فيها القضاء نظرية أعمال السيادة منها قضية كانت تطالب بعودة رئيس الجمهورية للحكم، وأخرى تطالب بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدنمارك بعد إساءتها للرسول الكريم برسوم مسيئة، وقضايا كانت تطالب بإلغاء قرارات لرئيس الجمهورية السابق بدعوة الناخبين للانتخاب.

أن القرارات السيادية للرئيس هي نوعية من القرارات التي يصدرها رئيس الجمهورية ولا تخضع لرقابة القضاء سواء بالإلغاء أو التعويض، لأنها تتعلق بأمور خطيرة تمس مصلحة وأمن البلاد، وإذا تعرضت مصالحها للخطر وتعرض هذه القرارات السيادية بعد ذلك على السلطة التشريعية للتصديق عليها، والقرارات السيادية لرئيس الجمهورية في مصر لها جذور فرنسية قديمة وهي تقتصر فقط على أعمال السيادة للدولة.

أن فكرة القرارات السيادية في مصر فكرة مستقرة ومعروفة في القانون الدستوري منذ زمن بعيد من أجل حماية مصلحة الدولة وأمنها وإذا تعارضت مصلحة الدولة مع القانون يتم تغليب مصلحة الدولة حتى لا تتعرض للهلاك والدمار.

عرف القانون الإداري أعمال السيادة بأنها تلك الأعمال الصادرة من الدول بما تصدره الجهات العليا فيها والتي تدخل ضمن علاقاتها مع الدول الأخرى أو الهيئات أو الجمعيات أو المنظمات دولية كانت أو إقليمية وما يماثلها من أعمال أو قرارات الهدف منها الحفاظ على السلم والأمن الاجتماعي والصحة العامة.

إن معيار التمييز بين أعمال السيادة وغيرها والتي تكون إما عملا إداريا أو حكوميا، فالعمل الإداري ليس عملاً سيادياً بينما العمل الحكومي سيادي، فيستقل كل عمل عن الآخر وبالتالي تتحقق ضمانات الأفراد ضد تعسف جهة الإدارة. و

قد أوضح فقهاء القانون الإداري المعيار في التمييز بين وظيفة السلطة التنفيذية الحكومية ووظيفتها الإدارية. فيعتبر عملاً حكومياً الأعمال التي تتخذها السلطة التنفيذية أداء لوظيفتها الحكومية، بينما يعد عملاً إدارياً ما تصدره من أعمال وهي تباشر وظيفتها الإدارية.

ويقول الفقيه ديكرو إن وظيفة السلطة التنفيذية عبارة عن سلم واحد تشغله هيئة واحدة باسمين مختلفين فهي حكومة في درجاته العليا، وإدارة في درجاته الدنيا، بينما يذهب رأي آخر إلى القول بأن أعمال السلطة التنفيذية تصبح أعمالاً حكومية إذا ما كانت تنفيذاً لنص في الدستور أو أعمالاً إدارية إذا تعلقت بتنفيذ قانون عادي، وهذا الرأي محل نقد إذ يخلط بين الأعمال الإدارية وأعمال السيادة. والمحصلة أن فقهاء القانون الإداري أقروا بعجزهم عن وضع معيار جامع مانع لأعمال السيادة وكاشف عن طبيعةهذه الأعمال

و تبقى الأعمال الموصوفة بالسيادية أو السياسية غير واردة في أي قانون  ويعود للقضاء وحده في تقرير ما إذا كان العمل سياديا أم لا، و تطبق في هذا الإطار نظرية …أعمال الإدارة التقديرية و نظرية السلطة التقديرية.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك