اعتدت أن اكتب مقالي في هذا الوقت من كل عام عن الغشاشين والمغششين وكلما انتهيت ساورني الأمل ألا اكتب مرة أخري عن هذا الفيروس العتي لكنني في العام التالي أجده قد استفحل فالأمر أصبح بديهيا ومن لوازم وخصائص العملية التعليمية في مصرنا الحبيبة ، لذا لا تتحسر علي ضحايا انهيار العمارات
فالمهندسين الذين صمموها والمسئولين بالأحياء في الأصل غشاشين وحصلوا علي شهاداتهم بالفهلوة وان أصابت كارثة احدنا ومات عزيز لدية علي أيدي الأطباء لا تتعجب لأنه وصل إلي مرتبته العلمية مارا بطريق طويل فيه الغش للركب وهكذا نقيس علي السادة وزرائنا الذين ينحدرون من اسر لها كيانها ووجودها في المجتمع ولابد أنهم حصلوا علي مجاملات خلال مراحلهم التعليمية لذا تجدهم فاشلين في الإدارة وليست لديهم رؤية محددة أو علمية فتسقط الدولة من فشل إلي فشل ذريع ، الغش هو الآفة الكبرى في هذه البلد فالمجد يركن عن اجتهاده لأنه لا يحصل علي حقه وهو يري الأقل منه علميا يكرم مع الأوائل ، ذات مرة طلب أمامي احد الأصدقاء من ابنته ان تذاكر قالت له ولماذا أذاكر ؟! إنهم سوف يغششوننا في الامتحان ، والمؤسف أن تجد احدي المدرسات بعد أن أعطت ابنها إجابات كل الامتحانات وظهرت النتيجة ووجدته ينقص أربعة درجات عن المجموع الكلي حزنت وأبدت حسرتها لان ابنها نقص هذه الدرجات وهؤلاء ينطلي عليهم المثل القائل يكذبون الكذبة ويصدقونها ، تعم المشهد المصري امتحانات هنا وهناك مع برودة الجو الشديدة يلفح الأسرة المصرية لهيب الامتحانات لكن ليتها ما كانت فهي لا تحقق الهدف المرجو منها بل ترسخ لمفاهيم وقيم فاسدة أبرزها الغش ، إن المدرسين يدخلون إلي الفصول ليغششوا أبنائهم والمراقب يتركهم بل يرحب بما يفعلون و الإداريين بالمدرسة يدخلون أيضا لأبنائهم ومعارفهم وأقاربهم لتتم عمليه غش مشينه ، لا ادري كيف يسمح ضمير المعلم أن يغتال القيم بما يفعل ؟! ألا يعلم انه قد سقط من عين تلميذه و انه ينشر رزيلة بفجاجه و ينتهك ميثاق شرف مهنته ويبرز أولاده علي الآخرين ؟ ، القضية هي أن بعض المدرسين أصبحوا يؤمنون بالغش كوسيلة للنجاح بل إنهم يطبقونها علي أبنائهم ، وولي الأمر الذي يقاتل من اجل أن يأخذ ابنه حصيلة لا بأس بها من الغش ، ويصبح المدرس الرافض للظاهرة الممتنع عن التنفيذ بمثابة عدوا يجب اجتنابه بل ومضايقته ، وشعور الأهل بالفخر عند حصول ابنهم علي اعلي الدرجات ويعلمون أنها نتاج عملية غش سافرة ، إن التلميذ النجيب المتفوق تسلط عليه الأعين في لجنة الامتحان ويذهب إليه بعض الإداريين لالتقاط بعض الإجابات ونقلها لأبنائهم ، يتحمل المجتهد الحرمان من اللهو واللعب ومشاهدة البرامج ويسهر الليل منكفئ علي كتابه ويقضي يومه متنقلا بين الدروس الخصوصية متحملا تعنيف المدرسين وضغط الأهل وفي النهاية يذهب مجهوده هدرا وعلي طبق من فضه للغشاشين وتظهر النتيجة والفوارق تكون بسيطة فلا ينعم المجتهد بتفوقه ولا يعترف الخامل بتكاسله ، وتدور العجلة علي هذا النحو تتكبد ميزانية الدولة الملايين في موسم الامتحانات لقياس مستوي الطلاب وقدرتهم علي التحصيل لكن الغش يقتل كل شيء ويعلي من قيمة التكاسل واللامبالاة ، يجب أن يمنع المدرس من التدريس لفصل به احد أبنائه آلا يوجد شيء اسمه استشعار الحرج ؟ نراه جليا في المحاكم عندما يستشعر القاضي الحرج لان هناك أمر ما ربما شخصي يؤثر علي نزاهته إذا كيف يستقيم العدل وواضع الامتحان ربما كان يعده أمام أعين ابنه إننا لا نطلب المستحيل وليس الكل فاسد فهناك المعلم المحترم و المدارس المثالية ولقد تتلمذنا علي يد جيل من المعلمين الذين غرسوا داخلنا قيم حميدة ستظل نبراسا لنا مدي الحياة .
التعليقات