المتأمل في أحوال الناس يجد الفتن في كل مكان
أخرج مسلم من حديث عبد الله بن عمروا قال قال صلى الله عليه وسلم : إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على ما يعلمه خيرا لهم وينذرهم ما يعلمه شرا لهم وإن
أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء شديد وأمور تنكرونها وتجيء فتن فيرفق بعضها بعضا وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه ; فمن أحب منكم أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر . *
وأخرج مسلم عن أبي بكرة رضي الله عنه قال قال عليه الصلاة والسلام : إنها ستكون فتن ألا ثم تكون فتنة المضطجع فيها خير من الجالس والجالس فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي إليها ألا فإذا نزلت أو وقعت فمن كانت له إبل فليلحق بإبله ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه ومن لم يكن له شيء من ذلك فليعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر ثم لينج إن استطاع النجاء اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت . *
وقال عليه الصلاة والسلام : ليغشين أمتي من بعدي فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا قليل . * أخرجه الحاكم : عن ابن عمر.
وقال الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 5460 في صحيح الجامع.*
عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إن من ورائكم أيام الصبر ، الصبر فيه مثل قبض على الجمر ، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله) قيل : يا رسول الله أجر خمسين منهم ؟ قال : (أجر خمسين منكم) . وصححه الألباني في “صحيح أبي داود” .
((من وسائل الثبات على دين الله تبارك وتعالى))
أولاً/((القرآن العظيم وسيلة الثبات الأولى))
وهو حبل الله المتين، والنور المبين، من تمسك به عصمه الله، ومن اتبعه أنجاه الله، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم. نص الله على أن الغاية التي من أجلها أنزل هذا الكتاب منجماً مفصلاً هي التثبيت، فقال تعالى في معرض الرد على شُبه الكفار: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا . وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان:32، 33].
لماذا كان القرآن مصدراً للتثبيت؟
– لأنه يزرع الإيمان ويزكي النفس بالصلة بالله.
– لأن تلك الآيات تتنزل برداً وسلاماً على قلب المؤمن فلا تعصف به رياح الفتنة، ويطمئن قلبه بذكر الله.
ثانيا/ً(( التزام شرع الله والعمل الصالح))
قال الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء} [إبراهيم: 27]. قال قتادة: “أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح، وفي الآخرة في القبر”. وكذا روي عن غير واحد من السلف (تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3/421). وقال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ
لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: 66] أي على الحق.
ثانياً /((مراقبة الله عز وجل وحفظه .))
روى الترمذي (2516) أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
“(احفظ الله يحفظك) جملة تدل على أن الإنسان كلما حفظ دين الله حفظه الله .
ولكن حفظه في ماذا ؟ حفظه في بدنه ، وحفظه في ماله ، وأهله ، وفي دينه ، وهذا أهم الأشياء وهو أن يسلمك من الزيغ والضلال ، لأن الإنسان كلما اهتدى زاده الله هدى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) وكلما ضل والعياذ بالله فإنه يزداد ضلالا ” انتهى .
“شرح رياض الصالحين” (ص 70) .
ثالثاً /(( مصاحبة الصالحين من المؤمنين ))
، وترك مصاحبة من عداهم من المفتونين .
وقد روى أبو داود (4918) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (المؤمن مرآة المؤمن ، والمؤمن أخو المؤمن ، يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه) وحسنه الألباني في “صحيح أبي داود” .
رابعا/(( تدبر قصص الأنبياء ودراستها للتأسي والعمل))
والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: 120]. فما نزلت تلك الآيات على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم للتلهي والتفكه، وإنما لغرض عظيم هو تثبيت فؤاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفئدة المؤمنين معه.
خامساًً/((الدعاء))
من صفات عباد الله المؤمنين أنهم يتوجهون إلى الله بالدعاء أن يثبتهم: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران:8]، {…رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا..} [البقرة:285]، ولما كانت «قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء» (رواه الإمام أحمد ومسلم عن ابن عمر مرفوعاً انظر مسلم بشرح النووي 16/)204. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» (رواه الترمذي عن أنس مرفوعاً تحفة الأحوذي 6/349 وهو في صحيح الجامع 7864).
سادساً/ ((ذكر الله))
وهو من أعظم أسباب التثبيت؛ تأمل في هذا الاقتران بين الأمرين في قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} [الأنفال: 45]. فجعله من أعظم ما يعين على الثبات في الجهاد. (وتأمل أبدان فارس والروم كيف خانتهم أحوج ما كانوا إليها)
سابعاً/((ًالحرص على أن يسلك المسلم طريقاً صحيحاً))
والطريق الوحيد الصحيح الذي يجب على كل مسلم سلوكه هو طريق أهل السنة والجماعة، طريق الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، أهل العقيدة الصافية والمنهج السليم واتباع السنة والدليل، والتميز عن أعداء الله ومفاصلة أهل الباطل
ومن هذه الأسباب الإيجابية التي تثبت المرء على الأعمال الصالحات، وتيسر له أن يسارع في الخيرات عند رب البريات، فأولها وأهمها: هو ثامناً((الإخلاص لله جل وعلا))
ا: قال تعالى:( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ البينة:5]، وقال: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا )[الكهف:110] أي: كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم،وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110]، وفي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)، وفي الصحيحين كذلك: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) نعوذ بالله من ذلك.
ومن الأسباب الإيجابية أيضاً التي تثبت العبد على الصالحات:
تاسعاًً(( القصد في الطاعات))
لأن الهمة يمكن أن تأتي للعبد في ليلة من الليالي فيقوم تلك الليلة في طاعة الله ثم يجلس بجانب هذه الليلة شهراً بعيداً عن طاعة الله جل وعلا، وهذا ليس ممدوحاً عند الله، بل لو قام بركعة واحدة كل ليلة طيلة الشهر ولو لعشر دقائق، لكان أفضل عند الله سبحانه وتعالى من هذا الرجل الذي قام ليلة يجتهد فيها ثم مكث شهراً متقاعساً عن عبادة الله، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فسددوا وقاربوا، وعليكم بشيء من الدلجة)، وقال أحدهم: ما رأيت مثل النار نام هاربها، وما رأيت مثل الجنة نام طالبها.
ومن الأسباب الميسرة أيضاً للثبات على الأعمال الصالحات
عاشراً/ً ((متابعة النبي صلى الله عليه وسلم))
قال الله تعالى: ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ))
ومن الوسائل التي تزيد من الإيمان واليقين ، وهي التي تحض على الطاعة ، وتدفع إلى العمل الصالح ، وبها يتذوق العبد طعم الإيمان .
الحادي عشر /(( طلب الهداية إلى صراط الله المستقيم ))
والمسلم في كل صلاة لا بد أن يدعو فيها : (اهدنا الصراط المستقيم) .
وروى الطبراني في “الكبير” (7135) عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه سلم : ( يا شداد بن أوس إذا رأيت الناس قد اكتنزوا الذهب والفضة فاكنز هؤلاء الكلمات : اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد ، وأسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك … ) الحديث وصححه الألباني في “سلسلة الأحاديث الصحيحة” (3228) .
الثاني عشر/((الاستقامة على دين الله تعالى ))
وعدم التفريط في شيء منه ))
، قال الله تعالى : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) الأنعام / 153.
وقال تعالى : ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ) إبراهيم/27
قال قتادة : ” أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح ، ( وَفِي الآخِرَةِ ) في القبر ” . “تفسير ابن كثير” (4 / 502)
الثالث عشر/(( التمسك بالسنة))
، فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) رواه أبو داود (4607) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
التعليقات