الخميس - الموافق 01 مايو 2025م

(15) حقوق الإنسان.. بقلم الكاتب والباحث: محمد السني

٢٠١٥٠٩١٧_٠٧٥٢٣٣

ألقينا الضوء سابقًا على “بريق شعار الحرية” إبان الثورة المصرية (25-30) في مقالة منفصلة، ثم تطرقنا إلى تطور مفهوم الحرية في ثلاث عشرة مقالة منفصلة، عن ولادة مصطلح الحرية، وتطور مفهوم الحرية خلال الحضارة الإغريقية، والحضارة الرومانية، والمفهوم الإيماني المسيحي للحرية، وعصور الظلام الأوروبية، والحضارة الإسلامية، والحضارة المصرية القديمة، والعصور الوسطى المصرية، وعصر النهضة الأوروبية، وعصر التنوير الأوروبي، والليبرالية الكلاسيكية، والليبرالية الاجتماعية، والليبرالية الجديدة، ومقالتي هذه لإلقاء الضوء بصورة موجزة على بعض الإنجازات التاريخية الهامة في مجال “حقوق الإنسان”.
برز الإهتمام المكثف بحقوق الإنسان منذ بداية القرن السابع عشر واستمر طيلة العصر الحديث أي منتصف القرن العشرين، في هذه الحقبة دخلت حقوق الإنسان في مرحلة جديدة من مراحل تطورها وهي المرحلة الدولية، وهي المرحلة التي أصبحت فيها مواضيع حقوق الإنسان تأخذ طابعًا دوليًا بعد أن كانت مسألة داخلية بحتة، وبعد الحرب العالمية الأولى 1929م تزايد الاهتمام بدورها في تقدم وتطور وتحضر الشعوب، ونمى الإدراك بقيمتها الإنسانية العظمى في توفير المناخ الملائم لتحقيق الحريات العامة والخاصة، ومناهضة الاستبداد بكافة أشكاله، وتجسد هذا الإهتمام في تأسيس “عصبة الأمم” التي تناولت في ميثاقها بنود تخص حقوق الإنسان، وبعد حدوث الحرب العالمية الثانية تأسست منظمة “الامم المتحدة” وميثاقها الذي أشار في أكثر من فقرة وأكد على احترام وتعزيز وحماية حقوق الإنسان، وإحدى مظاهر ذلك الإهتمام هو عدد الإتفاقات الدولية التي تضمنت حماية الوجود القانوني للفرد والقضاء على كل محاولة تشبه الإنسان بالسلع، وبعد التيقن من أن مجرد النص على الحقوق والحريات في دستور الدولة وقوانينها الداخلية لم يعد كافيًا ليتمتع الإنسان فعلًا بحقوقه، بدأت ضرورة الإعتماد على ضمانات دولية أخرى، والتي بإمكانها أن تحقق حماية فعالة لحقوق الإنسان وحرياته، وكانت أولى مظاهر المجهودات التي بذلت من أجل ذلك في القانون الدولي تتمثل في إلغاء الرق في كافة أشكاله، ومنع تجارة الرقيق، وظهر الإهتمام بذلك منذ بداية القرن التاسع عشر حيث أبرم عدد كبير من الإتفاقيات والمعاهدات الدولية، وكانت أولى المواثيق عامي 1814م وهي معاهدة باريس للسلام، وإعلان مؤتمر فيينا عام 1815م، وإعلان فروينا عام 1822م، والتي تضمنت مبدأ عامًا مفاده أن تجارة الرقيق تتنافى وتتعارض مع مبادئ العدالة الإنسانية، كما تلت بعد ذلك معاهدات تتناول أساس العمل المشترك في البحار لمحاربة تجارة الرقيق والقضاء عليها مثل معاهدات1831-1833م بين فرنسا وبريطانيا، ومعاهدة لندن 1841م ومعاهدة واشنطن عام 1862م، ثم جاءت الحماية الدولية للأقليات، وكانت أول خطوة في تلك الجهود ما جاء في مؤتمر فيينا عام 1815م من التزامات على كل من بلغاريا ورومانيا لصالح الأقليات العنصرية والدينية، واستطاع الحلفاء تكريس فكرة الحماية الدولية للأقليات في معرض ردهم على مقترحات السلام التي عرضتها ألمانيا عام 1916م، فقد شدوا انتباه ألمانيا والحكومات الأخرى إلى أن السلام غير ممكن ما لم يتم تعويض ما انتهك من حقوق وحريات وما لم يعترف بمبدأ القوميات والحياة الحرة للدول الصغيرة، ثم مكافحة بعض المظاهر الماسة بحقوق الإنسان فقد شرع في مكافحة التجارة في المخدرات وتعاطيها منذ عام 1912م حيث أبرمت بخصوصها في تلك السنة عدة إتفاقيات، وفي مجال الأمراض والأوبئة أنشأ مكتب الصحة الدولي عام 1906م وأنشأ مكتب مماثل بين الدول الأمريكية عام 1904م، هذين الجهازين دفعا إلى إنشاء منظمة الصحة العالمية، وكان هناك عناية بحماية الملكية الأدبية والفنية والصناعية للفرد منذ عام 1883م حيث أبرمت أول معاهدة تهدف إلى تقرير الحماية الدولية لها، ثم قمع الإتجار في الأولاد والنساء، فقد ظهر في هذا العصر إتجاه يدعو إلى منع الإتجار بالأفراد لا سيما النساء والأطفال، وقد جسد هذا الإتجاه عدد من الإتفاقيات منها على وجه الخصوص الإتفاقيات الدولية المعتمدة في لاهاي عام 1902م بشأن التضارب بين القوانين والإتفاقيتين الدوليتين الخاصة بقمع التجارة بالنساء والأطفال المعتمدين عامي 1904-1910م بباريس، كما إهتم القانون الدولي في هذه الفترة بالملاحة البحرية حيث أبرمت معاهدة دولية للتعاون الدولي من أجل كوارث الملاحة البحرية في عام 1914م والتي تفرض إلتزامات على السفن في حالة الكوارث.
أنشأت عصبة الأمم عام 1919م عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، وكان الهدف الأول والأساسي لهذه المنظمة هو الحيلولة دون اندلاع حرب عالمية ثانية، وهو ما لم تستطع تحقيقه، وبالنسبة لحقوق الإنسان الذي تضمن إشارات عديدة إلى استهداف ضمان بعض الحقوق مثل النص على ضمان الأمن والسلم في العالم، والإلتزام بعدم اللجوء إلى الحرب، بما يمثل الأساس العام لخدمة حماية حقوق الإنسان لأن ظروف الحرب و عدم الأمن مناخ مناسب لهضم حقوق الإنسان والبطش به، كما نص عهد عصبة الأمم على إلتزام الدول الأعضاء بتشجيع إقامة تعاون مع منظمة الصليب الأحمر الدولي من أجل تحسين الصحة والوقاية من الأمراض والأوبئة في العالم، وهذا جانب آخر مهم يتعلق بحقوق الإنسان في مجال العلاج والوقاية من مخاطر شتى الأمراض والأوبئة الفتاكة بالصحة، وأيضًا تضمن العهد نصًا بالتزام الدول الأعضاء بمعاملة عادلة للشعوب المستعمرة لاسيما احترام حقوق الشعوب الخاضعة للإنتداب وهو إقرار دولي بحق الشعوب المستعمرة في تقرير المصير، ويعد أهم حق من الحقوق الجماعية للإنسان مرتبط بالحق في الإستقلال والحق في التنمية والتقدم، واعتبرت تلك الإشارات نقلة نوعية إيجابية لصالح تطور حقوق الإنسان.
يعد ميثاق الأمم المتحدة، الوثيقة الدولية الأولى ذات الطابع العالمي، التي تضمنت النص الصريح على مبدأ إحترام الحريات العامة والخاصة وحقوق الإنسان، ويرجع هذا أساسًا إلى انتهاء السيطرة الأوروبية، وقيام عالم يتوقف بقائه واستقراره على التعاون السلمي بين جميع الثقافات، والأجناس، والديانات، كما يتوقف هذا التعاون إلى حد كبير على احترام كافة الحريات الأساسية وحقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويرجع السبب الرئيسي والأساسي في النص على تشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للأفراد ضمن أهداف ومقاصد الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان، إلى رد فعل المجتمع الدولي لما خلفته الحرب العالمية الثانية من انتهاكات لحقوق الإنسان، ولصيانة السلم، ولأن الحماية الدولية الفعالة لحقوق الإنسان شرط أساسي للسلم والتقدم الدوليين وقد صدرت عن المجتمع الدولي بيانات وإعلانات ومقترحات أثبت فيها الإرتباط الموجود بين حماية حريات وحقوق الإنسان، والسلم والأمن الدوليين، منها إعلان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية خلال ميثاق الأطلسي عام 1941م، وفي عام 1942م صدر إعلان الأمم المتحدة الذي وقعه ممثلي الدول الستة والعشرين والتي عبرت فيه الحكومات الموقعة عن اعتقادها بأن تمام الانتصار على أعدائها أمر أساسي للدفاع عن الحياة والحرية، وللحفاظ على حقوق الإنسان والعدل داخل أراضيها وخارجها، وفي مؤتمر دامبرتون أوكس عام 1944م، الممهد لإنشاء منظمة الأمم المتحدة، فإن الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا والإتحاد السوفيتي، قد إتفقت على إنشاء منظمة يكون عملها ” تيسير إيجاد حلول للمشاكل الدولية الإقتصادية والاجتماعية وغيرها من المشاكل الإنسانية، وتعزيز احترام الحقوق والحريات الأساسية”، وهي المهام التي تقرر أن تهتم بتفيدها الجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي التي خول لها إصدار توصيات تخص المسائل الإنسانية، أما مؤتمر سان فرانسيسكو الذي أسفر عن صدور ميثاق الأمم المتحدة في عام 1945م والنافذ بعد التصديق الدولي عليه اعتبارًا من يوم 25 أكتوبر عام 1954م قد أولى عناية بالغة لقضية حقوق الإنسان والحريات العامة للناس كافة.
ثم أنشأت مواثيق المنظمات الدولية المتخصصة، التي نشأت نتيجة إتحاد إرادات عدة دول، وتعمل لدعم التعاون الدولي في مجال متخصص من المجالات الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية أو الفنية، أو تتولى تنظيم أداء خدمات دولية تمس المصالح المشتركة للدول، مثل منظمة العمل الدولية، حيث بدأت المحاولات الأولى لإنشاء تنظيم دولي للعمل في أوائل القرن التاسع عشر في شكل محاولات غير رسمية يقوم بها الأفراد، فكان أول ظهور للجنة التشريع الدولي للعمل في مؤتمر السلام التمهيدي في 25 يناير 1919م، وتختص هذه اللجنة بدراسة وسائل حماية العمل والعمال، وقدمت هذه اللجنة إلى مؤتمر السلام مشروع إنشاء منظمة دولية للعمل، ووافق المؤتمر عليه في 19 إبريل 1919م فأصبح يشكل القسم الثالث عشر من إتفاقية فرساي(المواد من 387-427) تحت عنوان العمل، وتقرر أن تكون جنيف المقر الرئيسي للمنظمة، وقد كان الدستور الأصلي للمنظمة، يشكل جزءًا من معاهدات الصلح الأخرى والذي جاء في ديباجته أنه لا سبيل لإقامة سلام عالمي ودائم إلا إذا بني على أساس من العدالة الإجتماعية، وأن ظروف العمل الصعبة تعرض السلام والوئام العالميين للخطر، وأن تحسين هذه الظروف أصبح أمرًا ملحًا، وقد اعتمدت الدورة السادسة والعشرون للمؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في فيلادلفيا في عام 1944م إعلان بشأن أهداف وأغراض منظمة العمل الدولية، كما أعاد التأكيد على المبادئ الأساسية التي قامت عليها المنظمة والتي منها على الأخص أن العمل ليس سلعة، وأن حرية التعبير والحرية النقابية لاغنى عنهما وهذا في سبيل التقدم والتطور، وأن الفقر أينما وجد يهدد الحريات والرخاء في كل مكان، كما أن الإعلان يقضي بأنه لجميع البشر الحق في التمتع بكل من الرفاهية المادية والتقدم المعنوي، دون تمييز بسبب العنصر أو العقيدة أو الجنس وهذا في جو من الحرية والكرامة والضمان الاقتصادي والفرص المتكافئة، وقد أصبحت منظمة العمل الدولية وكالة تابعة للأمم المتحدة في عام 1946م، تعتني وفقا لدستورها بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مثل الحق في التمتع بظروف عمل عادلة وملائمة والحق في تشكيل النقابات والحق في الضمان الاجتماعي، ومن ضمن الصكوك الدولية في ميدان حقوق الإنسان، والتي أعدتها منظمة العمل الدولية نذكر الإتفاقيتين الخاصتين بالسخرة في 28 يونيو عام 1930م (148دولة ) وبتحريم السخرة في 25 يونيو عام 1930م (130 دولة)، وتهدف هاتان الإتفاقيتان إلى تحريم عمل السخرة والعمل القسري بكافة صوره، والإتفاقية الخاصة بتطبيق مبادئ الحق في التنظيم النقابي وفي المفاوضة الجماعية في الأول من يوليو عام 1949م وبدأ نفاذها في 18 يوليو عام 1951م (138 دولة )، والإتفاقية الخاصة بمساواة العمل والعاملات في الأجر لدى تساوي قيمة العمل في 19 يونيو عام 1951م وبدأ نفاذها في 23 مايو عام 1953م (136 دولة)، والإتفاقية الخاصة بتوفير الحماية والتسهيلات لممثلي العمال في المؤسسة في 23 يونيو عام 1971م وبدأ نفاذها في 10 يونيو عام 1973م (64 دولة)، والإتفاقية الخاصة بحماية حق التنظيم النقابي وإجراءات تحديد شروط الاستخدام في الخدمة العامة في 10 يونيو عام 1978م وبدأ نفاذها في 26 فبراير عام 1981م (33 دولة)، ثم جاء ميثاق منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (منظمة اليونسكو)، وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة يتعلق إختصاصها بالتعليم والثقافة والتربية، هدفها كما جاء في الديباجة وفي المادة الأولى من ميثاقها التأسيسي هو المساهمة في صون السلم والأمن بالعمل عن طريق التربية والعلم والثقافة، كما تعمل المنظمة على توثيق التعاون بين الأمم لضمان الاحترام الشامل للعدالة والقانون وحقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس كافة دون تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين أو خلافه، لهذه الغايات تقوم المنظمة بتعزيز التفاهم والتعاون بين الدول عن طريق عقد الإتفاقيات، وتعمل لتنشيط التربية الشعبية ونشر الثقافة بالتعاون مع الدول الأعضاء بناءًا على رغبتها في تنمية نشاطها التربوي، كما تقوم بالتعاون مع الأمم المتحدة لتحقيق التكافؤ في فرص التعليم لجميع الناس دون تمييز، كذلك اعتمدت اليونسكو صكوك دولية لتدعيم حقوق الإنسان من ضمنها نذكر إتفاقية منع التمييز في مجال التعليم في 14 ديسمبر 1960م، ودخلت الإتفاقية حيز النفاذ في 22 مايو 1962م وصادقت عليها 86 دولة، وتحظر الإتفاقية أية تفرقة أو استثناء أو تقييد أو أفضلية ينشأ عنها إلغاء المساواة في المعاملة في مجال التعليم والإخلال بها، وبروتوكول إنشاء لجنة التوفيق والمساعي الحميدة لتكون مسؤولة عن البحث عن أية تسوية لأي مشاكل تنشأ بين الدول الأطراف تتعلق بتفسير الإتفاقية أو تطبيقها، وقد دخل البروتوكول حيز النفاذ في 24 أكتوبر 1968م وصادقت على البروتوكول 30 دولة.
ونظرًا لعدم قدرة الأمم المتحدة على توفير الضمانات الكافية من أجل حماية هذه الحقوق وذلك لعدة اعتبارات، مثل المشكلات المتعلقة بتعهدات الدول، أو بالمؤسسات الداخلية والدولية، أو مشكلات تعلقت بالتنافس الإيديولوجي …الخ. لذلك بات من الضروري إنشاء منظمات دولية موازية لمنظمة الأمم المتحدة تعمل على الحماية والتعزيز الدائمين لحقوق الإنسان، مثل الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، أقر هذا الميثاق مؤتمر القمة الإفريقي الثامن عشر المنعقد في العاصمة الكينية نيروبي في 28 يوليو 1981م، ودخل حيز التنفيذ في 26 أكتوبر 1986م وصادقت عليه 45 دولة من مجموع 52 دولة إفريقية، وقد جمع هذا الميثاق كافة فئات الحقوق في سلة واحدة و علق التمتع بالحقوق المدنية والسياسية على كفالة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وميثاق حقوق الإنسان والشعب في الوطن العربي، لقد جرت محاولات عديدة داخل جامعة الدول العربية منذ إنشائها في سبيل إبرام إتفاقية عربية لحقوق الإنسان والحريات العامة، ولم يوافق مجلس الجامعة على تأليف اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان إلا في 3 سبتمبر 1968م، وفي الخامس من ديسمبر لعام 1986م إجتمع عدد من الخبراء القانونيين العرب في مدينة سيركاوزا بإيطاليا وأعدوا مشروع ميثاق حقوق الإنسان والشعب في الوطن العربي، ووجهوه إلى جامعة الدول العربية لدراسته ثم تبنيه وتطبيقه بعد اعتماده في شكل إتفاقية أو معاهدة، ويتكون هذا الميثاق من مقدمة و65 مادة ركزت على محورين أساسيين، تمثل المحور الأول في الحقوق الفردية، التي ورد ذكرها في المواد من 1 إلى 41 نذكر منها حق الحياة ، والإعتراف بالشخصية القانونية، وحماية حرمة الأسرة و المسكن و سرية المراسلات، وحق التعليم، وحق الضمان الإجتماعي، وحق العمل، وحق تكوين النقابات والأحزاب والجمعيات، وحق الإضراب، وحق الملكية الخاصة، وحق اللجوء، وحق المشاركة في إدارة الشؤون الدولة، وحق تقلد الوظائف، وحق الجنسية، وحق الرعاية الصحية، وسلامة البدن والعقل، وحرية العقيدة والفكر والرأي والتعبير، والمساواة أمام القانون، وهي كلها حقوق ذات طابع مدني وسياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي، أما المحور الثاني تمثل في الحقوق الجماعية، فجاءت في المواد من 44 إلى 49، أهمها الحق في بيئة خالية من التلوث، والحق في التوزيع العادل للدخل الوطني، والحق الثقافي للجماعات الأقليات، وحق تقرير المصير، وحق الأمن الغذائي، وحق ممارسة السيادة على جميع الموارد والثروات الطبيعية، وحق التمتع بالأمن والسلم، وحق مقاومة الإحتلال الأجنبي، إضافة إلى النص على حالات استثنائية يمكن للدول أن تتحلل من بعض الإلتزامات المترتبة عن هذا الميثاق كحالات الحرب، والأزمات الخطيرة (المواد من 42 إلى 43)، وكذا تحديد الأجهزة الدائمة المكلفة باتخاذ إجراءات حماية الحقوق والحريات المنصوص عليها في الميثاق وهما اللجنة العربية لحقوق الإنسان (المواد من 50 إلى 54)، والمحكمة العربية لحقوق الإنسان (المواد من 55 إلى 61)، والأحكام الختامية وجاءت في المواد من 62 إلى 65 والمتمثلة في تعهد أطراف الميثاق باتخاذ الإجراءات التشريعية الداخلية الكفيلة باحترام الحقوق والحريات المنصوص عليها، وبضمان تكفل فعلي وفعال للتظلمات الصادرة من الأفراد الذين تنتهك حقوقهم، والتعهد باتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان التمتع الفعلي بالحقوق المعترف بها، والتعهد بتنفيذ الأحكام الصادرة لمصلحة المتظلمين، وتحديد إجراءات التوقيع والتصديق على الميثاق وكيفيات سريانه، وكذلك بيان بعض الإجراءات المتعلقة بالنظام الأساسي للمحكمة، والميزانية الخاصة باللجنة والمحكمة… الخ، ومازال هذا المشروع يمر بمراحل استكمال الاجراءات البروتوكولية والتنظيمية اللازمة لتطبيقة، ولم يدخل حيز التنفيذ بعد.
وبالنسبة للدول الإسلامية المنضوية تحت لواء منظمة المؤتمر الإسلامي عرفت إلى الآن وثيقتين دوليتين عن حقوق الإنسان في الإسلام، إحداها عالمية غير حكومية، أما الثانية فحكومية لأنها صادرة عن المنظمة ذاتها، ويتمثل مضمون الوثيقة الأولى في “البيان العالمي عن حقوق الإنسان في الإسلام”، حيث إنعقد المؤتمر الإسلامي العالمي في إطار المجلس الإسلامي العالمي (منظمة إسلامية دولية غير حكومية) بلندن في شهر سبتمبر 1981م، وأصدر بيان تضمن توضيح أهم حقوق الإنسان المنصوص عليها في القرآن الكريم و في السنة النبوية، ومنها الحق في الحياة، وحق الحرية، وحق المساواة، وحق العدالة، وحق المحاكمة العادلة، وحق الحماية من تعسف السلطة، وحق الحماية من التعذيب، وحق حماية العرض والسمعة، وحق اللجوء، وحقوق الأقليات، وحق المشاركة في الحياة العامة، وحق حرية التفكير والإعتقاد والتعبير، وحق الحرية الدينية، والحقوق الإقتصادية، وحق حماية الملكية، وحق العامل وواجبه، وحق الكفاية من مقومات الحياة، وحق بناء الأسرة، وحقوق الزوجة، وحق التربية، وحق حماية الخصوصيات الفردية، وحق حرية الإرتحال والإقامة. والوثيقة الثانية هي “إعلان منظمة المؤتمر الإسلامي عن حقوق الإنسان في الإسلام” أنشأتها منظمة المؤتمر الإسلامي منذ 4 مارس 1972م وهي منظمة دولية إقليمية تضم 45 دولة، وفي شهر نوفمبر 1990م أصدرت الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي الإعلان المكون من مقدمة و25 مادة في شكل إتفاقية أو معاهدة غير إلزامية تنص على الاعتراف بحقوق وحريات كثيرة للإنسان (المواد من 1 إلى 23) و منها حق الحياة، وحق الحرمة، وحق الزواج، وحقوق المرأة، وحقوق الطفل، وحقوق الوالدين، وحق التربية والتعليم، وحق الحرية، وحرية التنقل والإقامة، وحق العمل، وحق التملك، وحق العيش في بيئة نظيفة من المفاسد والأوبئة، وحق الرعاية الصحية والاجتماعية، وحق الأمن، وحريات التعبير والرأي، وحق الإشتراك في إدارة الشؤون العامة في الدولة، وحق المساواة بين الناس، وحق منع الإستبداد، والملاحظ هنا هو خلو هذا الإعلان من تحديد الأجهزة المكلفة بضمان حماية الحقوق والحريات الأساسية المعلنة والمعترف بها.
هذا ما تنص عليه أغلب الدساتير المحلية، والمعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية والاقليمية، أما في التطبيق فنجد فرق شاسع بين الدول والمجتمعات في التمتع بالحرية، لذا نجد شعوبًا تتمتع بكافة الحريات العامة والخاصة وصلت إلى درجة أن تنص دساتيرهم على حق السعادة وتلتزم حكوماتهم بتحقيقها، كما يصعب على أي جهة أو شخص المساس بتلك الحريات التي حصلوا عليها بنضالاتهم ودمائهم على مدى أجيال متواصلة وقرونًا متعددة، تعددت معها الحريات والحقوق كما أسلفنا في مضمار سردنا التاريخي لتطور مفهوم الحرية، وكانت حقوق الإنسان من أهم تلك الحقوق التي حصلوا عليها، بينما نجد شعوبًا لا تملك حتى حق الحياة، ويرجع هذا الفارق الهائل أحيانًا لأسباب موضوعية كثيرة مثل مرور بعض المجتمعات بمراحل اجتماعية متأخرة تقترب لمفاهيم العصور الوسطى وربما العصور القديمة، وتغذية وتدعمة اقتصاديات متخلفة وأساليب انتاج بدائية، مما يضعف بشكل كبير من قوة المجتمع المدني، وقيمة الفرد، وقوة وفاعلية الرأي العام، ويسهل خلق نظم الاستبداد السياسي، والتمييز والطغيان الاجتماعي بكافة أشكاله، ويضاعف من المهام الملقاة على عاتق القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة في التغيير، لتصبح مهمة استرداد الحرية في مقدمة أولوياتهم، بعد أن أصبحت من الاحتياجات الأساسية للشعوب، وباعتبارها قيمة إنسانية تم سلبها نتيجة استغلال الإنسان لأخية الإنسان كما أسلفنا، كما أن صيغها العصرية مكتسب حضاري وإنساني يخص البشرية كلها ولا يخص بعض المجتمعات دون غيرها، وأيضًا للأهمية القصوى للحرية في توفير المناخ الملائم للإبداع والابتكار، وغرس قيم الانتماء الحقيقي للوطن بما يتطلبه من عطاء وتضحية، كما إنها ضرورية لغرس الحماس اللازم لإنجاز المهام الحضارية والإنسانية المنشودة كتحقيق العدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني بمفهومه التقدمي، والسير في طريق التقدم والتطور، وردم الفجوة التي تفصلنا عن حضارة العصر الحديث، والتي تزداد يوما بعد يوم، وتزيد وتيرة سرعتها باضطراد.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك