الأربعاء - الموافق 09 يوليو 2025م

(18) “العزلة التاريخية.. الاحتلال العثماني”.. بقلم الكاتب والباحث: محمد السني

ألقينا الضوء سابقًا على المفهوم التقدمي للاستقلال الوطني، ثم تطرقنا إلى كل من نشأة الأمة المصرية قبل التاريخ في مقالة منفصلة، وعصر الأسر الفرعونية في ثلاث مقالات متصلة، ومقالتين متصلتين عن “مصر البطلمية”، ومقالتين متصلتين عن “الاحتلال الروماني”، ومقالة منفصلة عن “العصر القبطي والقومية المصرية”، ومقالة منفصلة عن الحكم العربي، خمس مقالات متصلة عن عصر الدول المستقلة، ومقالتي هذه عن الاحتلال العثماني.

يُعتبر الغزو العثمانى لمصر عام 1517م  وانتهاء عصر الدول المستقلة بسقوط دولة المماليك التي حكمت لقرنين ونصف من الزمن، من أهم الفترات في تاريخ مصر، وتم ذلك نتيجة لتحولات تاريخية كبرى حدثت في إقليم الشرق الأوسط، فرغم أن دولة المماليك المستقلة واجهت مخاطر وتحديات خارجية عديدة، سواء من الشرق عن طريق الفرس، أو من الأناضول عن طريق البيزنطيين وبعدهم التركمان السلاجقة وغيرهم، إلا أنها استطاعت تجاوزها وحماية استقلالها وأمنها القومي، ولكن حدثت تطورات كبرى في في الغرب والشرق الأوسط مع بداية القرن السادس عشر أدت إلى تقهقر تاريخي خطير للأمة المصرية، حيث ظلت تعيش في مستنقعات العصور الوسطى، بينما خاض الأوربيون بحار التقدم بعد خروجهم من العصور الوسطى ودخولهم العصر الحديث وليد الرأسمالية الغربية والطبقة الوسطى وظهور “الدولة القومية الحديثة”، مما أوجد الفجوة الحضارية الهائلة بيننا وبين الغرب، والتي نعاني من تبعاتها حتى اليوم. فبعد تولي الشاه إسماعيل الصفوى عرش إيران وتحويل مذهب إيران الديني للمذهب الشيعي، بدأت إيران تظهر كقوة ناشئة جديدة في الشرق الأوسط. كما ظهرت الدولة العثمانية التي تأسست في شمال غرب الأناضول في بداية القرن الرابع عشر ونمت وتوسعت في البلقان والأناضول والإمارات اللاتينية والتركية، ومع بداية القرن السادس عشر أصبحت القوة المسيطرة في الأناضول وسعت إلى التوسع على حساب دولة الفرس والدولة المملوكية في الشام ومصر. وكان التحدي الثالث التي تواجهه مصر من البرتغاليين، حيث مثل سيطرة البرتغاليين على البحر الأحمر ضربة جديدة وخسارة اقتصادية كبيرة لمصر وأفقدت مصر أحد عناصر قوتها وثرائها، حيث إنه البحر الذي يتحكم في طريق التجارة الهندية آنذاك، وبذلك واجهت مصر تلك التحديات الخارجية الثلاثة، الصفويين الشيعة في إيران، والدولة العثمانية في الأناضول، وتحركات البرتغاليين في البحر الأحمر، وشكلت تلك التحديات خريطة المخاطر التي واجهت مصر في بدايات القرن السادس عشر، أي عشية الاحتلال العثماني التركماني لمصر.

بعد أن تشكلت الإمبراطورية العثمانية الجارة لدولة المماليك البرجية، رغبت في استكمال سيطرتها على منطقة الشرق الأدني ومصر، ودارت عدة معارك بينها وبين الصفويين، وبعد انتصارهم على الصفويين، تقدموا لإخضاع السلطنة المملوكية، فنشبت بينهم وبين المماليك معركة على الحدود الشامية التركية تعرف بمعركة مرج دابق، انتصر فيها العثمانيون وقُتل “قنصوه الغوري” سلطان المماليك، ثم تابعوا زحفهم نحو مصر. ولأن أبناء الشعب المصرى كانوا محرومين من حقهم في حمل السلاح للدفاع عن بلادهم منذ احتل الرومان مصر باستثناء لحظات نادرة مثل مواجهة حملة لويس التاسع على المنصورة وغارات القراصنة على الإسكندرية، فلم يكن الشعب المصري مستعدًا بالقدر الكافي لمواجهة جيوش الاحتلال العثماني. ومع ذلك بمجرد تولي السلطان الأشرف طومان باي لعرش السلطنة سنة 1516م، عقب وصول الخبر بسقوط عمه السلطان الغوري قتيلًا في مرج دابق، دعا المصريين إلى حمل السلاح للدفاع عن وطنهم، وقد شاركوا بالفعل في موقعة الريدانية، لكن قوة المدفعية والأسلحة النارية العثمانية كانت أكبر من قدرة الجيش المملوكي والمقاتلين المنضمين إليه من المصريين، فانتصر العثمانيون ودخلوا إلى القاهرة واستولوا عليها، ومع ذلك لم تتوقف المقاومة فسرعان ما جمع طومان باي فلول الجيش المملوكي وتجمع حوله الكثير من المصريين ليهاجموا قوات الاحتلال العثماني ويستردوا القاهرة من أيديهم مرة أخرى، لكن لأيام معدودة عادت بعدها سيطرة العثمانيين. وفي أثناء ذلك قدم شريف مكة مفاتيح الحرمين الشريفين إلى السلطان سليم اعترافًا بخضوع الأراضي المقدسة الإسلامية للعثمانيين، وتنازل في الوقت ذاته آخر الخلفاء العباسيين، محمد الثالث المتوكل على الله، عن الخلافة لسلطان آل عثمان، فأصبح كل سلطان عثماني منذ ذلك التاريخ خليفة للمسلمين.

وفي مقاومة المصريين للاحتلال العثماني نود الاعتماد على المؤرخ المصرى “محمد بن أحمد ابن إياس” الذي عاصر تلك الفترة وتوفي عام 1523م، وقد شاهد كل هذا ورواه فى عز جبروت العثمانيين ما يجعل شهادته الأقرب للحقيقة، فيقول ابن إياس “فلما كان ليلة الأربعاء خامس الشهر، بعد صلاة العشاء، لم يشعر ابن عثمان إلا وقد هجم عليه الأشرف طومان باي بالوطاق واحتاط به، فاضطربت أحوال ابن عثمان إلى الغاية، وظن أنه مأخوذ لا محالة.. واجتمع هناك الجم الغفير من الذعر وعياق بولاق من النواتية وغيرهم وصاروا يرجمون بالمقاليع وفيها الحجارة، واستمروا على ذلك إلى أن طلع النهار فلاقاهم الأمير علان الداودار الكبير من الناصرية عند الميدان الكبير فكان بين عسكر ابن عثمان وعسكر مصر هناك وقعة تشيب منها النواحى، واستمر السلطان طومان باي يتقع مع عسكر ابن عثمان ويقتل منهم في كل يوم مالا يُحصى عددهم، من يوم الأربعاء إلى يوم السبت طلوع الشمس ثامن المحرم…”، وهذا ما يؤكده نص مقتطع من رسالة بعث بها السلطان العثماني سليم الأول إلى نائبه في الشام يبشره فيها بنجاحه في الاستيلاء على القاهرة والقضاء على المقاومة فيها، فيقول سليم في رسالته بعد أن روى انتصاره في الريدانية على جيوش طومان باي “وكان قد فضل بقية من العساكر المصرية، فهربوا واجتمعوا هم والسلطان طومان باي وجمعوا العربان، والتموا نحو العشرة آلاف، ليلًا من نهار الثلاثاء خامس شهر المحرم الحرام سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة خفية، ودخلوا البيوت الحصينة، وحفروا حولها الخنادق، وستروا التساتير، واجتمعوا في الحارات، وأظهروا الفساد، وأبرزوا العناد، فعلمت عساكرنا المنصورة بهم، فربطوا الخيالة لهم الطرقات، لئلا ينهزم أحد، وصاحت عليهم مماليكنا الإنكشارية والتفكجية، وحملت عليهم حملة رجل واحد، ودخلوا عليهم إلى البيوت التي تحصنوا فيها، ونقبوا عليهم البيوت يمينًا وشمالًا، وطلعوا على أسطحة تلك البيوت التي تحصنوا فيها ورموا عليهم بالبنادق والكفيات، واستمر الحرب بين عساكرنا المنصورة وبينهم ثلاثة أيام.. وفي هذه الثلاثة أيام يستمر القتال من الصبح إلى العشاء، وبعون الله تعالى قتلنا جميع الجراكسة، ومن انضم إليهم من المصريين، وجعلنا دماءهم مسفوحة وأبدانهم مطروحة ونهب عساكرنا قماشهم وأثاثهم وديارهم وأموالهم، ثم صارت أبدانهم للهوام، أما طومان باي سلطانهم فما عرفنا هل هو مات أم بالحياة…”. فبعد دخول العثمانيين للقاهرة استباحوها بشكل كبير وفعل بها الجنود الإنكشارية ما يفعلوه مع بلاد الكفار المفتوحة بل وأعظم، وروى ابن إياس الأهوال التى تذهل لها العقول والتى وصلت لاقتحام الأزهر الشريف ومسجد ابن طولون وجامع الحاكم، وإحراق جامع شيخو، كما أنهم خربوا ضريح السيدة نفسية وداسوا على قبرها، كما نهبوا كل ما أمامهم من محال وأسواق ودخلوا على البيوت فسرقوا ما بها من نفائس ومجوهرات وطردوا الكثير من بيوتهم وأخذوها لهم، ووصل بهم الأمر إلى خلع ألواح الرخام والخشب المزخرف من على واجهات البيوت لبيعها. لقد كان وقع الكارثة فادحًا على وجدان المصريين فوصف بن إياس الغزو العثمانى لمصر شعرًا فقال “الله أكبر إنها لمصيبة وقعت بمصر ومالها مثل يرى.. ولقد وقفت على تواريخ مضت لم يذكروا فيها بإعجاب ما جرى”، وفي موضع آخر من كتابه المعروف باسم (بدائع الزهور في وقائع الدهور) يقول ابن إياس “من العجائب أن مصر صارت نيابة بعد أن كان سلطان مصر أعظم السلاطين في سائر البلاد قاطبة.. ولكن ابن عثمان انتهك حرمة مصر، وما خرج منها حتى غنم أموالها وقتل أبطالها ويتم أطفالها وأسر رجالها وبدد أحوالها وأظهر أهوالها، وأُشيع أن ابن عثمان خرج من مصر وبصحبته ألف جمل محملة ما بين ذهب وفضة، هذا خارجًا عما غنمه من التحف والسلاح والصينى والنحاس المكفت والخيول والبغال والجمال وغير ذلك، حتى نقل منها الرخام الفاخر، وأخذ منها من كل شيء أحسنه، ما لا فرح به آباؤه ولا أجداده من قبله أبدًا…”. ويقول ابن اياس “أنه لم يقاس أهل مصر شدة مثل هذه” ووصل الأمر لوصفه أنه وقع فيها مثل ما وقع من جند هولاكو فى بغداد، وفى موضع آخر من الكتاب أنه “وقع فى القاهرة المصيبة العظمى التى لم يسمع بمثلها فيما تقدم”، و”من حين فتح عمرو بن العاص مصر لم يقع لأهلها شدة أعظم من هذه الشدة قط”، وحسبما يورد فى كتابه “من العجائب أن مصر صارت بعد ذلك نيابة بعد أن كان سلطان مصر من أعظم السلاطين فى سائر البلاد قاطبة لأنه خادم الحرمين الشريفين وحاوى مُلك مصر الذي افتخر به فرعون”. ويصف المؤرخ المصرى ما وقع للمحروسة بعد سقوط القاهرة “أن ابن عثمان انتهك حرمة مصر وما خرج منها حتى غنم أموالهم وقتل أبطالها ويتم أطفالها وأسر رجالها وبدد أحوالها”. ويقص ابن إياس في الجزء الخامس من كتابه الذي يشبه اليوميات، أن سليم خان، الامبراطور التركماني، الذي اقتحم القاهرة، كان رجلًا سيئ الخلق سفاكًا للدماء شديد الغضب، وروى عنه أنه قال “إذا دخلت مصر أحرق بيوتها قاطبة وألعب فى أهلها بالسيف”، ويظهر ابن اياس قصر فهم الدين لدى العثمانيين في مواضع كثيرة من الكتاب نورد منها “أن أحد القضاة لم يجز لأحد العثمانية الزواج من امرأة لم تنقض عدتها، فاشتكاه فأحضر ذلك القاضي ولم يقبل له عذرًا وبُطح وضُرب ضربًا مبرحًا، ثم كشف رأسه وألبسه عليها كرشًا من كروش البقر بروثه وأركبه على حمار مقلوب وأشهره في القاهرة، وكان قبل ذلك نادى السلطان في القاهرة بأن أحدًا من قضاة مصر لا يعقد عقدًا لعثماني”، ولم يظهر من آل عثمان ومن عسكره ما يدل على دفاعهم عن الدين الإسلامى، فعسكره كما يصفهم ابن إياس كان عندهم “قلة دين يجاهرون بشرب الخمور فى الأسواق بين الناس، ولما جاء عليهم شهر رمضان فكان غالبهم لا يصوم ولا يصلي في الجوامع ولا صلاة الجمعة إلا قليل منهم، ولم يكن عندهم أدب ولا حشمة”، ويروي المؤرخ المصرى آيات وقصص الظلم الذي وقع وأصاب المصريين من العثمانيين في مواضع عدة من كتابه، حيث وصل الأمر إلى سقوط 10 آلاف من عوام المصريين قتلى في يوم واحد، وبصف ابن إياس هذا اليوم المشؤوم بقوله “فالعثمانية طفشت في العوام والغلمان والزعر ولعبوا فيهم بالسيف وراح الصالح بالطالح، وربما عوقب من لا جنى، فصارت جثثهم مرمية على الطرقات من باب زويلة.. ولولا لطف الله لكان لعب السيف في أهل مصر قاطبة”. ووصل حد الاضطهاد والاستعباد والاستهزاء بعوام المصريين، من جانب العسكر العثمانيين، أنهم كانوا “يخطفون عنهم العمايم ويعرون الناس في الشوارع” حسب رواية ابن إياس، رغم أن سليم خان “كان ينادى كل يوم بالأمان والاطمئنان في القاهرة والنهب والقتال عمال من جماعته”. وفي موضع آخر من كتابه بدائع الزهور يروي المؤرخ المصري رواية أخرى للاستعباد الذي كان يقوم به الأتراك للمصريين فيقول “في يوم اضطربت أحوال القاهرة، وصارت أرباب الأدراك (الدرك) تقف على أبواب المدينة ويمسكون الناس من رئيس ووضيع ويضعونهم في الحبال حتى من يلوح لهم من القضاة والشهود، وما يعلم ما يصنع بهم، فلما طلعوا بهم إلى القلعة أسفرت تلك الوقعة على أنهم جمعوا الناس حتى يسحبوا المكاحل النحاس الكبار التى كانت بالقلعة، وينزلوا بها إلى شاطئ البحر.. وقاسى الناس في سحبها غاية المشقة وحصل لهم بهدلة من الضرب والسك وخطف العمائم.. وصاروا يربطون الرجال بالحبال فى رقابهم ويسوقونهم بالضرب الشديد على ظهورهم”. هكذا عامل العثمانيون، المصريين، ولم يكتف الأمر بذلك بل قام العثمانيون بأعمال نهب وسلب وتخريب منظمة لتضيق الأقوات على الشعب المصرى وتحل به المجاعة، فيورد ابن إياس “شحت الغلال من القاهرة وسبب هذا أن العثمانية لما دخلوا القاهرة نهبوا المغل الذي كان في الشون وأطعموه لخيولهم”، وفي موضع آخر “أنهم سرقوا دجاج الفلاحين وأغنامهم وأوزهم، ثم دخلوا إلى الطواحين وأخذوا ما فيها من البغال والأكاديش وأخذوا عدة جمال من جمال السقايين، وصارت العثمانية تنهب ما يلوح لهم من القماش وغير ذلك، واستمر النهب عمالًا في ذلك اليوم إلى بعد المغرب، وتوجهوا إلى شون القمح التى في مصر وبولاق ونهبوها”. ويروي ابن إياس في موضع آخر “أن جماعة من العثمانية صاروا يمسكون أولاد الناس من الطرقات ويقولون لهم أنتم جراكسة فيشهدون عندهم الناس أنهم ما هم من المماليك فيقولون لهم: اشتروا أنفسكم من القتل فيأخذون منهم حسبما يختارون من المبلغ، وصار أهل مصر تحت أسرهم. فانفتحت للعثمانية كنوز الأرض بمصر من نهب قماش وسلاح وخيول وبغال وجوارى وعبيد وغير ذلك من كل شىء فاخر”. فبعد الغزو اتخذ العثمانيين من “خاير بك” واليًا على مصر فسام المصريين سوء العذاب وأعدم الكثيرين ظلمًا واستولى على أراضي كثيرين بحجة أنهم أخذوها قسرًا من أصحابها، واستمر العثمانيون في الفساد والنهب فكانوا يدخلون الأحياء مثل حي الأزبكية ويخلعون الابواب والشبابيك الحديد ويضعونها على جمال ويبيعونها، واستمروا فى خطف النساء والصبيان وقتل الناس فى الشوارع ليل نهار حتى أصبح الناس مرعوبون منهم، فذهب أمين قضاة مصر مع الامير قايتباى لخاير بك فى القلعه وحكوا له مايحدث فنادى خاير بك فى القاهره بمنع خروج الستات والصبيان المرد من بيوتهم وأن الدكاكين والأسواق تقفل بعد المغرب وعدم خروج الناس للشوارع بعد المغرب. وفي موضع آخر يقول ابن إياس “إن ابن عثمان احتجب عن الناس ولم يظهر لأحد وحكم بين الناس، ينصف الظالم من المظلوم، بل كان يحدث منه ومن وزرائه كل يوم مظلمة من قتل وأخذ أموال الناس بغير حق، ولأنه كان يشاع العدل الزائد عن ولاد ابن عثمان وهم فى بلادهم قبل أن يدخل سليم شاه لمصر، فلم يظهر لهذا الكلام نتيجة”، وفى موضع آخر يروي ابن إياس أن سليم “كان مشغولًا بلذته وسكره وإقامته بين الصبيان والمرد.. وما كان له أمان إذا أعطاه لأحد من الناس وليس له قول ولا فعل وكلامه ناقص ومنقوض ولا يثبت على قول واحد كالعادة”. كما زالت تمامًا مباهج ومفاتن مصر التي كانت تذهو بها على سائرالأمم، حيث يعتبر مؤرخون أن الغزو التركي لمصر أفظع الغزوات والاحتلالات الأجنبية التي تعرضت لها مصر عبر تاريخها. وقد عبر ابن إياس عن الفجيعة التي وقعت بمصر بعد حكم العثمانيين الاتراك لها في رثاء شعري “نوحوا على مصر لأمر قد جرى … من حادث عمت مصيبته الورىى”.

وعلى طريق عثمنة مصر، غير خاير بك النظام القضائي في مصر وألغى قضاة المذاهب الأربعة واُكتفي بقاض حنفي، وكذلك غُيرت نظم الموازين وأصبحت مثل النظام التركماني وأُمر بإعدام كل من يعيد استخدام الموازين المصرية. وفُرضت ضريبة على الزواج والطلاق فامتنع الناس عن الزواج أو الطلاق بسبب ذلك، ووصفت مصر جملة أنها دخلت في عصر مظلم حيث عُزلت عن العالم وأصبحت سلة الغذاء والمال للدولة العثمانية فغدت إتاوة مصر وحدها ما يقارب من ثلث إيراد الخزينة العثمانية. وفي 31 أكتوبر 1520م وصل قاصد من إستنبول ومعه مرسوم لخاير بك من السلطان سليمان ابن سليم شاه بلغه فيه أن السلطان سليم شاه تُوفي وأن سليمان أصبح السلطان الجديد، فأمر خاير بك بالصلاة على سليم شاه صلاة الغيبة في جامع القلعة وكل جوامع القاهرة وإلقاء الخطبة على المنابر باسم السلطان سليمان، وفي هذه الأثناء ذهبت جماعه من الإنكشارية على حارة زويلة التي يسكن فيها اليهود لكي ينهبوها اتباعا لعاده لديهم بنهب حارات اليهود عندما يموت سلطانهم، ومنعهم خاير بك فغضبوا منه وهددوا بنهب كل القاهرة، ولكن خاير بك استطاع السيطرة عليهم بعد ما دفع لكل واحد منهم تمانين دينًار، فلما سمع عساكر الأصبهانية بالموضوع ذهبوا لخاير بك وطلبوا منه ثمانين درهمًا لكل واحد منهم أسوة بالإنكشاريه، فرد عليهم”الإنكشاريه مماليك الخندكار (السلطان) وأنتم خدامه بجوامك (مرتزقته بأجور)، وما عندى مال أنفقه عليكم”، فغضبوا وانصرفوا وقرروا ان ينهبوا الزينات المعلقة في القاهرة بمناسبة تنصيب السلطان سليمان، ففكت الناس الزينات بسرعة وحدثت اضطرابات في الشوارع.. وعلى المستوى الحضاري، كانت القاهرة عامرة بأبنيتها الفخمة وتراثها المعماري الذي حرض حكامها السابقون إبان عصر الدول المستقلة وخاصة من الفاطميين والمماليك على المباهاة بها، وظل منها ما ظل ولم تطله يد الحرق أو النهب والهدم على يد العثمانيين الذين هدموا المساجد ذات الطرازات المميزة، مثل جامع شيخو، ولا عجب فقد وصف ابن إياس العثمانية بأنهم “قوم همج”، وحسب روايته “لم يكن له (سليم) نظام يعرف لا هو ولا وزراؤه ولا أمراؤه ولا عسكره، بل كانوا همجًا لا يُعرف الغلام من الأستاذ ولما أقام ابن عثمان في القلعة ربط الخيول من الحوش إلى باب الجامع، وصار زبل الخيل هناك بالكيمان على الأرض” وعن عسكره يصفهم ابن إياس بأنهم “كانوا جيعانين العين نفسهم قذرة يأكلون الأكل وهم راكبون على خيولهم في الأسواق وعندهم عفاشة في أنفسهم”.

وبذلك تبدل الحال تمامًا مع دخول العثمانيين، لقد كانت سنتا 1516 و1517 سنتين من السنوات العصيبة في التاريخ المصرى، سنتين شهدتا سقوط دولة المماليك وفقدان مصر لكيانها المستقل، ليبدأ عصر جديد من عصور التبعية لقوة خارجية صاعدة في سماء المنطقة، فأصبحت مصر ولاية في دولة كبرى مركزها إسطنبول على مضيق البسفور، وبعد أن استمرت القاهرة لعدة قرون المركز الحضاري والسياسي الأول في المشرق العربي والإسلامي، ذوت لتصبح مجرد عاصمة لولاية يديرها باشا مبعوث من قبل السلطان العثماني، سنتين كانتا مليئتين بالحوادث والوقائع، سقط فيهما آلاف من القتلى ومن أبناء الشعب المصري، كما قام الاحتلال العثماني بعملية تفريغ للقوى الإنتاجية المتبقية،حتى انقرضت 50 حرفة. فتم لسنوات نقل أمهر صناعها وحرفييها ومثقفيها مبدعيها ومفكريها إلى الأستانه، كل هذه العوامل أدت إلى عدم قدرتها على مواكبة حركة التقدم التي شهدها العالم أبتداء من القرن السادس عشر الميلادي، وإمكانية الدخول إلى عصر الثورة الصناعية أو التحول إلى النظام الرأسمالي. ليبدأ عصر ظلام وجمود طويل في تاريخ مصر.

كانت خطة العثمانيين بعد احتلالهم مصر هي اضعافها وتقزيمها، واضعاف وتهميش من تبقى من المماليك بعد أن تحولوا إلى خيالات ظل للمحتل العثماني ولم يعد لهم صلة بتاريخ ومجد السلطنة المملوكية التي أشرنا إليها سابقًا، وذلك لكي تظل مصر تابعة خانعة للإمبراطورية العثمانية، فإخترعوا نظام حكم غريب قسموا فيه مراكز القوى في مصر. وأوجدوا هيئات تشترك معًا في شؤون الحكم وهي “الوالي” أو الباشا وهو نائب السلطان العثماني في مصر ورئيس السلطة التنفيذية بها وكان مقره القلعة وهو ممثل السلطان العثماني وكانت مدة حكم الوالي بين سنة وثلاث سنوات، وكان عدد ولاة العثمانيين الذين حكمو مصر حتى الحمله الفرنسية 136والي، أولهم خاير بك الذي عينه السلطان سليم الأول كمكافأة له على خيانته للسلطان الغوري في معركة مرج دابق وسماه “خاين بك”، وآخرهم كان سيد باشا أبو بكر الطرابلسى (بكير) الذي عينه السلطان سليم خان الثالث، وهؤلاء الولاة كانوا يُعينون بفرمانات من السلطان العثمانى في الأستانة، وتمثلت مهامه في إرسال الجزية المقررة إلى السلطان، وقيادة الجند في الحروب ولكنه لم يكن مطلق التصرف في المسائل المهمة بل كان عليه أن يحيلها على ديوان القاهرة. وتكون “الديوان” من كبار ضباط الحامية العثمانية والموظفين والعلماء والأعيان وله سلطة مراقبة الوالي ولا يستطيع الوالي أن يبت في أمر إلا بموافقة أعضاء الديوان. وتألفت “الحامية العثمانية” من عدة فرق عسكرية موزعة بين القاهرة والمدن الكبرى وكانت تقوم بحفظ النظام والدفاع عن الولاية، وبقيت “إدراة الأقاليم” لأمراء المماليك حيث أُوكل إليهم مهمة إدارة الأقاليم وحفظ التوازن بين الوالي ورؤساء الحامية وذلك لخبرتهم الطويلة في تنظيم شؤون البلاد، فكان منهم السناجق والكشافة ويشرفون على الأمن العام، وكان زعيم المماليك يقيم في القلعة ويُسمى (شيخ البلد)، ولقد كثرت المنازعات بين الأمراء المماليك بعضهم مع بعض، وبينهم وبين فرق الحامية العسكرية والوالي العثماني، وهي منازعات لم تُخمد في أي فترة من الفترات، وكانت أوضح ما تكون في القاهرة التي غلب عليها الفقر وكساد تجارتها، لأنها كانت مقر الوالي وأعضاء الديوان وجنود الحامية العسكرية والبكوات المماليك، فلا تلبث الشوارع أن تتحول إلى ساحات قتال، ويكثر سلب ونهب المتاجر وتكسد التجارة، كما أمر الوالي  العثماني خاير بك في مصر القضاة الاربعة بتقليل عدد نوابهم وكان ذلك بداية تغيير مهم في طريق “عثمنة مصر”، واستحدث ما سُمي بالمُحضر وهو موظف تركي كان يجلس على دكة على باب المدرسة الصالحية بين جماعة من الإنكشارية، وكانت مهمة هذا المُحضر هي الإطلاع على كل القضايا قبل عرضعا على القضاة ولو أصدر هو حكمًا فليس للقضاة حق الاعتراض عليه، ويأخذ نظير هذه المهمة أتعاب من الشاكي والمشتكي، ويتحدث عن طريق مترجم تركي، كما فرض العثمانيون ضرائب على القضايا التي ترفع في نواحى مصر.

ابتدع خاير بك وظيفة جديدة سماها ” مفتش الرزق الجيشيه” مهمته البحث في دفاتر رجال الدوله والناس عن إقطاعات وممتلكات أخدوها من غير وجه حق، وكان الهدف بطبيعة الحال هو الاستيلاء على ممتلكات الناس وليس العدل، وبذلك حصلت مظالم كبيرة واستطاع مفتش الرزق أن يستولي على ممتلكات ناس كثيرة كانت تحوز مكاتيب شرعيه، ويقول ابن إياس ” وحصل للناس منه الضرر الشامل، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم”. وفي سنة 1521م كانت هناك إعدامات كثيرة نفذها خاير بك ومعظمها كانت إعدامات ظالمة، ويقول ابن إياس ” وفي هذه السنة قتل ملك الأمراء من الناس ما لا يُحصى عددها بتوسيط وشنق وخوزقة، وأكثرها راح ظلمًا “. وبذلك تدهورت الحالة الاقتصادية في البلاد، لعدم استقرار الأمن واشتداد النزاع بين فرق الحامية العسكرية فضلًا عن عدم ثبات قيمة العملة المتبادلة واختلاف المكاييل والموازين من مكان إلى مكان، بل زادت بشاعة النظام العثماني بفرض ضريبة سنوية تُرسل للسلطان على أملاك المصريين وتُسمى تلك الضريبة (المال الأميري)، وكان لكل جهة متعهد يلتزم بجمع الضريبة وتُعفى أرض هذا المتعهد من الضريبة ويزرعها له الفلاحون بالمجان، علاوة على ضريبة كان يأخذها المتعهد من الفلاحين لنفسه، وكانت حقوق هؤلاء المتعهدون ومناصبهم وراثية، بالإضافة إلى الضريبة التي كان يفرضها البكوات “المماليك” على محصول الأراضي وتُسمى تلك الضريبة “الكشوفية”، وكثيرًا ما كان يفرض الوالي على السكان ضرائب أخرى إضافية كلما احتاج إلى المال لإرضاء الأستانة فتبقيه في مصر ولاية أخرى، ووصل الفقر بأهل مصر في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي إلى درجة لم يسبق لها مثيل فصار أهل البلاد هم العبيد الحقيقيين و”البكوات” هم السادة، إذ استولوا على جميع الأملاك وتدهورت حالة الفلاح حتى صار رثاءً في ملبسه ومسكنه ومأكله لا يكاد يفيق من دفع ضريبة حتى يطالب بدفع ضريبة أخرى، وإذا امتنع عن الدفع (فقرًا أو إدعاءً) ضُرب وعُذب حتى يدفع، وربما قُتل من أجل ذلك، وفي الزراعة كانت الأرض ملكًا للدولة ممثلة في السلطان وتُزرع عن طريق تكليف الفلاحين بذلك فيما عُرف بحق الانتفاع، كما أُثقل الفلاح بالضرائب المفروضة على الأراضي وعانى من التلاعب بالموازيين والمكاييل وشدة تعسف وظلم الملتزمين في جمعهم للضرائب المفروضة على الأراضي الزراعية، وبذلك تدهورت الزراعة بسبب عدم اهتمام الطبقة الحاكمة بتنظيم الري أو إقامة السدود وحفر الترع مما أدى إلى انتشار المجاعات والأوبئة وانخفاض ناتج المحاصيل الزراعية وتدهور أحوال المجتمع الريفي بوجه عام.. وتدهورت الصناعة بسبب التدهور الزراعي الذي أدى إلى انقراض واضمحلال العديد من أنواع الصناعات مثل صناعات بناء السفن والمنسوجات الفاخرة، كما اقتصرت الصناعة على بعض الصناعات اليدوية البسيطة الضرورية للاستهلاك المحلى مثل صناعة الغزل والنسيج والفخار والحصير ومواد البناء والسكر وكانت جميعها رديئة، وساعد على زيادة التخلف إرسال السلطان سليم الأول الصناع المهرة إلى عاصمة الدولة العثمانية مع بداية الغزو العثماني لمصر كما أسلفنا.. وتدهورت التجارة الداخلية بسبب تدهور الزراعة والصناعة وافتقاد الأمن وعدم الاهتمام بطرق التجارة البرية، لذلك لم تنمو التجارة الداخلية وعاش كثير من المناطق في عزلة وشبه اكتفاء ذاتي، وكانت التجارة بين الوجهين البحري والقبلي تتم عن طريق نهر النيل كما انخفضت القدرة الشرائية لدى المجتمع المصري، أما التجارة الخارجية فقد تدهورت بسبب الاكتشافات الجغرافية وتحطيم الأسطول المصري عام 1509م، كما أدى تحول الطريق التجاري المؤدي إلى الهند إلى طريق رأس الرجاء الصالح بدلًا من الطريق الذي يمر بمصر من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر إلى انهيار اقتصادي، وبذلك فقدت مصر موردًا اقتصاديًا هامًا، واقتصرت صلاتها التجارية بحوض البحر المتوسط والسودان وبلاد الحبشة والحجاز واليمن، كما ساعد منح الدولة العثمانية الامتيازات الأجنبية للدول الأوروبية وما صاحب ذلك من امتيازات جمركية وقضائية، على سيطرة التجار الأجانب على أمور التجارة في مصر.. ولم يحاول العثمانيون تنمية المجتمع بأي طريقة، وإنما كانوا ينظرون للمصريين بنظرة تعالي واحتقار، وقصروا الوظائف الإدارية على نفس عنصرهم التركي وعنصر المماليك الشركسي، لذلك انحط المستوى الاجتماعي للشعب المصري، وشاع الاعتقاد في السحر والخرافات وراجت أسواق المشعوذين والدجالين. ويحكي شحاتة عيسى إبراهيم في كتابه “القاهرة” عن إشاعة راجت في أحد الأيام من عام 1735م أن يوم البعث سيكون يوم الجمعة السادس والعشرين من ذي الحجة، وأخذ الناس يودع بعضهم بعضًا الوداع الأخير، ويهيمون على وجوههم في الحقول والطرقات، وانقضى اليوم ولم تقم الساعة والناس مازالوا أحياءً يرزقون!! فشاع بينهم مرة أخرى أن السيد أحمد البدوي والسيد الدسوقي والإمام الشافعي تشفعوا للناس عند الله أن يؤجل لهم قيام القيامة، فقبل شفاعتم!!!. كما قل ظهور علماء أو مفكرين في ذلك العصر، وانحسرت العمارة الجميلة والبديعة، وأثرت الحالة الاقتصادية السيئة بشكل سلبي على العمارة المصرية في ذلك العصر، فقد كان فيها كثير من الاقتصاد من حيث المساحة ومن حيث الزخرفة، كما قلت الدقة في البناء، لقلة الثروة من ناحية وتقهقر الصناعات من جهة أخرى، وتميز الولاة الذين تولوا ولاية مصر في عهد العثمانيين أن همهم الأول كان جمع الأموال بكل الطرق وابتزاز التحف والهدايا من الناس، فلم يكن يعنيهم القيام بأي أعمال أو إنشاءات تخلد ذكراهم، فهم راحلون إلى أوطانهم عما قريب.. وفي الحالة الاجتماعية كان المجتمع المصري إبان الحكم العثماني ينقسم إلى طبقتين، طبقة الحكام ولها كافة السلطات وتركزت في أيدي قلة أرستقراطية من التركمان والمماليك وتمثل مكان الصدارة في الإدارة والجيش وشؤون الحكم وينصب إهتمامهم في جمع الثروة من حصيلة أملاكهم منشغلين بالسياسة وصراع السلطة، وطبقة المحكومين وكانت تنقسم إلى طبقة وسطى محدودة للغاية من المشايخ والعلماء وكبار التجار والحرفيين وظلت تبعيتهم للسلطة بشكل تام ولم تشهد تطور ملحوظ طيلة الحكم العثماني وكان ذلك سببًا رئيسيًا في انعدام الحراك الاجتماعي ومن ثم البطء الشديد في التطور والتقدم، وطبقة دنيا وهم الأكثرية من الفلاحين وصغار الحرفيين وعامة الناس، وقد عانت هذه الطبقة الفقر والظلم وانتشار المجاعات وتفشي الأوبئة والأمراض والبطالة والتشرد، وكانت طبقة العبيد تُشكل جزءً مهمًا لا غنى عنه في المجتمع العثماني، وكانت هذه الطبقة تتألف من الصبية والبنات الأوروبيين الذين يخطفهم القراصنة أو يتم سبيهم خلال المعارك والحروب، ومن الأفارقة الذين كان يخطفهم تجار الرقيق من قراهم جنوب الصحراء الكبرى، ورغم أن السلطان محمود الثاني ألغى تجارة الرقيق الأبيض في أوائل القرن التاسع عشر، إلا أن تجارة الرقيق الأسود استمرت قائمة حتى أواخر عهد الدولة العثمانية.. ولم يسمع صوتًا للمرأة طيلة الخلافة العثمانية، واقتصر دور المرأة داخل أسوار القصور على الخلف والعلف، ونشأ مصطلح الحريم العثماني الذي كان يعني الجواري والسراري التابعات للسلطان العثماني، وبلغت المرأة في الخلافة العثمانية أدنى وأحط درجات الإنسانية والعلم والعمل، واستخدم العثمانيون أبشع الطرق للعقاب، ومنها استخدام “الخازوق” للإعدام، فنقل الأتراك الخازوق من العراق، وأجروا العديد من الدراسات حول استخدامه، وكانت الدولة العثمانية تدفع المكافآت للجلاد الماهر الذي يستطيع أن يطيل عمر الضحية على الخازوق لأطول فترة ممكنة تصل إلى يوم كامل، وكان يتم إدخال الخازوق من فتحة الشرج ليخرج من أعلى الكتف الأيمن دون أن يمس الأجزاء الحيوية من جسم الإنسان كالقلب والرئتين بأذى قد يودي بحياة المخوزق سريعًا، أما إذا مات المخوزق أثناء عملية الخوزقة فيحاكم الجلاد بتهمة الإهمال الجسيم ويتعرض لتنفيذ نفس العقوبة عقابًا له على إهماله، وتعتبر أشهر حالة خوزقة في تاريخنا الحديث هي حالة “سليمان الحلبي” الذي قتل القائد الفرنسي “كليبر”، والذي تُرك بعد عملية الخوزقة لمدة أربعة أيام لتأكله الطير، وكان للعثمانيين باع طويل في استخدام تلك الوسيلة البشعة للعقاب، فقد استخدموها أثناء حصار القسطنطينية عام 1453م، وخلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وخاصة خلال عمليات القمع الوحشية للحركات القومية، أو الأعمال الانتقامية التالية للتمرد في اليونان وغيرها من بلدان أوروبا، وكذا أثناء الثورة الصربية (1804-1835) ضد الإمبراطورية العثمانية، حيث تم خوزقة حوالي مائتي من الصرب في بلغراد عام 1814م، عقابًا على الشغب في أعقاب ثورة هادزي برودان.

يعود ظهور الدولة القومية بملامحها الأولى تاريخياً إلى القرن الرابع عشر الميلادي حيث تمكن ملوك فرنسا وأسبانيا من إخضاع الكنيسة والأسياد الإقطاعيين إلى سيطرتهم، وقد أدى الملوك دورًا أساسيًا في بروز الدولة القومية، أي أنهم كانوا الطرف الأهم في معادلتها. ومع ظهور الدولة القومية مُنح الأفراد صفة المواطنة لدولة محددة بالإضافة إلى كونهم رعايا لملوكهم، وأُعتبر سقوط بيزنطة عام 1453م نهاية العصور الوسطى في الغرب، وظهور عصر الدول القومية الحديثة. وهو ما سبقتهم إليه الدولة المصرية باستعادة نشأة الدولة المصرية المستقلة باستقلال الدولة الطولونية عن الخلافة العباسية عام 868م ثم تبعها عدة عصور مستقلة متواصلة تمثلت في الدولة الإخشيدية والدولة الفاطمية والدولة الأيوبية وصولا إلى دولة المماليك التي استمرت حتى عام 1517م، وذلك كما أوضحنا سابقًا بشيء من التفصيل، وحتى ذلك الحين لم تكن هناك فجوة حضارية مع الغرب، بل تفوقت عليهم مصر في الجوانب الحضارية والاقتصادية والعسكرية. ولكن أصبحت مصر بعيدة تمامًا عن المؤثرات الحضارية الحديثة في أوروبا، إبتداءً من القرن السادس عشر وحتى القرن الثامن عشر الميلادي، حيث أخذت أوروبا طريق التقدم في جميع مجالات الحياة بأفكار جديدة وضعت تحديًا للقديم وأحدثت تغييرات جذرية في المجتمع تناقض ما تأسست عليه الدولةُ العثمانيةُ التقليديةُ، إذ ترسخ وجود الدولة القومية وسيادتها في أوروبا بعد معاهدة ويستفاليا عام 1648م التي رسخت أول اعتراف رسمي بالدولة القومية الحديثة، واعترفت بحدود الدول القومية وأقرت وشرعنة الاحترام المتبادل لسيادة هذه الدول على أراضيها ومواطنيها، وأنهت الحروب الدينية الطاحنة في أوروبا (30 عاماً – 100 عام). وتم الاتفاق على أن يتم تعيين ما سُمي وعُرف بعد ذلك باسم “الدولة القومية” أو (الدولة الأمة)، والتي كانت تعني أن يتخذ كل مجموعة من الأعراق وأصحاب التاريخ الواحد واللغات المتشابهة أرضا ويعينوا لها حدودا وتصبح بذلك دولتهم التي لا يُغير عليها أحد ولا يشاركهم فيها أحد. كما أنها قننت أسس التعامل بين الدول الأوروبية التي كانت تتكون منها الإمبراطورية الرومانية المقدسة، فضلاً عن كونها أرست معالم نظام دولي جديد قوامه “الدولة القومية”. وهكذا، فقد ظهرت “الدولة القومية الحديثة” في بعض دول أوروبا كمحصلة لمسيرة التطور الاجتماعي، والاقتصادي، والأحداث السياسية، ومن ثم انتشر هذا النمط من أنماط التنظيم السياسي إلى بقية أرجاء القارة. وفي واقع الأمر، لم يأت ظهور الدولة القومية من فراغ، بل إنه كان مصاحبًا لعملية تحولات عميقة عدت بمثابة انتقال من عصر إلى آخر، من المجتمع الزراعي التقليدي (الإقطاعي)، إلى المجتمع الصناعي الحديث (الرأسمالي) وهو مجتمع أطلق تحولات اجتماعية واقتصادية وثقافية ديناميكية. فلقد استطاعت الأمم والشعوب التي تطور فيها أسلوب الإنتاج الرأسمالي أن تسبق غيرها من الشعوب والأمم في بناء دولتها الحديثة، بعد أن استكملت وحدتها القومية، وإقامة المؤسسات التمثيلية والتنفيذية والبيروقراطية التي شكلت دعائم وأسس هذه الدولة. ومن ثم فإن حياتها السياسية قد تطورت بالتوازي مع اتساع الدائرة المدنية، وانفصل لديها ما هو سياسي عن ما هو ديني، من خلال إضعاف السطوة الشمولية للكنيسة، وتحقيق نوع من الاستقلال النسبي للأصعدة المتراكمة السياسية، والثقافية، والاقتصادية. في حين اعترف المجتمع المدني الذي تشكل كنقيض للدولة الإقطاعية وعلى أنقاضها بهذا الكيان وخضع له، على إنه نتاج طبيعي وممثل عضوي لأهدافه. وعلى غرار الاختلاف الحاصل حول أصل الدولة وظروف نشأتها في التاريخ القديم، فإن الاختلاف ذاته انصب حول نشأة الدولة الحديثة، ففي حين يردها بعضهم إلى تطور النظام الرأسمالي، فإن بعضهم الآخر يرجع أسبابها إلى موجة المَلكية المطلقة المنفصلة عن الامبراطورية الرومانية الآيلة للتفتت، وهناك من يركز على الجوانب العقلية والقانونية لنشأة الدولة. غير أن الذي لا شك فيه هو أن الدولة الحديثة جاءت نتيجة مسار فكري وسياسي متعدد المشارب والتجارب، فمن الصراعات التي قامت بين العديد من المَلكيات وبين السلطة البابوية في العصور الوسطى، إلى الإصلاح الديني البروتستانتي إلى الثورات الأوروبية الحديثة، تشكلت ملامح الدولة وتغلغلت فكرتها داخل الفكر كما في الممارسة. وبهذا المعنى، فإن الدولة القومية الحديثة انبثقت من صميم إرادة الجماهير وخرجت من صلب المجتمعات التي تشكلت فيها. ومن ثم فإن ولادتها جاءت متسقة مع ثقافة تلك المجتمعات ومستوى تطورها السياسي ولم تكن مفروضة عليها من الخارج (وهو ما سنأتي إليه لاحقا بشيء من التفصيل).

في عام 1768م وأثناء الحرب بين روسيا والدولة العثمانية، كانت المحاولة الأولى لاستقلال مصر عن الاحتلال العثماني، وذلك عندما انتهز علي بك الكبير أحد مماليك العصر العثماني الفرصه وأعلن استقلال مصر. وفي سنة 1769م طرد الوالي العثماني من مصر ومنع دخول أي والي غيره، وامتنع عن دفع الجزيه للعثمانيين وسك نقود باسمه وأرقف الدعاء للسلطان العثماني في جوامع مصر وأصبحت مصر بالكامل تحت سيطرته. وبمجرد استقلاله بمصر ألغى نظام السناجق التركمان الذين احتكروا الأراضي الزراعية لعقود طويلة وكان عددهم لايزيد عن أربعة وعشرين سنجق، يتولون تحصيل الغلال من الفلاحين مقابل دفع الخراج للوالي العثماني، وأوجد نظام الملتزمين بدلًا منه وكان أغلبهم من المصريين. وانفتحت مصر من جديد على العالم الخارجي فجلب علي بك الكبير خبراء اجانب ليساعدوه على تطوير وتحسين الزراعة في مصر. كما ازدهرت في عهده المدن والموانئ المصريه ونشطت فيها الحركة التجارية وحركة النقل وأصبحت القاهرة مركز تجاري كبير. فأحدث حراكًا اجتماعيًا استثنائيًا، صعد على أثره تجار القاهرة اجتماعيًا واحتكروا الشؤون الماليه في مصر وأصبح الكثير منهم أعضاء في الديوان ودخل آخرون السلك العسكري وأصبحوا من رجال الحكم وتحولت الحامية التركية لحامية مصرية وأصبحت تلعب دورًا كبيرًا في اضعاف السيطرة والنفوذ التركماني. كما تصدى علي بك الكبير للموظفين والقضاة المفسدين والمرتشيين. وقرب منه المعلم رزق القبطى الذي اشتهر بنزاهته وسعة خبرته وعينه وزيرًا للمالية. وأبرم معاهدة دفاعية مع روسيا ألد أعداء العثمانيين، ورغب من ذلك تقوية مركزه ضد تركيا والاستنجاد بها ضد العثمانيين في الظروف الصعبة، وشجعته وروسيا بطبيعة الحال وأيدته لتعزيز استقلال مصر وفي حروبه التوسعية في المناطق التي يسيطر عليها العثمانيين في الشام والحجاز.. وجهزعلي بيك حملته لضم بلاد العرب فكون جيش من ستة عشر ألف عسكرى منهم عشرة آلاف من المصريين المتطوعين وستة آلاف من المماليك. ونجحت الحملة في إخضاع الحجاز واليمن لحكم مصر. ودُعي لعلي بك الكبير على منابر الكعبة وسقط اسم الخليفة العثماني ولُقب علي بك الكبير بلقب “سلطان مصر وخاقان البحرين والبرين”. وبعد أن أصبحت بلاد العرب في أيدي علي بيك الكبير أصبح هدفه فتح الشام والوصول لجبال طورس، فخرج جيشه بقيادة محمد بيك أبو الدهب في ديسمبر عام 1770م، واستطاع جيش علي بك فتح الشام ولم يتبقى له إلا أن يزحف على جبال طورس ويهدد تركيا نفسها، لكن فجأة حدثت واقعة غربيه هدمت مشروع علي بك الكبير وكل إنجازاته. فجاءه قرار قائد جيشه محمد بيك ابو الدهب وقف الزحف والرجوع لمصر بالجيش، وذلك لأسباب غير معروفه بالتحديد ولكنها لا تخرج عن دائرة الندية والصراع السياسي الخفي بين الرجلين. وبذلك ضيع محمد بيك أبو الدهب كل ما بناه علي بيك الكبير وقضى على استقلال مصر، ورغم محاولات علي بك الكبير انقاذ الموقف إلا أنه فشل بعد أن تصادم جيشه مع الحامية الخاضعة لمحمد بيك أبوالذهب والتي ضمت أغلب الجيش المصري وقُتل فيها علي بيك الكبير، وبوفاته في 8 مايو 1773 دُفنت معه أول محاوله للتخلص من المستعمرين التركمان ووقعت مصر مرة أخرى في أيدي العثمانيين.

بعد أن كانت الإمبراطورية العثمانية قوة عظمى، بدأت في التهاوي منذ بداية القرن التاسع عشر بسبب مزيج من الانحطاط الداخلي والضغوط الخارجية، وتسبب الفساد في مؤسسة الإمبراطورية العثمانية والحكومة، ورفضها التقدم الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي والعلمي في تفتتها ووقوعها بسهولة في أيدي إمبراطوريات جديدة تسيطر على العالم بعقول منفتحة، حققت للإنسان حريته وكرامته، كما فقدت الإمبراطورية العثمانية حيويتها الاقتصاديةَ بعدما أخذت الدول الأوروبية الكبرى في الدوران حول إفريقيا للتجارة واعتمدت على الأمريكتين بدلًا من الوسيط العثماني، أيضًا تجاوزت أوروبا الصناعية التقاليد العثمانية التي عفى عليها الزمن بالثورة الفكرية والصناعية، وقد أدى تراجع نظام السلطنة إلى ضعف سيطرة الحكومة المركزية على أنحاء الإمبراطورية، فأخذت قطاعات كبيرة من الإمبراطورية في الانفصال، في شمال أفريقيا عام 1808م وفي اليونان عام 1826، كما أدى ضعف نظام السلطنة إلى فقدان السيطرة المركزية للدولة العثمانية ثم الانهيار في نهاية المطاف بعد تحالفها مع ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، وأدت في خاتمة مطافها إلى عزل عن التاريخ والجغرافيا أسقطتها بلا رحمة. لقد سجنت الإمبراطوريةُ العثمانيةُ نفسها في العصور الوسطى بكل مظالمها، وأدارت خلافة الأتراك العثمانية جرائم الإبادة الجماعية الأولى في التاريخ الحديث، وذلك فيما يعرف تاريخيًا باسم “المحرقة الأرمينية” أو الجريمة الكبرى، حيث تعمدت الخلافة العثمانية القتل والترحيل القصري المتعمد والمنهجي للمواطنين الأرمن من قبل الإمبراطورية العثمانية خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، ويقدر الباحثون أن أعداد الضحايا الأرمن تراوحت ما بين مليون ومليون ونصف نسمة، أغلبيتهم مجموعات عرقية مسيحية كالسريان والكلدان والآشوريين واليونانيين وغيرهم، واصفين هذه الأحداث، بأنها جزء من نفس سياسة الإبادة التي انتهجتها الإمبراطورية العثمانية ضد الطوائف المسيحية بينما الكل من حولها يسبقها وهي غافلةٌ، كما أكد الدكتور محمد رفعت الإمام، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر أن الدولة العثمانية واجهت مشكلة معقدة جدًا في النصف الثانى من القرن التاسع عشر، أُطلق عليها المسألة الشرقية، ونتج عنها بوادر انشقاقات كبيرة في الجسد العثماني، وهي التي لم تقم على أساس ديني بل استمدت قوتها من الإسلام في البداية للسيطرة الروحية والمادية على المسلمين، ولفت إلى أن النظام الاتحادي العثماني كان يعاني أزمة هُوية، ولذلك كان الحل الأمثل من وجهة النظر العثمانية هو حل أزمة الهُوية عن طريق الإبادة الجماعية، لأن تركيا الحديثة قامت على أنقاض الأرمن، من خلال إرضاء الجنرالات الأتراك بثروات الأرمن ودخولهم في خضم طبقة البرجوازية، وأضاف “عندما تهاوت أركانها لجأت إلى الإسلام مرة أخرى لانتشالها من الانهيار فيما عُرف بمشروع الجامعة الإسلامية، وهنا حاول السلطان عبدالحميد الثاني من خلال هذا المشروع إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وترتب على ذلك عداء واضح ضد غير المسلمين في الفضاء العثماني”، وأشار إلى أن مسألة تدشين إعلاء الأنا العثماني المسلم على حساب الآخر العثماني غير المسلم، برزت منذ عهد السلطان عبدالعزيز، وبالفعل تم بث هذه الأفكار بين العشائر الكردية التي تلاحم الأرمن جغرافيًا، ولهذا رأى الأكراد أن الأرمن المسيحيين يريدون الإجهاز على الدولة العثمانية المسلمة، وبالتالي جواز قتلهم والتخلص منهم، وعليه فإن النازية كمصطلح أو إعلاء الأنا على الآخر تضرب بجذورها في عمق التاريخ الإنساني، ودائمًا ما تلجأ إليها الأنظمة الاستبدادية.

ومما تقدم نجد أن الاحتلال العثماني لمصر كان له تأثيرًا سلبيًا كبيرًا على تطور البلاد، وتسبب في إحداث الفجوة الحضارية الهائلة بيننا وبين الغرب، فعلى الرغم من أن مصر تعرضت لأكثر من احتلال أجنبي عبر تاريخها الطويل، ورغم أن أوضاع البلاد في أواخر عصر المماليك كانت متردية، إلا أن الأثر السلبى الخطير للاحتلال العثماني لمصر والمشرق العربى عمومًا يكمن في أمرين، الأمر الأول أنه قطع الطريق على التحولات الاجتماعية التي كانت آخذة في التطور في مصر، والازدياد المضطرد لتبلور طبقة وسطى صاعدة تمزج بين المصريين والمتمصرين، والتي كان يمكن أن تخرج البلاد من أزمتها التاريخية وتنتقل بها إلى عصر جديد، فأتى الاحتلال العثماني ليجمد الوضع الاجتماعي لعدة قرون أخرى، وليستنزف فوق ذلك موارد مصر الاقتصادية لصالح الخزانة العثمانية، ويتمثل الأمر الثاني في التوقيت الذي احتل فيه العثمانيون مصر، فقد احتلوها في لحظة كان العالم فيها يعيش في مفترق طرق بين عصرين، وقد نجح الغرب في كسر الحاجز والانتقال من العصور الوسطى إلى عصر الدولة الوطنية الحديثة التي أنشأتها الطبقة الوسطى الصاعدة والواعدة، بينما بقي المشرق في ظل الاحتلال العثماني جامدًا في مكانه، ونتيجة لذلك ظلت المجتمعات العربية مجتمعات جمعانية تربطهم علاقات على أساس روابط الدم وغلبة النظام الذكوري الابوي (الباطرياركي) والتسلط والاستبداد الاجتماعيان بالمعنى الأوسع للعبارة والإقطاع والعشائرية والطائفية والفكر الرومانسي والافتقار إلى الفهم الدينامي للظواهر السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها، بينما نشأ مبدأ الفردانية في الغرب وامتد ليشمل التربية وعلاقة الفرد بالمجتمع والسلوك الاقتصادي وأساس بناء الدولة، فقد تأسست الدولة القومية الحديثة على الفردانية وحرية المبادرة وروح الابتكار والمغامرة في الاقتصاد، والتربية على الحرية في السلوك، وإقامة المجتمع السياسي على التعاقد بين إرادات أفراد أحرار، وقد أسهم ذلك في صعوبة الاستيعاب الحضاري للمجتمعات العربية، وبذلك أدت الفجوة الحضارية التي خلقتها العزلة العثمانية لبلادنا عن المجتمعات الغربية إلى خلق حالة التبعية الموضوعية للدول الغربية والتي أصبحت تمثل دول العالم الأول أو دول مركز الرأسمالية العالمية، باعتبار أن الرأسمالية أوجدت مجتمع عالمي متوحد في المصالح الاقتصادية، ومتحد في التوجهات السياسية، ومكتسي بثقافة استغلالية واستعمارية تعكس طبيعة النظام الرأسمالي القائم على الاستغلال، ولا يعرف سوى لغة القوة، والتبيعة الموضوعية هنا تكمن في العلاقة الغير متكافئة بين قوة اقتصادية كبيرة وذات نظام سياسي حديث وقوي وشعب متحضر ومتقدم ومنتج، وبين قوة ضعيفة وذات نظام سياسي واجتماعي متخلف ولا تنتح ما تحتاجه وشعب منهك ومنتهك ححقوقه وحرياته وانسانيته ولا يشارك في صنع قرار وطنه، تلك العلاقة غير المتكافئة هي التبعة الموضوعية، وليست كما كان في السابق من خلال الاحتلال أو الهيمنة العسكرية. وتبقى الحقيقة التي اتفق عليها المؤرخون هي أن مصر دخلت بالاحتلال العثماني طور الكمون والسبات العميق لمدة ثلاثة قرون لم يكن لها فيه شأن يذكر في التاريخ.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك