وافق قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة على القوانين في ضوء الاعتبارات الموضوعية، التي أبدتها اللجنة خلال زيارتها لقسم التشريع بداية الأسبوع الجاري. فقد أوصي قسم التشريع أوصى بالاعتماد على بيانات السكان والناخبين الصادرة عن شهر مايو 2015، نظراً لأنها الأحدث والأقرب إلى موعد إجراء الانتخابات البرلمانية من بيانات شهر يناير، مع فصل بعض الدوائر الانتخابية المضمومة لتصبح دوائر منفصلة مالم يكن هناك مبرر عملي يبرر هذا الضم، وهى دوائر الزيتون والأميرية وحلوان والمعصرة والخليفة والدرب الأحمر في القاهرة.
وتبقى مهمة إعادة بناء النظام الانتخابي المصري على أسس مهنية وتوافقية مطروحة على الساحة السياسية المصرية، ويظل نجاحها مرهونًا بألَّا يسعى من خلالها هذا الطرف أو ذاك إلى تحقيق مكاسب سياسية آنية تعصف بالعملية الديمقراطية برمتها، وتحرم الحياة السياسية المصرية من تراكم الخبرات ومن السعي نحو تجذير القيم الديمقراطية.
منذ صدور حكم المحكمة الدستورية في شهر مارس من العام الحالي بعدم دستورية قانون “تقسيم الدوائر الانتخابية”، لخطأ حسابات لجنة الإصلاح التشريعي، في عدد الأصوات المخصصة لبعض الدوائر فيما يعرف بالانحراف المعياري لتقسيم الدوائر، ويدور الحديث عن المعايير المفترض تطبيقها في تقسيم الدوائر. وراعت اللجنة التي وضعت القانون عددا من الاعتبارات التي نص عليها الدستور، كتمثيل المناطق الحدودية، والمهمشة، والمدن، والمجتمعات العمرانية الجديدة، وهذا بخلاف الانتخابات السابقة، الذي كان يعتمد قانون تقسيم الدوائر فيه على التقسيم الإداري للمحافظات من حيث الشياخات، والأقسام، والأحياء، والمدن، الأمر الذي يفتح المجال أمام العديد من التساؤلات حول المعايير التي تعتمدها دول العالم فى تقسيم دوائرها الانتخابية.
أن القسم أوصى بضم مركز قفط إلى مركز قنا إلى أن تمثل هذه الدائرة بـ4 مقاعد، مع إبقاء قوص دائرة مستقلة تمثل بمقعدين. و أنه من المنتظر أن تبلغ اللجنة العليا للانتخابات رأيها إلى وزارة العدالة الانتقالية ومجلس النواب في حزمة التعديلات التشريعية على قوانين الانتخابات.
فقد استعرض القسم في خطابه مفهوم الوزن النسبي وتطور أحكام وقرارات المحكمة الدستورية العليا في شأن الرقابة الدستورية على قوانين تقسيم الدوائر.
إن حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية نص المادة الثالثة من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 202 لسنة 2014 في شأن تقسيم دوائر انتخابات مجلس النواب، يؤدي إ نتائج هامة:
1- فتح باب الترشح مرة أخرى:
وهذا يعنى انه سيتم فتح باب الترشح مع الحق في التقدم بمرشحين جدد أو تقدم من ترشح من قبل مرة أخرى، سواء على ذات دوائرهم في حالة عدم تعديلها، أو على دوائر جديدة إذا ما عدلت وفقا للقانون الجديد للدوائر الانتخابية، وهذا ما أكدت عليه اللجنة العليا للانتخابات في بيان أصدرته بعد جلسة النطق بالحكم.
2- تعديل قاعدة بيانات الناخبين:
يحق للناخبين قبل دعوة اللجنة للانتخاب وفتح باب الترشح مرة أخرى أن يطلبوا ـ لمن يرغب ـ تعديل بياناتهم الانتخابية، كما أن اللجنة العليا للانتخابات عليها أن تبدأ من الآن في التعديل على قاعدة بيانات الناخبين، فبالتأكيد سيكون هناك من أتم سن الانتخاب أو سن الترشح أو من توفى أو من صدر ضده حكم، وبالتالي على اللجنة أن تعدل قاعدة البيانات وحتى قبل دعوة الناخبين للانتخابات طبقا للبرنامج الزمني الجديد.
3- تقدم من رفض طعنه مرة أخرى للترشح:
يحق لكل من رفض طعنه أن يتقدم مرة أخرى بأوراق ترشحه للانتخابات، حيث بمجرد فتح باب الترشح هذا يعنى أننا نبدأ من أول وجديد الإجراءات الانتخابية، وبالتالي من تتوافر فيه شروط الترشح يحق له التقدم مرة أخرى وبعيدا عن الأحكام التي صدرت من قبل وهذا يعني أن احمد عز يحق له التقدم مرة أخرى بأوراق ترشحه وكأن شيئا لم يكن.
4- الإجراءات الانتخابية السابقة سيتم مراعاتها مستقبلا:
أصدرت اللجنة العليا للانتخابات بيانا أكدت فيه انه سيتم مراعاة ما تم اتخاذه من إجراءات انتخابية حيث فتح باب الترشح مرة أخرى، وهذا يعنى أن من تقدم للترشح ويرغب في الاستمرار عن ذات الدائرة ـ على الفرض أنها لم تعدل طبقا للقانون المزمع إعداده للدوائر الانتخابية ـ فتظل كافة الإجراءات التي اتخذها صحيحة بما فيها الكشف الطبي، ومن يريد أن ينسحب من الآن فيحق له استرداد قيمة الكشف الطبي وأيضا قيمة التأمين.
أما المرشحين الجدد فيجب عليهم إتمام الكشف الطبي وكافة الأوراق والمستندات من جديد، حيث أنهم لم يشاركوا في الترشح قبل حكم عدم الدستورية، لكن الشيء المشترك بين المرشحين الجدد والقدماء، هو أن كلا النوعين عليهم أن يملئوا استمارة الرغبة في الترشح واستمارة اختيار الرموز الانتخابية مرة أخرى، غير ذلك من إجراءات فلا يتساوى المرشح الجديد والقديم.
أن قسم التشريع أكد أن الحكومة بذلت العناية الواجبة في سبيل الوصول إلى أفضل وضع ممكن لتقسيم الدوائر في ضوء المعطيات والظروف القائمة، لاسيما التقسيمات الإدارية المعمول بها،
يعتمد نظام تقسيم معيار الكثافة السكانية، وضرورة تمثيل السكان التمثيل العادل، والمتساوي في الدوائر، وتحقيق الوزن النسبي للمقعد الانتخابي لضمان تمثيل المواطنين في البرلمان، علماً بأن النظام الانتخابي في ألمانيا هو نظام انتخابي مختلط يجمع بين القوائم الحزبية والنظام الفردي بنسبة 50% لكل منهما، مع السماح بوجود انحراف معياري لا يتجاوز نسبته 15% من عدد السكان، مع وجوب إعادة التقسيم إذا بلغ الانحراف المعياري نسبة 25%.وتتبع عدد من الدول نفس النظام الألماني من حيث تقسيم الدوائر أو الأخذ بالنظام المختلط مثل، نيوزيلندا، والمجر، وإيطاليا، وفنزويلا، وبوليفيا.
تميزت المعايير، التي استند إليها المشرع المصري، عند تقسيم الدوائر الانتخابية، وفقاً للدقة والتطور، وعبر التطبيقات العملية المستمدة من تجارب تقسيم الدوائر الانتخابية في أعرق الدول الديمقراطية، إلي شمولية التناول، وعدم الأخذ بمعيار واحد، كالمعيار الجغرافي، أو وفقاً لعدد أعضاء البرلمان، أو جعل إقليم الدولة كله دائرة انتخابية واحدة، وذلك بهدف ضمان المشاركة في العملية الانتخابية، واستقرار السلم والأمن السياسي والاجتماعي والاقتصادي ورغم المعايير الدولية والعالمية المتعددة، التي يراعى العمل بها لدى أعرق الدول الديمقراطية، كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا عند تقسيم، أو إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية، إلا أنه يعد معيار الكثافة السكانية من أهم تلك المعايير، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، وذلك لعدد من الاعتبارات، أبرزها: ضمان استقرار الدوائر الانتخابية واستمرار مبدأ العدالة.
ونظراً لأن، لكل دولة ظروفها الديموغرافية والطبيعية والجغرافية والسياسية، التي تكون هي الموجه في عملية التقسيم، فإن المشرع المصري، اعتمد علي معيار الكثافة السكانية في تقسيمه للدوائر الانتخابية، إلى جانب عدد من المعايير الأخرى، أهمها: المساواة النسبية في عدد السكان، ومعيار التجانس الاجتماعي، والتوسع العمراني، والمساحة الجغرافية، والأهمية الاقتصادية، والعوامل التاريخية، والمشاركة السياسية، والسيادة والأمن والسلم الوطني، وهو الأمر المعمول به في الكثير من دول العالم الديمقراطية،
مثل: فرنسا وإنجلترا، وأمريكا، غير أن، استحالة عامل المساواة المطلقة، التي تقوم على المساواة الحسابية التامة، بما يفرضه تطبيق معيار المساواة النسبية في عدد السكان، الذي أقره المجلس الدستوري الفرنسي، والمحكمة العليا الأمريكية، ، وهو أحد أهم المعايير التي استند إليها والمشرع المصري في تقسيمه للدوائر الانتخابية، إلى جانب معيار الكثافة السكانية، فقد أخذت مصر في توزيع الدوائر الانتخابية مساواة نسبية تقريبية يسهل تطبيقها، بحيث لا يكون ثمة تفاوت شديد في تحديد الدوائر الانتخابية، يصل إلى حد إهدار الثقل النسبي لكل صوت.

التعليقات