ونكمل الجزء الثالث مع اليتيم، وقد صنفت الآية الكريمة الأوصياء على اليتامى إلى صنفين، هما الوصي الغنى، وقد ورد الأمر الإلهي بأن يستعفف ويستغنى بماله ولا يأكل من مال اليتيم، وأن يبتغى بكفالته ورعايته وجه الله سبحانه وتعالى، ونيل رضوانه، والثانى هو الوصي الفقير، وهو من كان محتاجا ولا يملك مالا يغنيه ويسد حاجته، كما أنه منشغلا بالمحافظة على مال اليتيم وتنميته، فأباح له الشرع الأخذ من مال اليتيم مقابل ما يقدمه من عمل وجهد فى رعاية اليتيم وحفظ ماله، على أن يأخذ بالمعروف دون إسراف ولا تبذير، وقد حذر القرآن الكريم من التعدى والتجاوز، فقال تعالى ” إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون فى بطونهم نارا وسيصلون سعيرا” وإن للتعامل مع اليتيم العديد من الآداب التي يُحسن التحلي بها حين التعامل معه، ويُذكر منها ملاطفته والبشاشة في وجهه، ولين الجانب والمزاح معه، وإدخال السرور إلى قلبه، وتعزيز الجوانب الإيجابية وغرس الثقة في نفس اليتيم، وتنمية القدرات والإبداعات لديه، والتربية الإيمانية السليمة، وتعميق فهم العقيدة الصحيحة، وتنمية القيم والأخلاق الفاضلة لديه، وزيادة حبّه وتمسكه بكتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وعرض بعض القصص القرآنية عليه التي تبين قدرة الله تعالى ورحمته، والقصص النبوية التي تجعله قدوة لغيره في المجتمع، والتوجيه والإرشاد وتعديل السلوكات الخاطئة بالتي هي أحسن ما أمكن ذلك، وأيضا تحفيزه لأداء الأعمال النافعة والثناء عليه بعد أدائه لها.
وترغيبه بالاستمرار والمداومة على الخير والبر والوصول إلى الدراجت الرفيعة، والتواضع لليتيم وعدم التعالى عليه بأي فعل أو قول، والتحلى بالأخلاق التي تحلى بها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأما عن فضل كفالة اليتيم فقد بيّن رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أن كفالة اليتيم باب عظيم من الأجر والثواب، ورفعة شأن لمن يقوم به، ولا أدل على ذلك من أنه رفيق رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة، وإن كفالة اليتيم تكون بضم الكافل اليتيم إلى بيته، أي ضمّه إلى أسرته ليعيش مع أبنائه، ويقوم على تأديبه وتربيته حتى يبلغ، وهذه هي الصورة المثالية والأفضل والأعلى درجة لكفالة اليتيم، والشكل الآخر للكفالة تكون بدفع مبلغ من المال بشكل دورى بما يكفي للإنفاق على اليتيم الذي يعيش في مكان آخر بعيدا عن سكن الكافل وأسرته، وهذا الشكل من الكفالة وإن كان أدنى درجة من الصورة الأولى إلا أنه يترتب عليه عظيم الأجر وينال الكافل به أجر الكفالة، ومن فضائل كفالة اليتيم أيضا أن يُضاعف أجر وثواب كفالة اليتيم إن كان من الأقارب، وترقيق القلب وإزالة القسوة منه، وبناء مجتمعٍ متراحم أفراده متعاونون فيما بينهم، وتزكية المال وتطهيره، والبركة لصاحبه به، وأيضا امتثال الأخلاق العظيمة التي حث عليها الإسلام، وكما هو دلالة على الفطرة السليمة النقية التي فطر الله سبحانه وتعالى الناس عليها، وإطلاق لفظ اليتيم على الإنسان يكون المعنى مَن فقد أباه، وإطلاقه على الأنعام بمعنى مَن فقد أمه لأنها هي التى تربّى وترضع، وإطلاقه على الطير بمعنى مَن فقد أباه وأمه.
فمن عادة الطير أن يألف الزوجين كلا منهما الآخر، فيقومان معا بتربية صغارهم، وقد اهتم الإسلام باليتيم وبتربيته، وراعى جوانبه النفسية والمادية بعد فقده لأبيه، فقد يشعر بشيء من القهر أو الانكسار، وحث الإسلام على كفالة اليتيم والاهتمام به، وعندما كان يشتكي أحد الصحابة من قسوة قلبه، كان يحثه النبي صلى الله عليه وسلم على مسح رأس اليتيم، وقد اهتم الإسلام بشأن اليتيم اهتماما كبيرا من حيث تربيته ورعايته ومعاملته لكي لا يشعر بالنقص، وليكون عنصرا فعالا في مجتمعه، وقد ورد لفظ اليتيم ومشتقاته في ثلاث وعشرين آية من آيات القرآن الكريم، وتتلخص في دفع الضرر عنه، وجلب المصالح له في نفسه، وماله، وزواجه، والحث على الإحسان إليه، ومراعاة الجانب النفسي عنده، وقد كان هذا الاهتمام باليتيم في القرآن الكريم منذ بدء نزوله، وأوجب الإسلام كذلك العطف على اليتيم والرأفة به والإحسان إليه، وجعل لذلك أجرا عظيما، ونهى عن إذلاله وقهره، وتكون الولاية على اليتيم من جانبين، على نفسه وعلى ماله، فالولاية على النفس تكون من خلال رعايته وتربيته وتعليمه وتنشئته تنشئة صالحة، وأما الولاية على المال فتكون بالمحافظة على ماله ورعايته وعدم تبذيره، وإعطائهم إياه عند بلوغهم الرشد، وقد حث الإسلام على رعاية اليتيم في التعليم والتربية، وبيّن النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، أن جزاء من يقوم على رعاية اليتيم الجنة، وأوجب الله تعالى رعاية حقوق اليتيم حتى يبلغ ويصبح قادرا على رعاية شؤونه بنفسه، وعدم الإساءة إليه بأى شكل من الأشكال.
وقد عالج الإسلام قضية اليتيم بشريعته العادلة، وتعامله مع الطبيعة البشرية، وميولها الفطرى فأمر بحسن معاملته، وعدم القسوة عليه، وكذلك فإن لكفالة اليتيم العديد من الفضائل والفوائد، ومنها الأجر العظيم، ودخول الجنة، وأيضا علاج لقسوة القلب، وسبب في رقّته، فقد شكى رجل قسوة قلبه إلى النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، فأوصاه بالمسح على رأس اليتيم، وإطعام المسكين، وأيضا كسب الحسنات، لقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ” من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات” وأيضا هو دليل على الطبع السليم والفطرة النقية والقلب الرحيم، كما تساهم في تراحم المجتمع وترابطه، ونشر المحبة والمودة بين أفراده، كما أن فيها إكرام لمن شارك النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، في صفة اليُتم، وأيضا فإن كفالة اليتيم تزكي مال الكافل وتطهره، وهي من الأخلاق الحميدة التي دعا إليها الإسلام، كما أن في ذلك حفظ لذرية الكافل بعد موته وذلك بإحسان الآخرين إليهم، فقال تعالى فى كتابه الكريم ” وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا ” وأيضا فإن كفالة الأيتام من الأعمال التي حث عليها النبى صلى الله عليه وسلم ورغب فيها، وأما عن الفرق بين كفالة اليتيم وتبنيه، فإنه يفرّق بين كفالة اليتيم وتبنيه بأن التبني يكون بأخذ الرجل لليتيم وجعله كأحد أبنائه، ونسبه إليه، وهذا من فعل الجاهلية، ولما جاء الإسلام حرم التبنى لِما فيه من إضاعة للأنساب، وتحليل ما حرّم الله، ولِما يؤدى إليه من الشحناء والبغضاء بين الأولاد.
وأما كفالة اليتيم فتكون برعايته وجعله في بيته من غير نسبته إليه، وهو ما حثَ عليه الإسلام ورغب فيه، وعدّه النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، من أسباب دخول الجنة، ويجب على الكافل فصل اليتيم عن نسائه عند بُلوغه، ولقد حث الإسلام الآباء على رعاية الأبناء وتربيتهم حتى بلوغهم سن الرشد وقدرتهم على تحمل المسؤولية، وفي حال فقد الأب أو موته تنتقل مسؤوليتهم إلى أقربائهم، ثم إلى جميع أفراد المجتمع، وقد جاءت الكثير من الأدلة التي ترغب وتشجع على كفالة اليتيم كقوله تعالى ” واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين” ولأن كفالة اليتيم فيها نوع من الجبر لكسر خاطر اليتيم بفقد أبيه، ولو طبقت عليهم الكفالة الحقيقية التي يريدها الإسلام لأصبح اليتيم من أعظم وأرقى طبقات المجتمع فالشخص يكون له أب واحد بينما اليتيم يكون كل المجتمع مسؤولا عنه مكان أبيه، ولا يجوز للمجتمع تعريض الأيتام للذل والإهانة، إنما يجب تعويضهم عن عطف آبائهم بالمسح على رؤوسهم والإنفاق عليهم وإشباع رغباتهم، وذلك لإبعاد القهر عنهم بسبب يتمهم، ولقد حذر الله تعالى من قهر اليتيم بأكل ماله، وكما تعد كفالة اليتيم من أفضل الأعمال لأمر الله سبحانه وتعالى بها في القرآن، وقد بيّن النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، فضلها، كما أن الكافل ينال الخير في الدنيا والآخرة، وبالكفالة يسود الود وتسود المحبة بين أفراد المجتمع، ويبعد ذلك الحقد والكراهية عنه، وهذا هو اليتيم فهو الذي مات أبوه لا أمه، وأما الذي ماتت أمه ما يسمى يتيم.
أما اليتيم هو الذي مات أبوه وهو صغير قبل أن يبلغ، فإذا بلغ الحلم زال عنه اسم اليتم، فإذا كمل خمسة عشر سنة أو أنزل المني عن شهوة، صار رجلا ولم يكن يتيما، والمرأة كذلك إذا حاضت أو بلغت خمسة عشر سنة أو أنزلت المني عن شهوة بالاحتلام صارت امرأة، فكفالة اليتيم من الأمور التي حث عليها الشرع الحنيف، وجعلهامن الأدوية التي تعالج أمراض النفس البشرية ، وبها يتضح المجتمع في صورته الأخوية التي ارتضاها له الإسلام،على أنه لابد أن يتنبه أن كفالةاليتيم ليست في كفالته ماديا فحسب، بل الكفالة تعني القيام بشئون اليتيم من التربية والتعليم والتوجيه والنصح، والقيام بما يحتاجه من حاجات تتعلق بحياته الشخصية من المأكل والمشرب والملبس والعلاج ونحو هذا، وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل كفالة اليتيم والإحسان إليه منها عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشاربالسبابة والوسطى وفرج بينهما” رواه البخارى، وقال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث، قال ابن بطال حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك، ثم قال الحافظ ابن حجر وفيه إشارة إلى أن بين درجة النبي صلى الله عليه وسلم، وكافل اليتيم قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى وهو نظير الحديث الآخر “بعثت أنا والساعة كهاتين” وقال النبي صلى الله عليه وسلم” من ضم يتيما بين مسلمين في طعامه وشرابه حتى يستغنى عنه وجبت له الجنة” رواه أبو يعلى والطبراني وأحمد.
وعن أبي الدرداء رضى الله عنه قال أتى النبى صلى الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه ؟ قال صلى الله عليه وسلم “أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك” رواه الطبرانى، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال” الساعى على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وأحسبه قال وكالقائم الذي لا يفتر وكالصائم لا يفطر” رواه البخارى ومسلم، وعن زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضى الله عنهما قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” تصدقن يامعشر النساء ولو من حليكن” قالت فرجعت إلى عبد الله فقلت إنك رجل خفيف ذات اليد وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصدقة فأته فاسأله، فإن كان ذلك يجزي عني، وإلا صرفتها إلى غيركم قالت، فقال لي عبد الله بل ائتيه أنت قالت فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتي حاجتها، قالت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابة قالت فخرج علينا بلال فقلنا له ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما، وعلى أيتام في حجورهما، ولا تخبره من نحن، قالت فدخل بلال على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من هما ؟ فقال امرأة من الأنصار، وزينب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الزيانب؟ من هما ؟ قال امرأة عبد الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما أجران أجر القرابة وأجر الصدقة” رواه البخارى ومسلم.
التعليقات