إعداد / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثانى مع الصحابى عرفجة بن هرثمة، وقيل أن عرفجة له هجرة، وأنه كان أقدم بجيلة هجرة وإسلاما، فعندما أمر عمر بن الخطاب عرفجة بن هرثمة على بجيلة فى أوائل فتوح العراق فى السنة الثالثة عشر من الهجرة فقالوا أعفنا من عرفجة فقال عمر، لا أعفيكم من أقدمكم هجرة وإسلاما وأعظمكم بلاء وإحسانا” وغنى عن البيان أنه لا يقال لأي من الصحابة له هجرة إلا إذا كان قد وفد وصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة، لقول النبى صلى الله عليه وسلم ” لا هجرة بعد الفتح” وقد قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه لبجيلة إن عرفجة ” أقدمكم هجرة وإسلاما ” فذلك يدل على وفادة عرفجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل السنة السابعة الهجرية أى قبل فتح مكة ولقد ساهم عرفجة في نشر الإسلام بين عشائر بجيلة التي كان يرأسها، وكذلك قبيلته الأزد لأن علاقته بها لم تنقطع، وقيل كان الخليفة يجل ويحترم عرفجة لسابقته فى الإسلام ولبلائه فى حروب الردة” وقد برز اسم عرفجة بن هرثمة البارقي لأول مرة.
في حروب الردة الحاسمة، فقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في ترجمة عرفجة ” وذكر وثيمة في الردة أن أبا بكر الصديق أَمدّ به جيفر بن الجلندى وهو ملك عمان لما ارتدَ أهلها وروى سهل بن يوسف عن القاسم بن محمد أن أبا بكر الصديق أَمَّره في حرب أهل الردة، وهذا يدل على أنه قديم الإسلام وبذل جهودا مشرفه في جهاده في العهد النبوى، ونشره للدعوة رشحته ليكون أحد أمراء حروب الردة التي عقدها أبو بكر الصديق بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، ولقد كان لعرفجة بن هرثمة دورا مرموقا في الجهاد ونشر الإسلام فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، كما كان له دورا أساسيا ومفصليا في خلافة أبو بكر الصديق رضى الله عنه إلى أن تسلم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الخلافة وحدثت موقعة الجسر في أوائل شهر شعبان فى السنة الثالثة عشر من الهجرة حيث تعرض المسلمون الذى كانوا قد دخلوا العراق إلى هجوم فارسى كبير بمنطقة جسر بانقيا في الحيرة، فأصيب عدد كبير منهم، وفى أواسط شهر رمضان فى السنة الثالثة عشر من الهجرة.
التقى الجيشان، جيش الفرس بقيادة مهران، ومعه زاديه ملك الحيرة، وبهمن جاذويه، والجيش العربى بقيادة المثنى بن حارثة، وعرفجة بن هرثمة، وجرير بن عبد الله البجلى، وغالب الكنانى، وعروة بن زيد الخيل، وخاض الجيشان معركة ضارية في النخيلة بمشارف الحيرة، فانهزم الفرس هزيمة ساحقة فى أواخر شهر رمضان، وكانت البويب معركة حاسمة أعادت للمسلمين ثقتهم بعد هزيمة الجسر، ولقد عدها ابن كثير نظير معركة اليرموك مع البيزنطيين، وذلك لقوتها وتأثيرها، فلقد أحصوا فيها مائة رجل من المسلمين قَتل كل منهم عشرة، ولذلك سميت بيوم الأعشار، وقال الطبرى وابن الأثير، وسمى البويب يوم الأعشار، وقد أحصي مائة رجل، قتل كل رجل منهم عشرة في المعركة يومئذ، وكان عروة بن زيد الخيل من أصحاب التسعة، وغالب فى بني كنانة من أصحاب التسعة، وعرفجة في الأزد من أصحاب التسعة، وكانت موقعة يوم النخيلة يوم السبت آخر شهر رمضان فى السنة الثالثة عشر من الهجرة فتم يومئذ فتح مدينة الحيرة.
ومضى العرب ففتحوا نواحى ومناطق إقليم الحيرة ورفعت في ربوعها رايات العرب، وكان عرفجة من الصحابة القادة الذين حققوا ذلك، وبعد الانتهاء من المعركة جلس المثنى بن حارثة مع قادة الجيش يحدثهم ويحدثونه ويسألهم عما فعلوا؟ فقال عرفجة محدثا حزنا كتيبة منهم إلى الفرات ورجوت أن يكون الله تعالى قد أذن في غرقهم، وسلى عنا بها مصيبة الجسر، فلما دخلوا في حد الإحراج كروا علينا فقاتلناهم قتالا شديدا، حتى قال بعض قومى لو أخرت رايتك فقلت على إقدامها، وحملت بها على حاميتهم فقتلته فولوا نحو الفرات، فما بلغه منهم أحد فيه الروح، وبعد استكمال فتح الحيرة والانتصار العظيم في موقعة البويب، قام المثنى بتوجيه قواته باحتلال النقط العسكرية الهامة التي يستطيع يرتكز عليها في أية عملية مقبلة، ثم فرق جيشه فى السواد وأمر جنده بإخضاع جميع العرب القاطنين في السواد لسلطة المسلمين، وأخذت فرقه تفتح سواد العراق، وأرسل تعزيزات لمواقعه ومراكزه العسكرية ونقطه الإستراتيجية بقيادة عرفجة بن هرثمة.
وأمثاله من القادة، وقال الطبرى، مخر المثنى السواد وخلف بالحيرة بشير بن الخصاصية وأرسل جريرا إلى ميسان وهلال بن علفة التيمى إلى دست ميسان وأذكى المسالح بعصمة بن فلان الضبي وبالكلج الضبي وبعرفجة البارقى وأمثالهم في قواد المسلمين، وفى ذى القعدة فى السنة الثالثة عشر من الهجرة اتجه عرفجة بن هرثمة من السواد إلى البحرين مدادا للعلاء الحضرمى، والذى كان يتعرض باستمرار إلى اعتداءات الفرس عن طريق البحر، وكانت غزوة عرفجة بن هرثمة البحرية إلى فارس من البحرين بعد مشاركته فى فتح الحيرة بقيادة المثنى بن حارثة، فسار عرفجة مدادا من الحيرة إلى ولاية البحرين وأميرها العلاء بن الحضرمي في أواخر السنة الثالثة عشر من الهجرة وكان العلاء يقوم بتجهيز وإنشاء أسطول بحرى في ميناء ولاية البحرين لغزو بلاد فارس بحرا، فأسند العلاء إلى عرفجة البارقى قيادة سفن ومراكب الأسطول التي تم تجهيزها للقيام بأول غزوة بحرية في تاريخ العرب، وتم تحديد الهدف وهو جزيرة فارسية.
في الساحل الشرقي للخليج مما يلي بلاد فارس، وفي أوائل السنة الرابعة عشر من الهجرة انطلق عرفجة بالسفن والمراكب من ميناء القطيف بولاية البحرين إلى الجزيرة الفارسية فافتتحها، فكان عرفجة بذلك أول أمير بحر في الإسلام، وقال ابن سعد في الطبقات الكبرى، وبعث العلاء عرفجة بن هرثمة إلى أسياف فارس فقطع في السفن فكان أول من فتح جزيرة بأرض فارس واتخذ فيها مسجدا وأغار على باريخان والأسياف وذلك في سنة أربع عشرة، وهنا لم يحدد محمد بن سعد اسم الجزيرة التي فتحها عرفجة وإنما ذكر أسماء البلاد التي غزاها وهي باريخان والأسياف وباريخان وهي تصحيف بارنجان، وقال صاحب معجم البلدان بأن بارنجان بلد بالبحرين فتحه العلاء بن الحضرمي سنة ثلاثة عشر أو أربعة عشر في أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وما ذكره الحموى يتفق مع ما أورده ابن سعد من أن أحداث بارنجان فى السنة الرابعة عشر من الهجرة والأسياف لغة هى سواحل البحر، والمقصود هنا منطقة بوشهر الساحلية في غرب فارس.
وعلى الخليج العربي، وروى ابن سعد بداية فتح إيران من جهة البصرة، فقد بدأ به العلاء وأرسل القائد الأزدى عرفجة، الذي كان رئيس بجيلة وتركهم، وعاد إلى قومه الأزد، وعبر عرفجة بجنوده من بنى عبد القيس ومن انضم إليهم من الأزد في سفنهم إلى الساحل الفارسى الذي يقابل البحرين، ويظهر أنه ميناء سيراف الذي يسمى الآن ميناء جم، ويبعد عن البحرين في البحر نحو مائتى كيلومتر، ويبعد عن إصطخر وشيراز نحو ثلاثمائة كيلومتر، كما يفهم من الخرائط، والأمر المنطقي أن يتخذ عرفجة الميناء معسكرا ويغير منه على القرى والمدن داخل إيران فإن لم يحقق نصرا مهما، رجع إلى معسكره، وكانت هذه الغزوة الأساس والركيزة لما بعدها من عمليات لفتح تلك المناطق، كما يظهر أيضا أن غضب الخليفة عمر بن الخطاب، على العلاء الحضرمى، قد سبَّب تأخير فتح تلك المناطق إلى أواخر خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وأوائل خلافة عثمان بن عفان رضى الله عنه.
التعليقات