الأربعاء - الموافق 25 ديسمبر 2024م

فى طريق الهدايه ومع الأم فى عيدها ” الجزء الرابع ” إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع الأم فى عيدها، وقد قال العلماء أنه لقد خص الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الأمهات بالذكر وإن كان عقوق الآباء عظيما، وذلك لأمور منها لأن حرمتهن آكد من حرمة الآباء، ولأن العقوق إليهن أسرع من الآباء، لضعف النساء وتجبر الأولاد عليهن، ولأن أكثر العقوق يقع للأمهات، ولينبه على أن بر الأم مقدم على بر الأب في التلطف والحنو ونحو ذلك، وفى الحديث الشريف المتقدم أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال “من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال أمك، قال ثم من؟ قل أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أبوك” فلقد أكد رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم على الأم ثلاث مرات والأب مرة واحدة، وذلك لما تعانيه الأم من مشقة وتعب منذ أن تكون حاملا حتى آخر يوم في حياتها ، فهى تضحى من أجل أطفالها وتؤثرهم على نفسها وتسعد لسعادتهم وتحزن لحزنهم وتنام وهى تفكر في أبنائها، وتتعب من أجلهم وكذلك تسهر لإراحتهم، ولقد وقع التقصير منا في حق الأمهات، حتى شاهدنا وسمعنا الكثير من يترك أمه سنوات عديده ولم يكلمها، وكيف يسيء لها بالكلام السيء ولا يرعها ولا يخدمها، ويغلظ اليها القول، ويعاملها بقسوة، وهذا قطعا مسكين، فضيع الجنة، وهذا من العقوق فاحذر غضب الله عليك، فالأم غالية وعزيزة، فعلى من علم فضلها أن يبادر بكل الطرق بالإحسان اليها ويدخل عليها السرور، ويجنبها ما يحزنها ويتعبها، وأن يسال عنها، ويجلب لها ما تحبه، ألا فليتق الأولاد الله في أمهاتهم، وليقدّروا للأم حقها وبرّها، ولينتهين أقوام عن عقوق أمهاتهم.
قبل أن تحل بهم عقوبة الله تعالى وقارعته، ففي الصحيحين يقول النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” إن الله عز وجل حرم عليكم عقوق الأمهات” وعند الترمذى في جامعه عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال ” إذا فعلت أمتى خمس عشر خصلة حل بها البلاء” وذكر منها ” وأطاع الرجل زوجته وعق أمه وبر صديقه وجفا أباه” وهن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما قال، جاء رجل إعرابى الى النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما الكبائر؟ فقال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” الإشراك بالله” قال ثم ماذا ؟ قال “ثم عقوق الوالدين ” قال ثم ماذا ؟ قال ” اليمين الغموس ” رواه البخارى، ألا ولا يعجبنّ أحد ببره بأمه، أو يتعاظم ما يسديه لها، فبرها طريق إلى الجنة، فقد جاء عند البيهقى في شعب الإيمان، والبخاري في الأدب المفرد “أن أبا بردة بن أبي موسى الأشعري حدث أنه شهد ابن عمر رضى الله عنهما رجلا يمانيا يطوف بالبيت، حمل أمه وراء ظهره يقول إنى لها بعيرها المذلل، إن أذعرت ركابها لم أذعر، الله ربي ذو الجلال الأكبر، حملتها أكثر مما حملتنى، فهل ترى جازيتها يا ابن عمر؟ قال ابن عمر لا، ولا بزفرة واحدة” ولنعلم أن عقاب الله تعالى في الدنيا قبل الآخرة لمن أغضب والديه وخاصة الأم، ففى سنن الترمذى عن أبى بكرة قال النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم” ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة فى الدنيا مع ما يدخر له فى الآخرة من البغى وقطيعة الرحم ” وعقوق الوالدين من قطيعة الرحم، ومما يعين على حفظ المكانة العظيمة للأم.
والاجتهاد في برها معرفة أحوال النبيين والصالحين مع أمهاتهم، فتأمل حال صغرك، وتذكر ضعف طفولتك، فقد حملتك أمك في بطنها تسعةَ أشهر وهنا على وهن، حملتك كرها ووضعتك كرها، تزيدها بنموك ضعفا، وتحملها فوق طاقتها عناء، وهي ضعيفة الجسم واهنة القوى، وعند الوضع رأت الموت بعينها، زفرات وأنين، غصص وآلام، ولكنها تتصبر، تتصبر، تتصبر، وعندما أبصرتك بجانبها وضمتك إلى صدرها واستنشقت ريحك وتحسست أنفاسك تتردد نسيت آلامها وتناست أوجاعها، رأتك فعلقت فيك آمالها ورأت فيك بهجة الحياة وزينتها، ثم انصرفت إلى خدمتك ليلها ونهارها، تغذيك بصحتها، وتنميك بهزالها، وتقويك بضعفها، فطعامك درّها وبيتك حجرها، ومركبك يداها، تحيطك وترعاك، تجوع لتشبع، وتنهر لتنام، فهي بك رحيمة، وعليك شفيقة، إن غابت عنك دعوتها، وإذا أعرضت عنك ناجيتها، وإذا أصابك مكروه استغثت بها، تحسب الخير كله عندها، وتظن الشر لا يصل إليك إذا ضمتك إلى صدرها أو لاحظتك بعينها، فلما تم فصالك في عامين وبدأت بالمشي، أخذت تحيطك بعنايتها وتتبعك نظراتها وتسعى وراءك خوفا عليك، ثم كبرت وأخذت منك السنين، فأخذ منها الشوق والحنين، صورتك أبهى عندها من البدر إذا استتم، صوتك أبدى على مسمعها من تغريد البلابل وغناء الأطيار، ريحك أروع عندها من الأطياب والأزهار، سعادتك أغلى من الدنيا لو سيقت إليها بحذافيرها، يرخص عندها كل شيء في سبيل راحتك، حتى ترخص عندها نفسها التي بين جنبيها، فتؤثر الموت لتعيش أنت سالما معافى.
فإنها أمك فاسمع وأعلم ان المحروم الضائع الخائب فى الدنيا والاخرى من ضيع حقوق الوالدين وخاصة الام، فقد روى الإمام أحمد والنسائى وابن ماجه عن معاوية بن جاهمة السلمي رضي الله عنه، قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله، إني كنت أردت الجهاد معك، أبتغي وجه الله والدار الآخرة، قال الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “ويحك، أحية أمك؟ قلت نعم، قال ” ارجع فبرها ” ثم أتيته من الجانب الآخر، فقلت يا رسول الله، إني كنت أردت الجهاد معك أبتغى وجه الله والدار الآخرة، قال ” ويحك، أحية أمك؟ قلت نعم يا رسول الله، قال ” فارجع إليها فبرها ” ثم أتيته من أمامه، فقلت يا رسول الله، إنى كنت أردت الجهاد معك، أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة، قال الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “ويحك، أحية أمك؟ قلت نعم يا رسول الله، قال ” ويحك، الزم رجلها فثم الجنة” إنها الجنة ورب الكعبة ” الزم رجلها فثم الجنة” وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال أتي رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، إني جئت أريد الجهاد معك أبتغي وجه الله والدار الآخرة، ولقد أتيت وإن والدي ليبكيان، قال الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” فارجع إليهما، فأضحكهما كما أبكيتهما” رواه ابن ماجه، وعن أنس بن نضر الأشجعى قال، استقت أم ابن مسعود رضي الله عنها ماء في بعض الليالى، فجاءها بالماء فوجدها قد ذهب بها النوم، فثبت عند رأسها حتى أصبح، ولما قدم أبو موسى الأشعرى وأبو عامر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعاه وأسلما، قال لهم صلى الله عليه وسلم.
” ما فعلت امرأة منكم تدعى كذا وكذا؟ قالوا تركناها في أهلها، قال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” فإنه قد غفِر لها” قالوا بم يا رسول الله؟ قال ” ببرها والدتها” قال ” كانت لها أم عجوز كبيرة، فجاءهم النذير إن العدو يريد أن يغير عليكم، فجعلت تحمل أمها على ظهرها، فإذا أعيت وضعتها، ثم ألزقت بطنها ببعض أمها وجعلت رجليها تحت رجلي أمها من الرمضاء حتى نجت” أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، فإنها الأم، يا من تريد النجاة، الزم رجليها، فثم الجنة، فقال ابن عمر رضي الله عنهما لرجل ” أتخاف النار أن تدخلها، وتحب الجنة أن تدخلها؟ قال نعم، قال ” بر أمك، فوالله لئن ألنت لها الكلام وأطعمتها الطعام لتدخلن الجنة ما اجتنبت الموجبات” يعنى الموبقات، وهكذا فإن بر الأم من أعظم الأجور ومن أهم الواجبات، بل هو من التقوى والعمل بما يرضي الله، وذلك بالإحسان إليها قولاً وفعلاً بالمال والبدن، تمتثل أمرها في غير معصية الله، وتلين لها القول وتبسط لها الوجه وتقوم بخدمتها على الوجه اللائق بها، ولا تتضجر منها عند الكبر والمرض والضعف ولا تستثقل ذلك منها ولا تقل لها أف ولا تنهرها وتذكر أنك ستبلغ الكبر عند أولادك كما بلغاه عندك وسوف تحتاج إلى البر فإن قمت ببرها فأبشر بالأجر العظيم والمجازاة بالمثل، فمن بر والديه بره أولاده ومن عق والديه عقه أولاده والجزاء من جنس العمل، فكما تدين تدان، فقد رأى ابن عمر رجلا قد حمل أمه على رقبته، وهو يطوف بها حول الكعبة، فقال يا ابن عمر؟ أترانى جازيتها؟ قال له بن عمر، ولا بطلقة من طلقاتها ولكن قد أحسنت والله.
يثيبك على القليل كثيرا، واعلم أن من عق أمه، فإن الله لا ينظر إليه يوم القيامة ولا يقبل منه عمل، فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان، وثلاث لا يدخلون الجنة العاق لوالديه، والديوث، والرّجلة” رواه النسائي والحاكم، وتأمل كيف وصى الله سبحانه وتعالى عباده الصالحين وكيف قرن عبادته بحق الوالدين لعظم شأنهما وتقديرهما، فقال تعالى فى سورة الإسراء ” وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب أرحمهما كما ربياني صغيرا” فتأمل رحمة الله حال صغرك وتذكر ضعفك أثناء طفولتك، فقد حملتك أمك في أحشائها تسعة أشهر وهنا على وهن حمتلك كرها ووضعتك كرها ولا يزيدها نموك إلا ثقلا وضعفا وعند الوضع رأت الموت بعينها ولما بصرت بك إلى جنبها سرعان ما نسيت كل آلامها، وعلقت فيك جميع آمالها رأت فيك بهجة الحياة وزينتها، فإن الأم برها من الأمور التي جبل الله عليها بني آدم وفطرهم عليها وقد اتصف الأسوياء منهم وأكملهم وهم الأنبياء والمرسلون ومن بعدهم من العباد الصالحون فهذا نبى الرحمة والشفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي عام الحديبية وقد مر بالأبواء حيث دفنت أمه ومعه أصحابه فيذهب لزيارة قبرها فيبكي ويبكي من حوله فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم” استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يأذن لي، وأستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الآخرة” رواه مسلم.
وهذا نبى الله يحيى عليه السلام، يحوز ثناء الله تعالى ويمدحه بوصفه عظيم البر، وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا، وقد ذكر الله سبحانه دعاء الأنبياء لوالديهم في غير ما آية من كتابه الكريم ومن ذلك دعاء نبى الله نوح عليه السلام فقد قال رب أغفر لي ولوالدى ولمن دخل بيتي مؤمنا، ومن دعاء نبى الله الخليل إبراهيم عليه السلام ربنا أغفر لي ولوالدى وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، ومن عظيم البر لسلفنا الصالح فقد كان أبو هريرة رضى الله عنه إذا أراد الخروج وقف على باب أمه فيقول السلام عليك يا أماه، فتقول وعليك السلام يا ولدي ورحمة الله وبركاته، فيقول رحمك الله كما ربيتني صغيرا، فتقول رحمك الله كما بررتني كبيرا، وهذا محمد بن المنكدر رحمه الله كان يضع خده على الأرض ثم يقول لأمه ضعي قدمك على خدي، وأراد ابن الحسن التميمى قتل عقرب، فدخلت في حجر فأدخل أصابعه خلفها، فلدغته فقيل له في ذلك؟ قال خفت أن تخرج فتجئ إلى أمي تلدغها، وكان زين العابدين من أبر الناس بأمه وذلك لأنه لا يأكل معها في صحنه وعندما قيل له في ذلك قال أخاف أن تسبق يدى إلى ما تشتهيه فأكون قد عققتها، وإن من العجب العجاب أن ترى أنسانا قد أحاطت به الأرزاق من كل جانب وارتفع مستواه الاجتماعى والمادى والمعنوى وعاش فى الترف وطغا وبغا وتكبر على أمه وأعمت الدنيا بصره وطمست على قلبه وعق أمه بسبب الحرص على الدنيا وحب الشهوات والزوجة الحسناء التي لا تفقه في دينها ولا دنياها وقد أجاد الكثير في ذلك حيث تبرأ أحدهم من أمه وألقى بوالدته المراكز الاجتماعية، وقذف أحدهم والدته عبر الطرقات.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك