تتوالي علينا الرحمات وتنهمر النفحات الربانية وتعلوا الروحانيات الإيمانية بقدوم أعظم وأجل شهر في العام وهو شهر رمضان المعظم الذي اصطفاه وفضله الله عز وجل على باقي شهور العام.
فاصطفاه الله وميزه وعظمه وكرَّمه وأعلي شأنه بنزول القرآن الكريم بالوحي المنزل علي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو كلام الله المنزه عن أي نقص. فأصبح لشهر رمضان هذه الإجلال لنزول القرآن الكريم فيه في ليلة القدر, قال تعالي:{إنا أنزلناه في ليلة القدر}[القدر(1)], رحمة الله لعباده رحمة عامة لا يُقدِّرُ العباد لها شكرا, وسميت ليلة القدر بذلك لعظم قدرها وفضلها عند الله تعالي, وهي ليلة يقدر فيها أرزاق العباد للعام القادم.
كما أن هذا الشهر العظيم سمي بشهر القرآن لنزول القرآن الكريم فيه, وقراءة القرآن من أعظم الأعمال,
فلذلك حثنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على قراءة القرآن الكريم فيه وفي سائر العام, بقوله: “خيركم من تعلم القرآن وعلمه”, لعظم شأنه ولأنه منهج حياة, وهو الذي نتعلم منه قصص السابقين من الأمم الماضية, وسيكون شفيعاً لنا يوم القيامة, فأخذه بركة وتركه حسره, وهو شفاء للنفوس وتطهيرها, وهو غذاء للروح, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة, والحسنة بعشر أمثالها”, وفي رواية: “لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف”.
وهذا الشهر المبارك يزداد فيه رزق المؤمن وتنهمر عليه البركات والرحمات وتنزل عليه السكينة وتغشاه الرحمة وتحفه الملائكة فهو شهر عظيم القدر, يتقرب فيه المؤمنون بالصيام والقيام والصدقة, كما يتقرب المؤمنون إلي الله عز وجل بصلاة التراويح والتهجد وإخراج الزكاة والصدقات, كما يتقرب المؤمن إلي ربه بصلة الرحم وبر الوالدين والمصالحة مع الجيران وتحسين العلاقات لأن هذا الشهر يحبه الله ورسوله ويحبه المؤمنون.
ففرض الله صيام نهاره وتطوع ليلة بالقيام, قال تعالي:{يأيها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون}[البقرة(183)], فرض الله عز وجل الصيام علي المسلمين لأنه ركن أساسي من أركان الإسلام الخمس, ففي الحديث:” بني الإسلام علي خمس شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة و صوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا”[رواه البخاري ومسلم].
وشهر رمضان فرصة لكل عاصي للتوبة ولكل مؤمن للمزيد من التقرب بالقربات إلي الله تعالي فرحمة الله عامة لجميع المسلمين, فلنحرص علي الصيام فيه لقول رسول الله صل الله عليه وسلم: “كل عمل ابن ادم له, قال الله عز وجل: إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به”, ولقبول الصيام. مجيء التقوى معه , فاتقوا الله ما استطعتم لتنولوا ليلة القدر. والصيام: هو الإمساك عن الطعام والشراب والوقاع بنيه خالصة لوجه الله تعالي لما فيه من تزكية النفس وترقية الروح, وتزكية النفس بالبعد عن المعاصي والذنوب, وترقية الروح بقراءة القران الكريم وفعل الطاعات والخيرات والمسارعة فيها فكل مؤمن يتقي الله ويجتهد علي قدر استطاعته.
قال تعالي :{اتقوا الله ما استطعتم}, نتقي الله بمخالفة النفس والهوى والبعد عن المعاصي والذنوب, فبذلك ترتقي الروح وتعلوا في سماء ربها وتشاهد الأنوار الإلهية, ويحدث اتصال بين الرب وعبده.
يجب علي كل مسلم أن يحرص علي صيام نهار رمضان وتأدية الصلوات الخمس والتقرب إلي الله بالنوافل, والبعد عن المحرمات والبعد عن الشهوات والبعد عن اي شيء يثير شهوات المسلم حني يطمئن لقبول صومه.
كما يجب علي كل مسلم الالتزام بأحكام الصيام والتشريعات, والمسارعة بالأعمال الصالحة والتقرب إلي الله قال صلى الله عليه وسلم :”أحب الناس إلي الله تعالي انفعهم لله”, ويقول صلى الله عليه وسلم :”من فطر صائماً فله مثل أجر الصائم من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئا “[رواه الترمذي وصححه]
وشهر رمضان فيه يزداد تقرب المؤمن لربه بالأعمال الصالحة, وفي الحديث:”إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين”[رواه البخاري ومسلم], فتحت أبواب الجنة الثمانية ولم تغلق حني ينتهي شهر رمضان المعظم فتحت لكل طائع وعابد لربه محب لعباده ينشر السلام بينهم, فتحت الجنة لكل واصل رحم ولكل بار لوالديه ولكل قارئ للقرآن ولكل من يساعد الفقير واليتيم والأرملة ولكل من يعطي كل زى حق حقه.
فتحت الجنة لكل عادل ولكل صادق ولكل ذاكر لله ولكل أواب لله ولكل محب لسيدنا النبي صلى الله عليه وعلى آل بيته الكرام الأطهار وسلم, فتحت الجنة لمن يحب الخير ويعيش بالإنسانية مع عباد الله, ولكل قائم مصلي فتحت الجنة لكل مبتسم لخلق الله ولكل صاحب خلق عظيم ولكل صاحب كلمة طيبة ولكل من قال لا اله إلا الله , فاحرصوا علي كل كلمة طيبة وعلي كل ابتسامة اجعلوها عباده اجعلوها صدقة, وفي الحديث:” تبسمك في وجه أخيك صدقة”, و”الكلمة الطيبة صدقة”, فالكلمة الطيبة تفتح بها مغاليق القلوب ومغاليق الأبواب.
وفي الصدقة كما في الحديث: ” داووا مرضاكم بالصدقة”, فالمريض الذي يأس الطبيب من علاجه يمكننا مداواته بالصدقة فاحرصوا عليها لشفاء مرضاكم.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل, وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القران, فرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة”[رواه البخاري, ومسلم].
ولنحرص علي قيام الليل كما علمنا إياه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يقيم الليل حتى تتفطر قدماه, سألته أمنا السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها :فقالت: يا رسول الله لما تصنع هذا وقد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال: “أفلا لا أكون عبدا شكورا ” متفق عليه, وقال صلى الله عليه وسلم: “من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”.
وفي قيام الليل نحرص على التماس ليلة القدر رجاء العفو والمغفرة, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه”, وقال تعالي:{ليلة القدر خير من ألف شهر}, فسر العلماء أن ليلة القدر وحدها بمثابة عبادة 83 سنة كاملة, فمن صام نهار ليلة القدر وقام ليلها وضع الله في كفة حسناته 83 سنة من الحسنات, فكل عمل صالح في هذه الليلة من صلاة وذكر وصدقة وبر الوالدين وصلة الأرحام والتسامح والعفو عن الناس يساوي عبادة 83 سنة كاملة, سألت السيدة عائشة أم المؤمنين رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا أفعل إذا أدركت ليلة القدر؟ ماذا أقول فيها؟ قال لها قولي:”اللهم إنك عفو تحب العفو فأعفوا عنا “. فأكثروا من هذا الدعاء فهو أحب العبادات إلى الله في ليلة القدر مع قيام الليل.
ادخلوا رمضان وأنتم ذاكرين لله لتشعروا بحلاوة الذكر داخل قلوبكم ويساعدكم علي التقرب إلي الله بأكمل وجه اذكروا الله كثيرا, قال تعالي:{ فاذكروني أذكركم },و قال تعالي: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}, فذكرالله يحدث هدوء في القلب وطمأنية للروح والنفس .
اللهم يا ربنا أعتق رقابنا ورقاب جميع المسلمين الأحياء منهم والأموات.
جزاكم الله خيرا لحسن قراءتكم
التعليقات