ونكمل الجزء الثامن عشر مع التفوق العلمى وأثره فى تقدم الأمم، وفي ظل العصر الحاضر وما فيه من تطورات على صعيد التكنولوجيا، لا يمكن أبدا إنكار قيمة العلم وأهميته في حياة كل إنسان، وذلك حتى يتمكن من مواكبة التطورات التي تحصل في عصر السرعة، والأهم من ذلك هو التمسك بالأخلاق والحفاظ عليها لصقل هذا العلم الذي أصبح يتهافت على الأجيال من كل حدب وصوب، ومن مصادر موثوقة قليلة وأخرى غير موثوثقة كثيرة، ومما يشير إلى أهمية العلم والأخلاق وارتباطهما أن غالبية الوزارات المعنية بالتعليم في مختلف الدول العربية تسمى بوزارة التربية والتعليم، فيقدمون التربية على التعليم، وهذا يدل على أن الأخلاق والتربية الحسنة مرتبطة بالعلم.
وكلاهما مهم لحياة الإنسان، ومن الأهمية المرتبطة بالعلم والأخلاق أيضا أنهما مصدر للتفكر في هذا الكون وغرائبه وعجائبه التي لا تنتهى، وإن كثير من الاختراعات التي ظهرت في العصر الحديث تثبت أهمية العلم وضرورته في الحياة، والمهم أيضا أن تكون الأخلاق موجودة حتى يتمكن الإنسان من استثمار هذه الاختراعات التي أدى إليها العلم فيما يخدم المجتمعات، ويسهم في بنائها وبناء الأجيال، وأن يحارب بأخلاقه كل ما هدفه هدم الأجيال وتثبيط هممها، وإضعاف إرادتها وتجميد عقولها، وعندما يدرك المرء كل هذه الأهمية التي تنضوي تحت العلم والأخلاق سيفكر جيدا في كل خطوة يقوم بها في حياته، فالإنسان يبنغي ألا يتوقف عن التعلم، وألا يظن نفسه أنه أنهى التعلم.
وأنه لا يوجد شيء جديد ليتعلمه، فإنه إذا فكر بهذه الطريقة سيكون قد بدأ يخطو أولى خطواته على طريق الجهل، فالتعلم عملية مستمرة طيلة الحياة، ويجب أن ترتبط بالأخلاق الحسنة، ولقد اهتم الإسلام بقيمة العلم أيما اهتمام، ولقد بلغت عناية الله عز وجل بنا لرفع الجهل عنا أن كان أول ما نزل من الوحي على نبينا أعظم كلمة هبط بها جبريل، وأمر الله عز وجل بالقراءة والعلم في أول آية نزلت من القرآن دليل واضح على أهمية العلم في تكوين عقل الإنسان وفي رفعه إلى المكانة السامية، فلا يستوي عند الله الذي يعلم والذي لا يعلم، فأهل العلم لهم مقام عظيم في شريعتنا الغراء، فهم من ورثة الأنبياء والمرسلين، فلا يستوي الذي يعلم والذي لا يعلم، كما لا يستوي الحي والميت.
والسميع والأصم، والبصير والأعمى، فالعلم نور يهتدي به صاحبه إلى الطريق السوي، ويخرج به من الظلمات إلى النور، ويرفع الله الذي يطلب العلم والذي يعمل به كما يشاء، أي يرفع الذين أوتوا العلم من المؤمنين بفضل علمهم وسابقتهم درجات أي على من سواهم في الجنة، وقال القرطبي أي في الثواب في الآخرة وفي الكرامة في الدنيا، فيرفع المؤمن على من ليس بمؤمن والعالم على من ليس بعالم، وقال ابن مسعود رضى الله عنه مدح الله العلماء في هذه الآية، والمعنى أنه يرفع الله الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم درجات، أي درجات في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به، ولشرف العلم أباح الله لنا أكل الصيد الذي صاده الكلب المعلم، وإذا صاده كلب غير معلم لا يؤكل.
فلولا فضل العلم لكان فضل صيد الكلب المعلم والجاهل سواء، وقد علمه كيف يصيد، وكيف يمسك لصاحبه، هذا في عالم الكلاب، رفعه الله درجة عن أقرانه بالعلم فما بالك بمن تعلم الكتاب والسنة؟ ويبلغ من فضل العلم أنه يرفع قدر أناس ليس لهم حسب ولا نسب فوق كثير من الأكابر كما ثبت في الصحيح من حديث الزهري عن أبي الطفيل أن نافع بن عبد الحارث أمير مكة خرج واستقبل عمر بن الخطاب بعسفان، فقال له عمر من استخلفت على أهل الوادي؟ قال استخلفت عليهم ابن أبزى، فقال عمر ومن ابن أبزى؟ فقال رجل من موالينا، فقال عمر استخلفت عليهم مولى؟ فقال إنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض، فقال عمر أما إن نبيكم قد قال “إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين”
التعليقات