مازالت العلاقة بين الكفاءة المصرفية والمنافسة المصرفية مثاراٌ للنقاش في كافة القطاعات الصناعية والخدمية بصفة عامة والقطاع المصرفي بصفة خاصة، حيث أن زيادة كفاءة القطاع البنكي يؤدي إلي زيادة الحصة السوقية وبالتالي تعظيم الأداء، بينما على الجانب الأخر نجد أن المنافسة القوية بين البنوك تساهم في تطوير أداء القطاع البنكي وتحسين مستوى كفاءته.
ومن ناحية أخري فإن البنوك التي تتمتع بكفاءة أكبر قادرة على خفض التكاليف أكثر، وبالتالي توفير أسعار أقل للخدمات المصرفية المقدمة للعملاء، سعياٌ للحصول على حصة سوقية أكبر، ومزيداٌ من الأرباح، بينما المنافسة تجعل البنوك تتسابق لتقديم أفضل الخدمات والمنتجات البنكية للعملاء بأسهل السبل وأسرعها، وهذا بدوره يرفع من مستوى جودة الخدمات ويزيد من الخيارات المتاحة للعملاء بالقطاع البنكي ، كما أن القطاع البنكي أصبح بأمس الحاجة إلى ضرورة توافر الجو التنافسي الذي يسمح له بالتطور ومسايرة موجة التطورات العالمية المتسارعة والقدرة على المنافسة مع البنوك العالمية، ومواجهة شركات الخدمات المالية Fintech .
وفي ظل التطورات التكنولوجيا المالية والتحول الرقمي Digitalization للبنوك أصبحت البنوك في وضع يحتم عليها مواكبة هذه التطورات والاستفادة من مزاياها كالمنتجات المالية الجديدة المبتكرة وتكنولوجيا المعلومات مع التركيز على كفاءة الأداء، حيث يعتبر تقييم كفاءة البنوك والعمل على مراقبة نشاطها أمر ضروري للبقاء ، كما أن المنافسة المصرفية الحرة هي أفضل طريقة لتنظيم العمل بالنظام المصرفي وتحقيق أقصى قدر من الكفاءة، حيث أن منافسة البنوك وكفاءتها عنصرين حيويين للتنمية الاقتصادية، حيث المنافسة تجبر البنوك على خفض تكاليفها وبالتالي زيادة كفاءتها من حيث التكلفة، مما يؤدي إلى توزيع أكثر كفاءة للموارد المالية وبالتالي زيادة الاستثمار وتحفيز النمو الاقتصادي.
ومن هذا المنطلق يتضح أن الكفاءة المصرفية والمنافسة قضيتين رئيسيتين للاستقرار المالي والاقتصادي، ولذا قامت دراسة بحثية حديثة على بحث العلاقة بينهما، وذلك بالتطبيق على محورين، المحور الأول علي البنوك العاملة في جمهورية مصر العربية متمثلة في بيانات البنك المركزي المصري وعددها 38 بنكاٌ من خلال 4155 فرعا وبنسبة كثافة مصرفية 23.4% في عام 2018، المحور الثاني علي البنوك المركزية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتشمل عدد 15 دولة، خلال الفترة تمتد لأحدي عشر عاما من عام 2008 وحتى عام 2018.
وفي سبيل تفسير تلك العلاقة المتشابكة تم بحث التساؤلات البحثية الآتية:
– هل يوجد تأثير حقيقي للكفاءة المصرفية على المنافسة المصرفية؟
– هل يوجد علاقة سببية متبادلة بين الكفاءة المصرفية والمنافسة المصرفية؟، بمعنى أخر هل الكفاءة المصرفية التي تتسبب في المنافسة المصرفية؟ أم المنافسة المصرفية التي تتسبب في الكفاءة المصرفية؟، أم يوجد علاقة سببية متبادلة بينهما؟
وقد تم قياس الكفاءة المصرفية من خلال نموذج تحليل مغلف البيانات Data Envelopment Analysis (DEA)، وذلك التصنيف يعتمد على كون دور البنوك هو دور الوساطة المالية بين المودعين والمستثمرين، وتمثلت مدخلات النموذج في إجمالي الودائع، ورأس المال، بينما مخرجات النموذج تمثلت في إجمالي الأصول، وإجمالي القروض
بينما تم استخدام مؤشر بون Boone Indicator لقياس المنافسة المصرفية، ويمثل المؤشر الأحدث عالميا في قياس القوة السوقية للبنك، وفي سبيل دراسة علاقة السببية بين الكفاءة المصرفية والمنافسة المصرفية تم تطبيق اختبارات السببية والمعروفة باسم Estimated Granger Causality.
مفهوم الكفاءة: ارتبط مصطلح الكفاءة أو Efficiency في الفكر الاقتصادي الرأسمالي في كيفية تخصيص الموارد المحدودة والمتاحة للمجتمع، وذلك من أجل تلبية حاجات ورغبات الأفراد المستمرة، وبداية الاهتمام بقياس الكفاءة يتمثل في تحليل قدرة المؤسسة على حسن استخدام مواردها، والتحكم الجيد في تكاليفها، والكفاءة تعني قدرة المؤسسة على تحقيق أهدافها، من خلال خفض تكاليفها وبالتالي زيادة أرباحها وزيادة حصتها بالسوق، وذلك من خلال قيام المؤسسة بالعمل على التخصيص الأمثل للموارد المتاحة لتحقيق معدلات أداء مرتفعة أو أرباح بالمقارنة بالمنافسين بأقل نفقات ممكن. مفهوم المنافسة: النظام الرأسمالي أعتبر المنافسة هي الدعامة الاساسية لاقتصاد السوق، وحددها بعدم تدخل الدولة في الاقتصاد، حيث المنافسة الحرة تؤدي إلى تساوي الأسعار مع تكاليف الإنتاج، وهذا التنافس يشمل جميع أنواع التنافس (التجارة بالأسواق، المزادات، الخدمات … إلخ)، وأدوات التنافس (الأسعار، الإعلان، والبحث والتطوير… إلخ)، ويشمل أيضا أهداف التنافس (الأرباح، الحصة السوقية، والبقاء … إلخ)، وكذلك أنواع المنافسين.
وجاءت نتائج تلك الدراسة كما يلي :
أولاٌ: بخصوص التأثير اتضح وجود تأثير حقيقي للكفاءة المصرفية على المنافسة المصرفية.
ثانيا: بخصوص علاقة السببية فقد أظهرت نتائج الدراسات الإحصائية أن الكفاءة لا تتسبب في المنافسة المصرفية، بينما المنافسة المصرفية تتسبب في الكفاءة المصرفية أي وجود علاقة سببية بينهما.
ثالثا : نتائج السببية السابقة تشير لكون العلاقة بين الكفاءة المصرفية والمنافسة المصرفية، ليست مباشرة وأن هناك عوامل أخرى مثل (المخاطر المختلفة التي تتعرض لها البنوك، الإطار التنظيمي التي يتم تحديده من البنوك المركزية، التشريعات الدولية مثل مقررات لجنة بازل، المنافسة مع المؤسسات المالية غير المصرفية… إلخ) قد تؤثر على حجم واتجاه العلاقة بين الكفاءة المصرفية والمنافسة المصرفية.
رابعا : يتضح أيضا من أن الاتجاه السببي بين كفاءة البنك والمنافسة سيحدد ما ينبغي توجيه سياسات واستراتيجيات البنك نحوه بخصوص تعزز كفاءته وزيادة أرباحه، من خلال تقديم المزيد من الابتكار في المنتجات وتعزيز جودة المنتجات المصرفية.
و في ضوء نتائج الدراسة فقد أوصت الدراسة بعدة توصيات منها: التوسع في تطبيق الخدمات المصرفية الحديثة مثل Mobile Banking & Mobile Wallet، مع العمل بالتوازي في رفع الوعي المصرفي لأفراد المجتمع لاستخدام تلك الخدمات، مما يعمل على التوسع في تطبيق مفهوم الشمول المالي لكافة فئات المجتمع و طبقا لاحتياجاتهم المتنوعة.
التوسع في إنشاء البنوك الرقميةDigital Banking ، وذلك لمواجهة المنافسة الشرسة من شركات FinTech & BigTech، عن طريق توفير واجهة استخدام سهلة ومستوى أعلى من الخدمة، وتتماشى مع التطور التكنولوجي، مما سينعكس علي زيادة كفاءة البنك وحصته السوقية، ومن تلك التطبيقات :
⮚Big Data, AI (Artificial Intelligence), ML (Machine Learning).
⮚RPA (Robotic process automation) and Blockchain technology.
– إنشاء تطبيقات لأنظمة المعلومات الضخمة Big Data &Data Warehouse، لإجراء التحليلات الخاصة للبيانات الخاصة بالعملاء ومؤشرات السوق للوصول لأفضل العملاء وتقديم أفضل المنتجات، مما ينعكس علي زيادة كفاءة البنك وحصته السوقية.
– ضرورة توافر مقاييس واضحة للكفاءة المصرفية والمنافسة المصرفية بالقطاع المصرفي بكل دولة، يتم الاعتماد عليها كمعيار واضح لتقييم أداء البنوك.
– العمل علي زيادة مستوي الكفاءة المصرفية من خلال زيادة الكفاءة التشغيلية، عن طريق الاستخدام الأمثل لموارد البنك، مع التحسين المستمر في المدخلات والمخرجات، والتخطيط الجيد لاستخدام الموارد.
– العمل على تعزيز المنافسة المصرفية في القطاع المصرفي من خلال تيسير القوانين الخاصة بالدخول والخروج للقطاع المصرفي وفقا لظروف كل دولة، وبالتالي تقليل دور الدولة، مما يعني المزيد من السلوك التنافسي للبنوك، وتقليل حجم التركز المصرفي.
التعليقات