الملحد هو المنكر لدين الفطرة وهو دين الإسلام، والإسلام يعني التوحيد فالإسلام وهو دعوة كل الأنبياء من سيدنا آدم عليه السلام إلي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو الدعوة إلي عبادة الله واحده لا شريك له وتجنب عبادة الطاغوت أي الشيطان قال تعالى: ” وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ” (النحل:36). قال تعالى: ” فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ” (الروم:30). إذن الله فطر كل البشر على الإيمان بوحدانية الله وهذا ما أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم: ” كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ” (صحيح البخاري)…..فما الدليل على ذلك؟
الدليل يخبرنا به الله سبحانه وتعالى أنه أخذ العهد والميثاق على كل البشر ان يعبدوه وحده لا شريك له، وذلك في حياة ” الذر” وهي الحياة التي خلق الله فيها الأرواح قبل الأجساد قال تعالى: ” وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ” ( الأعراف:172). وهذه هي الفطرة ويحذر الله سبحانه وتعالى أن يدعي الذين كفروا أي أنكروا وحدانية الله وأبوا أن يعبدوه بكامل إرادتهم، وعاندوا فطرتهم أن يأتوا يوم القيامة ويقولون أننا لم نعلم بهذا الميثاق ولم تقوم علينا حجة الله !!!
لذلك ارسل الله الأنبياء والرسل ليذكروا الناس بعبادة الله وحده لا شريك له، أي يذكروهم بما أودع الله فيهم من الفطرة السليمةعلى التوحيد قال تعالى: ” رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ” (النساء:165). قال تعالى: ” وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ” (الأنبياء: 25).
فإذا كان الإيمان بالله واحده هو فطرة كل البشر….فمتى يكشف الله هذه الفطرة بقوة ووضوح في من جحد أن يعترف بوحدانية الله واستكبر أن يعبد الله ؟!!!
هذا ما أخبرنا به الله سبحانه وتعالى أنه يبتلي البشر بالشدائد ليذكرهم بحقيقة الدنيا وسرعة فنائها، وعندما يشعر الإنسان بالعجز عن التصرف أو دفع الأذى عن نفسه، تتجلى الفطرة السليمة التي فطرنا الله عليها عند الابتلاء بالمصائب فيشعر الإنسان بانه في حاجة للجوء والتضرع إلي الله لكي يكشف عنه السوء أو يدفع عنه الأذى، وخاصة في المواقف الذي يتخلى عنك كل الناس أو يعجز العلم والطب في إيجاد علاج لمرض ما، ففي هذه اللحظة تتجلي الفطرة السليمة فيزداد يقين الإنسان أنه ليس له إلا الله فيدعو الله بإخلاص الشديد بأن ينجيه من هذا الكرب العظيم.
قصة إسلام الطبيب الأمريكي الملحد ” لورانس براون “:
وهذا ما أدلى به الطبيب الأمريكي ” لوانس براون ” أن كان سبب إسلامه والعودة إلي دين الفطرة هو الابتلاء الشديد الذي عجز عن مواجهته، يقول: ” أنه رزق بطفلة تعاني من مشكلة كبيرة جدا في القلب، وأنها تحتاج إلي عملية جراحية في القلب، وتتكرر هذه العملية بعدة عدة سنوات، وهكذا وفي النهاية يموت الطفل، ونظراً لمعرفتي بحقيقة حالتها شعرت ولأول مرة في حياتي بالعجز التام عن فعل أي شيء، وكنت سابقاً استطيع أن اتعامل مع مشكلاتي بمفردي، فحينما أيقنت بعجز قدرتي شعرت ولأول مرة في حياتي بالحاجة إلي قوى عظمي تنجيني مما أنا فيه، فصليت صلاة أهل الإلحاد لأول مرة… وهي كالتالي ” يارب إذا إذا كنت موجودا أنقذ ابنتي، ولقد عهدت الله في ذلك اليوم (إذا أنقذ حياة أبنتي وهداني للديانة التي يرتضيها فسأتبع هذا الدين)، وبالفعل رأيت في وجوه الأطباء مباشرة غموض ودهشة قالوا لي ابنتك لن تموت!! صحتها جيدة لا تحتاج إلى عملية ولا إلى دواء!!.
وتيقنت أن يد خالقي قد تدخلت وحقق وعده معي، وعلي أن أحقق وعدي، وهذا جعلني أبحث في الديانات، حتى وصلت إلى الإسلام فكل أسئلتي وجدت لها أجوبة ودخل السلام والطمأنينة قلبي. فالابتلاء محنة قد تنقلب إلي منحة، ولقد شبه الله هذه الابتلاءات والمواقف العصيبة بالذي يغرق في البحر شديد الأمواج قال تعالى: ” وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ” (يونس:22). فالله سبحانة وتعالى يبتلي البشر ليقربهم إليه، ويتوبوا فيتوب عليهم وهذا مصدقا لقوله تعالى ” وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ” ( لقمان:32). المقتصد: شاكر لله أي موفٍ بعهده مع الله كما أوفى الدكتور لورانس براون بعهده مع الله.
فإن هذه الابتلاءات التي يضع الله فيها عباده، ثم عندما يدعوه بإخلاص ينجيهم برحمته ليقيم حجته البالغة عليهم وتكون هذه المواقف شاهدة عليهم أمام الله يوم القيامة، وقد يفتن البعض ويظن أنه عندما يدعو الله فيستجيب له وينجيه من كل كرب هذا دليل على محبة الله له ولكن يبين لنا الله أنه الذي ينجينا من كل كرب وبعد أن يكشف الله السوء عن عباده فالبعض منهم يعودوا إلي ما كان عليه من كفر أو شرك بالله قال تعالى: ” قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ ” (الأنعام: 64-63).
وفي النهاية فإن الملحدين أو الكافرين سيشهدون على أنفسهم بأنهم كانوا كافرين بختيارهم مرتين:
المرة الأولي: عندما تتوفاهم الملائكة: قال تعالى: ” حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ” (الأعراف: 73).
المرة الثانية: يوم الحساب: في بداية الأمر يجادلون بالباطل بأن الله لم يشاء هدايتهم قال تعالى: ” وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آَبَاؤُنَا ” (النحل: 35). وفي نهاية جدالهم بالباطل سيعترفون بانهم كفروا بالله بختيارهم وتكبروا على الفطرة السليمة التي جبلوا عليها ويتذكرون أنهم شهدوا على أنفسهم في حياة الذر أي (خلق الأرواح قبل الأجساد) بعبادة الله وحدة لا شريك له، ولم يفوا بالعهد ويعترفون بأن الدنيا غرتهم بزينتها وفتنوا بها وهذا ما أخبرنا به الله في قوله تعالى: ” يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (الأنعام:130).
إذن الكفر يعنى الإنكار فالكافر يعرف نعمة الله أي يعرف أن كل هذه النعم من عند الله بالفطرة ثم ينكرها بكامل إرادته أي إختياراً منه وليس إجباراً عليه مصدقاً لقوله تعالى: ” يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ” (النحل: 83).
المراجع:
بقلم: د/ هند درويش
باحثة دكتوراه
التعليقات