البيانات والمعلومات ، مفردات قديمة ذات مدلولات جديدة ، فقد كان البعض يفصح عن كل تفاصيل حياته العادية والحساسة في جلسة فضفضة علي مقهي منزوي وهو يشرب الشاي ، والكثير منا يدلي حراً مختاراً بكل بياناته المهمة وهو مقبل علي الدخول لبرنامج علي شبكة الإنترنت فيسجل كل ما يطلب منه بكل أريحية وهو مطمئن .
والغريب الذي يثير الدهشة أن ذلك الشخص الذي يقر ويوثق كل بيانته وتفاصيل حياته للشركات والمؤسسات عند تعاملاته اليومية ، يثور ويغضب وتنتفخ أوداجه عندما يطلب منه أحد أقاربه معرفة اسم أمه ولو علي سبيل المزاح !!!
وفي ظل التحول الرقمي لمختلف الدول فقد أصبحت البيانات والمعلومات ذات قيمة معنوية و مادية عالية ، فلا ينكر أحد أن الاستثمار في البيانات أصبح يدر ربحاً أكثر من الاستثمار في الذهب ، وهو ما استلزم استنهاض همة المشرع لمواجهة مخاطر استغلال البيانات والمعلومات استغلال غير مشروع بتحويل الإنسان إلي مجرد رقم أو سلعة ، فيباع ويشتري من خلال معالجة بياناته الشخصية .
وفي الحقيقة فإننا و نحن بصدد الحفاوة بالتشريعات المتعلقة بالبيانات والمعلومات ، فلم نكن يوماً مقلدين ولا تابعين ، فقد كنا أول من أهتم بتسجيل البيانات والمعلومات وأول من اهتم بحفظها وتوثيقها ، ويشهد علي ذلك ما حوته جدران المعابد من رسومات وعبارات تسجل تاريخ الفراعنة وبياناتهم .
وفي دولة الخلافة فقد اهتم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بإنشاء الدواوين التي كانت مهمتها رصد و تسجيل البيانات الهامة للدولة ، فانشأ ديوان الجند لتسجيل بيانات الجنود ، وديوان الخراج لتسجيل مصادر ومصارف الدولة ، وديوان البريد لتسجيل المراسلات الرسمية للدولة ، وغيرها من الدواوين .
وها هو المشرع المصري يصدر قانون حماية البيانات الشخصية رقم 151 لسنة 2020 ، ويسعي من خلاله لحماية البيانات الشخصية للأفراد التي يدلون بها لمؤسسات وشركات وجهات خاصة تجارية أو خدمية ، فيبرز هذا القانون كحائط صد ضد انتهاك الخصوصية التي يمكن أن تقع علي الأفراد واستغلال بياناتهم استغلال غير مشروع ، ومن جهة آخري فإن هذا القانون يهيئ البيئة القانونية المناسبة للاستثمار الرقمي ، التي تساعد علي عقد شراكات مع أطراف المجتمع الدولي في مجال تكنولوجيا المعلومات ، وكذلك تسهيل عمليات التسويق الإلكتروني .
التعليقات