السبت - الموافق 21 ديسمبر 2024م

الحروب الإلكترونية (الحروب الافتراضية) بقلم الدكتور عادل عامر

باتت مصطلحات “الجيش الإلكتروني” و”الذباب الإلكتروني” وجنود الظل” متداولة في السنوات الأخيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام، ومتصدرة الصراعات الدولية.

مفهوم الحرب الإلكترونية

يُشير مفهوم الحرب الإلكترونيّة (Cyber warfare) إلى الحرب التي يتم فيها استخدام جُملة من الممارسات والإجراءات السايبرية لأهداف الدفاع والهجوم، حيث يتم في حالة الهجوم استهداف الوسائل الإلكترونية للعدو لإلحاق الخلل والعطل بأنظمتها عبر تعطيل مواقع الويب الرسمية والشبكات وتعطيل الخدمات الأساسية، أو سرقة وتعديل البيانات السرية، وتخريب الأنظمة المالية، أو غيرها من الأنظمة المؤثرة ضمن منظومة العدو، أما في حالة الدفاع، فيتم بناء الحماية الإلكترونية من عمليات الهجوم الإلكتروني المعادي أو عمليات الاستطلاع، عبر تأمين الوقاية للنُّظم الإلكترونية الخاصة والصديقة. (العكيلي)

وتعتمد الحرب الإلكترونية ما يُعرف بالجيوش الإلكترونية التي تعمل على تنفيذ عمليات التجسس، وإدارة الهجمات الإلكترونية، لإضافة إلى شن حروب المعلوماتية في وسائل الإعلام ومواقع التواصل. (العكيلي) وهناك نوعان للحروب الإلكترونية:

1- حرب الإشعاع

تعد حرب الإشعاع نوع من الحروب الإلكترونية وتتم من خلال استخدام الأشعة الكهرومغناطيسية واستغلال الثغرات بهدف تخفيض مستوى البيانات والاختراق والقرصنة وعبر نشر الفيروسات التي استخدمتها الجيوش الإلكترونية للأنظمة وللجماعات الإرهابية (جهات حكومة وأفراد)

2- حرب البيانات

وتعد حرب البيانات من ضمن الحروب الإلكترونية من خلال استغلال البيانات دون تعريضها للضرر.

وأكثر ما يميز الحروب الإلكترونية هو الإنفاق الهائل من المؤسسات العسكرية والأمنية في دول العالم اليوم.

وهناك ثلاثة أنواع للجيش الإلكتروني منها:

الجيوش الإلكترونية ذات القبعة السوداء.

والجيوش الإلكترونية ذات القبعة الرمادية.

والجيوش الإلكترونية ذات القبعة البيضاء.

وتتراوح مهامها بين الحروب الإعلامية، وشن الهجمات الإلكترونية والتجسس، والعمل من خلف شاشات إلكترونية عن طريق إنشاء حسابات وهمية مهمتها الترويج لبعض الأفكار و”الترندات” واختراق المواقع الإلكترونية، وبعض الصفحات الشخصية للشخصيات البارزة لنشر الشائعات والأكاذيب للتأثير في الرأي العام واستطلاعات الرأي، وتعمل على التسويق لأفكار معينة على منصات التواصل الاجتماعي، وخلق حالة إرباك لجمهور الخصم.

ولهذه الجيوش الإلكترونية دور مهم في الصراعات الإقليمية والعالمية والمحلية، فبإمكانها تلميع صورة بعض السياسيين، وإسقاط آخرين، من خلال نشر مقاطع فيدو مفبركة ووثائق مزورة.

“واتسمت الحروب الإلكترونية بصفة تدميرية كبرى، قد لا تصاحبها دماء أو أشلاء بالضرورة، ولكنها تتضمن التجسس والتسلل ثم النسف دون دخان أو أنقاض أو غبار، ويتميز أطرافها بعدم الوضوح، وتكون تداعياتها خطرة، إما عن طريق تدمير المواقع على الإنترنت ونسفها وقصفها بوابل من الفيروسات، أو العمل على استخدام أسلحة الفضاء الإلكتروني المتعددة للنيل من تلك المواقع، وهي أسلحة يسهل الحصول عليها من خلال مواقع الإنترنت أيضًا”. (العزاوي، 2021)

“لم تكتف الحكومات العربية بالحل الأمني فقط، كما أشرنا سابقًا، بل استخدمت الأدوات نفسها في صراعها مع الثورات الرقمية، فبات الحديث عن المجموعات الإلكترونية الموالية للأنظمة والأحزاب السياسية فيما يعرف باسم “اللجان الإلكترونية” أو “الجيوش الإلكترونية” وهي المسؤولة عن صناعة رأي عام مضاد على مواقع التواصل الاجتماعي، كما تعمل على اختراق الصفحات المعارضة كما حدث مع شبكة رصد الإخبارية عقب بث التسريبات التي تخص النظام المصري، وأصبحت هذه المجموعات تعمل على مهاجمة خصوم الدولة، وتشويه كل المعارضين، والرد على كل ما يثار في هذه المواقع من وجهة نظر الدولة، حتى جمعت المريدين في هذا الاتجاه، وأصبحت من أضخم المجموعات في الإعلام الرقمي.” (التحرير، 2015)

وقد كانت حرب المعلومات فيما مضى حكرًا على الجيوش والأنظمة وأجهزة الاستخبارات، ولكن في ظل ظهور ثورة المعلومات ومواقع التواصل الاجتماعي أصبح الفرد والمواطن لاعبًا في حرب المعلومات.

كما كان ظهور ظاهرة (المواطن الصحافي) الذي أدى دورًا فاعلًا في نقل الحدث وتحليله وتسليط الضوء عليه، إضافة إلى المدونات والناشطين، أمرًا فاعلًا في حشد الحراك؛ فلا يخفى على أحد دور الناشطين والمواطن الصحافي في ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية، والدور المهم الذي أدوه في التغيير السياسي.

“وتتميز الرواية الصحافية، التي ينقلها الأشخاص العاديون والناشطون عن المعلومات التقليدية التي تنشرها الدول بحس عميق بالأصالة والثقة والاتصال العاطفي. وهو ما كان يصعب على المؤسسات الإعلامية الكبرى الحصول عليه على الدوام، إلا أنه برز بشكل طبيعي دون اختلاق في ما يبثه هؤلاء الأفراد والناشطون.

وفي الغارات الجوية التي شنتها روسيا على مدينة حلب السورية، التي كانت قد سيطرت عليها قوات المعارضة آنذاك، لفت بعض الأطفال والفتيات الانتباه الدولي عبر بثهم لتطورات الأحداث في مناطق اشتعال الحرب، ما ساعد في دعم تشكيل الرأي العام العالمي ضد هذه الممارسات”. (daraj، 2017)

ولكن منيت صحافة المواطن بسلبيات من أهمها الضبابية التي تحيط بصحة الأخبار وعدم التمييز بين الحقيقة والزيف؛ غير أنه من خلال تعدد المصادر على الأرض وتوفر المعلومات، أصبح بإمكان المراقبين القدرة على تقييم المعلومات، والحكم على مصداقية التقارير الصحافية في (صحافة المواطن) بشكل أكبر.

حرب الفيديوهات المصورة والصفحات المكتوبة والجيوش الإلكترونية

انتهجت الحكومات العربية أساليب وتكتيكات عديدة محاولة إجهاض الثورات واختراقها وتحويل مسارها، بغية تقليب الرأي العام المحلي والدولي على الثوار، وتشويه الاحتجاجات السلمية وتطويقها، وركزت على العنصر الإعلامي للثورة، وحمل التحول الإلكتروني والتطور التكنولوجي في الحروب الإعلام العربي للحكومات في أغلب الدول على تشكيل جيوش إلكترونية، وتأسيس وحدات معلومات إلى جانب الأساليب الكلاسيكية القمعية.

وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في صناعة الرأي العام وتشكيله

تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً فاعلاً في صناعة الرأي العام وتشكيله، حيث تسهم في ترويج الأفكار التي تعتنقها النخبة في المجتمع، لتصبح ذات قيمة اجتماعية معترف بها، وتحظى بالانتشار بين الأشخاص العاديين، ومن ثم التأثير على سلوكهم وفي تشكيل توجهاتهم إزاء قضايا بعينها؛ وهذا الدور وفقاً لنظرية التسويق الاجتماعي يتشابه إلى حد كبير مع حملات التسويق التي تستهدف الترويج لسلعة معينة وإقناع المستهلكين بها.

وهذا التأثير يرجع بالأساس إلى ما تتميز به وسائل التواصل الاجتماعي، والإعلام الجديد بوجه عام، من قدرة على التأثير الكمي من خلال التكرار، حيث تقوم وسائل التواصل الاجتماعي بتقديم رسائل إعلامية متشابهة ومتكررة حول قضية ما، بحيث يؤدي هذا العرض التراكمي إلى اقتناع أفراد المجتمع بها على المدى البعيد وعلى أية حال، فإن وسائل التواصل الاجتماعي باتت شريك رئيسي في صناعة الرأي العام من خلال العديد من الأدوار:

التأثير في الوعي حيث يمكن لنخبة من المفكرين والمثقفين ترويج أفكارهم من خلال شبكات ومنصات التواصل الاجتماعي، والعمل على تشكيل وعي المستخدمين عن طريق الحملات الإعلامية التي تستهدف تكثيف المعرفة لتعديل السلوك بزيادة المعلومات المرسلة للتأثير عليهم، وتشكيل وعيهم تجاه القضايا المختلفة. وبالفعل فقد أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في بروز قادة رأي مؤثرين في العالم العربي لهم منابرهم الإعلامية التي تحظى بالمتابعة من ملايين المستخدمين في العالم العربي، وبإمكان هؤلاء التأثير في متابعيهم بدرجة أو بأخرى في ما يتعلق بالقضايا المثارة.

تنامي دور الفرد في التأثير على الرأي العام من خلال وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي المختلفة التي أصبح من خلالها الفرد يلعب دوراً مهماً في نقل الأخبار وصناعتها وتحريرها، فضلاً عن التأثير في تكوين القناعات حول بعض القضايا. وأسهمت هذه الوسائل في ظهور ما يطلق عليه “صحافة المواطن”، التي تتيح لأي فرد أن يمتلك حساباً على موقع التواصل الاجتماعي، ولديه قدر من المهارات والمعرفة أن يصيغ مواد خبرية، تقارير أو مقالات أو تحقيقات تعبر عن وجهة نظره إزاء مختلف القضايا، لكن المشكلة هنا أن هذا النوع من الصحافة يفتقر أحياناً إلى الدقة والمصداقية، حينما يقوم الفرد بالمزج بين رأيه وبين الخبر أو الحدث الذي ينشره على صفحته الخاصة أو يرسله إلى وسائل الإعلام الأخرى، سواء كانت تقليدية أو إلكترونية[15]. وتطورت صحافة المواطن مع إقبال المواطنين على الإعلام البديل من أجل التعبير بحريّة عن أوضاعهم بعد أن احتكرت بعض الحكومات ورجال الأعمال في العالم العربي وسائل الإعلام التقليديّة[16]. وأهم ما يميز الصحفي المواطن هو عدم خضوعه للقيود التي تفرضها عليه المؤسسات الإعلامية التقليدية، حيث يتمتع بحرية كبيرة في الفضاء الرقمي ومن الصعب السيطرة عليه أو التأثير في توجهاته، وهذا شكل تحدياً سياسياً للسلطات السياسية عبر منازعتها في امتلاك وسائل الإعلام، والرد عليها حين تستخدم هذه الوسائل في التعبئة والحشد وتبرير السياسات القائمة وتزييف الوعي، بل وأكثر من ذلك فإن هذه النوعية من الصحافة أصبحت تقوم بدور رقابي على أداء الحكومات وكشف مظاهر الفساد المستشري في بعض القطاعات

كما ظهر تأثير دور الفرد في تشكيل الرأي العام من خلال ما يسمى”المدونات الإلكترونية”، التي تمثل نافذة مهمة تتيح نشــر المعلومات في كافة مجالات المعرفة البشرية، ويتم التعرف من خلالها على الرأي والرأي الآخر[18]. ولعل ما يضاعف من أهمية المدونات في التأثير على الرأي العام هو تزايد أعدادها بدرجة كبيرة، حيث تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 409 ملايين شخص يشاهدون أكثر من عشرين مليار صفحة تدوين شهريا، وأن المستخدمين ينشرون 70 مليون منشور جديد و77 مليون تعليق جديد كل شهر، وتشير إحصائية أخرى إلى أنه من بين 1.7 مليار موقع في العالم، هناك حوالي 500 مليون مدونة

وهذا إنما يشير بوضوح إلى أن تأثير المدونات قد لا يقل أهمية عن وسائل التواصل الاجتماعي التقليدية – فيسبوك وتويتر– في التأثير على الرأي العام، خاصة أنها تعد من أفضل مصادر المعلومات حول مجمل القضايا التي تهم الأشخاص في المجالات كافة، الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية.

وتشير العديد من الدراسات إلى أن المدونات، ووسائل التواصل الاجتماعي بوجه عام، أثرت بدرجة كبيرة في الرأي العام، سواء بشكل مباشر من خلال متابعيها، أو بشكل غير مباشر من خلال تأثيرها في وسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية، خاصة بالنظر لما تتمتع به من سرعة في الاستجابة للأحداث ومن قدرة على الانتشار بشكل كبير، بل أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تقوم بدور فاعل في تشكيل رأي عام دولي موحد تجاه قضايا بعينها نتيجة التفاعل بين مستخدميها الذين ينتمون إلى ثقافات مختلفة، لكنهم يؤمنون بمنظومة مشتركة من القيم، ولعل المثال الواضح على ذلك التأثير الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في توجيه الرأي العام الدولي تجاه الاعتداء الإرهابي الذي استهدف مسجدين في نيوزيلندا في مارس من العام 2019، وتوصيفه باعتباره عملاً إرهابياً، وأجبرت شركتي فيسبوك وتويتر على إزالة المحتوى الرقمي الذي يحض على الكراهية ويحرض على العنف ضد المسلمين في الدول الأوروبية.

عامل مساعد في حركة التغيير حيث لم يقتصر دور وسائل التواصل الاجتماعي على تشكيل توجهات الأشخاص تجاه قضايا بعينها، وإنما تطور هذا الدور إلى دفع حركة التغيير في بعض الدول، ولعل أحداث ما يسمى “الربيع العربي” كانت كاشفة لهذا الدور، فالدعوة إلى المظاهرات والاحتجاجات التي شهدتها العديد من الدول العربية منذ نهاية عام 2010 كانت تتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة “فيسبوك” و”تويتر”، وكذلك من خلال المدونات التي كان لها دور كبير في كشف العديد من أوجه الخلل ومظاهر القصور في أداء بعض الحكومات العربية، وخاصة قضايا الفساد السياسي وغياب الشفافية والعدالة الاجتماعية، والتي شكلت في جوهرها أحد العوامل التي دفعت الشباب في هذه الدول إلى التظاهر والدعوة إلى تغيير الأنظمة، احتجاجاً على هذه الأوضاع والمطالبة بتغييرها من وجهة نظرهم

وسائل التواصل الاجتماعي وأثرها في التنشئة الاجتماعية

يتفق كثير من باحثين علم الاجتماع السياسي على أن وسائل التواصل الاجتماعي أثرت بدرجة كبيرة في التنشئة الاجتماعية والسياسية، وخاصة على النشء والشباب الأكثر استخداماً لها، وإن كان ثمة خلاف بينهم حول طبيعة هذا التأثير، ففي الوقت الذي يصف فيه البعض هذا التأثير بالإيجابي، استناداً إلى أنه يمكن توظيف وسائل التواصل الاجتماعي كأداة لبث القيم الإيجابية كالولاء والانتماء والمشاركة الفاعلة في بناء الأوطان وتنميتها؛ يعارض آخرون ذلك، من منطلق أن وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت في تراجع الدور الذي تقوم به مؤسسات التنشئة الأصيلة كالأسرة التي لم تعد مخزن للقيم بعد أن استولت وسائل التواصل الاجتماعي على عقول النشء والشباب إلى درجة الإدمان، وبدأت تهدد كثيرا من القيم التي كانت تحرص عليها الأسرة، بعد أن أصبح الشباب خاضغين لقيم العالم الافتراضي التي تبثها وسائل التواصل الاجتماعي على مدار الساعة

لقد باتت وسائل التواصل الاجتماعي تشكل المصدر الرئيسي لتنشئة النشء والشباب، وهذا لا شك قد يؤدي على المدى البعيد إلى انحسار الثقافة التقليدية الأصيلة وتراجعها لصالح هذه الثقافة المعولمة التي تروج لمنظومة مختلفة من القيم والعادات. والخطورة في ذلك أن وسائل التواصل الاجتماعي تؤصل لفكرة ارتباط الإنسان، لا بالدولة القومية والمجتمع الوطني، بل بالعالم أجمع، وتعزز من فكرة الخروج من المجتمع الضيق المحدود إلى العالم الكوني، مع ما يعنيه ذلك من ذوبان الهوية والشخصية الوطنية في قالب هوية وشخصية عالمية يفقد فيها الفرد جذوره ويتخلى عن ولائه وانتمائه

 

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك