والشّغف يختلف عن الحُبّ، فالحبّ هو أوّل الطّرف، لهفة البدايات، أوّل نفس تستنشقه من عبير الورود، فالبدايات الجميلة في العلاقات ليست كل شيء؛ فالجمال يكمن في استمرارها ومحافظتها على رونقها. وهنا يأتي دور الشّغف، هو الجزء الذّي يكمّل النّقص ويجمّل العلاقات ويهبها النّجاح والاستمراريّة، هو من يحافظ على عبير الورود ليدوم أطول، هو المحتوى القويّ الذّي يدعم المقدّمة ليكتمل من ثمَّ الموضوع حتّى يختم بخاتمة تليق به -فاختم لنا بخاتمة السّعادة يا الله-، هو الجزء الذّي إن غاب حلّت محلّه الرّتابة والملل والضّجر وكثرة الأسئلة ويزيد عليها الخناق. الأشياء المتاخرة.. أي شئ متأخر يفقد معناه يفقد عمقه ويفقد أحساسه لأن الأنتظار يقتل الوقت ويطفي الحب ويلغي معنى الشغف وروعة اللحظة .. والمرأة هي الأكثر تأثرًا بهذا؛ كونها لا تملك خيارا آخر أو منعدمة الخيار في حالة الزواج تحديدًا؛ لأنّها لا تستطيع البحث عن بديل، لأنّها تخاف الفقد، وتخاف فقدان مكانتها لدى شريكها،
وأن لا تكون الأقرب لعقله وقلبه والأجمل في عينيه. وربمّا يكون هو السّبب الرّئيسي بفقدان شغفها به، ورغم ذلك هي من تحمل الهمّ أكثر وتأخذ على عاتقها مسؤوليّة احياءه من جديد، ويدفعها لذلك إخلاصها في العلاقة وحبّها، وإنّ أكثر ما يؤلمها التّغيّر والبرود في العلاقة وجفاف المشاعر وقلّة الاهتمام واللّامبالاة.
حافظا قدر المستطاع على بقاء الشّغف متّقدا بينكما من خلال تبادل الهدايا والعناق، واحترام الاختلاف.. امنحا بعضكما الأولويّة وإن كانت حياتكما مليئة بالعمل والالتزامات، اصغيا وتفهّما بعضكما فإنّكما أولى النّاس ببعض، تشاركا الأسرار، وكونا واقعيين في علاقتكما معا ولا تتوقّعاها مثاليّة كالأفلام والمسلسلات. وليس كما يُشاع أنّ العلاقات الطّويلة تفقد رونقها وبريقها على الدّوام، فلا يعود سحر الرّومنسية مسيطرًا على أجوائها، ربمّا هذا صحيح إلَّا أن أشكالًا مختلفة من الحبّ تظللها بالتأكيد؛ فالحبّ ينتقل من حالة إلى أخرى لذلك علينا ألَّا نتوقّف عن البحث عنه.
القلق يجتاح الناس ويكسر آمالهم بسبب العادات والتقاليد المجتمعية التي تجد صعوبة بالغة في استيعاب التغييرات الثقافية والفكرية لدى الشباب وهذا ما يؤثر دوماً على دورة حياة الحب وخصوصاً في البلدان العربية، وهنا لا بدُ الإشارة إلى أن الحب يرفض الاندماج بقوانين الآخرين، إضافةً لجوهره الذي لا ينصاع للمحددات.
وكي نكون صريحين في بعض الأحيان نضع الأسباب على المجتمع كي نهرب خوفاً من الحب، لأننا نحبذ الانضمام إلى فصيلة المتخاذلين وكأن الحب سيلجم حريتنا ويقيد حياتنا ويدمر شبابنا، هكذا نظن لأننا نرفض المقاومة ونرضى الركوع للظروف لأننا نختار القرارات البسيطة التي يكتنفها الوضوح دون مغامرات دون تحمل ودون التزام أخلاقي بالحب.
وكم نجد من ضحايا للحب يموتون وهم أحياء لأن طرفا العلاقة يضعان اللوم على بعضهما البعض لا على الظروف التي سرقت منهما مشاعرهما، الأمر الذي يجبر حاسبة الحب أن تحصي موتاها الجبناء الذين فروا من ثاني أو ثالث نكبة تعرضوا لها. من يحب يجب أن يحارب لأجل أن يتحول ذلك الجوهر المقدس إلى حياة روحية عميقة ترافق أحلامهم إلى الأبد، من يحب عليه أن يفهم ويتفهم يصبر ويصطبر، يحوي ويحتوي الحبيب دونما انتظار للوفاء، وكم كنا نردد الشعارات ثم ننزلق نحو الهاوية من أعلى مراتب العشق.. وأي سقوط مدوٍ ينسف معه موسيقى الحب.
يمكن أن يقتل الهوس علاقة الحب، فالرغبة في أن يبقى حبيبك بجانبك طوال الأربع وعشرين ساعة، ولمدة سبعة أيام بالأسبوع، وعدم السماح لحبيبك بالاختفاء عن نظرك أو الغياب عن عقلك هو أكثر شيء يمكن أن يطفئ شعلة الحب بينكما. ومن سخرية القدر أن هذا الهوس والتمسك الشديد إنما يجعلك تخسر تلك العلاقة التي أنت مهووس بها. لهذا يجب أن تتعلم كيف تتغلب على هذه المشكلة وتجد الحب الحقيقي.
جرت العادة أن يكون الحديث، خصوصا مع اقتراب الشهر الفضيل، عن مفسدات الصيام أو مبطلات الصلاة أو مكروهات الوضوء..إلخ؛ إلا أن الموضوع الذي بين أيدينا لا يقل أهمية عن تلك التي دأبت كتب الفقه على تتناولها بتفصيل.
الحديث عن مفسدات الحبّ لا يقل أهمية عن الحديث عن مفسدات الصيام أو مبطلات الصلاة، ذلك أن العلاقة بين العبد وربّه يمكن إصلاحها بالتوبة الصادقة في كل وقت وحين، متى توفّرت العزيمة وصلح القصد، بينما العلاقة بين الزوجين يتعذّر غالبا إصلاحها إذا فسد الحب بينهما.
وقد تستمرّ تلك العلاقة لسبب من الأسباب، لكنها تكون علاقة جافّة بدون مضمون، خالية من المودّة والرحمة المشار إليها في قوله تعالى : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون).
الحب بين الزوجين، وإن كان شعورا فطريا بين الذكر والأنثى معروفا لدى الناس، فإنه يصعب تحديد ماهيته، لأنه مزيج بين الإحساس النفسي والتآلف الروحي، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ” الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف” رواه البخاري. ومعظم التعبيرات الفنية يشكل الحب أحد أهم محاورها، وذلك في تقديري مقاربة لتحديد تلك الماهية الفلسفية التي تلف موضوعا غامضا تغنّى به الشعراء، وشكل موضوع لوحات فنية أو أفلام رومانسية أو عروض مسرحية أو تأمّلات فلسفية.
وفي اعتقادي أن الحب بين الزوجين يمكن أن يندرج في مواضيع “التنمية البشرية”، فهو وإن كان شعورا فطريا كما قلنا، لكن يمكن صناعته وتنميته باعتباره أحد أركان الاستقرار الأسري، واستقرار الأسرة ذو مردودية كبيرة في الإنتاج والدورة الاقتصادية، وهذا لا يحتاج إلى دليل.
والحديث عن “مفسدات الحب” أحد مداخل مقاربة موضوع من مواضيع التنمية البشرية إن شئنا التعبير بأسلوب هذا العصر الذي يزن الأشياء بمردوديتها الاقتصادية، وإن كان له جوانب وانعكاسات أهم بكثير في تقديرنا من الجانب التنموي.
منغصات ومفسدات الحب بين الزوجين:
هناك منغصات الحب وهناك مفسدات الحب؛ أما ما ينغص الحب بين الزوجين فهو كثرة الجدال والمشاكسات على أتفه الأشياء، فكل طرف يريد أن يبدي تفوقه على الآخر بتقديم حججه على صوابية رأيه في أمور تسيير الأسرة، خصوصا أننا إزاء الحديث عن زوجين متساويين في المستوى التعليمي والثقافي عموما، والمرأة لم تعد تلك الأمة الخاضعة لرأي زوجها المطيعة له في كل شيء؛ وعلاج هذا المرض الذي ينغّص على الزوجين حياتهما ويكدّر صفو الحبّ بينهما قول نبيّنا صلى الله عليه وسلم : (تطاوعا ولا تختلفا).
ـ ومن منغصات الحب بين الزوجين : إشراك أطراف خارجية في حل المشاكل اليومية، سواء كانوا أصدقاء أو أقارب، فمن النساء من ابتليت باطلاع صديقتها أو والدتها عن كل صغيرة وكبيرة تجري بينها وبين زوجها، وهذا خطأ فادح لأن كثرة الآراء والتدخّلات تعقّد الأمور ولا تحلها.
ـ ومن منغّصات الحب غياب الكلمة الطيبة في البيت بين الزوجين، فالمرأة عموما تحبّ كلام الغزل والهدايا، وإن كانت رمزية مثل الورد، وكثير من الرجال لا يهتمّون لتنمية الحبّ مع زوجاتهم من هذه المداخل، وهي بالغة الأهمية في حياة المرأة، وفي الحديث : (تهادوا تحابّوا).
ـ ومن منغصات الحب الاهتمام الزائد بالأبناء أو التلفاز أو المطبخ أو مخلفات الشغل أو العبادة على حساب الزوج، وعدم اهتمام المرأة بشكلها وأنوثتها داخل البيت، فالمرأة الناجحة في بيتها هي التي تحسن استقبال القبلة وتحسن استقبال المرآة، فالأولى لربها والثانية لزوجها.
ـ ومن منغصات الحب الحديث عن العلاقات والمغامرات ما قبل الزواج والإشادة بها، وهذا لا يجوز، ولا يفعله إلا أحمق.
ـ ومن منغصات الحب نظر الزوج لغير زوجته ، خصوصا في رفقتها، فالمرأة تراقب عين زوجها بشكل دقيق لا يدركه هو، فإذا نظر لغيرها نظرة إعجاب فإن ذلك يؤلمها، ويكون ردّة فعلها إهمال شكلها في البيت.
ـ ومن منغصات الحب إبداء الزوج رغبته في زواج ثان، ولو من باب المزاح، خصوصا إذا كان غنيا قادرا عليه، وإنما شرع الله تعدّد الزوجات لأنّ مصلحته أحيانا تكون راجحة على مفسدته، وإلا فهو مؤثر سلبي على دوام المحبة.
والمشرّع يبيح ما ترجّحت مصلحته على مفسدته، ويحرّم ما ترجّحت مفسدته على مصلحته؛ قال تعالى : (ويسألونك عن الخمر والميسر، قل فيهما إثم كبير ومنافع للنّاس، وإثمهما أكبر من نفعهما) وكان هذا إيذان بتحريمهما.
ـ ومن منغصات الحب بين الزوجين الشك أو الغيرة الزائدة، لأنها تفضي إلى غياب الثقة بين الطرفين، فيصبح كل طرف يتجسّس على صاحبه : يتتبّع رسائله ومكالماته وأصدقائه على الفايسبوك وزبنائه في العمل وكلامه مع الجنس الآخر وإن كان من الأقارب؛ وهذا فساد في التقدير وطريق سالك إلى البغض وإشعال الفتن في البيت.
ـ وتراكم هذه المنغصات دون البدار إلى علاجها يفسد الحب، ويذهب برونقه وحلاوته، فإن للحب حلاوة ومرارة وألم؛
وهناك مفسدات أخرى للحب بين الزوجين:
ـ منها طلب الكماليات، وجعلها في موضع الحاجيات أو الضروريات، ما يحمل الزوجين على الاقتراض والدخول في متاهات الديون، و(الدين همّ الليل وذلّ النهار) كما في الحديث، وهذا غالبا ما يبدأ مع فترة العرس والهدايا وتجهيز العروس وبيت الزوجية بما يفوق قدرة العروسين؛ وكل هذا من العادات السيئة والتفاخر الفارغ.
ـ ومن مفسدات الحب بين الزوجين غياب التوافق الجنسي بينهما، فيقضي الزوج حاجته من حبيبته دون أن يكون لها نصيب من لذة الجماع، وسبب ذلك عدم صبر الزوج عموما في الإطالة في ملاعبة زوجته، وقد ورد النهي عن ذلك في أحاديث كثيرة؛ وعلاجه نوع من التدريب بين الزوجين على الإطالة في الجماع حتى يحقّقا المراد.ـ
ومن مفسدات الحب بينهما الروتين، والروتين يقتل الحب، ونعني به العادة، فالمطلوب من الزوجين أن يرسما لوحة فنية بين الفينة والأخرى، لوحة تعكس الحب الذي يجمعهما؛ ولست هنا بصدد تحديد ملامح هذه اللوحة، لأنها تخص عبقرية كل زوج على حدة.
ـ ومن مبطلات الحب بين الزوجين : الخيانة الزوجية، فالخيانة الزوجية التي تبدأ بعلاقة عاطفية عابرة وتنتهي بمغامرة جنسية، تنهي علاقة الودّ والمحبّة بين الزوجين بصفة شبه نهائية، سواء علم الطرف الآخر بخيانة شريكه أو لم يعلم، لأن الخيانة إن لم تبادرها توبة نصوح، لابدّ أن تجرّ إلى أختها، وهكذا دواليك إلى أن تصبح مرضا مستحكما يصعب الفكاك منه.
والخلاصة أن علاج المنغصات أيسر من علاج المفسدات والذي يفضي بدوره إلى مبطلات الحب، فتحل محله الكراهية أو الانتقام والفراق.
التعليقات