الخميس - الموافق 12 ديسمبر 2024م

حق الطفل في الشريعة والقانون .. بقلم الدكتور عادل عامر

مقدمة:

إن حقوق الطفل هي عبارة عن مجموعة حقوق فردية وشخصية تركز على صفة حاملها بوصفه طفلا وإنسانا في حاجة إلى رعاية وعناية. ولأهمية هذا الموضوع نجد أن الإسلام قد أولى الطفل عناية خاصة واعترف له بجملة من الحقوق حتى قبل أن ترى عيناه النور. يحث الإسلام الرجل على اختيار الزوجة الصالحة ذات الدين، لتكون في المستقبل أما صالحة ترعى شئون زوجها وبيتها وتكون مسئولة عن تربية أطفالها تربية صحيحة وسليمة، وبعد ولادته يعترف الإسلام ويقر للطفل مجموعة من الحقوق مثل حقه في الحياة وفي النسب والاسم والرضاعة والحضانة والإرث… الخ.

ولقد جاء هذا الاهتمام من قبل الشريعة الإسلامية بالطفل كدليل على عظمة الإسلام وتأكيده على احترام حقوق الإنسان التي عدها شيئا يلازم احترام آدميته وكرامته والتي اعترف الله بها لهذا المخلوق. لقد شهد القرن الماضي في العام الدولي للطفل سنة 1979، بداية تغيير حاسم في الكيفية التي يتم بها النظر إلى الأطفال والتعامل معهم، فقد برزت ممارسات مغايرة لتلك التي كانت سائدة من قبل وأخذت الممارسات تتضح وتأخذ شكلا يعكس الاهتمام والتوجيه بعناية مباشرة نحو الأطفال في مختلف ربوع العالم.

وبعد تبني الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل في عام 1989 وقيام العديد من الدول بالتصديق عليها، بدأت مسألة العناية بالطفولة تأخذ منحنى واضحا استجابة وانسجاما مع المؤثرات والمتغيرات الدولية التي استهدفت تركيز الاهتمام على شؤون الأطفال وهمومهم، وتوجت هذه الجهود بعقد مؤتمر دولي للطفولة في شهر أيلول عام 1990، ومن ثم بدأت نظرة المجتمع الدولي تتغير إلى حقوق الطفل، وأصبح ينظر إليها على أساس أنها حقوق إنسانية وعالمية لا يمكن التغاضي عنها أو تأجيلها

الطفل هو ثمرة ورصيد الأسرة ومستقبل المجتمع، ويكون ذلك فعلاً إذا أحيط بالعناية اللازمة شرعية وقانونية، ولذلك اهتمت الشريعة الإسلامية برعاية الطفل وحمايته منذ أن كان نطفة في الرحم،وقد تعرض بعض الأطفال لانتهاكات لحقوقه فأدل ذلك إلى نظر قوانين تحمى الطفل، لذا هدفت الدراسة إلى بيان التشريعات المتعلقة بحقوق الطفل في الإسلام والقانون الغيني دراسة وصفية مقارنة، اتبعت الدراسة المنهج الوصفي والتحليلي  والمقارن،

توصلت الدراسة إلى أن حقوق الطفل في الشريعة والقانون العيني حمايته من كافة أشكال العنف، أو الضرر أو أي تعسُّف، ومن إساءة معاملته بدنياً أو عقلياً أو نفسياً، ومن الإهمال أو أية معاملة ماسة بالكرامة من أي شخص يتعهد الطفل أو يقوم برعايته، واعتماد آليات ذات إجراءات مرنة لاستقبال الحالات من ضحايا الاتجار بالبشر لتقديم خدمات الرعاية والإيواء لهم في المؤسسات والمراكز الدعوية أو بالاستناد إلى المعايير الدولية والوطنية، وتنظيم آلية متميزة لتقديم خدمات إرشادية عن طريق الإنترنت ترمي إلى تقديم الدعم والمساندة لضحايا الاتجار بالبشر خاصة من النساء والأطفال

وبخاصة عن طريق الخطوط الساخنة على مدار اليوم لاستقبال الحالات بشكل سريع ومباشر عن الضرورة، القانون الغيني لم يوافق  الشريعة الإسلامية في الحصول الجنسية  حيث أنه لا يسمح بحصول الطفل إذا اختلفت جنسية الزوجين إلا بعد مرور ثلاث سنوات، اتفق الفقهاء على مشروعية العدل بين الأولاد في العطية فلا يخص أحدهم أو بعضهم بشيء دون الآخر،أما القانون الغيني فلم يتطرف لهذا الأمر. أوصت الدراسة، إلى ضرورة معالجة حقوق الطفل بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية لأنه الأنسب والأسلم للبشرية، والأكمل للطفل من حيث إقرار الحقوق وكفالتها،

وتفعيل آليات الحماية على أرض الواقع  خاصة وأنّ عالم  اليوم يعيش كل يوم على وقع انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان بصفة عامة والطفل بصفة خاصة فترى اليوم الطفل الأسير المعذب في بلد المسلمين، ومحاولة إيجاد مراكز تتكفل بالأطفال من ضحايا الحروب، وذلك بتوفير الرعاية الجسدية والنفسية لهم، خاصة الذين تيتموا بسبب الحرب، وذلك ابتغاء النشأة السليمة لهم، لأن وقوع الحروب والنزاعات يؤثر على الكبار فما بالك بالصغار. تعتبر حقوق الطفل من أهم القضايا التي تشغل المجتمع الدولي والمحلي على حد سواء. وقد أولت الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية اهتماماً كبيراً بحقوق الطفل، حيث كفلت له مجموعة من الحقوق الأساسية التي تضمن له حياة كريمة ونموًا سليماً. عتبر حقوق الطفل جزءا” لا يتجزأ من حقوق الانسان،

 

لذلک حرصت کل من الشريعة الاسلامية والقانون الدولي على حمايتها . الا ان الشريعة الإسلامية کانت شاملة في طرحها ، اذ استوعبت جميع ما يحتاج اليه الطفل من حقوق

مادية ومعنوية قبل وبعد الولادة .

حقوق الطفل في الشريعة الإسلامية:

أولى الإسلام الطفل أهمية كبيرة، واعتبره أمانة في عنق الوالدين والمجتمع، وحفظ له حقوقاً عديدة، منها:

الحق في الحياة: الإسلام يحرم قتل الأطفال، ويحث على رعايتهم ورعايتهم.

الحق في الاسم والنسب: من حق كل طفل أن يعرف نسبه واسم أهله.

الحق في الرضاعة: حث الإسلام على الرضاعة الطبيعية، لما فيها من فوائد صحية ونفسية للطفل والأم.

الحق في الحضانة: حدد الإسلام أحكام الحضانة، وأعطى الأولوية للأم في حضانة الأبناء الصغار.

الحق في التعليم: حث الإسلام على طلب العلم، وجعل تعليم الأبناء واجباً على الوالدين.

الحق في الميراث: نص الإسلام على حق الأبناء في الميراث، ووضع لهم نصيبًا محدداً.

الحق في الحماية من سوء المعاملة والاستغلال: حذر الإسلام من إيذاء الأطفال أو استغلالهم بأي شكل من الأشكال.

حقوق الطفل في القوانين الوضعية:

اعتمدت القوانين الوضعية في مختلف الدول على مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية حقوق الطفل، وكفلت للطفل مجموعة من الحقوق الأساسية، منها:

الحق في الحياة والبقاء: حماية الطفل من جميع أشكال الاستغلال والإهمال والعنف.

الحق في التنمية: توفير الرعاية الصحية والتعليم والتغذية للطفل.

الحق في المشاركة: إتاحة الفرصة للطفل للتعبير عن رأيه والمشاركة في القرارات التي تخصه.

الحق في الحماية من جميع أشكال الاستغلال: حماية الطفل من العمل القسري والإتجار بالبشر والاستغلال الجنسي.

مقارنة بين حقوق الطفل في الشريعة والقانون:

تتفق الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية في التأكيد على أهمية حقوق الطفل، وحمايته من جميع أشكال الاستغلال والإيذاء. ولكن هناك بعض الاختلافات في التفاصيل والتطبيق، حيث:

التشريعات: تعتمد الشريعة الإسلامية على مصادرها الأساسية وهي القرآن والسنة، بينما تعتمد القوانين الوضعية على التشريعات التي تضعها الدول.

التفاصيل: تختلف التفاصيل في بعض الأحكام المتعلقة بحقوق الطفل، مثل أحكام الحضانة والوصاية.

التطبيق: يختلف تطبيق أحكام حقوق الطفل بين الدول، حيث تختلف الثقافات والتقاليد والقوانين.

التحديات التي تواجه حقوق الطفل:

رغم التقدم الذي تحقق في مجال حقوق الطفل، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه هذه الحقوق، مثل:

الفقر: يؤثر الفقر سلبًا على حقوق الطفل في الحصول على التعليم والصحة والرعاية.

الحروب والصراعات: تتعرض الأطفال في مناطق الحروب والصراعات إلى العديد من الانتهاكات لحقوقهم.

التمييز: يتعرض بعض الأطفال للتمييز على أساس الجنس أو العرق أو الدين.

الجهل: يفتقر بعض المجتمعات إلى الوعي بحقوق الطفل، مما يؤدي إلى انتهاك هذه الحقوق.

ان الانسان هو المحور الرئيس للدين الإسلامي، الدين الذي كرم الانسان وفضله على سائر المخلوقات الأخرى، ولو تمعنا جيدا في الاحكام التي تضمنها القران الكريم باعتباره المصــــدر الرئيس للتشريع الإسلامي والسنة النبوية المطهرة كمصدر ثاني، سنجد بـأن هناك المئات من الآيات القرآنية الكريمة والاحاديث النبوية الشريفة التي بينت بوضوح ما يجب ان يتمتع بـــه الانسان من حقوق جوهرية مهمة، ويمكن القول بتجرد ان الشريعة الإسلامية كانت اسبق من الشرائع الوضعية في تقرير حقوق الطفل وحرياته التي جاءت بأكمل صورة وعلى أوسع نطاق، بل انها تمثل اول اعلان عالمي لحقوق الطفل، وكان للشريعة الإسلامية في هذا المجال ابلغ الأثر في الفكر الإنساني، ورأى البعض ان الإعلان العالمي لحقوق الانسان عام: 1948م لا يخالف مبادئ الشريعة الإسلامية الا في حالات نادرة وانه لايزال ادنى من مستوى الصورة التي رسمتها الشريعة الإسلامية لنظام الحقوق والحريات الإنسانية.

وبما ان احكام الشريعة الإسلامية تخص البشرية جمعاء، وليست حكرا على المسلمين فانه بإمكان كل مجتمع ان يستعين بها ويطبقها وفقا للظروف السائدة فيه، وحيث ان الانسان هو غاية كل الرسالات السماوية فقد فضله الله تعالى على سائر مخلوقاته وكرمه بقوله تعالى:(ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) سورة الاسراء اية:70.

ولكثرة حقوق الانسان وتشعبها اخترت البحث في حقوق الطفل بين الشريعة الإسلامية والقانون العراقي باعتبار هذه المرحلة هي اهم المراحل في حياة الانسان فان حقوق الطفل التي اقرها الإسلام هي حقوق طبيعية ازلية فرضتها الإرادة الربانية كجزء لا يتجزأ من نعمة الله تعالى على الانسان.

وجاء البحث موسوما: حقوق الطفل بين الشريعة الإسلامية والقانون العراقي

وبينت حقوق الطفل هي عبارة عن مجموعة حقوق فردية وشخصية تركز على صفة حاملها بوصفه طفلا وإنسانا في حاجة إلى رعاية وعناية. ولأهمية هذا الموضوع نجد أن الإسلام قد أولى الطفل عناية خاصة واعترف له بجملة من الحقوق حتى قبل أن ترى عيناه النور، ويحث الإسلام الرجل على اختيار الزوجة الصالحة ذات الدين، لتكون في المستقبل أما صالحة ترعى شؤون زوجها وبيتها وتكون مسؤولة عن تربية أطفالها تربية صحيحة وسليمة، وبعد ولادته يعترف الإسلام ويقر للطفل مجموعة من الحقوق مثل حقه في الحياة وفي النسب والاسم والرضاعة والحضانة والإرث… الخ. ولقد جاء هذا الاهتمام من قبل الشريعة الإسلامية بالطفل كدليل على عظمة الإسلام وتأكيده على احترام حقوق الإنسان التي عدها شيئا يلازم احترام آدميته وكرامته والتي اعترف الله بها لهذا المخلوق، بدأت مسألة العناية بالطفولة تأخذ منحنى واضحا استجابة وانسجاما مع المؤثرات والمتغيرات التي استهدفت تركيز الاهتمام على شؤون الأطفال وهمومهم، و قد اولى القانون العراقي ايضا اهتماما كبيرا بحقوق الطفل بتشريع قوانين تحافظ على كيان الطفل من كل ما يسوؤه، وأصبح ينظر إليها على أساس أنها حقوق إنسانية وعالمية لا يمكن التغاضي عنها أو تأجيلها.

وقسمت البحث الى ثلاثة مباحث هي: المبحث الاول: تكلمت فيه عن مفهوم الحق لغة واصطلاحا وقانونا، المبحث الثاني: تكلمت فيه عن حقوق الطفل وما جاءت به الشريعة الاسلامية من احكام تحافظ على الطفل بكل متعلقات حياته، المبحث الثالث: تكلمت فيه عن التشريعات التي وضعها المشرع العراقي بما يحافظ على حقوق الطفل، وختمت البحث بالخاتمة وما توصلت من توصيات تحافظ على حقوق الطفل وقائمة بالمصادر.

تحمل الأطفال كلفة بشرية غير متناسبة من جراء النزاعات المسلحة التي تدور رحاها اليوم، لأن القوانين التي تهدف إلى حمايتهم من أسوأ التجاوزات التي تقع في الحرب غالبًا ما تخفق في ذلك.[1] وتتجلى هذه المعاناة في أوضح صورها بين الأطفال الذين يعيشون في بلدان يشكل فيها المسلمون أغلبية السكان: فالنزاعات مثل تلك الدائرة في أفغانستان والصومال والجمهورية العربية السورية واليمن تسلط الضوء على الحاجة الملحة إلى تقليل الضرر الذي يلحق بحياة الأطفال المتأثرين بهذه الحروب. ولتقليل هذا الضرر، فإن أحكام القانون التي توفر الحماية للأطفال في الحرب- وإن كانت مدونة على نطاق واسع في الصكوك المكتوبة- فإنها تحتاج إلى حلول تناسب السياق، وذلك لمواجهة التنفيذ الذي يتسم بدرجة بالغة من القصور.

 

وفي البلدان التي يشكل فيها المسلمون أغلبية السكان[2] أو التي يُستخدم فيها الإسلام ضمن منظومة القيم التي يعتنقها حملة الأسلحة، يتمتع عدد من أطراف النزاع بالخبرة في قواعد الحرب في الشريعة الإسلامية ويلتمسون منها المشورة وهم يشاركون في أعمال القتال، وقد يكونون أكثر دراية بهذه القواعد وإخلاصًا لها مقارنة بقواعد القانون الدولي الإنساني المعمول بها.[3] ولما كان النظامان القانونيان يتضمنان أحكامًا تنظم معاملة الأطفال في حالات النزاع المسلح، فإن الغرض من هذا المقال يتمثل في تحديد أوجه التكامل بين الإطارين وذلك من أجل تعزيز التزام حملة الأسلحة بقواعد الحماية، وتقريب لغة الخطاب المتعلق بأوجه الحماية التي توفرها الشريعة الإسلامية والقانون الدولي الإنساني للأطفال من أجل تحقيق التعاضد بين النظامين. ونسعى إلى ذلك بثلاث طرق- أولها تحديد رأي القانون الدولي الإنساني بشأن حماية الأطفال. وهي مسألة مهمة لأن قواعد القانون الدولي الإنساني ليست معروفة دائمًا على نطاق واسع، ولذلك، يقدم هذا المقال مناقشة لإطار الحماية المنبثق عن القانون الدولي الإنساني إلى جانب قواعد الشريعة الإسلامية، بهدف إذكاء الوعي بهذه القواعد. ثانيًا، يحدد هذا المقال أيضًا رأي أحكام الحرب في الشريعة الإسلامية بشأن حماية الأطفال. وهو موضوع مهم لأن أحكام الحرب في الشريعة الإسلامية يمكن أن تضطلع بدور مهم في التأثير على سلوك الأطراف المتحاربة التي تلجأ إليها كمصدر مرجعي.[4] والمنظمات مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر (اللجنة الدولية) التي تسعى إلى كفالة امتثال سلوك الأطراف المتحاربة للقانون الدولي الإنساني، ستتاح لها أدوات أفضل لتعزيز احترام القانون إذا انطلق الحوار مع الأطراف المتحاربة من نقطة تفاهم مشترك؛ وأول خطوة تأسيسية للوصول إلى هذه النقطة هي معرفة كيف تنظم أحكام الحرب في الشريعة الإسلامية مسألة حماية الأطفال.

أما النقطة الثالثة وهي النقطة الباعثة على أقصى درجات الأمل، فهي أن كلا فرعي القانون يتسم بأنه قابل للتطور ويراعي المتغيرات، وتسعى هذه المناقشة إلى تحديد أوجه التكامل بينهما فضلًا عن المجالات التي تحتاج إلى توضيح. وتدرك السلطات القانونية الدولية المختلفة الحاجة إلى التعامل مع التفسيرات المعاصرة لأحكام الشريعة الإسلامية من أجل تحديد أوجه التآزر المذكورة[5] وبالفعل تخضع شتى القواعد الإسلامية وعلاقتها بالقانون الدولي للتداول والمناقشة من قبل السلطات المحلية والدولية المعنية بالشريعة الإسلامية والخبراء في هذا المجال.[6] أما مضمون قواعد الحماية في التشريعات المحلية المتعلقة بحماية الأطفال في النزاع المسلح في الدول ذات التقاليد المستمدة من الشريعة الإسلامية، فهو عرضة للتطور،[7] وبالتالي فهناك مجال لإجراء مناقشات وحوارات معاصرة حول هذا المضمون. وكما أن هناك مجالًا لتوضيح التفسير القانوني لبعض قواعد الشريعة الإسلامية، هناك أيضًا مجال لهذا التوضيح في بعض مجالات القانون الدولي الإنساني- فعلى سبيل المثال، القواعد التي تنظم معاملة الأطفال المحرومين من حريتهم في النزاع المسلح غير الدولي من المجالات التي تقرر أنها تستلزم مزيدًا من التوضيح.[8] وتسعى المقارنة التي يعقدها هذا المقال بين القواعد التي توفر الحماية للأطفال في النزاع المسلح في إطار الشريعة الإسلامية والقانون الدولي الإنساني من ثمَّ إلى بيان أوجه التكامل بين هذين التقليدين القانونيين وذلك بغرض التعزيز المتبادل.

الموضوع الذي يركز عليه هذا المقال هو حماية الأطفال في النزاعات المسلحة. ولتناول هذا الموضوع، يستخدم المقال النهج المتبع في المؤلفات السابقة لأحد المؤلفين في مجال الشريعة الإسلامية،[9] ويستفيد من المناقشة المطروحة في هذه المؤلفات حول مصادر الشريعة الإسلامية وخصائصها، والمبادئ الأساسية للشريعة الإسلامية التي تنظم النزاع المسلح. وتسعى المناقشة المطروحة في هذا المقال أيضًا إلى إثراء الحوار الذي انخرطت فيه اللجنة الدولية على مدى العقدين السابقين مع العلماء المسلمين وعلماء الديانات الأخرى بشأن القانون الإنساني والمبادئ الإنسانية والعمل الإنساني.[10]

وبجانب القانون الدولي الإنساني، شهد ميدان القانون الدولي لحقوق الإنسان الاضطلاع بقدر كبير من الأنشطة المماثلة بشأن اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 التي صدقت عليها جميع دول العالم تقريبًا وعلاقتها بالشريعة الإسلامية. وهذه الاتفاقية هي أيضًا المعاهدة الدولية الوحيدة لحقوق الإنسان التي تشير إشارة صريحة إلى الشريعة الإسلامية[11] – وإلى جانب اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، فهي المعاهدة التي تسجل أكبر عدد من التحفظات القائمة على الدين بين الدول الإسلامية.[12] مع ذلك، إذا كانت الدول الإسلامية التي لم تصدق في البداية على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة مستعدة للتصديق على اتفاقية حقوق الطفل، فإن هذا يشير إلى قدرة اتفاقية حقوق الطفل على استيعاب الاختلافات الثقافية، فضلاً عن تحقيق التوافق العام بين التقاليد القانونية الإسلامية واتفاقية حقوق الطفل على الهدف العام المتمثل في تحسين رفاه الأطفال.[13] وفي تقييماتها لامتثال الدول الأطراف للالتزامات الواردة في اتفاقية حقوق الطفل، وفي ضوء التحفظات القائمة التي تستند إلى الشريعة الإسلامية، اتبعت لجنة حقوق الطفل نهجًا متعدد الأوجه في التعامل مع تفسيرات اتفاقية حقوق الطفل من منظور الشريعة الإسلامية- فقد أكدت على مجالات التوافق، وذكرت أنها تفضل التفسيرات الأوسع نطاقًا لبعض القواعد الإسلامية، ورحبت بالتفسيرات المنسجمة مع معايير حقوق الإنسان، وأوصت بأن تنظر الدول المعنية في ممارسات الدول الإسلامية الأخرى التي نجحت في تحقيق التوافق بين الحقوق الأساسية والنصوص الإسلامية، وشجعت على تبادل المعلومات بشأن أوجه التوافق المذكورة.[14] ويتردد صدى الجوانب المتعلقة بهذا النهج في التحليل الحالي لحماية الأطفال في النزاعات المسلحة بموجب الشريعة الإسلامية والقانون الدولي الإنساني. سيناقش هذا المقال أربعة مواضيع رئيسية تدخل في صميم حماية الأطفال الذين يجدون أنفسهم في معترك النزاع المسلح وهي: السن الدنيا لتجنيد الأطفال والمسؤولية الجنائية، والقواعد التي تنظم احتجاز الأطفال، وحماية إمكانية الحصول على التعليم، وحماية الأطفال الذين تفرقوا عن عائلاتهم. وتعكس هذه المواضيع الأولويات الأربع التي ضمنَّتها اللجنة الدولية في استراتيجيتها المؤسسية لحماية الأطفال.[15] وفي إطار مناقشة هذه المواضيع الأربعة، تُقدم لمحة عامة موجزة لقواعد القانون الدولي الإنساني ذات الصلة تليها مناقشة لأحكام الشريعة الإسلامية ذات الصلة. ويُقدم تحليل لمجالات التقارب والاختلاف والمجالات التي تحتاج إلى توضيح.

ومن المهم تحديد مجالات التوافق لأن هذه المجالات تبين المنطق المشترك بين التقليدين القانونيين، ويمكن الاستفادة من هذا التوافق لتعزيز الامتثال لجوهر قاعدة الحماية.[16] ومن المفيد أيضًا تحديد مجالات الاختلاف والمسائل التي تتضمن مجالًا لإجراء المزيد من الحوار بين خبراء القانون الدولي الإنساني وعلماء الشريعة الإسلامية. وتجدر الإشارة إلى أن فهم أوجه الاختلاف بين قواعد الشريعة الإسلامية والقانون الدولي الإنساني، والوعي بالمعايير الثقافية والتقليدية الموجودة في سياقات إسلامية مختلفة، هما شرطان أساسيان لتحسين التواصل واتخاذ قرارات مستنيرة في سياقات العمل الإنساني المعقدة. ومن المفترض أن يؤدي استيعاب واحترام القواعد الدينية الإسلامية، حيثما لا تتعارض مع التزامات القانون الدولي الإنساني، إلى تسهيل العمل الرامي إلى تلبية احتياجات الأطفال المتضررين من النزاع المسلح. كما أن تحديد أوجه الاختلاف ضروري للمشاركة في الحوار والعمل المشترك على نطاق مجالات الخبرة من أجل الوصول إلى تفسيرات مشتركة؛ وقد تؤدي الاستعانة بالمؤسسات المحلية والدولية المعنية بالشريعة الإسلامية وخبراء الشريعة الإسلامية في مواجهة هذه التحديات إلى تقديم حلول مستمدة من الشريعة الإسلامية.[17]

الحماية الخاصة للأطفال في النزاع المسلح: أربعة محاور

قبل الشروع في مناقشة المسائل الأربع التي يركز عليها المقال، ينبغي الإشارة إلى أن الملاحظة الأولى الجديرة بالتركيز في هذه الدراسة المقارنة هي أن الشريعة الإسلامية والقانون الدولي الإنساني كليهما يصنف الأطفال كفئة معرضة لخطر بالغ في حالات النزاع المسلح. بمعنى آخر، يحتوي كلا فرعي القانون على المفهوم العام الذي مفاده أن الأطفال من حقهم الحصول على احترام وحماية خاصتين، بالإضافة إلى الاستفادة من المبادئ العامة التي تنطبق على جميع الأشخاص (البالغين أو الأطفال) في النزاع المسلح.

وتنص قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي على أن الأطفال المتضررين من النزاع المسلح يحق لهم الحصول على احترام وحماية خاصتين في حالات النزاع المسلح الدولي وغير الدولي على حد سواء.[18] ويتجسد هذا الالتزام في العديد من القواعد المبينة بمزيد من التفصيل في اتفاقيات جنيف وبروتوكوليها الإضافيين والتي تنص على تدابير محددة لمعاملة الأطفال،[19] وكذلك في ممارسات الدول. ويشمل الاحترام والحماية الخاصتان، الحمايةَ من جميع أشكال العنف الجنسي؛[20] وفصلهم عن البالغين أثناء الحرمان من الحرية إلا إذا كانوا من أفراد عائلة الطفل؛[21] والحصول على خدمات التعليم والغذاء والرعاية الصحية المناسبة؛[22] والإجلاء من مناطق القتال توخيًا لأسباب السلامة؛[23] ولمّ شمل الأطفال غير المصحوبين بذويهم مع عائلاتهم.[24] ويراعي الأساس المنطقي الذي تستند إليه هذه الحماية الخاصة الواقعَ الذي يشير إلى أن آثار النزاع المسلح تتسبب في إلحاق ضرر خاص بالأطفال – فقد لاحظت اللجنة الدولية أثناء صياغة البروتوكولين الإضافيين أن “الصدمات النفسية التي تسببها الحرب غالبًا ما تترك انطباعات لا تمحى عليهم”[25] – وأنهم، بناء على ذلك، “يحتاجون إلى معاملة مميزة مقارنة ببقية السكان المدنيين”.[26] كما تعكس الحاجةُ إلى الاحترام والحماية الخاصتين الواقعَ المتمثل في أن الأطفال قد لا تكون لديهم نفس القدرة على فهم المخاطر والتهديدات المتأصلة في حالات معنية، الأمر الذي يقتضي ضرورة الحيلولة بشكل استباقي دون مشاركتهم في تلك الحالات. أما فيما يتعلق بتجنيد الأطفال في القوات المسلحة، فقد أوصت اللجنة الدولية أثناء صياغة البروتوكولين الإضافيين بأن “الأطفال الذين يتخذون هذه الإجراءات وإن كانوا يواجهون نفس المخاطر تمامًا التي يواجهها المقاتلون البالغون، فإنهم على عكس البالغين لا يستوعبون دائمًا ما ينتظرهم من جراء المشاركة المباشرة أو غير المباشرة في الأعمال العدائية”.[27]

وتنبثق من الشريعة الإسلامية مجموعتان من الأطر التي تنظم الحقوق والواجبات بين مختلف أفراد المجتمع وبين الدولة وشعبها من ناحية، والالتزامات الدينية الإسلامية من ناحية أخرى. ومن بين هذه الأطر مجموعة من القواعد التي تحمي حقوق الأطفال، اعترافًا بحالة الضعف الخاصة التي يعانون منها ودورهم بوصفهم مستقبل المجتمع. ويتجسد هذا في ديباجة عهد حقوق الطفل في الإسلام الصادر عن منظمة المؤتمر الإسلامي التي تشير كذلك إلى أن الجهود الإسلامية الرامية إلى حماية الأطفال “ساهمت في بلورة اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 التي أُبرمت في إطار الأمم المتحدة”.[28] وبالتالي، تنص الشريعة الإسلامية على أن حماية الأطفال هي مسؤولية تقع على عاتق الوالدين والدولة.

وعلى نحو أكثر تحديدًا، تتكرر الإشارة إلى الأطفال في أحكام النزاع المسلح في الشريعة الإسلامية، باعتبارهم المثال الرئيسي لفئة من المدنيين مشمولة بالحماية في مداولات الفقهاء المسلمين الأوائل. ومن المهم الإشارة في هذا المقال إلى أن عمل الفقهاء المسلمين الأوائل في القرنين السابع والثامن لا يزال يشكل جزءًا من قواعد النزاع المسلح في الشريعة الإسلامية التي يتم الرجوع إليها اليوم؛ ولذلك نشير إليها طوال الوقت. وقد جاء في السنة النبوية ومجمل أحكام الشريعة الإسلامية أن النبي صلى الله عليه وسلم حرّم استهداف خمس فئات من المدنيين في النزاعات المسلحة وهم: النساء والأطفال والرهبان والمسنون والعسفاء (وهم الأُجراء المستقدمون لأداء خدمات للعدو في ساحة المعركة، لكنهم لا يشاركون في الأعمال القتالية الفعلية).[29] واستنادًا إلى الأساس المنطقي وراء تحريم استهداف هذه الفئات- أي وضعهم القانوني المدني وإمكانية تعرضهم لمخاطر جلية في حالات النزاع المسلح- قام الفقهاء المسلمون الأوائل بتوسيع نطاق هذه القائمة لاحقًا.[30] ولكن ما يهمنا في إطار الأغراض التي نسعى إلى تحقيقها هو أن الأطفال يمنحون حماية خاصة منذ زمن طويل بسبب كونهم (عادة) من غير المقاتلين وبسبب حالة الضعف الواضحة التي يعانون منها. فعلى سبيل المثال، من الأحاديث النبوية التي تحرم إيذاء هذه الفئات، قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تقتلوا شيخًا فانيًا، ولا طفلًا صغيرًا، ولا امرأة”؛[31] “ولا تقتلوا طفلًا ولا راهبًا”؛[32] “ولا تقتلوا ذرية ولا عسيفًا”.[33] واستنادًا إلى هذا الأساس، وفي إطار حماية غير المقاتلين، سار صحابة النبي صلى الله عليه وسلم على هديه؛ ومن أمثلة ذلك وصية الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه (توفي عام 634 م) لقائد جنده: “لا تقتلوا طفلًا صغيرًا ولا امرأة”.[34] وتماشيًا مع هذه التقاليد، كررت المادة 3 (أ) من إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام، الذي أجازه مجلس وزراء خارجية منظمة مؤتمر العالم الإسلامي في 5 آب/أغسطس 1990 التأكيد على ما يلي: “في حالة استخدام القوة أو المنازعات المسلحة، لا يجوز قتل من لا مشاركة لهم في القتال كالشيخ والمرأة والطفل”.[35] باختصار، يبدأ انطباق القانون الدولي الإنساني وأحكام النزاع المسلح في الشريعة الإسلامية من اللحظة التي يتعين فيها تخصيص حماية واضحة للأطفال من آثار الحرب.

المسائل المتعلقة بالسن: التعريف والتجنيد والمسؤولية الجنائية

يتصل هذا القسم من المناقشة بثلاث مسائل منفصلة تتعلق بالسن- وهي السن التي يُعرَّف الشخص دونها على أنه طفل، والسن التي يجوز عند بلوغها تجنيد الطفل بشكل قانوني في القوات المسلحة أو الجماعات المسلحة، والسن الدنيا للمسؤولية الجنائية. ولعل هذه النقطة هي أكثر العناصر تخصصًا في هذا المقال، كما أنها تكتسي أهمية واسعة النطاق على أرض الواقع لأنها تحدد الفئات التي تستفيد من الحماية التي توفرها القوانين التي تنظم مسألة الأطفال في النزاعات المسلحة. وتوخيًا للوضوح، يجدر التأكيد على أن القانون الدولي يتعامل بشكل منفصل مع السن التي يعرّف الأشخاص دونها على أنهم “أطفال”، وسن التجنيد القانوني للأطفال، والسن الدنيا للمسؤولية الجنائية- أي أن القانون الدولي يستشرف إمكانية الملاحقة القضائية للأطفال الذين تتجاوز أعمارهم سنًا معينة (ولكن لا يزال القانون يعرفهم على أنهم أطفال) وإمكانية تجنيدهم بشكل قانوني في القوات المسلحة أو الجماعات المسلحة. ويتضح هذا في النظم القانونية المحلية وكذلك في اتفاقية حقوق الطفل. فجاء تعريف الطفل في المادة 1 من الاتفاقية على النحو التالي: “كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه”، في حين تحدد المادة 38 (3) من الاتفاقية سن التجنيد القانوني في القوات المسلحة بـ 15 عامًا (وهو الحد الذي تم رفعه لاحقًا بالنسبة للدول الأطراف في البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة)،[36] في حين تترك المادة 40 (3) (أ) تحديد السن الدنيا للمسؤولية الجنائية لتقدير الدول (على الرغم من أن التعليق العام رقم 24 الصادر عن لجنة حقوق الطفل يضع معيارًا دوليًا يبلغ 14 عامًا للحد الأدنى لسن المسؤولية الجنائية[37]).

ويشكل فصل تعريف الطفل عن المسائل المتعلقة بالتجنيد القانوني والملاحقة القضائية مسألة مهمة من وجهة النظر الإنسانية لأنه حتى في الحالات التي يمكن فيها تجنيد الأطفال بشكل قانوني في القوات المسلحة أو الجماعات المسلحة وملاحقتهم قضائيًا بشكل قانوني عن الجرائم المرتكبة، فإنهم يواصلون الاستفادة من حماية قانونية معينة ما دامت أعمارهم أقل من 18 عامًا.[38] باختصار، لا يرتبط تعريف الفئات التي تتمتع بوضع “الطفل” بالمسؤولية الجنائية أو سن التجنيد القانوني في القانون الدولي، وبالتالي تُناقش هذه المسائل الثلاث المتعلقة بالسن كل على حدة أدناه.

تعريف الطفل

لا تعرّف معاهدات القانون الدولي الإنساني مصطلحي “الطفل” أو “الأطفال”- وبينما تنطبق بعض القواعد على “الأطفال” دون وضع أي معايير إضافية لهذا التصنيف، تنص قواعد أخرى على أنها تنطبق على فئات معينة من الأطفال، ولا سيما الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 12 عامًا[39] أو الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا[40] أو حديثي الولادة.[41] وهناك أيضًا عدد من القواعد التي توسع نطاق الحماية على وجه التحديد ليشمل الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا.[42] وبجانب معاهدات القانون الدولي الإنساني، تقر الممارسة الدولية عمومًا- واتفاقية حقوق الطفل خصوصًا- بأن الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا هم أطفال، ما لم يُنص على خلاف ذلك.[43]

وظل تعريف مصطلحي “الطفل” و”اليتيم” وتحديد السن التي يظل الشخص طفلًا حتى بلوغها من المسائل المهمة منذ البدايات الأولى لظهور الشريعة الإسلامية. ويترتب على هذه التعاريف بدء وإنهاء حقوق وواجبات معينة، ويمكن أن تحدد متى يصبح الأشخاص مسؤولين من الناحية القانونية والدينية عن تصرفاتهم. فعلى سبيل المثال، تنص المادة 6 (ب) من إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام على أن “الرجل يقع على عاتقه عبء الإنفاق على الأسرة ومسؤولية رعايتها”؛ وتحديد سن الطفل ضروري في هذا الصدد لأن الرجل مسؤول من الناحية المالية عن الأبناء الذكور حتى يصلوا إلى سن البلوغ. أما اليتيم فهو شخص مات والداه وهو طفل، ولما كان وضع “اليتيم” يقترن بحقوق قانونية معينة في الشريعة الإسلامية، فإن تحديد السن التي يظل الشخص “يتيمًا” حتى بلوغها مسألة مهمة. وعلى الرغم من ذلك، ظل تحديد سن الطفل من المسائل المعقدة والخلافية بين الفقهاء المسلمين.

فالطفل في الشريعة الإسلامية عمومًا هو الشخص الذي لم يبلغ الحُلم. لكن بلوغ الحُلم يختلف من شخص لآخر ومن ثقافة لأخرى، ووضع العلماء المسلمون والنظم القانونية معايير مختلفة في هذا الصدد. وبينما يُحدد سن الحُلم المبين في المناقشة في سياق تجنيد الأطفال بخمسة عشر عامًا (يناقش بمزيد من التفصيل أدناه)، رفع الإمام أبو حنيفة (توفي عام 767 م)، مؤسس المذهب الحنفي في الفقه، سن الحُلم إلى 18 عامًا للأولاد و17 عامًا للفتيات. وتجدر الملاحظة في هذا الصدد إلى أن أبا حنيفة خفض سن الحُلم للفتيات بمقدار سنة واحدة لأنهن، كما يقول، يسبقن الأولاد في النمو الجسدي والعقلي. ويتبين هذا الرأي في السن الدنيا المحددة لزواج الفتيات وهي أقل من سن زواج الأولاد في بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة، بما في ذلك بعض الدول التي لا تتبع المذهب الحنفي في الفقه.[44] ويختلف هذا التفاوت في تحديد السن للأولاد والفتيات عن القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، اللذين لا يضعان حدودًا عمرية مختلفة للأولاد مقارنة بالفتيات. وبخلاف المذهب الحنفي، يحدد فقهاء المذهب المالكي[45] حدودًا مختلفة لسن الحُلم: فبينما يحدد معظم فقهاء هذا المذهب سن الحُلم بثمانية عشر عامًا، يرى بعضهم أن سن الحُلم هي 16 أو 17 أو 19 عامًا. وبالتالي فإن الخطاب القانوني الإسلامي لم يصل إلى رأي قاطع بشأن سن الحُلم الذي لا يعود الشخص بعده “طفلًا”، إلا أن عمل الفقهاء الخاضع للنظر في إطار أغراض هذا المقال يحدد هذا العمر بين 15 و19 عامًا.

السن القانونية للتجنيد

يرد الحظر المفروض على تجنيد الأطفال واستخدامهم في الأعمال العدائية في عدد من الصكوك الدولية للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان فضلًا عن القانون العرفي. وعلى الرغم من أن هذا المقال لا يسعى إلى الخوض في التفاصيل والنقاش حول المجموعة المعقدة من المعايير التي تنطبق على تجنيد الأطفال واستخدامهم،[46] يقدم المقال نظرة عامة موجزة على الالتزامات ذات الصلة التي تحكم السن التي يكون عندها تجنيد الأطفال في القوات المسلحة أو الجماعات المسلحة قانونيًا وذلك لتسهيل المقارنة مع الشريعة الإسلامية. وتحدد صكوك القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان ثلاثة مستويات مختلفة للحماية. ويحظر البروتوكولان الإضافيان الأول والثاني واتفاقية حقوق الطفل تجنيدَ الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا.[47] ولزيادة هذه الحماية، يحظر البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة التجنيدَ الإجباري للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا في القوات المسلحة،[48] ويلزم الدول الأطراف برفع السن الدنيا للتجنيد الطوعي في القوات المسلحة من 15 عامًا،[49] ويحظر على الجماعات المسلحة من غير الدول تجنيدَ الأطفال (على أساس قسري أو طوعي) الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا.[50] ويحرز الميثاق الأفريقي لحقوق ورفاهية الطفل قدرًا أكبر من التقدم فيحظر جميع أشكال تجنيد الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا.[51]

ويرد سن التجنيد القانوني للأطفال أيضًا بشكل صريح في أحكام النزاع المسلح في الشريعة الإسلامية. وروى البخاري (توفي عام 870 م)، في صحيحه وهو أصح جامع للحديث من بين ستة مصنفات للأحاديث لدى المسلمين السنة، أن عبد الله بن عمر (توفي عام 693 م) قال:

إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَرَضَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَهْوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمْ يُجِزْنِي، ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَنِي. قَالَ نَافِعٌ فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهْوَ خَلِيفَةٌ، فَحَدَّثْتُهُ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ إِنَّ هَذَا لَحَدٌّ [15 عامًا] بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ. وَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَفْرِضُوا لِمَنْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ “.[52]

واستند فقهاء المذهبين الشافعي[53] والحنبلي[54] وكذلك الفقيه الحنفي[55] العراقي أبو يوسف (توفي عام 798)، وهو أول من يتبوأ منصب قاضي القضاة، والشيباني (توفي عام 805 م)- إلى هذا الحديث في اعتماد الرأي القائل إن سن 15 عامًا هي سن الحُلم للذكور والإناث على حد سواء. ومن ثم، على النحو المشار إليه في هذا الحديث، فإن بلوغ 15 عامًا من العمر هو شرط التجنيد القانوني في القوات المقاتلة، وهي بالتالي السن التي يمكن فيها استهداف المحارب. والجدير بالذكر أن الحديث النبوي يسوق مثالًا على التجنيد الطوعي للأطفال، وبالتالي، يُحظر التجنيد القسري لمن تقل أعمارهم عن نفس العمر. ومع ذلك تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن رواية ابن عمر يعتريها بعض التناقض لأن معركة الخندق وقعت عام 627 أي بعد عامين من معركة أحد التي وقعت في آذار/مارس 625. وهذا يعني أن ابن عمر كان عمره 16 عامًا وليس 15 عامًا عندما أجيز للانضمام إلى المعركة- وعلى هذا الأساس، يمكن القول إن السن القانونية لتجنيد الأطفال في أحكام النزاع المسلح في الشريعة الإسلامية قد تكون 16 عامًا. وهي أعلى من السن المحددة في البروتوكولين الإضافيين لاتفاقيات جنيف وهو 15 عامًا. ومع هذا الفارق الدقيق، تتفق أحكام النزاع المسلح في الشريعة الإسلامية والبروتوكولان الإضافيان على سن 15 عامًا – كحد أدنى – كسن التجنيد القانوني للأطفال في القوات المسلحة.

وتتناول المناقشات المتعلقة بالحد الأدنى لسن التجنيد في معركة أحد السياقَ الذي يمكن وصفه باستخدام مصطلحات القانون الدولي الإنساني الحديثة بالنزاع المسلح الدولي – أي القتال بين دولة مسلمة ودولة غير مسلمة. لذلك، ينطبق الحد الأدنى للسن نفسه على القتال بين المسلمين، لأن قواعد الاشتباك المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية في حالة التمرد المسلح بين المسلمين (على غرار ما يقابلها من أحكام القانون الدولي الإنساني التي تنظم النزاعات المسلحة غير الدولية) توفر قدرًا أكبر من الحماية مقارنة بقواعد النزاع المسلح الدولي المقابلة في الشريعة الإسلامية.[56] وبعيدًا عن الجدل الدائر حول السن، فلا مراء في أن الحديث المذكور أعلاه يحظر بشكل قاطع تجنيد الأطفال في جيش مسلم. ويتأكد هذا الحظر في المادة 14 من إعلان الرباط بشأن قضايا الطفولة في العالم الإسلامي في الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، التي:

تدين بشدة جميع حالات تجنيد الأطفال واستخدامهم في النزاع المسلح بما يتعارض مع القانون الدولي، وتحث جميع أطراف النزاع المسلح المنخرطة في ممارسات من هذا القبيل على إنهائها واتخاذ تدابير فعالة لإعادة تأهيل هؤلاء الأطفال وإعادة إدماجهم في المجتمع.[57]

اعتمد هذا الإعلانَ الوزراءُ المسؤولون عن شؤون الأطفال في الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي ورؤساء المنظمات الحكومية وغير الحكومية العربية والإسلامية والدولية التي شاركت في المؤتمر الوزاري الإسلامي الأول بشأن الطفل، المنعقد في المملكة المغربية في عام 2005، بالتعاون والتنسيق بين منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة واليونيسف ومنظمة المؤتمر الإسلامي.

السن الدنيا للمسؤولية الجنائية

على الرغم من أن القانون الدولي الإنساني واتفاقية حقوق الطفل يستشرفان إمكانية الملاحقة القضائية للأطفال الذين تتجاوز أعمارهم سنًا معينة بسبب ارتكاب أعمال جنائية،[58] فلا يحدد أي منهما سنًا دنيا للمسؤولية الجنائية. وبالإضافة إلى نص المعاهدة، تلاحظ لجنة حقوق الطفل، في تعليقها العام رقم 24، أن “السن الدنيا الأكثر شيوعًا للمسؤولية الجنائية على الصعيد الدولي هي 14 عامًا” وبالتالي تشجع الدول الأعضاء على زيادة السن الدنيا للمسؤولية الجنائية لديها إلى ما لا يقل عن 14 عامًا.[59] ومن الناحية العملية، تتباين التشريعات الوطنية تباينًا كبيرًا بشأن السن الدنيا للمسؤولية الجنائية، وبالتالي يواجه الأطفال في مراحل عمرية متباينة الملاحقة القضائية الجنائية في النزاعات المسلحة المعاصرة.[60] وعندما يرتكب طفل جريمة، فإن القانون الدولي ينص على معايير معينة لقضاء الأحداث،[61] تستند إلى أن الطفل وإن كان قد ارتكب جريمة، فإنه يظل مستحقًا لمعاملة معينة من قبل الدولة على أساس وضعه كطفل.

ويفرق الفقهاء المسلمون في بعض القواعد بين الطفل المميِز والطفل غير المميِز، فيما يمكن القول إنه يعكس اعترافًا مماثلًا بأن الأطفال يمكن أن يحتفظوا بوضعهم مع قدرتهم على التمييز الذي يستوجب المسؤولية القانونية، وجاء ذلك في المداولات التي امتدت لفترة مطولة حول تعريف الطفل وما يقابله من قواعد إسلامية منطبقة. وبالإضافة إلى ذلك، وكما هو الحال بالنسبة للدول غير الإسلامية، ثمة تفاوت في السن الدنيا للمسؤولية الجنائية التي حددتها التشريعات الوطنية في الدول الإسلامية المختلفة، حيث تتراوح الفئات العمرية من 7 أعوام حتى 16 عامًا.[62]

وثمة فارق بسيط آخر في الشريعة الإسلامية يتعلق بحساب العمر وفقًا للتقويم الشمسي أو القمري. فعلى سبيل المثال، تحسب قوانين العقوبات في الجزائر ومصر وليبيا سن المسؤولية الجنائية حسب التقويم الشمسي وفقًا لما هو منصوص عليه على التوالي في المواد 3 و94 و13 من قوانين هذه الدول،[63] في حين تنص المادة 147 من قانون العقوبات الإسلامي الإيراني على ما يلي: “سن البلوغ للفتيات والأولاد، على التوالي، هي تسعة أعوام وخمسة عشر عامًا قمرية كاملة.”[64] جدير بالذكر أنه نتيجة لهذا الفارق الدقيق، إذا تم حساب حد السن البالغ 15 عامًا لتجنيد الأطفال المذكور في الحديث أعلاه وفقًا للتقويم القمري، فستكون السن هي 14 عامًا وسبعة أشهر.

نحو معايير أعلى للحماية

يأتي التباين في معايير السن المبين في المناقشة أعلاه نتيجة لتطور هذه المعايير في فترات تاريخية مختلفة وعلى مستوى مناطق مختلفة وفي إطار تقاليد اجتماعية وثقافية وقانونية مختلفة. وفي الوقت نفسه، ما برحت الجهود تُبذل في الدول الإسلامية لرفع السن الدنيا لتجنيد الأطفال والسن الدنيا للزواج. والهدف من هذه المحاولات هو تحسين حماية الأطفال سواء في النزاع المسلح أو في زمن السلم. كما كان هذا هو السبب وراء رفض النبي صلى الله عليه وسلم محاولة ابن عمر الانضمام إلى جيش المسلمين في معركة أحد، حيث لم يعتبره النبي أهلًا للقتال إلا بعد بلوغ 15 عامًا (حسب لفظ ابن عمر أو 16 عامًا وفقًا لحسابات التقويم). ولكن توخيًا للوضوح، إذا قرر الفقهاء المسلمون أو الخبراء في المجالات العسكرية أو الصحية أو النفسية أن رفع السن الدنيا للتجنيد من 15 عامًا أمر ضروري لأن الأطفال غير مهيأين جسديًا ونفسيًا للمخاطر التي ينطوي عليها الانضمام للقوات المسلحة، فلا يوجد في الشريعة ما يحول دون إعمال هذا التغيير. ويرجع السبب في هذا إلى أن المبرر وراء رفع الحد الأدنى للسن هو نفس المبرر المستخدم لرفض مشاركة ابن عمر في الأعمال القتالية في معركة أحد عندما كان عمره 14 عامًا. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن الفقهاء المسلمين الأوائل يتفقون على أن انطباق حكم شرعي معين يتوقف على سبب وجوده، على النحو المبين في المبدأ الشرعي الإسلامي الشهير: “الحكم يدور مع علته”.[65]

وقد يكون تنوع القواعد الإسلامية والتفاصيل (المرهقة أحيانًا ولكنها ثرية) المتعلقة بمسائل السن مربكًا لغير المتخصصين عندما يتعلق الأمر بتطبيق هذه القواعد على أرض الواقع. وهذا التنوع الذي تتسم به الأحكام الشرعية الإسلامية نتاج لمحاولات الفقهاء المسلمين تنظيم السياقات المميزة لهذه الأحكام وفقًا للقيم الإسلامية، باستخدام الأدوات والمنهجيات الشرعية الإسلامية. وفي نهاية الأمر، يمكن للسلطات الإسلامية، بما فيها الأطراف من الدول وغير الدول في النزاع، أن تختار تفسيرات توفر قدرًا أكبر من الحماية في الحالات التي تنطوي على قواعد متعارضة، ويمكنها القيام بذلك من خلال عمليات التقنين على الصعيد المحلي والانضمام إلى المعاهدات الدولية.

الأطفال المحرمون من حريتهم

الحرمان من الحرية (أو الاحتجاز)، الذي تتعرض له فئات من الأطفال، منها الأطفال المسلمون، في حالات النزاع المسلح هي سمة مميزة للعديد من النزاعات المعاصرة.[66] ففي عامي 2018 و2019، وفي إطار التصدي على وجه الخصوص لحرمان الأطفال من حريتهم بينما يستعر لهيبُ النزاعات في سورية والعراق، أكد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والأمين العام للأمم المتحدة، والدراسة العالمية عن الأطفال المحرومين من الحرية التي أجرتها الأمم المتحدة، ضرورةَ التقيد بالمعايير الدولية التي تحكم معاملة الأطفال المحتجزين في سياق النزاعات المسلحة، مع تسليط الضوء على حالة الضعف البالغ التي يعاني منها الأطفال المرتبطون بالجماعات المصنفة على أنها “إرهابية”.[67] ويتناول هذا القسم مضمون هذه المعايير في إطار القانوني الدولي الإنساني والشريعة الإسلامية.

بموجب القانوني الدولي الإنساني، قد يُحتجز الأطفال لأسباب تتصل بالنزاع المسلح سواء بسبب سلوكهم أو وضعهم[68] أو بسبب احتجاز أفراد أسرهم.[69] وبالإضافة إلى الحماية الأساسية التي يوفرها القانون الدولي الإنساني لأي شخص محروم من حريته، تنطبق قواعد معينة لحماية الأطفال في هذه الحالة البالغة الضعف. أولًا، سواء اُحتجز الأطفال في نزاع مسلح دولي أو غير دولي، فيجب وضعهم في أماكن منفصلة عن الأماكن المخصصة للراشدين، وتستثنى من ذلك الحالات الأسرية التي تعد لها أماكن إقامة كوحدات عائلية.[70] ثانيًا، يحق لهم الحصول على معاملة خاصة مناسبة لسنهم عند وضعهم قيد الاعتقال: ففي حالات النزاع المسلح أو الاحتلال، تنص اتفاقية جنيف الرابعة، كقاعدة عامة، على أن “يؤخذ في الاعتبار النظام الخاص الواجب للصغار”؛[71] وعلى نحو أكثر تحديدًا، على أن يواصل الأطفال المعتقلون الحصول على التعليم فضلًا عن توفير ملاعب خاصة لممارسة الرياضة والألعاب في الهواء الطلق،[72] وعلى أن المعتقلين الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا يحق لهم الحصول على تغذية إضافية تتناسب مع احتياجاتهم الفسيولوجية.[73] أما في حالات النزاع المسلح غير الدولي، فإن شرط المعاملة الإنسانية المقرر في المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع يقتضي إجراء تقييم محدد السياق للظروف الفعلية للمعتقل يشمل عمره[74] وتؤكد المادة 4 (3) (د) من البروتوكول الإضافي الثاني أن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا ممن قاتلوا مع القوات المسلحة يواصلون الاستفادة من العناية والمساعدة الخاصتين عند إلقاء القبض عليهم. وأخيرًا، تنص قواعد القانون الدولي الإنساني المنطبقة في النزاع المسلح الدولي وغير الدولي على أنه لا يجوز تنفيذ عقوبة الإعدام أو إصدارها على أشخاص تقل أعمارهم عن 18 عامًا وقت اقتراف المخالفة.[75]

ولدراسة القواعد المتعلقة باحتجاز الأطفال بموجب أحكام النزاع المسلح في الشريعة الإسلامية، من المفيد اقتباس نموذج الخلافة التقليدي الذي كان فيه جميع المسلمين موحدين تحت إدارة حكومة واحدة. ويقسم هذا النموذج نطاق مناقشتنا إلى مجموعتين من القواعد الإسلامية المختلفة المنطبقة على احتجاز الأطفال في حالات النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية؛ والمعاملة عند إيقاع الأطفال غير المسلمين في الأسر (في الحالات المكافئة للنزاعات المسلحة الدولية) ومعاملة الأطفال المسلمين (في الحالات المكافئة للنزاعات المسلحة غير الدولية). وبموجب هذا النموذج التقليدي، كان النزاع المسلح الدولي نزاعًا بين المسلمين وغير المسلمين. ففي هذا النزاعات، كان الأسرى من النساء والأطفال من الطرف المهزوم في النزاع يُستعبدون أو يتم تبادلهم مقابل الأسرى. ومن الضروري التأكيد على أن هذا النموذج انبثق من الأحداث التي وقعت في القرنين السابع والثامن، وبالتالي فإن الاسترقاق وإن لم يكن محظورًا في العلاقات الدولية آنذاك، ينعقد الإجماع بين علماء الإسلام اليوم على أنه من الممارسات البغيضة قولًا واحدًا؛ ويذهب إلى هذا الرأي جميع المسلمين باستثناء فئة قليلة من الجماعات الإسلامية المسلحة. وبهذا الإقرار، يمكن ملاحظة أن إيقاع الأطفال غير المسلمين في الأسر كان يخضع لقواعد معينة.

ففي هذه السياقات، لم يكن النساء والأطفال من “العدو” غير المسلم يُحتجزون في أماكن مكافئة للمعسكرات المعاصرة: بل كانوا يُدمجون في المجتمع كعبيد يعيشون تحت راية الحكم الإسلامي. ويرجع السبب في ذلك إلى أن وضع الأسير كان ينطبق فقط على المقاتلين البالغين من الذكور؛ ولم تكن سلطة الاحتجاز المسلمة لتعتقل النساء والأطفال. وحتى يحين الوقت الذي يمكن فيه إدماج هؤلاء النساء والأطفال في المجتمع، يمكن تمييز معايير معينة لمعاملتهم: فلا يمكن فصل أفراد الأسرة نفسها (على النحو المبين في المناقشة أدناه)،[76] مع اشتراط توفير معاملة إنسانية لجميع المحتجزين. وبشأن هذه النقطة الأخيرة، تشكل المعاملة التي لاقاها الأسرى في معركة بدر التي وقعت في آذار/مارس 624 الأساس الذي استندت إليه القواعد الإسلامية المتعلقة بمعاملة الأشخاص المحرومين من حريتهم في سياق النزاع المسلح (أسرى الحرب أو فئات أخرى). وتشمل هذه القواعد ضرورة تزويد المحتجزين بالمأوى والغذاء والمياه والملبس إذا دعت الضرورة لذلك، استنادًا إلى ضرورة حمايتهم من الحر والبرد والجوع والعطش؛ وضرورة حمايتهم من أي نوع من المعاملة غير الإنسانية[77] أو التعذيب الرامي إلى انتزاع معلومات عسكرية عن العدو، كما يشير إلى ذلك الإمام مالك (توفي عام 795 م). وتسلط الأمثلة التاريخية والحديثة الضوء على احترام هذا المعيار المتعلق بالمعاملة الإنسانية: فعندما عجز القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي (توفي عام 1193 م) عن إطعام العدد الكبير من الأسرى الذين وقعوا تحت قبضته عندما استعاد المسجد الأقصى، قرر إطلاق سراحهم بدلًا من تركهم بدون طعام.[78] وبالمثل، أشار “تروي س. توماس”، العقيد المتقاعد بالقوات الجوية الأمريكية، إلى أنه “كما يتضح من معاملة أسرى الحرب التابعين لجماعة طالبان المحتجزين في سجن مزار الشريف، أثبت القادة المسلمون استعدادهم لإطلاق سراح السجناء عندما لم يعد بإمكانهم توفير الرعاية الأساسية لهم”.[79] وبناء على ذلك، بينما وُضعت هذه المعايير المتعلقة بالمعاملة الإنسانية في أحكام الحرب في الشريعة الإسلامية لأسرى الحرب الذكور البالغين على أساس أن معاملة الأطفال يجب أن تكون ملائمة تمامًا مثل المعاملة المتاحة للبالغين، يجب تلبية الاحتياجات الأساسية لجميع الأطفال غير المسلمين إذا وقعوا في الأسر في النزاع المسلح.

ومع ذلك، كما ذكر أعلاه، كانت الممارسة القديمة تتمثل في استعباد الأطفال غير المسلمين، وكان هذا يعني الاندماج في المجتمع الإسلامي. وقادت هذه الممارسة الفقهاء المسلمين الأوائل في ذلك الوقت إلى وضع مجموعات من القواعد بشأن دين هؤلاء الأطفال. فإذا تفرق الأطفال عن آبائهم، كما يحدث في حالة وفاة الوالدين أو دخولهم في عداد المفقودين، فيجب تربيتهم كمسلمين. أما إذا كان الأطفال بصحبة أحد الوالدين أو كليهما، اتفق غالبية الفقهاء المسلمين، باستثناء الإمام الأوزاعي (توفي عام 774 م)، على أن الأطفال في هذه الحالة يحتفظون بدين والديهم.[80] ويدل هذا الحكم على الاهتمام بحق الطفل في اعتناق الدين واحترام دور والديه في هذا الصدد. وهو مماثل للنص الوارد في البروتوكول الإضافي الثاني الذي ينص على أن يتلقى الأطفال التعليمَ، بما في ذلك التربية الدينية والخلقية تحقيقًا لرغبات آبائهم.[81] وسعيًا لتحقيق أغراضنا المتعلقة بالتفسير ومع الإقرار بأن فرضية إدماج الأطفال المستعبدين في المجتمع هي فرضية غير مجدية، فإن احترام الاحتفاظ بالهوية الدينية للطفل مسألة مهمة للأطفال الواقعين في قبضة قوات العدو في النزاعات الحالية.

على النقيض من هذه القواعد الإسلامية الكلاسيكية المتعلقة بمعاملة الأسرى من الأطفال غير المسلمين (أي في الحالات المكافئة للنزاع المسلح الدولي في الشريعة الإسلامية)، تكتسي القواعد الإسلامية المتعلقة بالنزاعات المسلحة غير الدولية (أي بين المسلمين) أهمية في هذا الصدد، ففيما يلي قاعدتان من بين أهم عشر قواعد تميز النزاعات المسلحة الدولية عن النزاعات المسلحة غير الدولية: (1) لا يجوز استعباد النساء والأطفال المسلمين؛ (2) بعد أن تضع الحربُ أوزارها، يجب إطلاق سراح المتمردين المعتقلين.[82] وهذا يعني أن الأحكام التقليدية للشريعة الإسلامية تقضي بعدم جواز احتجاز الأطفال المسلمين، من الناحية النظرية، لأسباب تتصل بالنزاع المسلح.[83] ولكن على أي حال، ووفقًا لقواعد الشريعة الإسلامية العامة التي تشترط المعاملة الإنسانية للمحتجزين وتوفير حماية خاصة للأطفال غير المسلمين في حالة النزاع المسلح، فمن باب أولى، يجب أن يتلقى الأطفال المسلمون الذين يحتجزون لأسباب تتعلق بنزاع مسلح نفسَ المعاملة الإنسانية أثناء احتجازهم كتلك التي يتلقاها نظراؤهم من غير المسلمين.

وتكشف هذه الدراسة عن اختلافات واضحة بالإضافة إلى بعض مجالات التوافق. فمن الواضح أن قواعد القانون الدولي الإنساني والشريعة الإسلامية الخاصة بالنزاعات المسلحة تختلف اختلافًا كبيرًا بشأن مسألة الأطفال المحرومين من حريتهم: فينظر القانون الدولي الإنساني في هذا الظرف بشكل صريح ودون تمييز مجحف على أساس الدين، على عكس المصادر الشرعية الإسلامية التي تناولتها المناقشة أعلاه، والتي بدلًا من ذلك – مع ضرورة التذكير بأن هذه المصادر تعود إلى القرنين السابع والثامن – تعالج مسألة استعباد الأطفال غير المسلمين بعد وقوعهم في الأسر في النزاع المسلح ولا تستشرف احتجاز الأطفال المسلمين. ومع ذلك، يمكن القول إن من الممكن تمييز بعض أوجه التشابه بالقياس على أحكام النزاع المسلح في الشريعة الإسلامية التي تحكم معاملة المقاتلين الذكور البالغين الواقعين في الأسر- وتقتضي هذه الأحكام توفير المأوى والطعام والماء والملبس للمحتجزين، وتحظر المعاملة اللاإنسانية والتعذيب.[84] ولما كانت قواعد الشريعة الإسلامية المذكورة تنطبق على المحتجزين الذكور البالغين، فإنها تنطبق كذلك- على أقل تقدير- على الأطفال المحتجزين في سياق النزاع المسلح. وتتمثل مجالات التشابه الأخرى مع القانون الدولي الإنساني في مبدأ الالتزام باحترام رغبات الوالدين فيما يتعلق بدين الطفل، ومبدأ عدم تشتيت شمل العائلات، اللذين تنص عليهما أحكام النزاع المسلح في الشريعة الإسلامية بشأن الأطفال غير المسلمين الواقعين في الأسر (مبينة في المناقشة أدناه). ومع تحديد مجالات التباين والتقارب المذكورة بشكل عام، من الواضح أن هناك مجالًا للنقاش بشأن مسائل محددة منها، على سبيل المثال لا الحصر، ما إذا كانت معايير المعاملة الإنسانية المنصوص عليها في أحكام النزاع المسلح في الشريعة الإسلامية بالنسبة للمقاتلين البالغين الذكور الواقعين في الأسر يمكن أن تتناسب، على نحو أكثر تحديدًا مع معاملة الأطفال المسلمين وغير المسلمين على حد سواء المحرومين من حريتهم لأسباب تتعلق بالنزاع المسلح وكيفية تحقيق ذلك التناسب.

الحصول على التعليم

 

يحتوي القانون الدولي الإنساني على مجموعة من القواعد التي تهدف إلى استمرار التعليم وحماية الطلاب والعاملين في مجال التعليم والمرافق التعليمية في حالات النزاع المسلح الدولي وغير الدولي.[85] ففي حالات النزاع المسلح الدولي، تعمل اتفاقيات جنيف والبروتوكول الإضافي الأول تحديدًا على تلبية الحاجة إلى تيسير الحصول على التعليم في الحالات التالية: للأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا الذين تيتموا أو افترقوا عن عائلاتهم بسبب الحرب؛[86] وللمعتقلين المدنيين، ولا سيما الأطفال والشباب؛[87] وفي حالات الاحتلال؛[88] وفي الحالات التي تتضمن إجلاء الأطفال؛[89] ولأي شخص من أسرى الحرب.[90] أما في حالات النزاع المسلح غير الدولي، فينص البروتوكول الإضافي الثاني على أن يتلقى الأطفال التعليمَ، بما في ذلك التربية الدينية والخلقية تحقيقًا لرغبات آبائهم أو أولياء أمورهم.[91] وفي الواقع، تشير ممارسات الدول إلى إدراج الحصول على التعليم ضمن الاحترام والحماية الخاصتين اللذين يحق للأطفال الحصول عليهما بموجب القانون العرفي.[92]

تؤكد مصادر الشريعة الإسلامية التي تم الرجوع إليها في هذا المقال على الأهمية العامة التي تُولى للتعليم، وتكشف عن مثال واحد خاص بالنزاع المسلح. وبشكل عام، تركز المصادر الدينية الإسلامية وكذلك المواثيق والإعلانات الإسلامية الدولية بشكل كبير على أهمية التعليم. فرُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.[93] وفي عام 1990، نصَّ إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام في المادة 9 على توفير التعليم باعتباره واجبًا على المجتمع والدولة. وتنص صكوك أخرى على حق الطفل في تلقي التعليم: المادة 12 من عهد حقوق الطفل في الإسلام لعام 2005 تعيد التأكيد على التزام الدول الأطراف في منظمة المؤتمر الإسلامي على توفير “التعليم المجاني الإلزامي الأساسي لجميع الأطفال”؛ وتوضح المادة 2 (4) أن من مقاصدها:

تعميم التعليم الأساسي الإلزامي والثانوي بالمجان لجميع الأطفال، بغض النظر عن الجنس أو اللون أو الجنسية أو الدين أو المولد أو أي اعتبار آخر، وتطوير التعليم من خلال الارتقاء بالمناهج والمعلمين، وإتاحة فرص التدريب المهني.

وفي السياق نفسه، يدعو إعلان الرباط لعام 2005 في مادتيه 15 و17 الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، إلى مضاعفة جهودها من أجل كفالة توفير تعليم جيد، ويعيد التأكيد في المادة 16 على الالتزام بتحقيق المساواة بين الجنسين في مجال التعليم.

ومن أبرز الأمثلة وربما أقدمها في التاريخ الإسلامي على أهمية التعليم تحديدًا في حالات النزاع المسلح أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق سراح سبعين أسيرًا في معركة بدر في آذار/مارس 624 مقابل تعليم القراءة والكتابة لعشرة من أبناء المسلمين. وبالتالي، فإن قواعد القانون الدولي الإنساني وإن كانت أكثر تحديدًا في اشتراطها حماية تعليم الأطفال من التعطل في حالات النزاع المسلح، فمن الواضح أن أهمية حصول الطفل على التعليم مفهوم مشترك بين التقليدين القانونيين. وعلى هذا الأساس، توجد مساحة لإجراء المزيد من المناقشة بين خبراء القانون الدولي الإنساني والشريعة الإسلامية بشأن كيفية بيان حماية التعليم في النزاعات المسلحة في الدراسات الإسلامية.

وبجانب قواعد القانون الدولي الإنساني التي تتناول تحديدًا مسألة الحصول على التعليم، يمتد نطاق الحماية ليشمل أيضًا الطلاب والمعلمين بوصفهم من المدنيين، والمدارس والمنشآت التعليمية بوصفها من الأعيان المدنية بموجب القانون الدولي الإنساني، وهي مسألة تكتسي أهمية محورية لحماية التعليم في النزاعات المسلحة.[94] وهذا يعني أنه لا يجوز أن يكونوا محلًا للاستهداف المباشر ما لم يقوموا بدور مباشر في الأعمال العدائية وعلى مدى الوقت الذي يقومون خلاله بهذا الدور (بالنسبة للمدنيين)[95] ولا يجوز أن تتحول إلى أهداف عسكرية (بالنسبة للأعيان المدنية).[96] وحتى في حالة تحول الطلاب أو المعلمين أو المدارس أو غيرها من المنشآت التعليمية إلى أهداف عسكرية، يجب اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب إيقاع خسائر في أرواح الطلاب والعاملين في مجال التعليم أو الإضرار بالمنشآت التعليمية بصورة عارضة، أو تقليلها على أي حال إلى الحد الأدنى، وتُحظر الهجمات التي تتسبب في وقوع أضرار عارضة.[97] وأخيرًا، تقع على عاتق الأطراف في النزاع المسلح التزامات باتخاذ كافة الاحتياطات الممكنة لحماية ما تحت سيطرتها من سكان مدنيين (بمن فيهم الطلاب والمعلمون) وأعيان مدنية (مثل المدارس) من آثار الهجمات.[98] ويجب مراعاة هذا الالتزام إذا كان أحد أطراف النزاع يفكر في استخدام أحد المباني المدرسة لأغراض عسكرية.

وبالمثل، بموجب أحكام النزاع المسلح في الشريعة الإسلامية، سواء في حالات النزاع المسلح الدولي أو غير الدولي، لا يجوز إلحاق الضرر أو الأذى بشكل عمدي بالمدنيين أو الأعيان المدنية. فأحكام النزاع المسلح في الشريعة الإسلامية وإن لم تكن تحمي “المدارس “بالاسم” (في الواقع، في الوقت الذي وُضعت فيه هذه القواعد، لم يكن التعليم يتم عبر النظام المدرسي الحديث المعمول به اليوم) بوصفها من الأعيان المدنية، فإن المنشآت التعليمية مشمولة بالحماية عن طريق القواعد المبينة بالتفصيل التي وضعها الفقهاء المسلمون الأوائل لضمان حماية الأشخاص المدنيين والأعيان المدنية في سياق الحروب التي دارت رحاها في القرنين السابع والثامن. ولم يحظر الإمام الأوزاعي (توفي عام 774)، وهو من أعلام الفقهاء، الهجمات المتعمدة على الأعيان المدنية للعدو غير المسلم أثناء القتال فحسب، بل دفع أيضًا بأن هذا الفعل يستوفي أحد الأركان الأساسية للحرابة في ظل الشريعة الإسلامية، وهي الجريمة المقابلة لجريمة الإرهاب في القانون المعاصر. وأشار إلى أن تخريب ممتلكات العدو يشكل فسادًا، وهو وصف تصويري قرآني لأحد الأركان الأساسية لجريمة الحرابة بموجب الشريعة الإسلامية. ويساعد تفسير الفلسفة الإسلامية في هذا الصدد على فهم خطورة هذه الجريمة: فلما كان كل ما في هذا العالم ملكًا لله، وكان الإنسان، وهو خليفة الله في الأرض، مكلفًا بمسؤولية عمارة الأرض، فإن الهجمات التي تستهدف الأعيان المدنية أثناء الأعمال العدائية محظورة بموجب الشريعة الإسلامية. باختصار، يحمل القانون الدولي الإنساني والشريعة الإسلامية تشابهًا جوهريًا في أن كلاهما يوفر حماية من الهجمات للأعيان المدنية، مثل المدارس وغيرها من المنشآت التعليمية.

الأطفال الذين تفرقوا عن أسرهم

عندما ينفصل طفل عن أسرته في حالة نزاع مسلح، يقدم القانون الدولي الإنساني قواعد تسعى إلى ضمان تلبية احتياجاته أثناء تفرقه عن أسرته، وإعادة اتصاله بأفراد الأسرة، وفي نهاية المطاف جمع شملهم عندما يكون ذلك ممكنًا. ففي النزاعات المسلحة الدولية، تقع على عاتق الأطراف مجموعة من الالتزامات ذات الصلة منها ضرورة عدم إهمال الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا الذين تيتموا أو افترقوا عن عائلاتهم بسبب الحرب، وتيسير إعالتهم وممارسة دينهم وتعليمهم في جميع الأحوال”.[99] وهذا يقتضي أن تتخذ الأطراف تدابير تتصل بجملة أمور منها تغذية الأطفال وملبسهم وإعاشتهم واحتياجاتهم الطبية.[100] وبالإضافة إلى هذه الأحكام المتصلة برعاية الطفل، تنص المادة 26 من اتفاقية جنيف الرابعة والمادة 74 من البروتوكول الإضافي الأول على اتخاذ خطوات لتيسير جمع شمل الأسر التي انفصمت عراها في النزاع المسلح.[101] أما في النزاعات المسلحة غير الدولية، فينص البروتوكول الإضافي الثاني على أن “تتخذ جميع الخطوات المناسبة لتسهيل جمع شمل الأسر التي تشتتت لفترة مؤقتة”.[102] وعمومًا، من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي ضرورة احترام الحياة الأسرية إلى أقصى حد ممكن،[103] الأمر الذي يتطلب قدر الإمكان الحفاظ على وحدة الأسرة والاتصال بين أفراد الأسرة وتقديم معلومات حول مكان وجودهم.[104]

توضح المصادر الإسلامية بجلاء أن من واجب الوالدين والدولة والمجتمع الإسلامي عمومًا رعاية الأطفال وتوفير احتياجاتهم الأساسية. ويتضح ذلك في مجموعتين من القواعد. أولا، يتجسد مفهوم الحفاظ على وحدة الأسرة الحاضر في قواعد القانون الدولي الإنساني[105] أيضًا في مصادر الشريعة الإسلامية: فقد أكد الفقهاء المسلمون الأوائل على أهمية إبقاء الأبناء مع آبائهم وأمهاتهم وكذلك بشكل عام مع أفراد نفس الأسرة. فقد روى الصحابي أبو أيوب الأنصاري (توفي عام 674 م)، الذي ولد في المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية ودفن في اسطنبول، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة”.[106] وبشكل أكثر تحديدًا، يجمع الفقهاء المسلمون الأوائل على عدم جواز الفصل بين أفراد الأسرة الواحدة أثناء وقوع الرجال في الأسر أو استرقاق النساء: فقد حظر هؤلاء الفقهاء فصل الأطفال عن والديهم أو أجدادهم أو أشقائهم، كما حظر بعضهم فصل الأطفال عن أفراد الأسرة الممتدة.[107] ومن ثم، يتضمن كلا فرعي القانون واجبًا على المقاتلين بأن يتجنبوا، قدر الإمكان، فصل أفراد الأسرة الواقعين تحت سلطتهم. وبالإضافة إلى ذلك، يحتوي القانون الدولي الإنساني على نص يلزم أطراف النزاع باتخاذ خطوات لجمع شمل الأسر المشتتة مؤقتًا، ومن شأن هذا المجال أن يستفيد من مواصلة الحوار بين الخبراء من التقليدين القانونيين.

ثانيًا، تتسق شتى الالتزامات الواردة في أحكام القانون الدولي الإنساني التي تنظم رعاية الأطفال غير المصحوبين بذويهم مع إطار التقاليد الشرعية الإسلامية الذي ينظم رعاية الأطفال، وإن لم يحدد مسألة التطبيق في النزاع المسلح. ووفقًا للشريعة الإسلامية، يوجد إطار معين للحقوق والالتزامات المالية لأفراد الأسرة يتعين العناية بالأطفال بموجبه. ولكن بالإضافة إلى ذلك، وفي حالة غياب أفراد الأسرة المذكورين، فإن الشريعة الإسلامية تؤكد التزام الدولة والمجتمع ككل برعاية الأطفال؛ فيحصل الأطفال الأيتام، بسبب حالة الضعف التي يعانون منها مقارنة بغيرهم من الفئات على وضع خاص من حيث الحماية والاحترام والرعاية. وفي الواقع، فإن توفير الملجأ والحماية للمظلومين والضعفاء ولمن يلتمسهما هو واجب على المسلمين، وهو أمر مهم إذا وقع طفل غير مصحوب بذويه تحت سلطة أحد أطراف النزاع، وهذا السلوك متوارث من التقاليد الأخلاقية العربية التي كانت موجود من قبل ظهور الإسلام (والتي أدمجت في تقاليد الشريعة الإسلامية).[108] باختصار، يؤكد القانون الدولي الإنساني والشريعة الإسلامية على التزام الدول بتوفير الرعاية للأطفال غير المصحوبين بذويهم، وإن كان القانون الدولي الإنساني يقوم بذلك تحديدًا في حالات النزاع المسلح في حين تقوم به الشريعة الإسلامية بشكل أعم.

الخاتمة:

حقوق الطفل هي حقوق أساسية لا يمكن المساس بها، وهي مسؤولية مشتركة بين الأسرة والمجتمع والدولة. يجب على الجميع العمل معًا لضمان حماية هذه الحقوق وتوفير بيئة آمنة وسليمة للأطفال.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك