فقد أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرها بشأن حالة حقوق الإنسان في مصر وانتهت فيه إلي انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، وفق المنظمة، أشكالا عدة بينها “الحملة على المدافعين عن حقوق الإنسان وعلى المنظمات غير الحكومية قبل
الذكرى الخامسة” لانطلاق الثورة على مبارك. وأشارت إلى تقارير كثيرة تتحدث عن “تعذيب وسوء معاملة للسجناء ومحاكمات غير عادلة على نطاق واسع أدت لصدور مئات من أحكام الإعدام فضلا عن توقيف الكثيرين من دون توجيه اتهامات رسمية لهم وبعضهم لسنوات عدة”.ومن بين مظاهر أزمة حقوق الإنسان صدور “قوانين قمعية منها قانون التظاهر” نهاية 2013 الذي يقيد حق التظاهر السلمي و”قانون لمكافحة الإرهاب صدر العام الماضي يعطي رئيس الدولة صلاحيات كبيرة لا ينبغي أن يتمتع بها عادة إلا عند فرض حالة الطوارئ في البلاد”.عرف التظاهر السلمي أو ما يعرف قانونا بـالتجمع السلمي منذ قديم الأزل خاصة وأنه المظهر الرئيسي لكافة أشكال الاحتجاجات والثورات في كل زمان ومكان.
شهدت عدة دول عربية، ولا تزال، موجة عارمة من المظاهرات والاعتصامات منذ بدايات 2011، ، كانت مفاجئة من حيث التوقيت، ومختلفة من حيث مدى الاستمرارية، وتحولت في بعض الحالات إلى ثورات “كاملة”، أسقطت أنظمة سياسية. وفي حالات أخرى، لا تزال في الطريق إلى ذلك، رغم كل القمع الذي يجري بحق المشاركين فيها. وحتى الدول التي شهدت ثورات “كاملة”، مثل تونس ومصر وليبيا، لم يخل المشهد فيها من حالة المظاهرات والاعتصامات المستمرة، وهي حالة غابت عن العالم العربي لعقود طويلة، حيث لم يكن معهودا أن تخرج الشعوب العربية في مسيرات عارمة، تطالب بمطالب سياسية واجتماعية واقتصادية.
ورغم أن المظاهرات والاعتصامات تعد أحد أهم أشكال التعبير عن آراء الشارع ومطالبه، وربما تكون أكثرها مباشرة، فإنها من الظواهر الأقل دراسة. فهناك ندرة في الأدبيات العربية التي تتناول هذه الظاهرة بالتحليل، أو التي تناقش الأطر النظرية التي يمكن في ضوئها تحليل تأثير هذه الظاهرة في سياسات الدول.وتحاول هذه الورقة تحليل المظاهرات بأنواعها والاعتصامات، باعتبارها معبرا عن جزء من الشارع، خاصة في الدول التي تمر بمراحل انتقالية، مثل مصر وتونس وليبيا، وتحليل تأثيرها في السياسات الداخلية والخارجية للدول. أهمية التأطير القانوني المتوازن والقائم على أسس من الحوار والديمقراطية لأسلوب التعامل الأمني مع المحتجين، وبما يتوافق مع القواعد الدولية، ليس فقط على صعيد واجبات منظمي التظاهرات والاعتصامات، وإنما على صعيد حقوقهم أيضًا والضوابط الدقيقة للتعامل الشرطي مع تلك التجمعات، دون إغفال للتفاصيل المتعلقة بتكنيكات التعامل الأمني، وعقوبات المتجاوزين من رجال الشرطة، وتعويضات الضحايا، وحقوق المعتقلين، وعدم التتبع الأمني اللاحق وغيرها من الأمور.
– التحلي بقدر معقول من المرونة عند وضع قيود إجرائية على استخدام الحق في التظاهر السلمي، ووضع آليات وإجراءات مناسبة لضمان الاستمتاع العملي بممارسة الحق وعدم خضوعها للإجراءات البيروقراطية المفرطة والمرهقة التي تفرغ الحق من مضمونه،لاسيما وأن ذلك الإرث لا زالت مصر تعاني منه حتى الأن.
– الأخذ في الاعتبار التجمعات، والمظاهرات التي تحدث بشكل عفوي، وعلى نحو طارئ والتجمعات المتزامنة، وإقرار الحق في المراجعة والاستئناف والطعن على القرارات التي يترتب عليها إلغاء أو تفريق التظاهرات أو التجمعات.
إن حق التظاهر متعلق بالحريات العامة التي هي علة بعض الأنظمة العربية ، خاصة الأنظمة الشمولية التي تسيء تفسير الرأي المعارض ، وإن كان يهدف إلى الإصلاح ، والإسراع باتهامه بالخيانة والعمالة . ومن هنا فإن العالم العربي في موقع التخلف أو على الأقل في موقع العجز وعدم القدرة على النهوض والتقدم بمستوى الدول الأوروبية . إن المعارضة الإيجابية – أي التي لاتدعو إلى قلب النظام –
هي جزء من أي نظام وطني لأنها تهدف إلى تحسين الوضع المعيشي للمواطنين ، وهذا ماتهدف إليه كل حكومة في مسؤولياتها التي جاءت من أجلها ، لذا كان من الضروري إعطاء الإذن من الجهات الرسمية بالتظاهر السلمي للنقابات والعمال أو الجمعيات لما في ذلك من خير عام لمصلحة الوطن شرط إبداء الأسباب في الطلب المقدم حتى يمكن رفعها للحكومة فيما بعد لدراستها وتحقيقها لما في ذلك مصلحة للوطن .
وما التظاهرات إلا وسيلة للفت نظر المسئولين على أعلى مستوى عن إجحاف معين ، في أغلب الأحيان ، قصرت الحكومة عن إحقاقه رغم كل المراجعات المسبقة . وقد تكون التظاهرة أحياناً بتحريض وتسهيل من الحكومة لدعم مواقفها في قضايا وطنية معينة أو دولية دعماً لسياساتها الخارجية ، مما يعني أهمية التظاهرة عند الضرورة .
لذا الضرورة لتعديل القوانين التي تبيح الاجتماعات العامة ، إن وجدت ، لأن العلة ليست فيها بل في موقف المسئول عندما يرفض إعطاء الترخيص اللازم للتظاهر السلمي مما يعني دفع الشارع نحو السلبية في ممارساته ، وإن لم تظهر إلى العلن ، خاصة وأن معظم التظاهرات النقابية غالباً ماتكون وسيلة للتنفيس الملزم لها الذي لايمكنها تجنبه لئلا يتحول الأمر إلى عمل سلبي من قبل العمال ضمن مؤسساتهم في إعاقة العمل والتخريب المجهول المصدر في أدواته .
أما بشأن إضراب الموظفين فإنه ينقسم بين موظفين دائمين مثبتين وموظفين متعاقدين أو مياومين . فالنسبة للمثبتين فلقد اطلعوا على القانون الذي يرعاهم قبل الدخول في الوظيفة العامة التي حلموا بها وكفتهم مؤونة الذل والعوز والحاجة ، لذا فإنه يمنع عليهم التظاهر والإضرابات فيما يتعلق بشأنهم الوظيفي كالمطالبة برفع أجورهم أو تعويضاتهم لأن القانون الإداري قد وضع لهم الآلية الترابية للمطالبة بأي شأن يتعلق بهم وبالتالي منع عنهم الإضرابات أو التظاهر منعاً للإضرار بمصالح المواطنين . لذا وحفاظاً على مصلحة الوطن فيجب اتخاذ أقصى العقوبات بحق الموظف المتظاهر أو الممتنع عن العمل إلى حد الفصل ، مع وجود نظام حر لايلزمه بالعمل بحيث يستطيع أن يستقيل من عمله إن لم تعجبه شروط الوظيفة التي يمارسها . أما الموظفين المتعاقدين فإن وضعهم أشبه بالعمال المياومين الذي لايعرفون مستقبلاً مستقراً لهم لذا فإن حقهم بالإضراب عند الضرورة هو أمر طبيعي لتحسين وضعهم الاجتماعي والاطمئنان على مستقبلهم في التثبيت الوظيفي ، خاصة وإن مطالباتهم غالباً ماتكون إنسانية ومتعلقة بهذا الشأن .
أما رفض إعطاء التراخيص بالتظاهر وفقاً للقوانين المرعية ، واستعمال الشدة مع المتظاهرين الذين هم أبناء هذا الوطن ولهم فيه ماللآخرين ، في أي موقع كانوا ، فإنه يدل على ضعف حكومي وعجز في إدارة البلاد ، وقصور في الفهم والإدراك . لأن التظاهرة إن كانت سلمية فهي متممة للعمل الحكومي وبناء الوطن لأنها تحمل هماً شعبياً تحاول لفت النظر إليه يجب الترحيب به ودراسته .
أما إذا أضحت التظاهرة أداة للتخريب في الأملاك العامة والخاصة فيجب على قادتها الدعوة فوراً إلى فضها ، وعلى الشرطة ساعتئذ قمعها بالقوة إن استمرت في غيها ، وملاحقة جميع الفاعلين وسوقهم للعدالة لوجود أعداء داخليين وخارجين متربصين دائماً لإعاقة بناء الوطن ، وإن استعملت الشرطة العنف والإيذاء في غير موقعه فيجب محاسبتها أيضاً لئلا يتحول الأمر إلى كره للدولة من قبل المواطنين إن رأى في القانون والقضاء أعداء له من خلال الشرطي ، وفي ذلك خطر على الإستقرار والأمن الوطنيين لأنه يسهل من تسلل الإرهاب إلى الداخل مع توفر الأدوات الحاقدة بما لحقها من ظلم .
لاشك هناك أسباب توجب التظاهر، فهي لا يمكن أن تكون عبثية، ولا يمكن لشعب ما يعيش بسلام، وكل احتياجاته الحياتية قائمة ومع ذلك يخرج محتجا على حكومته، لم يذكر لنا التاريخ أمرا كهذا، فالتظاهر ليس شكلا من أشكال الترف، انما له أهداف واضحة وملحة ومهمة لدرجة أنها تستوجب التنفيذ بأقصى سرعة ممكنة من لدن المعنيين من اجل كبح جماح توسعها وانتشارها، وهو أمر يربك السلم الأمني، لاسيما في العراق الذي يواجه في الجبهة الخارجية جملة من المخاطر ترقى الى تهديد الوجود.
لذلك توقيت التظاهر ينبغي أن يكون مدروسا وليس عبثيا او عشوائيا او منطلقا من رغبة (خالف تُعرَف)، حتى يكون مردود المظاهرات نافعا للجميع لاسيما أن حق التظاهر في الدول التي تحكمها أنظمة ديمقراطية مكفول، مثلما كفلت هذا الحق العديد من المواثيق والمعاهدات الدولية الحق فى التظاهر والحق في التجمع السلمي، وحددت أطراف معينة لمقتضيات تقييد ممارستها بأن يكون القيد ضروريا ووفقا لما نص عليه القانون. في هذا المجال مثلا اعترف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بموجب المادة 2 منه بحق كل إنسان في الاشتراك فى التجمعات والجمعيات السلمية، ولم يضع هذا النص أية قيود على ممارسة هذا الحق، بل أقر به مطلقا من أية قيود قد تعوق ممارسته، كما أقرت المادة 2 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الحق فى التجمع السلمي، وحظرت وضع القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية، فى مجتمع ديمقراطي، ومن المعايير التي وضعتها هذه المادة للقيود التي يمكن أن تفرض على الحق فى التجمع (حفظ الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم).
أما كيفية الاحتجاج فهو يمثل مظهرا أو ركنا أساسيا من اركان المظاهرات، نعم هناك حق مكفول للمتظاهرين ولكن هناك محددات ينبغي الالتزام بها للحفاظ على النظام العام، وقول المعنيون أن هناك قرار مجلس حقوق الإنسان بشأن الحق فى التجمع السلمي فى دورته الحادية والعشرين بشأن الحق فى حرية التجمع السلمي وفى تكوين الجمعيات، بأن على الدول أن تحترم وتحمى بالكامل حقوق جميع الأفراد فى التجمع السلمي وتكوين الجمعيات بحرية، وأن تتخذ جميع التدابير اللازمة لضمان أن تكون أية قيود على الممارسة الحرة للحق فى حرية التجمع السلمي والحق فى تكوين الجمعيات، متوافقة مع التزاماتها بموجب القانون الدولى لحقوق الإنسان، ولكن من الجدير بالذكر، الاهتمام بالشرط السلمي لحق التظاهر، كونه اذا خرج بعيدا عن هذه الحدود، فإنه سوف يدخل في مظاهر الفوضى والإخلال المتعمَّد بالأمن، خاصة اذا رافق ذلك تجاوزات على الممتلكات الخاصة والعامة، وإلحاق الأذى بالآخرين.
التعليقات