يقول: ” يورى بيزمينوف ” في محاضرة له بعنوان ” الحرب النفسية وتدمير الأمم والشعوب للسيطرة عليها ” وهو عميل سابق لدى الاتحاد السوفيتي (K.G.B) وصحفي لدى وكالة أنباء نوفوستي حيث يقول: “أعلى درجات فنون الحرب لن تأتي بالقتال ولكنها تأتي بـالتخريب، و
“التخريب” هو كلمة السر لإنهيار المجتمعات، تخريب أي شيء له قيمة لدي مجتمع دولة العدو مثل: تخريب العقل، إفساد الضمائر، إضاعة الوقت، إهدار معنى وقيمة الدين وأهمية التمسك به، زعزعة المباديء والأخلاقيات الموروثة، وهناك أربع مراحل لتدمير المجتمعات: من أهمها ” “تدمير الأخلاق ونزع الروح المعنوية”، وتدمير الدين بأن تسخر منه وتستهزء به أو إستبدله بمختلف الطوائف والعبادات والمعتقدات التى تجعل الناس ترى ان هذا الدين ساذج، بدائي، وغير مهم.. طالما أنهم فى الأساس قبلوا بتآكل العقيدة الدينية لديهم ببطئ لتأخذهم بعيداً عن الهدف الأساسى للدين وهو أن يبقى الناس على إتصال بخالق أعلى وهذا يخدم الغرض، وبعدها يتم إستبدال المنظمات الدينية المقبولة والمحترمة بمنظمات وهمية لا تمت للدين بصلة وتصرف إنتباه الشعب من الإيمان الحقيقي وتطرفهم إلى أنواع الديانات المختلفة المتطرفة “.
ويقول أيضاً: ” وبذلك يقع المجتمع في أزمة، فعندما لا يعمل المجتمع على نحو فعال فينهار، كله هذا وغيره يجعل عدوك فى حالة عدم إتزان فكرى ونفسي بل يصل به الأمر إلى أنه لا يراك عدواً من الأساس، بل يتشكك في قدرته على فهمك وتصبح أنت ونظام دولتك البديل له عن حضارته وعقائده ومبادئه ، وأن تصبح مرغوب فى نظر عدوك بل وهدف يصبو للوصول إليه.. وهنا يسهل عليك أسر أمه بأكملها وإسقاط عدوك دون إطلاق رصاصة واحدة، ويقول: ونحن على علم أن الدين هو الذي يحكم المجتمع ويجعله يتحرك ويحافظ عليه، ويستطرد قائلا: ” فإن مصر، المايا، الإنكا، والحضارة البابلية انهارت حضارتهم واختفت من وجه الأرض في اللحظة التي فقدو فيها ديانتهم ببساطة تفككت، ، فإن التخريب الإيدولوجي لا يحتاج لإطلاق النار على أحد ولا تحتاج أن توجه صواريخ ، ويؤكدد بقوله: ” وإذا أردت الحفاظ على المجتمع بباسطة يجب أن تمتلك الإيمان وأن تمنع التخريب ” .
فإن أساس بناء الحضارات وقيمها التمسك بالدين الذي يحث على الالتزام بالقيم الأخلاقية التي تنظم شكل الحياة، وتحدد الحقوق والواجبات بين أفراد المجتمع بعضهم ببعض، بما يضمن الحفاظ على الحقوق، وحث المواطنين على القيام بالواجبات تجاه وطنهم. وتنهار الحضارات بانهيار الأخلاق، وهذا ما أكده أكثر المفكرين ومن بينهم ” أرنولد توينبي ” في كتابه ” نظرية التحدى والإستجابة والحضارة الإسلامية أنموذجا ” قائلا: أن ما من حضارة سقطت إلا بسبب البعد عن الدين والانهيار الأخلاقي. ولقد حلل ” مالك بن النبي ” أسباب سقوط المجتمعات وتدهورها حيث يري أنها نتيجة لغياب الوظيفة الاجتماعية للدين، ويرى أن أوضاع القيم تنقلب في عصور الانحطاط لتبدوا الأمور ذات خطرا كبير، فإذا ما حدث هذا الانقلاب انهار البناء الاجتماعي إذا لا هو يقوى على البقاء بمقومات الفن والعلم والعقل فحسب، لأن الروح تتيح للإنسانية أن تنهض وتتقدم، فحيثما فقدت الروح سقطت الحضارة وانحطت.
فإن الأخلاق هى موضوع الرسالات الإلهية قال تعالى: ” وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ” ( آل عمران: 81). والحكمة هي مجموعة من القيم والمبادئ الأخلاقية ة التي تنهى الإنسان عن اقتراف السلوكيات السيئة التي تحط من إنسانيته، وتحضه على الامتثال بالسلوكيات والقيم الإنسانية والأخلاقية السامية، مما يدفع المجتمع نحو التقدم ويحافظ على سلامته. فبعثة النبي صلى الله عليه وسلم أساسها الأخلاق ” إنما بعثت لأتتمم مكارم الأخلاق ” (عن أبي هريرة). وهذا ما أدركه المستشرق ” مرماديوك باكتول ” حيث يقول أن المسلمون يمكنهم ان ينشروا حضارتهم في العالم الآن بنفس السرعة التي نشروها بها سابقا بشرط ان يرجعوا الى الأخلاق التي كانوا عليها حين قاموا بدورهم الاول, لان هذا العالم الخاوي لا يستطيع الصمود امام روح حضارتهم .
ويقول المبشر صموئيل زويمر في مؤتمر القدس التنصيري عام 1935م: ” مهمة التبشير التي ندبتكم لها هي أن تخرجوا المسلم من الإسلام؛ ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله، وبالتالي لا صلة له بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها…………ويقول في مؤتمر أخر: ” إنكم أعددتم نَشئاً لا يعرف الصلة بالله ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام، ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي فقد جاء النشء طبقاً لما أراده الاستعمار لا يهتم بعظائم الأمور، ويحب الراحة والكسل، فإذا تعلم فللشهرة، وإذا تبوَّأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهرة يجود بكل شيء ” .
ويرى ” توينبي ” أن السمة الدينية هي أهم صفة يمكن أن توصف بها الحضارات، لذلك نجده يسمى الحضارة بأسم الدين الذي نشأت في ظلاله أو بالأحرى كانت أحد ثمراته. لأن الدين يشكل الاستجابة الناجحة للروح أى هو القوة التي تشبع الروح في مواجهة أي تحدي خارجي، وينتقل بفضلها مجتمع من حالة الركود إلي حالة الحركة والتقدم والازدهار. ويرى أن سقوط الحضارات يحدث نتيجة التحديات الداخلية وعدم القدرة على التغلب عليها أو التصدى لها، ومن ثم تصبح فريسة سهلة لأى اعتداء خارجي، وهذا لم يحدث إلا في وسط أو جو يسوده ( الانهيار الأخلافي الناتج عن الصراع على الدنيا والبعد عن الدين ). وهذا ما حذرنا منه النبي صلى الله عليه وسلم ” والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكنِّي أخشى أَنْ تُبْسَط عليكم الدُّنيا كما بُسِطَتْ على من كان قبلكم، فتَنَافَسُوها كما تَنَافَسُوها، وتهلككم كما أهلكتهم ” (رواه البخاري والمسلم ).
ويقول ” بن جوريون ” أول رئيس وزراء لإسرائيل إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا مباشرة وعنيفا هو الخطر الاسلامي, فالمسلمون عالم مستقل كل الاستقلال عن عالمنا الغربي, فهم يملكون تراثهم الروحي الخاص بهم, ويتمتعون بحضارة تاريخية ذات أصالة فهم جديرون ان يقيموا قواعد عالم جديد دون حاجة الى إذابة شخصيتهم الحضارية والروحية في الحضارة الغربية.
لذلك هناك محاولات جادة لطمس هويتنا الدينية ولتغريب ثقافتنا، كمحاولة من قبل أعدائنا لقضاء على روح حضارتنا فمن الأسباب الرئيسية التي أدت إلي نهضة اليابان هي الحفاظ على هويتها وثقافتها، فاليابان تمثل أفضل النماذج للتحديث، والتحديث يعني الانفتاح على العلوم والتكنولوجيا واستيعابها، مع التمسك والحفاظ على ثقافتها وهويتها، والتصدي والصمود أمام هجمات التغريب التي كانت تستهدفها لذوبان هويتها، وأن هذا قانون كوني خاص بكل الحضارات، فالتاريخ والواقع والنظريات العلمية أيضا ” وأهمها نظرية ” أرنولد توينبى عن التحدى والإستجابة بالإضافة إلى نظريات ابن خلدون ومالك بن نبي” تؤكد أن الحضارات دائما ما تنهار إذا ذابت الهوية الدينية التى قامت عليها، لذلك ذوبان الهوية والرغبة في التمسك بثقافة مغايرة لثقافتنا تعني انهيار حضارتنا وبتالي عزتنا، ولقد أكد على ذلك سيدنا عمر بن الخطاب بمقولته الشهيرة ” لقد كنا أذلاء فأعزنا الله بالإسلام ، فإذا إبتغينا العزة بغيره أذلنا الله “.
لذلك أمرنا الله سبحانه وتعالى بتمسك بمنهجه وهديه وحذرنا من اتباع أهواء أعدائنا وبين لنا أن عاقبة ذلك تخليه عن نصرنا على أعدائنا ” وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ” ( البقرة:120).
بقلم: هند درويش
ماجستير في التفكر في القرآن الكريم وعلاقته بالتفكير الإبداعي
التعليقات