القدماء المصريين أول الموحديين هكذا كان عنوان كتاب للدكتور ” نديم السيار”، الذي أشار إليه الدكتور مصطفى محمود في برنامجه الشهير ” العلم والإيمان قائلا: ” استطاع هذا الكتاب أن يثبت بالدليل القاطع أن فرعون الخروج لم يكن ” رمسيس ولا منفتاح ” ولم يكن مصرياً بالمرة…وإنما كان سادس ملوك الهكسوس، وأن الأنبياء (إبراهيم، وإسماعيل، ويعقوب، ويوسف، موسى) كلهم نزلوا مصر في عصر الهكسوس، وكانت دعوتهم إلي التوحيد إلي هؤلاء الهكسوس الوثنيين، وليس إلي المصريين “. فلقد استطاع الباحث أن يؤكد بالأدلة العلمية على صحة نظريته التي كشفت النقاب عن حقيقة ظلت مندثرة لزمن بعيد، ولكن الله لا يضيع عنده حق ابداً، فهو اسمه ” الحق” ، فمهما طال زمن التضليل والتشويه المتعمد من قبل أعدائنا فلابد أن يأتي يوم تنكشف فيه الحقائق فهو سبحانه القائل: ” بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ” (الأنبياء: 18).
وتعد هذه الدراسة أفضل وثيقة ترد على إدعاءات وافتراءات اليهود الكاذبة عن مصر أرض الكنانة ومهد الحضارة ومنارة التوحيد، حيث أوضحت الدراسة أن القدماء المصريين كان موحديين توحيدا خالصا لله واستطاعوا بناء حضارتهم في ظل دعوة نبي الله إدريس عليه السلام، فالله سبحانه وتعالى منذ بدأ الخليقة أرسل لكل أمة أنبياء ورسل ليبلغوا الناس أن يعبدوا الله وحده ولا يشركون به شيئاً ” وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ” (النحل: 36). ” وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ ” (الزخرف:6). ” وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ” (فاطر:24). أي ما من أمة سبقت من بنى آدم إلا وارسل لها رسول، وهناك كتاب ديني شهير يعرف بأسم ” كتاب الموتى ” يذكر المؤرخون أنه كان موجداً منذ (4500 ق.م). ويعتبره المؤرخون أول كتاب يذكر فيه الدار الآخرة والحساب. وفي هذا الكتاب فصل يسمى ” الإنكارات ” ومما ورد فيه: لم ارتكب ما يغضب الإله، لم أدنس نفسي في غضب الإله، ولم اعترض على إرادة الإله….إلخ.
و شاءت الاقدار لوجه مصر القديمة أن يشرق من جديد، ليعرف العالم أن الدين هو أساس بناء الحضارات وليس الوثنية كما يدعي المفترون والمشوهون لحقيقة تاريخنا العظيم، ويشير الكاتب بقوله: ” ففي لحظة من أمجد لحظات تاريخنا المعاصر، شاء سبحانه أن يعثر أحد ضباط الحملة الفرنسية بطريق المصادفة على حجر رشيد حيث كان له شأن في فتح آفاق الحقيقة أمام العالم عام 1799م “. ويذكر العالم الفرنسي ” شمبليون” مترجم نصوص حجر رشيد ” لقد استنتجنا مما هو منقوش على الآثار صحة مارواه المؤرخ ” جامبليك ” أن الأمة المصرية كانت أمة موحدة في عبادتها لله، وعلموا أن الروح أبدية، واعتقدوا بصحة الحساب والعقاب. وفي عام 1839م بعد وفاة ” شمبليون” …..نشر أخوه “فيجاك” خلاصة ما توصل إليه بعد طول بحث ودراسة أن ” الديانة المصرية توحيد خالص “.
ويذكر العالم البريطاني ” ولس بدج ” أن أكثر المؤيدين لنظرية التوحيد في مصر القديمة هو ” د. بروجش” الذي أجمع عدداً مدهشاً من النصوص المصرية الأصلية، ومن هذه الفقرات (الإله واحد أحد ولا ثاني له…..الإله باطن خفي…..لا شبيه له…..وهو خالق الكون وكل مافيه… خلق السموات والأرض والأعماق، ماتحت الثرى، والمياه، والجبال…….إلخ “.
ويقول الباحث: فالقدماء المصريين لم يرد في تاريخهم ما يدل على أنهم عرفوا الوثنية، وأن البردية المحفوظة اليوم في المتحف البريطاني خير دليل على ذلك حيث تضمنت هذه المناجاة التي تتشابه مع عقيدتنا ” أنت الإله الأكبر… سيد السماء والأرض…..خالق كل شيء…..يا إلهي وربي وخالقي….قوي بصري وبصيرتي لأستشعر بمجدك…. ” .
ويرى أكثر العلماء والمؤرخون أن الاهتمام بالدين وتفعيله في جميع جوانب حياتهم هو سر عظمة حضارتهم، ويؤكد على ذلك شيخ المؤرخين ” هيردوت ” في كتابه ” The Egyptian Book of The dead ” بقوله: إن المصريين أشد البشر تدينا ولا يعرف شعب بلغ في التدين درجتهم فيه، وكتبهم في الجملة أسفار عبادة ونسك وذلك كلام حق فتلك الآثار الباقية التي تحكي لنا حياة المصريين علي أساس من التدين والاعتقاد، ولولا انبعاث هذا الاعتقاد في النفس ما قامت تلك الأهرام ولا نصبت تلك الأحجار، ولقد كانت شدة تدينهم سببا في أن دخل الدين عنصرا عاملآ قويا في كل أعمالهم الخاصة والعامة. فالدين مسيطر حتي في الكتابة في الحاجات الخاصة وفي الإرشادات الصحية وفي أوامر الشرطة وسلطان الحاكم ….. الخ .
وهذه بعض المواعظ للحكيم ” بتاح حوتب ” الذي كان وزيراً لأحد ملوك الأسرة الخامسة ومنها: سوف يرتضى الله عملك إذا كنت متواضعاً وعاشرت الحكماء…. ليكن للناس نصيب مما تملك من الصدقة والزكاة فهذا واجب على من يكون صفياً لله….. إذا شئت أن تعيش من مال الظلم أو تغتني منه نزع الله نعمته منك وجعلك فقيرا….. لا توقع الفزع في قلوب البشر لئلا يضربك الله بعصا انتقامه…. أسس لنفسك بيتاً وأحب زوجتك فأنها حقل طيب لسيدها، وهذه الحكمة تتشابه مع ما جاء في القرآن الكريم بعد مضى 35 قرن في قوله تعالى: ” نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ” (البقرو:223). الحرث تعني الحقل والأرض المعدة للزراعة. ويقول أيضا: إذا حكمت بين الناس فأسلك طريق العدل، وفي القرآن الكريم: ” َإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ” (النساء: 58). ويقول الحكيم “آني ” عن الصلاة: ” إذا صليت لله فلا تجهر بصلاتك ” ويقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: ” وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ ” (الإسراء:110).
ويؤكد الباحث أن القدماء المصريين لم يكونوا موحديين فقط، بل الأمر تعدى ذلك بكثير…..حيث كان لديهم كتب سماوية تشمل على قيم ومبادئ روحية إلهية تتوافق وتتطابق تماماً مع القيم والمبادي التي نحيا عليها الآن مصدقا لقوله تعالى: ” وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ” (آل عمران: 81). .ولذلك يعلق ” هيردوت ” في كتايه عن مصر قائلا: ” المصريون يزيدون كثيرا عن سائر الناس في التقوي….ويؤكد أن المصريين كانوا أول الموحدين في العالم ” . ويذكر المؤرخ العالمي الكبير ” ول ديورانت ” بقوله: ” وحسبنا أن نذكر من معالم حضارة مصر أن المصريين أول من دعا إلي التوحيد “. وصدقت ” د.نعمات فؤاد” حين قالت: ” الإسلام زهرة جذورها غي مصر القديمة ” .
وبناءا على ماسبق نستنتج أن مصر القديمة لم تعرف الوثنية قط، وعلى عكس ما يروج أعدائنا من أكاذيب وافتراءات لنيل من مكانة مصر العظيمة مهد الحضارات والأديان، فأين الوثنية التي يتحدثون عنها عن ارقى واتقى الأمم !!! فإن هذه المؤامرة تعد من أخطر المؤمرات التي روجت لها الصهيونية العالمية وهي تشويه وتزيف التاريخ لتأكيد غرض خبيث يعلمون جيداً من خلال أبحاثهم ودراستهم زيفه وبطلانه وهو أن لا علاقة بين الدين وقيام الحضارات!!!
وهذا ما أقر به ” يورى بيزمينوف ” في محاضرة له بعنوان ” الحرب النفسية وتدمير الأمم والشعوب للسيطرة عليها ” وهو عميل سابق لدى الاتحاد السوفيتي (K.G.B) بقوله: ” أن أسهل طريقة لتدمير المجتمعات بدون طلقة رصاصة واحدة “تدمير الأخلاق ونزع الروح المعنوية”، وتدمير الدين بأن تسخر منه وتستهزء به أو إستبدله بمختلف الطوائف والمعتقدات التى تجعل الناس ترى ان هذا الدين ساذج، بدائي، وغير مهم..ويستطرد قائلا: فإن مصر، المايا، الإنكا، والحضارة البابلية انهارت حضارتهم واختفت من وجه الأرض في اللحظة التي فقدو فيها ديانتهم ببساطة تفككت، وإذا أردت الحفاظ على المجتمع بباسطة يجب أن تمتلك الإيمان وأن تمنع التخريب “……وصدق الله العظيم : ” وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ” (البقرة:72).
ويعترف المستشرق ” مرمادوك باكتول” أن الحضارة أساسها التمسك بالقيم الأخلاقية بقوله: ” إن المسلمون يمكنهم ان ينشروا حضارتهم الى العالم الآن وبنفس السرعة المذهلة شرط ان يعودوا الى الأخلاق التي كانوا عليها، لان الغرب الخاوي لا يستطيع الصمود أمام روح حضارتهم الهائلة “، وهذا هو الشرط الذي وعدنا الله أن حققنا فتح علينا من فيض علمه وواسع فضله في جميع مجالات المعرفة مصدقا لقوله تعالى: ” وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ” (البقرة: 282).
بقلم: هند درويش
ماجستير في التفكر في القرآن الكريم وعلاقته بالتفكير الإبداعي
التعليقات