إن التغيير في أي مجتمع يعد أساسًا للاستقرار، ولا بد للأنظمة السياسية أن تدرك هذه الحقيقة، فتعمل على التغيير والتكيف مع المعطيات والتطورات والتحولات ردءًا للصدامات والانفجارات. وهنالك أنواع عديدة للتغيير والتحول منها السياسية والثقافية والفكرية والتكنولوجية والاقتصادية، ومنها ما يكون منظم ومخطط، ومنها العشوائي وغير المنظم. ولا بد من ارتباط التغيير بالوعي وبالخطط الهادفة لتحقيق الأهداف، وإدراك المشكلات ووضع الحلول المناسبة لها.
لا يخفى على أحد الجوانب الإيجابية لمواقع التواصل الاجتماعي أبرزها اسهامها في تطور قطاع ريادة الأعمال ونمو الاقتصاد من خلال تواصل العنصر البشري واتصال الثقافات والأفكار والانتقال حول العالم من خلال التقنيات والتكنولوجيا. ولذلك يتوجب العمل على مواجهة سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي، ولن يكون ذلك بغير الوعي والتعمق في المعالجات بما يناسب ويخدم مصالح الشعوب عامًة.
التغيير السياسي: هو مجمل التحولات السياسية التي تتعرض لها البنى السياسية في مجتمع ما، بحيث يعاد توزيع السلطة والنفوذ داخل الدولة أو دول عديدة. (محدد، 2012) فالتغيير السياسي يأتي عن طريق الاستفتاء والانتخابات والانقلابات العسكرية والإضراب والتمرد والثورات. وقد مر العالم بمرحلة انتقالية غيرت من تركيبتها الاقتصادية والاجتماعية، وهذه المرحلة تدعى الثورة الصناعية، وانتقلت إلى مرحلة جديدة تدعى ثورة المعلومات، وظهر اقتصاد المعلومات، وتجلى ذلك في جمع المعلومات والبيانات وتصنيفها وتخزينها واسترجاعها وظهور ما يسمى بمجتمع المعلومات، واستخدام المعلومات في أوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فتطورت وسائل الاتصال الإلكترونية، وتعددت خدماتها، وشهدت وبداية عصر جديد يعتمد النشر الإلكتروني والإعلام الجديد، وكان للإعلام الإلكتروني دور بارز في الأحداث العالمية الضخمة وفي نقل الأخبار المهمة من انتخابات وتطور الأزمات المالية العالمية. ثـم قفـز الإعلام الإلكترونـي ليحتـل المرتبـة الأولـى، أغلـب الوقـت، من خلال مسـاهمته لافي تغطيــة أحــداث الثــورات بــل في المشــاركة كأداة قويــة في حشــد الجماهيــر؛ مثلمـا حـدث في (ثـورات الربيـع العربـي)، واسـتخدام الإعلام الإلكتروني بوسـائله المختلفـة عـن طريـق تنظيمـات إسـلامية مسـلحة، مثـل تنظيـم الدولـة الإسلامية في العراق والشام، أو حضـور وسـائل إعلاميـة إلكترونيـة في حشـد وحشـد مضـاد، مثلمـا حـدث في الانقلاب التركـي الأخيـر، حينمـا دعـا الرئيـس التركـي، رجـب طيـب أردوغـان، إلى إسـقاط الانقـلاب العسـكري عبـر (سـكايب) بعـد محاصـرة المؤسسـات الإعلاميـة التقليديـة. (للدراسات م.).
وقد ساهمت الثورة التكنولوجية في إحداث تغييرات كثيرة على مستوى الإعلام والصراعات الدولية، وأصبح الإعلام الإلكتروني أداة مهمة في عمليات التعبئة والحشد السياسية، وفي إحداث تغييرات جذرية اجتماعية وسياسية، وكان للإعلام الإلكتروني دور مؤثر وبارز في انتفاضات الربيع العربي، متأثر بالدعوات التي أطلقها الناشطون ضد الممارسات الاستبدادية لبعض الأنظمة العربية وللإطاحة بالحكومات الفاسدة والمستبدة والشمولية.
ومع الوقت اتسعت الهوة بين الإعلام الكلاسيكي وإعلام الاتصال الاجتماعي، فأدى الأخير دورًا رياديًا في عمليات التغيير في الوطن العربي والثورات العربية بعد تحول العالم إلى قرية صغيرة تتميز بسرعة نقل الحدث والمعلومات والشهادات الحية؛ ومع ذلك لا يخفى على أحد دور الإعلام الكلاسيكي من الراديو في الثورة الجزائرية 1967، ولا دور الفيلم في نشر الأيديولوجيا الشيوعية، حتى أن الثورة الإيرانية سميت بـ (ثورة الكاسيت)؛ ولكن ما يميز الثورات والتغيير المترافق مع أدوات الإعلام التقليدي بأنه متواضع السرعة، في حين أن التغيير المرافق لإعلام الاتصال الاجتماعي يتميز بالسرعة، وأنه عابر للقارات بشكل رهيب بعيدًا عن قيود الرقابة، فكان التغيير والثورات قد شكلت أحيانًا تخبطًا وارتباكًا وصدمة عند صناع القرار لدى الدول العظمى لتكوين موقف واضح وصريح من المجريات؛ و”يلخص الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل “بول كيرجمان” هذه المقولة قائلًا: “نحن نتجه نحو عالم ديمقراطي بالأساس، لأنك لا تستطيع عزل الفلاحين في المزارع طالما يستطيعون الدخول إلى الإنترنت”. (عكنان، دور الإنترنت في الثورات العربية، 2019).
برزت أشكال جديدة من الجرائم المرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي، منها: الابتزاز الإلكتروني والتهديد والتشهير بالآخرين والقرصنة المالية.
وبرزت في الآونة الأخيرة أنواع من الألعاب الخطرة، على الصغار والكبار، والتي قد يتسبب بعضها في دفع اللاعب لارتكاب الجرائم او الادمان او الجنس وقد وصفها البعض بالمصيدة حيث يبدأ الأمر بلعب ومتعة وينتهى بالقتل أو الانتحار أو الإصابة بحالة نفسية سيئة، وخير مثال على ذلك لعبة «الحوت الأزرق» التي هددت حياة الكثير من الأطفال عقب انتشارها وتداولها على مستوى دول العالم، بما دفع عدة دول لنشر تحذيرات رسمية من هذه اللعبة، حيث إنها أدت إلى انتحار معظم من كانوا يستخدمونها، والذين كان أغلبهم من الأطفال، الذين لا يمتلكون الوعى والإدراك بما يحدث داخل هذه اللعبة.
ومن الملاحظ في عهد الثورات العربية ومع ظهور الثورة الرقمية أن الإبداع والتمييز والشهرة والثقافة والتأثير لم يعودوا حكرًا على الكتاب والمثقفين والأدباء، بل أصبحت متاحة للجميع وفرصة لتمكين الشعوب لإظهار إبداعهم وإبداء آرائهم، وتراجع وغياب دور المثقف والنخب، وفي الوقت ذاته لم يعد بإمكاننا التمييز بين الغث والسمين والحقيقة والزيف والإبداع والابتذال؛ ولكن يبقى من أهم إيجابيات مواقع التواصل والإنترنت هي التحول الديمقراطي والاستقطاب والحشد الشعبي وتكريس التفاعل التكنولوجي مع الحراك الشعبي والاجتماعي، وانتهاء احتكار الحكومات لوسائل الإعلام والمعلومات، وبث الحدث وما حملته هذه المنصات من تهديد للأنظمة الاستبدادية، وما خلفته من انطباع وحدة المشاعر والالتفاف حول الجماعة ذات الهموم المشتركة والمعاناة الواحدة، ووحدة المصير والاندماج بها وتعزيز الهوية الجماعية.
أثّرت مواقع التواصل الاجتماعي سلباً على العلاقات الأسرية، وساعدَت على اتساع الفجوة بين أفراد الأسرة واستبدل الأبناء الانترنت بآبائهم، كمصدر للمعلومات وفقدوا الترابط الأسرى لدرجة الشعور بالغربة على مستوى الاسرة الواحدة وهذا ما يجعل النشء فرصه سهلة للجماعات الإرهابية وأصحاب التطرف الفكري وتحويله الى سلاح لهدم مجتمعه. علاوة على كونها أقصر الطرق إلى الطلاق والانفصال بين الزوجين، وهذا ما خلص إليه عدد من الدراسات الحديثة، أبرزها دراسة أجرتها الأكاديمية الأمريكية لمحامي الطلاق، نشرتها صحيفة الاندبندنت نقلًا عن جمعية المحامين الإيطالية بما يؤثر على جودة الحياة في المجتمع.
تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي سلبياً على أمن المجتمعات بوضوح إلى حدود انتشار العنف الداخلي، وتهديد الانسجام الاجتماعي والثقافي وذلك عبر نشر كل انواع الاثارة والاستفزاز والتحفيز على العنف، خصوصاً عند فئات الشباب والنشء الذين لا يملكون حصانة كافية، ما قد ينتج عنه اغترابهم عن المجتمع وتباعد المسافات بينهم وبينه إلى درجة العداء، بالإضافة الى ضعف الهوية وزيادة معدلات الاغتراب الثقافي وتعزيز نظرية العولمة الاجتماعية والثقافية والتي أصبحت مرتبطة ارتباطا وثيقا بمنصات وشبكات التواصل الاجتماعي.
اُستخدمت مواقع التواصل الاجتماعي لتحقيق استراتيجيات الجماعات الإرهابية، وتوفير التسهيلات الخاصة بالتواصل بين أفرادها. واعتمد الجيل الجديد من الجماعات الإرهابية على وسائل التواصل الاجتماعي في التجنيد وفي التواصل بين قيادات هذه التنظيمات، خاصًة في ظل الانتشار الجغرافي الواسع لهذه التنظيمات، وتوزع الأفراد المستهدفين بالتجنيد في جميع أنحاء العالم.
وتم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كقناة لتبادل الخطط والمعلومات حول تصنيع القنابل والمتفجرات ومهاجمة المواقع المستهدفة. وباتت المراحل الأولية للتجنيد تتم من خلال “التغريدات” و” البوستات” ليتبين لها الأشخاص الأكثر ميلاً للمشاركة في “الجهاد”.
التعليقات