الإثنين - الموافق 23 ديسمبر 2024م

أسباب دوام النعم وزوالها وتأثير قوة الشكر على الدماغ بقلم: هند درويش

إن النعم التي يرزقنا بها الله هي اختبار من الله لنا ” وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ” ( الأنبياء:35). فإن الإنسان عندما يبتليه الله بكرب يدعو الله كثيرا ليدفع عنه الأذى أو ليحقق شيء يتمناه، فبعد أن يستجيب الله له، ويكشف عنه السوء أو يوفقه فيما يتمناه.

– أما أن يرجع ما به من نعمة لنفسه وينسى أن يشكر الله ” فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ” (الزمر:49). إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ : أي بفضل ذكائي وقدراتي – فتنة: أي النعم اختبار من الله لنا ليعلم هل سنشكر الله على نعمة فننجح في الاختبار وتدوم النعم، أم ننكر فضل الله ونعزو هذا النجاح إلي أنفسنا” قدراتنا وذكائنا” فلم ننجح في الاختبار وقد تزول النعم .

– إما يظن أنها بفضل أشخاص، هم في الحقيقة سخرهم الله لنا في مساعدتنا نتيجة لدعائنا فنشكرهم وننسى أن الفضل أولا وأخيرا لله قال تعالى: ” ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا ” (الزمر:8). اندادا: تعني أشخاص نرجع إليهم الفضل أولا للمساعدتك في كشف الضر أو الأذى أو تقديم مساعدة، ولقد ذكر الله لنا نموذجين إحدهما للاقتداء والآخر للعظة والاعتبار:

أ- نموذج للاقتداء: سيدنا سليمان نجح في الاختبار واعترف بفضل الله عليه فأداما الله عليه النعم إلي أن ألقى الله ” قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ” (النمل:40). لِيَبْلُوَنِي: ليختبرني. وإذا أردت أن يديم الله عليك النعم فعترف دائما بفضل الله وإحذر الغرور والعجب بالنفس، وعلمنا النبي أن ندعو بهذا الدعاء ” اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ ” ( رواه مسلم ). وانفق مما حباك الله من نعم أي إذا اردت أن يحفظ الله صحتك انفقها في عمل الخير، في تأدية العبادات والنوافل والطاعات، وإذا أردت أن يحفظ الله مالك، علمك، مكانتك في شغلك، مواهبك، وذكائك، مشروعك انفقهم في نفع الناس ابتغاء لمرضاة الله ” أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ” (صححه الألباني). ” أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ” (متفق عليه).
– التوبة والإنابة إلي الله ” وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ” (ص:30). أواب: التوبة.

ب- نموذج للعظة والاعتبار: ابتلى الله قارون بالمال الكثير، ” إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ ” (القصص:76). فطلب منه قومه أن ينفق منه في سبيل الله ” وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ” فأنساه غروره أن يشكر الله، وارجع هذه النعم إلي نفسه أي بفضل ذكائه وقدراته وابى أن ينفق منه في سبيل الله فقال ” قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ” ( القصص: 78) فعاقبه الله بزوال هذه النعم ” فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ ” (القصص: 81). فإن البخل في إنفاق النعم من مال، علم، جاه، صحة فى سبيل الله سبب زوالها أو قلة بركتها.

أكبر ظلم نرتكبه في حق نفسنا أن لا نعرف قوانين ربنا مصدقا لقوله تعالى: ” إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ” ( يونس: 44).
ولكي نتجنب نسيان شكر النعم علمنا النبي أن ندعو بهذا الدعاء ” اللهم ما أصبح به من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر ” من قالها صباحا ومساءا فقد أدى شكر يومه ( رواه أبو داود). فإن شكر النعمة يزيد من بركتها ” لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ”

وهناك دراسات علمية أثبتت أن للشكر تأثير إيجابي محفزاً لطاقة الدماغ الإيجابية، مما يساعد الإنسان على مزيد من الإبداع والإنجاز. كما أكدت دراسة أخرى أن الإحساس الدائم بفضل الله تعالى يزيد من قدرة النظام المناعي للجسم، دماغ الإنسان الذي يشكر الناس يكون أكثر نشاطاً، وبالتالي نجده متفائلاً وبعيداً عن الاكتئاب، بينما نجد الدماغ المكتئب لم يتعود على ممارسة الشكر! تؤدي مشاعر الامتنان وممارسة الشكر، إلى إطلاق مواد كيميائية في الجسم مثل مادة Dopamine ومادة Serotonin وهذه المواد تنطلق طبيعياً أثناء السعادة، ويقل إفراز هرمون الإجهاد Cortisol مما يؤدي لوقاية القلب من النوبات القلبية ومرض الأوعية القلبية. (حسب Professor Robert A. Emmons).

بقلم: هند درويش
ماجستير في التفكر في القرآن الكريم وعلاقته بالتفكير الإبداعي

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك