الإمام إبن عابدين هو محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي، فقيه الديار الشامية، وإمام الحنفية في عصره، ولد في دمشق عاصمة سوريا بزقاق المبلط في حي القنوات، وهو محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز بن أحمد بن عبد الرحيم بن محمد صلاح الدين بن نجم الدين بن محمد صلاح الدين بن نجم الدين بن كمال بن تقي الدين المدرس بن مصطفى الشهابي بن حسين بن رحمة الله بن أحمد الفاني بن علي بن أحمد بن محمود بن أحمد بن عبد الله بن عز الدين بن عبد الله بن قاسم بن حسن بن إسماعيل بن حسين النتيف بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الأعرج ابن الإمام جعفر الصادق ابن محمد الباقر ابن الإمام زين العابدين بن الحسين بن علي رضوان الله عليهم جميعا، وعرف المترجم بابن عابدين، وهي شهرة تعود إلى جده محمد صلاح الدين الذي أطلق عليه اللقب لصلاحه.
ووالده هو الشيخ محمد أمين من ذرية الحافظ محمد عبد الحي الداودي صاحب التآليف المشهورة، وجدته لأبيه بنت الشيخ محمد أمين المحبي صاحب، و قد سلك الطريقة النقشبندية على يد الشيخ خالدالنقشبندي بدمشق، وقد صلى ابن عابدين على جنازة النقشبندي اماما، وألف رسالة في المنافحة عن مولانا خالد النقشبندي سماها “سل الحسام الهندي” فهذا هو العلامة محمد أمين بن عابدين، المشهور في كل نص وكل حديث بأنه ابن عابدين وهو واحد من كبار علماء الحنفية في القرن الثالث الهجري، وعرف بحاشيته التي ظلت ولا تزال ركنا من أركان تدريس المذهب الحنفي، وأتمها ابنه محمد علاء الدين ووصف بأنه كان ورعا دينا عفيفا عالما عاملا صالحا، كما أنه كان من المتصوفة العاملين الجامعين بين العلم والتصوف، وكان أداؤه يتمتع بالأصالة التي تظهر في تعليقاته الفقهية المتعددة.
وقدرته على التواصل مع النصوص السابقة، ومع أنه لم يؤسس مدرسته في رحاب معهد كبير كالأزهر الشريف فقد أثمرت رموزا مرموقة من أهل العلم والقدرة على التدريس والتأليف وتكوين الرأي، وأصبح ابن عابدين رأس عائلة من العلماء من أبنائه وأحفاده، وأخذ عنه الشيخ عبد الغني الميداني والشيخ حسن البيطار، وأحمد أفندي الإسلامبولي، ومن مؤلفاته الكثيرة، هي “الحاشية ” وتسمى “رد المحتار على الدر المختار” كما تعرف باسم حاشية ابن عابدين، وأيضا “رفع الأنظار عما أورده الحلبي على الدر المختار” وأيضا “العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية” وهو مغني المستفتي عن سؤال المفتي وهي تنقيح لفتاوى حامد بن علي العمادي المتوفى سنة ألف ومائة وواحد وسبعين هجرية، وله أيضا “حاشية على المطول في البلاغة” وله حواشي على تفسير البيضاوي.
والرحيق المختوم في الفرائض، وشرح كنز الدقائق للنسفي، ونسمات الأسحار على إفاضة الأنوار على كتاب المنار وهو في أصول الفقه، ومقامات في مدح الشيخ شاكر العقاد، ونزهة النواظر على الأشباه والنظائر، وأما عن تحوله من المذهب الشافعي إلى المذهب الحنفي بأنه ألزمه أستاذه السيد محمد شاكر العقاد بالتحول عن مذهب الشافعي إلى مذهب أبي حنيفة، فتحول وقرأ عليه الفقه وأصوله، وأخذ كذلك عن الشيخ الأمير المصري كما أجازه محدث الديار الشامية الشيخ محمد الكزبري وواصل الدرس والاستماع والفهم حتى صار علامة زمانه، وكان والده هو عمر بن عبد العزيز هو أول من اشتهر بعابدين نجم الدين بن محمد كمال بن تقي الدين المدرس في بلد الله الأمين، وهو أول من جاء دمشق من هذه العائلة وولي نقابة الأشراف سنة ثلاثة مائة وثلاثون من الهجرة.
وترجم له ابن عساكر في تاريخه، بن حسين المنتوف وفي نسخة بخط السيد مرتضي الزبيدي هي المفتون وولد العلامة ابن عابدين في دمشق، ونشأ في رعاية والده في بيت علم شهير، وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب وهو صغير جدا، ويروي أن نبوغه في العلم يعود إلي سبب طريف فقد كان يجلس في محل تجارة والده يقرأ القرآن، فمر رجل لا يعرفه فسمعه وهو يقرأ فزجره وقال له لا يجوز لك أن تقرأ هذه القراءة، لأن المحل محل تجارة، والناس لا يستمعون قراءتك فيرتكبون الإثم بسببك، ولأن قراءتك فيها لحن، فقام ابن عابدين وسأل عن أقرأ أهل العصر في زمنه، فدله الناس على الشيخ سعيد الحموي، فذهب إليه وطلب منه أن يعلمه أحكام القراءة بالتجويد، وكان لم يبلغ الحلم، فحفظ متون التجويد والقراءات الميدانية، والجزرية، والشاطبية، ثم بدأ دراسته الدينية بفقه الإمام الشافعي.
ثم حضر على السيد محمد شاكر العقاد الحديث والتفسير، وكتب أحمد تيمور باشا عن ابن عابدين فصلا جميلا موثقا في كتابه “أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث” وكان من مزاياه البارزة في التأليف، أنه تنبئ مؤلفات ابن عابدين عن فهم عميق للفقه، ولقضاياه المشكلة، وتناولت رسائله العلمية البحث في قضايا المعاملات وما يناظر الاقتصاد وقوانينه والقانون التجاري في مصطلحاتنا المعاصرة بما تتضمنه من مسائل النقود والشركات وما إليها، كما تناولت قضايا الأحوال الشخصية، والحضانة، والنفقة، وأصول الإجراءات القضائية، ومبادئ القانون والقانون المدني وغير ذلك، كما عني بتحقيق أصول التصوف والأدعية وتحقيق مسائل التوحيد، وعلوم التفسير والأصول، وكثير من قضايا علم الكلام، وعلى صعيد ثالث فقد شملت مؤلفاته علوم النحو والصحة والحساب.
وكان من آثاره هو “رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار” ويعرف هذا الكتاب باسمه الأشهر “حاشية ابن عابدين” وأولها يا من تنزهت ذاته عن الأشباه والنظائر وغير ذلك، وبهامشه الدر المختار المذكور تأليف علاء الدين الحصكفي، وطبع الكتاب مرات كثيرة في بولاق، وبالمطبعة الميمنية التي ما زالت تتداول حتى الآن، ولهذه الحاشية تكملة مسماة ” قرة عيون الأخيار” لولده علاء الدين “الإبانة عن أخذ الأجرة عن الحضانة” دمشق و”إتحاف الذكي النبيه بجواب ما يقول الفقيه” دمشق و”إجابة الغوث ببيان حال النقب والنجباء والأبدال والأوتاد والغوث” و”أجوبة محققة عن أسئلة مفرقة” دمشق و”أعلام الإعلام بأحكام الإقرار العام” دمشق و”الأقوال الواضحة الجلية في مسألة نقض القسمة ومسألة الدرجة الجعلية” دمشق و”بغية الناسك في أدعية المناسك”
و”تحبير التحرير في إبطال القضاء بالفسخ بالغبن الفاحش بلا تقرير” دمشق، و”تحرير العبارة فيمن هو أولى بالإجارة” دمشق، و”تحرير النقول في نفقة الفروع والأصول” و”تنبيه ذوي الأفهام على أحكام التبليغ خلف الإمام” و”تنبيه ذوي الألهام على بطلان الحكم بنقض الدعوى بعد الإبراء العام” و”تنبيه الغافل الوسنان على أحكام هلال رمضان” و”تنبيه الوقود على مسائل النقود” من رخص وغلاء وكساد وانقطاع و”تنبيه الولاة والحكام على أحكام شاتم خير الأنام أو أحد أصحابه الكرام” وطبعت رسائل ابن عابدين في مجموعة تشتمل على أثنين وثلاثين رسالة في الآستانة برعاية محمد هاشم الكتبي، كما طبعت الرسائل منفردة في دمشق، وتوفي الإمام إبن عابدين في الواحد والعشرين من شهر ربيع الثاني سنة ألف ومائتان واثنين وخمسين هجرية، الموافق ألف وثماني مائة وست وثلاثين، وأقيمت الصلاة عليه في جامع سنان باشا ودفن في مقبرة الباب الصغير.
التعليقات