** للصديق مواقف كثيرة يشهدها الإسلام وأهله في مواطن المحن و الأزمات :
** الله عز وجل يبتلي المؤمنين ، وأحياناً بعض الشدائد لا يصمد لها إلا من كان في القمة ، فالدعوة الإسلامية مرت بمحن وأزمات لم يصمد لها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الصديق وحده ، ففي الحديبية رأى سيدنا عمر في هذا الاتفاق ، وهذا الصلح مهانة للمسلمين بعد أن ذهب المشركون ، ومعهم هديهم معلنين أنهم لايبتغون حرباً ، وافق النبي مع سهيل بن عمرو أن يرجع هذا العام عند عزمه دخول مكة معتمرا ، ووافق النبي على أن الذي يأتيهم من قريش مسلماً يجب أن يرد إليهم ، أما الذي يرتد من المسلمين ينبغي ألا يعود إليهم ، إذًا: فهو اتفاق مهين في نظرِ سيدنا عمر، فذهب إليه ، و قال:
يا رسول الله، يا نبي الله، ألستَ نبي الله حقاً؟ قال: بلى يا عمر، قال: فلِمَ نعطي الدنية في ديننا؟ فقال عليه الصلاة و السلام: يا عمر إني رسول الله ، و لست أعصيه، وهو ناصري ،، أي الذي فعلته ليس من اجتهادي ، بل هو تنفيذ لأمر الله ، قال عمر: أو لمْ تَعِدْنا يا رسول الله بأننا سنأتي البيت، ونطوف به ،، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أو قلت لكم هذا العام يا عمر؟ أقلت لكم هذا العام تحديداً؟ قال عمر: لا ،، قال النبي عليه الصلاة والسلام : فإنك آتيه ومطوِّف به ،، لكن سيدنا عمر لا يزال يغلي ،، اتفاق مهين، نحن أعزة و مسلمون ،، والنبي عليه الصلاة والسلام نبي مرسل، فلماذا هذا الاتفاق المهين؟.. فذهب إلى سيدنا الصديق, وألقى عليه الأسئلة نفسها، قال : فأخذ أبو بكر بيدي ،، و جذبها في قوة ، وقال لي: أيها الرجل إنه رسول الله عليه الصلاة والسلام ، ولن يعصيه، وإن الله ناصره، فاستمسك بغرزه، فو الله إنه على حق، فأنزل الله السكينة على قلبي، و علمت أنه الحق .. وهو حديث صحيح ..
** عملاق الإسلام عمر عندما يتزلزل كان ملاذه الصديق ،، إذاً: هناك امتحانات صعبة ، كبار الصحابة اهتزوا لها ، لكن الصديق بقي ثابتا, و هناك امتحان صعب آخر هزّ سيدنا الصديق ،، لكن النبي بقي ثابتاً، أين هذا؟ في الغار ، فالنبي قمة المجتمع الإسلامي ،، قال له أبو بكر : لو نظر أحدهم إلى موطئ قدمه لرآنا ،، قال: يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا ،، ثقة النبي بنصر الله شيء لا يصدق ، وهو على وشك أن يقضي عليه الكفار كما في ظاهر الأمر ،، وهناك شيء أدق من ذلك ، عندما كان في الهجرة، ولحقه سراقة، والنبي مهدور الدم وملاحق، ومع ذلك يقول له: يا سراقة كيف بك إذا لبست سواريْ كسرى؟ أي إنّ النبي سيصل إلى المدينة سالما ً، و سينشئ دولة ، وسيحارب الفرس ، وسينتصر عليهم ، وسيأتي بغنائم كسرى ، وسوف يلبسها سراقة ، وهذه ثقة النبي بنصر الله عز وجل ..
** موقفه أيضاً الخطير والأعظم يوم وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ،، هذا الموقف الذي لا ينسى ، والذي عصم الله به المسلمين من الشتات يوم توفي النبي عليه الصلاة و السلام ، أعتقد أنه ما من أحد على وجه الأرض يحب النبي عليه الصلاة و السلام كما يحبه الصديق , و مع ذلك فإنّ هذا الخبر ، خبر موت النبي عليه الصلاة و السلام لم يحتمله أحد من أصحاب رسول الله ، فسيدنا عمر كذبه، وسيدنا الصديق كان في بعض شأنه في طرف المدينة يوم توفي النبي عليه الصلاة والسلام ،، سيدنا عمر حينما علِم بنبأ الوفاة, قال كلاماً اختل توازنه : إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله مات، وإنه والله ما مات ، ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران ، والله ليرجعنَّ رسول الله فليقطعنّ أيدي رجال زعموا أنه مات ، ألا لا أسمع أحداً يقول: إنه مات إلا فلقت هامته بسيفي هذا ، هذا موقف سيدنا عمر ،، شيء غير معقول، أيموت رسول الله؟ ..
** أما سيدنا الصديق وهو في طريق العودة إلى مسجد النبي عليه الصلاة والسلام سمع النبأ في الطريق ، فقال: لا حول و لا قوة إلا بالله ، ولم يكلم الناس ، ودخل على النبي عليه الصلاة و السلام, وهو مسجى في ناحية البيت عليه بردة حبرة، فكشف عن وجهه ، ثم قَبَّله، وقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله, طبتَ حياً وميتاً، إن الموتة التي كتبها الله عليك قد متها ..
* ثم خرج وعمر يكلم الناس ، فدعاه للسكوت فأبى أن يسكت ، وتابع عمرُ كلامه ، فقال الصدِّيق: أيها الناس ، فلما رأى الناس الصدِّيق يتكلم أنصتوا ، وأقبل على الناس يكلمهم ، فحمد الله ، وأثنى عليه ،، فأنْ تحب إنساناً إلى درجة تفوق حدَّ الخيال، وتوحد الله إلى درجة تفوق حد الخيال ،، الجمع بين التوحيد و بين الحب ، ليس أمرًا سهلا ً، فأكثر الناس إذا أحب يشرك ، وإذا وقع في الحب , وقع في الشرك , و إذا وقع في التوحيد , وقع في الجفوة ، وأحياناً شخص عادي، داعية يزداد الحبّ له لدرجة أن أتباعه ينسون الله عز وجل من أجله ، وقعوا في الشرك و هم لا يشعرون ، و إذا تعلم الشخصُ التوحيد بشكل فيه جفاء ، تجده فظًّا غليظًا ، وكلاهما غلط ،، لكن سيدنا الصديق وهو في أعلى درجات الحب ما غابت عنه حقائق التوحيد ،، قال أيها الناس: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، فهو واقعي وعاقل ومتماسك القلب والنفس ، ومَن كان يعبد اللهَ فإن الله حي لا يموت ، والأصل هو الله ، الله حي لا يموت ،، ثم تلا هذه الآية: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ ..
* قال: فو الله لكأن الناس يسمعون هذه الآية أول مرة في حياتهم، أما عمر فقد وقع على الأرض حين علم أن كلمات أبي بكر تؤكد أنه قد مات ..
* هذا الموقف الذي لا يُنسى لأبي بكر ، وهو يجمع قمة التوحيد مع قمة الوفاء ، فلذلك يجب أن توحدوا ، وأن تكونوا أوفياء في الوقت نفسه ، وإذا حملكم التوحيد على الجفوة , فليس هذا هو التوحيد الذي أراده الله ، و إذا حملتكم المحبة و الوفاء على الشرك , فليست هذه المحبة التي أرادها الله عز وجل ، اجعلوا من هذا الصحابي الجليل الصديق العظيم قدوة، كان في أعلى درجات الحب و الوفاء للنبي ، وفي أعلى درجات التوحيد، فما عبده من دون الله ، ولا أشركه مع الله ، لكنه أحبه حباً ما أحبه أحد من العالمين ، لا تنس أن الله هو كل شيء ..
** قال الصديق للسيدة عائشة : قومي إلى رسول الله ، بعد التبرئة من الإفك, فقالت: والله لا أقوم إلا لله ، فتبسَّم النبي ، وقال: عرفت الحق لأهله ،، لم ينزعج إطلاقاً ،، فيجب أن تجمع بين الوفاء و التوحيد , و ألاّ يحملك الوفاء على الشرك, و ألا يحملك التوحيد على إنكار الجميل ..
![](https://alfaraena.com/wp-content/uploads/2016/06/يحيى-الفخراني.jpg)
التعليقات