ونكمل الجزء السابع عشر مع ترجمان القرآن، وكان ابن عباس مقدما عند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، في زمن خلافته، وكان عمر بن الخطاب، يحرص على مشورته في كل أمر، ويأذن له بالدخول عليه مع أهل بدر، حتى أن بعضهم تعجب من صنيع عمر، ولما رأى العباس قرب ابنه من الخليفة عمر بن الخطاب، أوصاه وصية قال فيها ” إن عمر يدنيك ويجلسك مع أكابر الصحابة فاحفظ عني ثلاثا: لا تفشين له سرا، ولا تغتابن عنده أحدا، ولا يجربن عليك كذبا” وقد قال الشعبي لابن عباس ” كل واحدة خير من ألف” فقال ابن عباس ” بل كل واحدة خير من عشرة آلاف” ولم يزل ابن عباس ملازما لعمر حتى مقتله، فبعدما طعن دخل عليه وأخذ يواسيه.
ويقول له ” يا أمير المؤمنين ولئن كان ذاك لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض، ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض، ثم صحبت صحبتهم فأحسنت صحبتهم، ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك رضوان ” فقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه، ” أما ذكرت من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضاه فإنما ذاك من الله تعالى، مَنَّ بِه على وأما من صحبة أبا بكر ورضاه فإنما ذاك َمن من الله جل ذكره، مَن به على، وأما ما ترى من جزعى فهو من أجلك ومن أجل أصحابك والله لو أن لى طلاع الأرض ذهبا لأفتديت من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه ” وكان بعد وفاة عمر بن الخطاب.
شهد ابن عباس فتح إفريقية مع عبد الله بن سعد بن أبي السرح، حيث نادى المنادى بالجهاد في إفريقية، ولبَّى ابن عباس النداء، وقام عثمان فيهم خطيبا وحثَهم على الجهاد، ووزع عليهم السلاح، كما أمدَّهم بِألف بعير يحمل عليها ضعفاء الناس أي فقراؤهم، فخرج المسلمون في جيش عظيم، وكان يقوده الحارث بن الحكم بن أبي العاص، إلى أن يقدموا على ابن أبي السرح بمصر فكانت القيادة له وقد غزا ابن عباس طبرستان تحت قيادة سعيد بن العاص، فلما وصلوا إليها فتحوها، وذكر المدائني ” أن سعيد بن العاص ركب في جيش فيه الحسن والحسين، والعبادلة الأربعة، وحذيفة بن اليمان، في خلق من الصحابة، فسار بهم فمر على بلدان شتى يصالحونه على أموال جزيلة.
حتى انتهى إلى بلد معاملة جرجان، فقاتلوه حتى احتاجوا إلى صلاة الخوف ” وكما تولى ابن عباس إمامة الحج بأمر عثمان بن عفان له وهو محصور، وقد حجّ بالناس وفيهم السيده عائشة بنت أبي بكر وأم سلمة، وكانت عائشة تقول “هو أعلم الناس بالمناسك ” وخطب بالناس في عرفات وفسّر فيها سورة البقرة، وقيل سورة النور، وقد قيل ” فسّر ذلك تفسيرا لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا” وفي هذه الحجة قد قتل عثمان بن عفان، وقد شهد ابن عباس مع علي الجمل وصفين، وكان أميرا على الميسرة، وكان ممن أشار على علي أن يستنيب معاوية على الشام، وأن لا يعزله عنها في بادئ الأمر، حتى قال له “إن أحببت عزله فوله شهرا واعزله دهرا”
فأبى الإمام علي بن أبى طالب، إلا أن يقاتله، ولما تراض الفريقان على تحكيم الحكمين طلب ابن عباس أن يكون من جهة علي ليكافئ عمرو بن العاص، فامتنعت مذحج وأهل اليمن إلا أن يكون من جهة علي أبو موسى الأشعري، ثم شهد مع الإمام علي قتال الخوارج في النهروان، وقد كان ابن عباس ينتقد على علي في بعض أحكامه فيرجع إليه علي في ذلك، روى البخاري في صحيحه، “أن عليا حرق ناسا ارتدوا عن الإسلام، فبلغ ذلك ابن عباس فقال ” لو كنت أنا لم أحرقهم لأن النبى صلى الله عليه وسلم، قال ” لا تعذبوا بعذاب الله “ولقتلتهم كمال قال النبى صلى الله عليه وسلم، ” من بدل دينه فأقتلوه ” وقد أرسله الإمام علي إلى ستة آلاف من الحرورية فحاورهم ابن عباس.
التعليقات