كتب :- محمد زكي
تعتبر العدالة الاجتماعية ركيزة للنظام السياسي في أي مجتمع ومعياراً رئيسياً لقياس أداء مؤسسات الحكم بمختلف مستوياتها الإدارية. في النظم التي تنشد العدالة الاجتماعية والمساواة يتم تسخير البرامج والخطط لإشاعة الاستقرار الاجتماعي وتعميق السلم الأهلي وتجذيره داخل المجتمع بما يعطي دفعة كبيرة لعملية التنمية الإنسانية التي تعتبر الإنسان وسيلة وهدفاً في آن واحد.
وترتكز بناء الحضارة في أي دوله في العالم على بناء أسس وقواعد القانون والعدالة وقد مثل وضع نظام قانوني في سلطنة عُمان وجها من الوجوه الحضارية المميزة لمسيرة البناء والتنمية الحديثة على مدار ستة وأربعين عاماً، في إطار سعيها الدائم والحثيث من أجل ترسيخ مبادئ الحق والعدالة وسيادة القانون في ظل منظومة القيم الإسلامية العريقة من ناحية والتراث والتـقاليد العمانية الأصيلة والتي تعبر عن خصوصية المجتمع العماني من ناحية ثانية، وعلى نحو يتواكب مع حركة التطور الاجتماعي والاقتصادي الضخمة التي تشهدها البلاد في مختلف المجالات.
وقد حقق النظام القانوني في سلطنة خطوات كبيرة خلال المرحلة الأولى للتنمية الوطنية وهو ما اضطلع به ديوان التشريع خلال الفترة من 1975 حتى عام 1994، و جاء النظام الأساسي للدولة في 6 نوفمبر 1996 كتطور بالغ الأهمية في جانبه التشريعي باعتباره نظام مدون ينظم في إطار قانوني العلاقة بين المواطنين وحكومتهم على أساس المبادئ والتـقاليد العمانية والإسلامية الراسخة.
إذ وضع النظام الأساسي للدولة وعلى نحو دقيق وواضح ومتكامل المبادئ والأسس والقواعد المنظمة لحركة المجتمع والموجهة لسياسة الدولة والمحددة للحقوق والواجبات والاختصاصات العامة للهيئات والأفراد والسلطات والمجالس المختلفة والتي تعمل بمقـتضاها.
ويرتكز النظام القانوني في سلطنة عُمان على المراسيم التي يصدرها السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان وهي مراسيم لها قوة القانون. كما إنه لا يجوز لأية جهة في الدولة إصدار أنظمة أو لوائح أو قرارات أو تعليمات تخالف أحكام القوانين والمراسيم النافذة والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي هي جزء من قانون البلاد وذلك وفقا لما نصت عليه المادة رقم 80 من النظام الأساسي لدولة.
وقد بذر السلطان قابوس أسس العدالة الاجتماعية منذ اللحظة الأولى، وتمثل ذلك في الخطاب الأول له عام 1973 حين قال” إن الجميع في هذا الوطن سواسية لا فرق بين صغير وكبير وغني وفقير. فالمساواة تفرض أن يكون الكل أخوة في ظل العدالة الاجتماعية الإسلامية والميزة والتفاضل بقدر الإخلاص والكفاءة في العمل المثمر البناء”
وقد تجسدت هذه العدالة في منظومة القيم الاجتماعية العُمانية وتعددت صورها في شتى المجالات الحياتية، الصحة والتعليم وغيرها ، فالتعليم مثلا هو احد تلك الملامح التي وجهت لكافة أفراد المجتمع ذكورا وأناثا من شمال عمان إلى أقاصي جنوبها ولم تقتصر على فئة أو شريحة معينة.
وتجسد ذلك في خطاب السلطان قابوس الذي القاه في 18/11/1972، والذي قال فيه “أيها المواطنون ، لقد كان التعليم أهم ما يشغل بالي وأنا أراقب تدهور الأمور من داخل بيتي الصغير في صلالة ورأيت أنه لا بد من توجيه الجهود في الدرجة الأولى إلى نشر التعليم.
وبذلك حدد النظام الأساسي المبادئ الثقافية في كون التعليم ركنا أساسيا لتقدم المجتمع ترعاه الدولة وتسعى لنشره وتعميمه. بهدف رفع المستوى الثقافي العام وتطويره وتنمية التفكير العلمي وإذكاء روح البحث وتلبية متطلبات الخطط الاقتصادية والاجتماعية.
فالمتتبع لأبواب النظام الأساسي للدولة، يجد أنه حوى الكثير من الأبعاد التي تنطوي عليها سياسات العدالة والمساواة فقد أكدت قوانينه ومصطلحاته على سيادة مبادئ السلم وفرص الحرية وفق منظومة متكاملة من الحقوق والواجبات
وعند تحليل الأبواب الخاصة بالاقتصاد العماني مثلا نجد أن الاقتصاد الوطني أساسه العدالة ومبادئ الاقتصاد الحر. وقوامه التعاون البناء المثمر بين النشاط العام والنشاط الخاص ، وهدفه تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بما يؤدي إلى زيادة الإنتاج ورفع مستوى المعيشة للمواطنين وفقا للخطة العامة للدولة وفي حدود القانون والصالح العام وبما يضمن السلامة للاقتصاد الوطني.
وبالنظر إلى أسس السياسات الاجتماعية التي عرجت في المادة الثانية عشر من النظام الأساسي للدولة فقد نصت على أن الدولة تكفل للمواطن وأسرته المعونة في حالة الطوارئ والمرض والعجز والشيخوخة وفقا لنظام الضمان الاجتماعي ، وتعمل على تضمان والتكافل المجتمع في تحمل الأعباء الناجمة عن الكوارث والمحن العامة.
وبذلك يمكن القول أن سلطنة عُمان وضعت في المقام الأول الخطوط العريضة لأن يعيش أفراد المجتمع العماني حياة هانئة كريمة في ظل السلام والوئام والتسامح مقرونة بتوزيع عادل للموارد وحفظ تام للحقوق وتبيان واضح للواجبات.
التعليقات