يمكن القول أن العمليات الزراعية حلقات متصلة تكمل بعضها البعض، وأن أي خلل يحدثفي واحدة منها ينسحب بالتأكيد إلى العمليات الأخرى، سواء ما سبقها أو ما لحقها منجهود، ابتداء من أعداد الأرض وتهيئتها مروراً بالبذار والحصاد والتسويق والخزن، وأنهذه الجهود التي اختصرناها بسطر من الكلمات تحتاج إلى أيام وشهور من التعب المتواصل تحت مختلف الظروف التي تكتنفها الكثير من المعاناة والمصاعب، وبذلك لا يعقل أن تذهبسدى ثمار عرق وجهود كبيرة بذلت في الحراثة والبذور والسقي والحصاد من خلال تأخرتسويق المحصول وتركه في العراء عرضة للأتربة والأمطار أو إيداعه في مخازن غير صالحةتكثر فيها الحشرات والفئران.
مثل التسويق والخزن المراحل النهائية في جهود انتاج المحاصيل الزراعية، ومنالأهمية بمكان التأكيد على أن تعرض الإنتاج في هذه المرحلة إلى التلف بشكل خسارةوضياع كل الجهود التي بذلت خلال موسم زراعي كامل، ومن الآفات التي تتغذى وتتلفالحبوب، القوارض وبالتحديد الفئران والجرذان التي تتواجد في كافة المناطق الزراعيةوالسكانية، حيث يستهلك الفرد الواحد منها 10 كغم من الحبوب سنوياً، إلا أن ما يتلفه يقدر بعشرة أضعاف ما يستهلكه، أضف إلى ذلك تكاثرها السريع، حيث تلد الفئران حمس مرات في السنة بمعدل تسع لكل ولادة.
ومن صفاتها أنها نشيطة جنسياً حيث تبلغ وتتكاثر بعد شهرين من ولادتها ويقدرالخبراء أن ما يولد خلال عام واحد من أنثى وذكر واحد يبلغ من 500 إلى 600 فرد، كلذلك يؤثر على حجم الأعداد الهائلة التي تبلغها القوارض أن تركت دون مكافحة.
وإن مدى ما تسببه منأضرار اقتصادية وصحية يمكن تحديده من خلال ما تستهلكه أوتتلفه من الحبوب المزروعة والمخزونة، إضافة إلى قيامها بإتلاف مجاري المياهوالأسلاك الكهربائية، وكذلك ما تسببه من أضرار اقتصادية في الأغذية، الملابس، الكتبوغيرها، كل ذلك مضافاً إليه دورها في نقل بعض الأمراض الخطيرة كالطاعون .
ولعل في مقدمة أسباب انتشار الفئران وعدم القضاء عليها نهائياً رغم استمرارحملات مكافحتها، قابليتها المعروفة في التكيف للظروف الطبيعية التي تعيشهاولحساسيتها لكل خطر يواجهها، فهي تختفي عند أول إشارة تداهمها، ومن الأسباب الأخرىأيضاً طريقة بناء وحفر أوكارها التي غالباً ما تكون قريبة من مصادر المياه والغذاء،ولها عدة فتحات تتمكن من خلالها التحرك بحرية دون خوف ولا يمكن أن ننسى صفاتهاالأخرى مثل الركض السريع والتسلق .
لكن على الرغم من حذرها الشديد واختفائها أثناء النهار إلا أنها كثيراً ما تشاهدمسرعه داخل البيوت أو المخازن أو يستدل عليها من خلال ما تتركه من آثار عند أتلافهاأكياس الأغذية والأخشاب أو ما تتركه من براز فضلات أو آثار لإقدامها على الأرض .
ومع أن القوارض لها قابلية عالية على المعيشة في ظروف مختلفة وتفضل التفتيش عنطعامها في الظلام، إلا أننا نجد عدة طرق يمكن من خلالها منع الإصابة بها، إذا ماعلمنا أن وجودها لا يكون إلا حيث يوجد الغذاء والماء ومحل الاختفاء، ولدى دراسة هذهالعوامل الأساسية نجد أن هناك صعوبة كبيرة للوقاية من القوارض في الأراضي الزراعيةالواسعة والمخازن الكبيرة لعدم السيطرة عليها، إلا أنه في المخازن الحديثة والبيوتتكون الوقاية فيها أقل صعوبة، من خلال إزالة المواد القديمة التي لا يستفاد منهاوكذلك الأدوات التالفة والأوراق المكدسة وتنظيم الأثاث والكتب في صناديق بصورةصحية، والاهتمام بنظافة المخازن والبيوت، وهذه الأمور مجتمعه تؤدي إلى عدم أعطاءمجال للفئران لكي تختفي وتتكاثر في مثل هذه المحلات، كما أن إزالة فضلات الأطعمةوالاهتمام بحفظ الأطعمة في أماكن نظيفة تؤدي إلى ابتعاد القوارض عنها.
وإن القائمين على حماية الحبوب والمواد الغذائية يؤكدون على أهمية استعمالالمصائد التي تعتبر فعالة إلى درجة كبيرة، خاصة عندما تكون القوارض بأعداد معقولة،أما في حالات زيادة العدد فإن استعمال هذه المصائد لا يقضي عليها بصورة نهائية لأنتكاثرها بالأعداد التي أشرنا إليها لا يتناسب وحجم ما تسقطه هذه المصائد.
وفي هذه الحالة ينبغي أن نلجأ إلى استخدام السموم والمبيدات التي ترش بالقرب منأوكار الفئران أو في الممرات والمسالك التي تكثر فيها، وهنا ينبغي التأكيد على أنهذه المبيدات والسموم ضارة جداً للإنسان والحيوان ويجب أن يتم رشها من قبل المعينينفي مكافحة القوارض والحشرات وأن تكون بعيدة عن أماكن تواجد الغذاء ومصادرالمياه.
نعاود القول أن مهاجمة القوارض للحبوب كبيرة في الاقتصاد ومن الواجب مكافحتهاوالقضاء عليها، حيث تؤكد منظمة الغذاء والزراعة الدولية في تقاريرها الدورية على أننسبة الخسائر الناجمة عن آفات المخازن تقدر بـ 15% من الإنتاج العالمي للحبوب.وبالتأكيد أن الإنسان لا يمكن أن يأكل بقايا الحشرات والفئران ولا يسمح لهابالعيش معه!
جمع واعداد
د/ عبد العليم سعد سليمان دسوقي
مدرس علم الحيوان الزراعي
قسم وقاية النبات
كلية الزراعة – جامعة سوهاج- مصر
التعليقات