ونكمل الجزء السادس مع خامس الخلفاء الراشدين، وقد توقفنا عندما عقد الخليفة الوليد لواء الحج للحجاج بن يوسف الثقفي ليكون أميرا على الحج، ولما علم عمر بن عبد العزيز بذلك، كتب إلى الخليفة يستعفيه أن يمر عليه الحجاج بالمدينة المنورة، لأن عمر بن عبد العزيز كان يكره الحجاج ولا يطيق أن يراه لما هو عليه من الظلم، فامتثل الوليد لرغبة عمر، وكتب إلى الحجاج إن عمر بن عبد العزيز كتب إليَّ يستعفيني من ممرك عليه، فلا عليك أن لا تمر بمن كرهك، فتنح عن المدينة، وقد كتب عمر بن عبد العزيز وهو والى على المدينة إلى الوليد بن عبد الملك يخبره عما وصل إليه حال العراق من الظلم والضيم والضيق بسبب ظلم الحجاج وغشمه.
مما جعل الحجاج يحاول الانتقام من عمر، لاسيما وقد أصبح الحجاز ملاذا للفارين من عسف الحجاج وظلمه، حيث كتب الحجاج إلى الوليد إن من قبلي من مُرّاق أهل العراق وأهل الثقاف قد جلوا عن العراق، ولجأوا إلى المدينة ومكة، وإن ذلك وهن، فكتب إليه يشير عليه بعثمان بن حبان، وخالد بن عبد الله القسرى، وعزل عمر عبد العزيز، وقد كان ميول الوليد لسياسة الحجاج واضحا، وكان يظن بأن سياسة الشدة والعسف هي السبيل الوحيد لتوطيد أركان الدولة، وهذا ما حال بينه وبين الأخذ بآراء عمر بن عبد العزيز ونصائحه، وقد أثبتت الأحداث فيما بعد أن ما كان يراه عمر بن عبد العزيز أفضل مما كان يسير عليه الوليد، وذلك بعد تولي عمر الخلافة.
وتطبيقه لما كان يشير به، وقد خرج عمر بن عبد العزيز من المدينة المنورة وهو يبكي، ومعه خادمه مزاحم، فالتفت إلى مزاحم وقال يا مزاحم، نخشى أن نكون من نفت المدينة، وهو يشير بذلك إلى قول النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ” ألا إن المدينة كالكير تخرج الخبيث، لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد ” وسار عمر بن عبد العزيز حتى وصل السويداء، وكان له فيها بيت ومزرعة، فنزل فيها فأقام مدة يرقب الأوضاع عن بعد، والسويداء هى الآن مدينة في الجمهورية العربية السورية وهي مركز محافظة السويداء، وتقع على بعد مائة كيلو متر جنوب مدينة دمشق، وتتربع فوق قمم سلسلة جبلية بركانية خامدة.
يطلق عليها جبل العرب، ويتميز الجبل بجمال الطبيعة والمناخ المعتدل البارد صيفا والبارد جدا في الشتاء وتتساقط الثلوج على أغلب المرتفعات الجبلية، وترتبط المحافظة بشبكة من الطرق الرئيسية التي تصل المدن الرئيسية بالقرى والبلدات، ويُشار إلى المدينة من قبل البعض بإسم فنزويلا الصغيرة، وكان ذلك بسبب التدفق إلى المدينة من المهاجرين الفنزويليين من أصول سورية من الأثرياء، وسكان المدينة هم بشكل رئيسي من الموحدون الدروز إلى جانب أقلية كبيرة من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية حاليا، وكان بعد ذلك لعمر بن عبد العزيز، ثم رأى أن مصلحة المسلمين تقتضي أن تكون إقامته في دمشق بجوار الخليفة.
لعله بذلك يستطيع أن يمنع ظلماً أو يشارك في إحقاق حق، فانتقل إلى دمشق فأقام بها، ولم يكن عمر بن عبد العزيز على وفاق تام مع الخليفة الوليد بن عبد الملك، ولذلك فإن إقامته في دمشق بجوار الوليد لم تخل من مشاكل، فالوليد يعتمد في تثبيت حكمه على ولاة أقوياء قساة، يهمهم إخضاع الناس بالقوة وإن رافق ذلك كثير من الظلم، وبينما يرى عمر أن إقامة العدل بين الناس كفيل باستقرار الملك وائتمارهم بأمر السلطان، فكان يقول الوليد بالشام، والحجاج بالعراق، ومحمد بن يوسف وهو أخو الحجاج، في اليمن، وعثمان بن حيان بالحجاز، وقرة بن شريك في مصر، امتلأت والله الأرض جورا، وفي عهد سليمان بن عبد الملك.
التعليقات