ونكمل الجزء السابع مع خامس الخلفاء الراشدين، وقد توقفنا عند، وفي عهد سليمان بن عبد الملك، فقد تهيأت الفرص لعمر بن عبد العزيز بقدر كبير، فظهرت آثاره في مختلف الجوانب، فبمجرد تولي سليمان الخلافة فقد قرّب عمر وأفسح له المجال واسعاً، حيث قال يا أبا حفص، إنا ولينا ما قد ترى ولم يكن بتدبيره علم، فما رأيت من مصلحة العامة فمر به، وجعله وزيرا ومستشارا ملازما له في إقامته وسفره، وكان سليمان يرى أنه محتاج له في صغيره وكبيره،
فكان يقول ما هو إلا أن يغيب عني هذا الرجل فما أجد أحدا يفقه عني، وقال في موضع آخر يا أبا حفص، ما اغتممت بأمر ولا أكربني أمر إلا خطرت فيه على بالى.
وقد كان لعمر بن عبد العزيز أثر كبير على سليمان في إصدار عدد من القرارات النافعة، ومن أهمها عزل ولاة الحجاج وبعض الولاة الآخرين، كوالي مكة خالد القسري البجلي، ووالي المدينة عثمان بن حيان، والأمر بإقامة الصلاة في وقتها، فقد أورد ابن عساكر عن سعيد بن عبد العزيز أن الوليد بن عبد الملك كان يؤخر الظهر والعصر، فلما ولي سليمان كتب إلى الناس عن رأي عمر إن الصلاة كانت قد أميتت فأحيوها، وهناك أمور أخرى أجملها الذهبي بقوله مع أمور جليلة كان يسمع من عمر فيها، وقدم سليمان بن عبد الملك المدينة فأعطى بها مالا عظيما، فقال لعمر بن عبد العزيز كيف رأيت ما فعلنا يا أبا حفص؟ قال رأيتك زدت أهل الغنى غنى.
وتركت أهل الفقر بفقرهم، وخرج سليمان ومعه عمر إلى البوادي، فأصابه سحاب فيه برق وصواعق، ففزع منه سليمان ومن معه، فقال عمر إنما هذا صوت نعمة، فكيف لو سمعت صوت عذاب؟ فقال سليمان خذ هذه المائة ألف درهم وتصدق بها، فقال عمر أوخير من ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال وما هو؟ قال قوم صحبوك في مظالم لم يصلوا إليك، فجلس سليمان فردّ المظالم، وأقبل سليمان بن عبد الملك ومعه عمر على معسكر سليمان، وفيه الخيول والجمال والبغال والأثقال والرجال، فقال سليمان ما تقول يا عمر في هذا؟ قال أرى دنيا يأكل بعضها بعضا، وأنت المسؤول عن ذلك كله، فلما اقتربوا من المعسكر إذا غراب قد أخذ لقمة في فيه من فسطاط سليمان.
وهو طائر بها ونعب نعبة، فقال له سليمان ما تقول في هذا يا عمر؟ فقال لا أدري، فقال ما ظنك أنه يقول؟ قال كأنه يقول من أين جاءت؟ وأين يذهب بها؟ فقال له سليمان ما أعجبك، فقال عمر أعجب مني من عرف الله فعصاه، ومن عرف الشيطان فأطاعه، ولما وقف سليمان وعمر بعرفة، جعل سليمان يعجب من كثرة الناس، فقال له عمر هؤلاء رعيّتك اليوم، وأنت مسؤول عنهم غدا، وفي رواية قال وهم خصماؤك يوم القيامة، فبكى سليمان وقال بالله أستعين، وظل عمر بن عبد العزيز قريبا من سليمان طيلة مدة خلافته، يحوطه بنصحه ويشاركه مسؤولياته، وقد اقترح الفقيه رجاء بن حيوة الكندي على الخليفة سليمان بن عبد الملك في مرض موته أن يولي عمر بن عبد العزيز.
وقد قال ابن سيرين يرحم الله سليمان، افتتح خلافته بإحياء الصلاة، واختتمها باستخلافه عمر بن عبد العزيز، وكانت سنة وفاته سنة تسعه وتسعين من الهجره، وصلى عليه عمر بن عبد العزيز، وكان منقوش في خاتمه أؤمن بالله مخلصا، وقد تعددت الروايات في قصة استخلاف سليمان لعمر، ومنها ما ذكره ابن سعد في طبقاته عن سهيل بن أبي سهيل قال سمعت رجاء بن حيوة يقول لما كان يوم الجمعة لبس سليمان بن عبد الملك ثيابا خضرا من خز، ونظر في المرآة فقال أنا والله الملك الشاب، فخرج إلى الصلاة يصلي بالناس الجمعة فلم يرجع حتى وعك، فلما ثقل كتب كتاب عهده إلى ابنه أيوب، وهو غلام لم يبلغ، فقلت ما تصنع يا أمير المؤمنين؟
التعليقات