الإثنين - الموافق 23 ديسمبر 2024م

فى طريق الهدايه ومع داهية العرب ” الجزء تسعة وعشرون ” إعداد / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء تسعة وعشرون عشر مع داهية العرب، وقد توقفنا عندما روى ابن عساكر أنه لما صار الأمر كله في يدي معاوية استكثر طعمة مصر لعمرو ما عاش، ورأى عمرو أن الأمر كله قد صلح به وبتدبيره وبعنايته وسعيه فيه، وظن أن معاوية سيزيده الشام على مصر فلم يفعل معاوية، فتنكر له عمرو بن العاص فاختلفا، وتدخل بعض المسلمين في الأمر وأصلحوا بينهما، واتفقا على أن تكون لعمرو بن العاص ولاية مصر سبع سنين، وأن على عمرو السمع والطاعة لمعاوية، وتواثقا وتعاهدا على ذلك، وأشهدا عليهما به شهودا، ثم مضى عمرو إلى مصر واليا عليها، وذلك في أواخر سنة تسع وثلاثين من الهجرة، فلم يمكث غير ثلاث سنوات تقريبا حتى مات وهو أمير عليها، واجتمع ثلاثة من الخوارج وأجمعوا أمرهم.
على قتل الإمام علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص جميعا في يوم واحد وهو يوم السابع عشر من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، فأما عبد الرحمن بن ملجم فنجح في طعن الإمام على بن أبى طالب في صلاة الفجر بمسجد الكوفة، بسيف مسموم على رأسه، بينما لم ينجح الحجاج التميمي الذي ذهب لاغتيال معاوية، أما الذي ذهب لقتل عمرو، فكان اسمه عمرو بن بكر التميمي، فانتظر في تلك الليلة أن يخرج عمرو من داره ليقتله، لكنه لم يخرج لمرض ألم به، وندب خارجة بن حذافة أن يصلي بالناس، وبينما خارجة في الصلاة فضربه الرجل بالسيف فقتله ظنا منه أنه عمرو بن العاص، فلما علم أنه ليس بعمرو قال ” أردت عمرا وأراد الله خارجة ” ولما وقف الرجل بين يدي عمرو بكى فقيل له أجزعا من الموت مع هذا الإقدام.
فقال لا والله ولكن غما أن يفوز صاحبي بقتل علي ومعاوية، ولا أفوز أنا بقتل عمرو، فأمر عمرو بضرب عنقه فضرب وصُلب، وقد توفي عمرو بن العاص ليلة عيد الفطر الأول من شهر شوال سنة ثلاثه وأربعين للهجرة في مصر وله من العمر ثمانية وثمانون سنة، وقد اختلفوا في سنه عند وفاته، فقال يحيى بن بكير، عاش نحو تسعين سنة، وقال العجلي، عاش تسعا وتسعين سنة، أما الواقدي فقال أنه مات وهو ابن سبعين سنة، ودفن قرب المقطم، ونقل الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء عن وفاته فقال لما احتضر عمرو بن العاص قال “كيلوا مالي” فكالوه فوجدوه اثنين وخمسين مدا، فقال “من يأخذه بما فيه يا ليته كان بعرا، ثم أمر الحرس فأحاطوا بقصره فقال بنوه، ما هذا؟ فقال “ما ترون هذا يغني عني شيئا” وجاء في صحيح مسلم، أنه بكى طويلا عند احتضاره.
فجعل ابنه يقول يا أبتاه، أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟ قال، فأقبل عمرو بوجهه فقال إن أفضل ما نعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، إني قد كنت على أطباق ثلاث، لقد رأيتني وما أحد أشد بغضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولا أحب إلي أن أكون قد استمكنت منه فقتلته فلو مُت على تلك الحال لكنت من أهل النار، فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه قال، فقبضت يدي، قال صلى الله عليه وسلم “ما لك يا عمرو؟” قال، قلت أردت أن أشترط، قال صلى الله عليه وسلم “تشترط بماذا؟” قلت أن يُغفر لي، قال صلى الله عليه وسلم “أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها.
وأن الحج يهدم ما كان قبله” وما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عينى منه، ولو مُت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة، ثم ولينا أشياء ما أدري ما حالى فيها، فإذا أنا مُت فلا تصحبني نائحة، ولا نار، فإذا دفنتموني فشنوا عليَّ التراب شنا، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويُقسم لحمها حتى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع رسل ربى” وقد ذكر أبو العباس المبرد أنه لما حضرت الوفاة عمرو بن العاص دخل عليه ابن عباس فقال ” دخلت على عمرو بن العاص وقد احتضر، فدخل عليه عبد الله بن عمرو فقال له “يا عبد الله، خذ ذلك الصندوق ” فقال لا حاجة لي فيه، قال “إنه مملوء مالا” قال لا حاجة لي به.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك