الخميس - الموافق 21 نوفمبر 2024م

كليات الطب المصرية تدفع ثمن الغش في الثانوية العامة

محمد زكى

طفت أزمات انتشار الغش في امتحانات الثانوية العامة (البكالوريا) في مصر على السطح عندما أعلنت قبل أيام نتائج الفرقة الأولى في بعض كليات الطب التي استقبلت المئات من الطلاب الذين جاء تفوقهم والالتحاق بكليات الطب نتيجة مشاركتهم في ما سمي بـ”لجان الغش الجماعي” أو لجان “أولاد الأكابر” العام الماضي.

وأعلنت كلية الطب بجامعة أسيوط (جنوب مصر) رسوب نحو ثلثي طلاب الفرقة الأولى هذا العام، وأرجعت إدارة الكلية السبب إلى انتشار حالات الغش الجماعي في لجان امتحانات البكالوريا العام الماضي، لأن ارتفاع نسبة الرسوب لم يكن معتادًا، فنتائج امتحانات الفرقة الأولى العام الماضي بلغ النجاح فيها 81 في المئة، وهي قريبة من النسب الطبيعية للنجاح في الكلية السنوات الماضية.

وتكرر الأمر في كلية الطب التابعة لجامعة جنوب الوادي في محافظة قنا بجنوب مصر أيضا، والتي يلتحق بها عادة أبناء محافظات الصعيد القريبة منها.

رسوب مدوّ
وكيلة نقابة الأطباء المصرية نجوى الشافعي: التعليم لم يعد وسيلة للعلم بقدر ما أصبح غاية لتحسين وضع الشخص اجتماعيًا وماليًا

قال نائب رئيس الجامعة لشؤون التعليم والطلاب بدوي شحات إن نسبة الرسوب في الفرقة الأولى بكلية الطب هذا العام تجاوزت 70 في المئة، وبلغت نسبة الرسوب في كلية طب الأسنان 81 في المئة.

وأكد عميد كلية الطب بجامعة جنوب الوادي علي عبدالرحمن غويل أن عدد طلاب الفرقة الأولى بكلية الطب هذا العام بلغ 512 طالبا وطالبة، وتصنف الكلية ضمن أفضل عشر كليات على مستوى مصر، وأن الامتحانات داخلها تجرى عن طريق لجنة ثلاثية تقوم بوضع الامتحانات وفق طريق منهجية لجميع الطلاب.

وأوضح في تصريحات إعلامية أن نسبة 90 في المئة من الطلاب قدموا إليها من مراكز وقرى ومدارس بعينها كانت معروفة بانتشار الغش الجماعي، وأن 77 في المئة من الطلاب لم يدخلوا امتحانات الفصل الدراسي الثاني بعد رسوبهم في الأول، ومعظم الراسبين لم يحققوا النجاح في أي مادة، مشيراً إلى أن الكلية لن تخضع لأي ضغوط لرفع النتيجة أو تحسينها بما لا يؤثر على المنظومة الصحية بوجه عام.

غش متنوع

انتشرت مظاهر عديدة للغش في مناطق بعينها مؤخرا، وباتت قبلة لطلاب البكالوريا، ما دفع وزارة التربية والتعليم هذا العام إلى حظر التحويل إلى هذه اللجان التي يتركز أغلبها في محافظات بعيدة عن القاهرة، غير أن ذلك لم يحل المشكلة، إذ شهدت امتحانات العام الجاري التي انتهت قبل أيام انتشار لجان الغش في مناطق عديدة وبدت الجهات الرسمية غير قادرة على مجابهته بعد أن تفشى بشكل كبير.

ويؤثر الفساد الذي أضحى أشبه بـ”سوس” ينخر في جسد التعليم على جودة عملية التقييم التي تحولت إلى أداة يبحث من خلالها الطلاب على وسائل مختلفة للغش بدلاً من التركيز في كيفية تحصيل الدرجات عبر السبل التعليمية السليمة.

وما يدعم ذلك أن بعض المعلمين الذين يشاركون في عملية تنظيم الامتحانات ليس لديهم الرضاء الوظيفي الكافي وأغلبهم يذهبون إلى لجان الامتحان وهم مرغمون مع تراجع قيمة حوافز المشاركة في الامتحانات التي تأثرت بتراجع قيمة الجنيه.

وقالت وكيلة نقابة الأطباء المصرية نجوى الشافعي لـ”العرب” إن أغراض التعليم اختلفت في مصر منذ منتصف القرن العشرين، ولم يعد وسيلة للعلم بقدر ما أصبح غاية لتحسين وضع الشخص اجتماعيًا وماليًا، وبدأ يتسلل إلى الأهالي قبول كافة الوسائل غير المشروعة للوصول إلى هذا الهدف، وتزامن معه انهيار في منظومة القيم وتفشّ كبير للفساد داخل المؤسسات التعليمية جعل عملية الغش مسألة طبيعية.

وأوضحت أن عوامل الانحراف تطال أيضَا المراقبين في لجان الامتحانات والمدرسين، فلم يعد هناك فرق بين مساعدة الطلاب وبين تشجيعهم على الغش، ويرجع ذلك إلى نوعية الخطاب الذي يتلقاه هؤلاء ولا يركز على أخلاق المواطنين بقدر الاهتمام بمظاهرهم الخارجية، ما يلقي بظلاله على تغذية قيم مشوهة في نفوس الصغار، تكون لها تأثيرات سلبية كبيرة على مجمل العملية التعليمية لاحقا.

وأشارت وكيلة نقابة الأطباء إلى أن الطلاب عندما يصطدمون بالاختبارات الحقيقية والموضوعية في كليات الطب تأتي النتيجة رسوب الكثير منهم، وأن عملية إعادة تأهيلهم تحتاج إلى تحسين تحصيلهم المعرفي دون التغطية على المستوى التعليمي المتدني.

الطب يفقد سمعته
تواجه مهنة الطب ذات السمعة الطيبة في مصر على مدار عقود طويلة بعض المشكلات التي لها مردودات قاتمة على مستقبلها، في مقدمتها هجرة أعداد كبيرة من الأطباء الذين لديهم خبرات تسهم في تطوير القطاع الصحي، وتوسع الحكومة في إنشاء كليات الطب وزيادة الملتحقين بها جزافا لتعويض النقض، نهاية بفتح الباب أمام انضمام أعداد كبيرة من الوافدين، ما يلقي بأعباء إضافية على إمكانيات التعليم الطبي.

وتشير الأرقام التي أعلنتها جامعتا أسيوط وجنوب الوادي إلى أن أعداد الطلاب داخل الدفعة الواحدة تضاعفت، ولم يكن متاحا من قبل قبول أكثر من مئتي طالب في الدفعة لضمان جودة التعليم المقدم لهم، لكن الآن يجري الحديث عن وجود 500 طالب في الدفعة الواحدة، وقد يشكل هذا الرقم رهانا خاسرا للحفاظ على السمعة الطيبة لتدريس الطب مستقبلا في مصر.

وذكر أستاذ جراحة القلب والصدر بكلية الطب جامعة عين شمس في القاهرة خالد سمير أن التعامل الخاطئ من جانب الحكومة مع هجرة الأطباء أحد أسباب المشكلة، لأنها فتحت الباب أمام تأسيس 25 كلية طب جديدة خلال أعوام قليلة، بعضها لا يملك مستشفيات لضمان جودة التعليم، وتعاني أزمات في توفير أعضاء هيئة التدريس، وبدا أن الهدف الأهم هو تخريج أعداد كبيرة من الأطباء دون النظر إلى مستواهم العلمي.

ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن المشكلة الأخرى تتعلق بآليات القبول بالجامعات بعد مرحلة البكالوريا التي تشهد حالة من عدم الانضباط مع استمرار الاعتماد على التلقين عبر الدروس الخصوصية وتنوع طرق التسريب والغش والبحث عن هدف رئيسي يتمثل في الحصول على أعلى الدرجات.

علاوة على الغياب الكامل لدور المدرسة الذي لا يتمثل فقط في الجانب التعليمي، لكن الأهم الجوانب التربوية وتدريب الطلاب على العمل الجماعي واكتشاف مواهبهم، وهو ما يقود إلى صدمة يتعرض لها الطلاب مع انتقالهم إلى المرحلة الجامعية.

وشدد سمير على أن عملية التقويم في الجامعات مسألة دقيقة للغاية وتندرج الشفافية الراهنة بشأن الإعلان عن نسب النجاح الحقيقية في كليات الطب والإصرار على إعادة الطلاب السنة الدراسية ضمن الحلول الإيجابية بعيداً عن الضغوط التي تمارس على أساتذة الجامعات في مثل هذه المواقف لتعديل النتيجة، وأن ذلك يجب أن يرافقه إدخال تعديلات في نظام تقويم وتدريس المناهج في مرحلة البكالوريا.

مساءلة

وتقدمت النائبة سميرة الجزار عضو لجنة القيم بمجلس النواب بسؤال إلى رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير التعليم العالي والبحث العلمي أيمن عاشور لكشف أسباب ارتفاع نسب الرسوب، حيث تعكس نسب النجاح بشكل عام “المستوى التعليمي الذي وصلنا إليه، وحالات الغش الجماعي الموجود في الثانوية العامة”.

ووعدت بتقديم تساؤلات لوزير التعليم رضا حجازي بشأن الثانوية العامة وحالات الغش الجماعي، وتواجد نسب كبيرة من الطلاب في كليات القمة (مثل الطب) وهم غير مؤهلين.

وتتداخل في القضية أبعاد اجتماعية في خضم مسألة انتشار الغش، لأن المناطق المعروفة بالغش تتزايد فيها النزعة القبلية، وعلى مدار سنوات طويلة لم تفلح الوزارات المتعاقبة في تنظيم عملية الامتحان بشكل يضمن انضباطها بصورة تقود إلى المساواة بين الطلاب، مع استحداث وسائل الغش الإلكتروني وغضب المعلمين ضد وزارتهم وزيادة وتيرة الضغوط التي يتعرضون لها من قبل أطراف تدفعهم أحيانا إلى تسهيل عملية الغش، والتي تؤدي في النهاية إلى الحالة الراهنة.

وأشار أستاذ علم النفس التربوي بجامعة القاهرة عاصم حجازي إلى أن مشكلات الرسوب سببها اختيار الطلاب لكليات ليست مناسبة لقدراتهم نتيجة خلل في امتحانات البكالوريا التي من المفترض أنها تحليل شخصي لقدرات الطلاب، بالتالي فبعض الطلاب يحصلون على درجات لا يستحقونها.

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن الأزمة في امتحانات البكالوريا وليست في دراسة الطب بمصر، لأن نسب النجاح في الفرق الثانية والثالثة والرابعة ليست كما هي في الفرقة الأولى، كما أن تنمية قدرات الطلاب داخل الجامعة بحاجة إلى عامين أو أكثر، ولذلك نجد نسب الرسوب المرتفعة في السنة الأولى عادة، في حين أن تنمية المهارات من المفترض أن تكون عبر مراحل التعليم قبل الجامعي، ولا يحدث ذلك على الأرض.

وقدم حجازي مقترحًا للحل يتضمن إعادة الطلاب للسنة الدراسية مع منحهم برامج مكثفة وليس إعادة دراسة المواد التي رسبوا فيها بالشكل المعهود، مع ضرورة استحداث برامج تدعيمية تسرع من عملية تنمية الجوانب المعرفية على ألّا يكون القبول بكليات الطب مقتصراً على المجموع النهائي في البكالوريا مع الأخذ بدرجات الطلاب في المواد العلمية المؤهلة وتكون هناك مرونة لدخول الجامعات.

ولا تتعلق مخاطر الغش في البكالوريا فقط بقطاع الطب بل تتسع إلى دائرة الاختصاصات الجامعية الأخرى ما يعني أن مصر ستنتج في المستقبل القريب كوادر جامعية غير كفؤة إذا لم تسارع السلطات لوضع حد لهذه الظاهرة الخطيرة، فمن غش في امتحان سيغش في بقية الامتحانات وليس من المستبعد أن تنتقل هذه العدوى إلى الجامعات.

المصدر – العرب

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك