ارسل الله لكل أمة من الأمم رسول ليبلغوا رسالات الله ” وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ” (النحل:36).
وجاء كل الأنبياء مبشرين لمن يؤمن بالله بجنات عرضها السموات والأرض ومنذرين من لم يؤمن بالله بعذاب الله لهم في الأخرة ” وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (الأنعام:49).
وبين الله للانبياء جميعا أن مهمتهم فقط التبليغ وليس المراقبة أو المحاسبة، لأن الحساب من اختصاص الإله وليس الرسل أوالانبياء ” فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ ” ( الرعد: 40). ” فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ” (النحل: 82). وبين ذلك لكل الرسل ” ” فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ” (النحل: 35). ” فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ” ( الشورى: 48). حفيظ: رقيب على أعمالهم ومجازيهم بالثواب أو العقاب، وهذا ما قاله أيضا سيدنا شعيب لقومه ” وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ” (هود:86). ” وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (الأنعام:107)، ” لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (الغاشية:22) بِمُسَيْطِر: بمتسلط أو جبار، وأكد لنا الله في أكثر من آية من آياته أنه فقط الحفيظ والوكيل والحسيب للعباده ” إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ( هود:57). ” إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (هود: 12)، ” إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ” (الغاشية:26)، ” إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ” (النساء:86).
وأمر الله الرسل جميعا بترك الناس تختار بكامل إرادتها الإيمان بالله أو الإعراض عنه ” وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ” ( الكهف:29). ” أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (يونس:99). ” لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ” ( البقرة:256). ” فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ” (الحجر:93). خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (الحجر: 199).وحثنا النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغ عنه ” بلغوا عني ولو آية ” (رواه البخاري). وأمر الله المؤمنين بعد تبليغهم رسالات الله الاهتمام بخاصة النفس وتزكيتها وترك المعرضين ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (المائدة:105).
وأمر الله النبي بالإعراض عن من يستهزأ بآيات الله في قوله تعالى: ” وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ “( النساء: 140) أي إذا أراد شخص الإساءة للإسلام عن قصد، اتركه وانكر ما يفعله، فإن الله فقط هو الذي سيحاسبه يوم القيامة، أو من الممكن أن يتوب إلي الله، فيتوب عليه، فإن محاسبة البشر خاصة بالله فقط ” وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ” ( التوبة: 65-66).
فإن الله هو الذي خلق العباد وهو يعلم بما في صدورهم، إن علم فيهم خير هداهم إلي صراطه المستقيم ” وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ ” ( الأنفال: 23). أي لأسمعهم الحق، وهذا ما أعرب عنه ” أرناورد فان الهولندي” منتج الفليم المسيء يقول أن الدافع وراء انتاجه لهذا الفليم هو المعلومات الخاطئة عن الإسلام الذي تم برمجته عليها منذ الصغر إن الإسلام دين يحث على العنف والإرهاب وانه انتشر بحد السيف، أن هدف المسلمون القضاء على كل من يخالف عقيدتهم، ويقول أن ما دفعه لفتح القرآن الكريم لأول مرة في حياته هو رد فعل المسلمين في العالم إزاء عرض هذا الفيلم، وبمجرد قرأته لآيات القرآن انهمر في البكاء من خشية الله وأدرك أن هذا القرآن منزل من رب العالمين ” وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ ” (الشعراء:2010) ويقول أثرت فيه الآيات التي تحث على الانفاق على الفقراء والمساكين والاهتمام بذوي القربى واليتامي، فأعلن إسلامه مؤكدا على مدى سعادته بدخول هذا الدين العظيم الذي يحث على الاهتمام بالآخرين.
والذي ساعد على ترويج هذه الصورة المشوهة عن الإسلام في الغرب الاستشراق الأوربي وخاصة بعد فشل الحملات الصليبية في السيطرة على العالم الإسلامي، فبحثوا عن بديل يحقق لهم أهدافهم دون مواجهات عسكرية، وهذا ما أشار إليه ” مكسيم رودنسون ” أخذ الاستشراق على عاتقه تشويه صورة الحضارة الإسلامية والتاريخ الإسلامي في نظر الغربيين. ومن المستشرقين اليهود الذين نشروا في مؤلفاتهم صورة مشوهة عن الإسلام ” شالوم زواي ” يقول: يجب أن تسلم كل الشعوب بالسيف والجهاد إذا لم يقبلوا دين محمد رسول الله طواعية ” ، وتقول ” أفيفا شوسمان ” أعلنت الحروب الدموية في عهد محمد كوسيلة لأسلمة كل السكان “، وكتب ” عزرائيل كارلباخ ” الإكاديمي الإسرئيلي أن المسلمين هم الخطر الحقيقي على العالم، نتيجة لحبهم للقتل المتأصل في دمائهم، وإفتقارهم للمنطق ، وأدمغتهم سريعة الأنفعال. ولم تتوقف جهودهم عند ذلك فحسب، بل تلاقت الأهداف والمصالح بين التبشير والاستشراق الأوربي واليهودي في فرض السيطرة على العالم الإسلامي من خلال تشتيت وحدة الصف ” فرق تسد “وإثارة الفتن، مما دفعهم إلي تمويل الفكر المتشدد البعيد عن جوهر الدين بالمال والسلاح لإيهام العالم أن هذا هو الإسلام، وهذه الجهود تظهر جالية في دراسات المستشرق اليهودي المجري ” اجنتس زيهر ” التي تصل إلي 592 بحثاً جزء كبير منها في المذاهب والفرق. وما يحدث في المنطقة العربية الآن أقر به الكاتب والمفكر الاستراتيجي ” صامويل هنتنغتون ” في كتابه (صراع الحضارات) الذي تم نشره سنة 1996م، مؤكدا على أن الملمح الرئيس في القرن 21 هو ” عصر حروب المسلمين ” قائلا: إن المسلمين سيحاربون بعضهم بعضاً، كما يحاربون غير المسلمين، وذلك بمعدل أكثر بكثير مما تقوم به شعوب الحضارات الأخرى، وهذه الحروب تتضمن حروب الإرهاب، وحروب العصابات والقرصنة، والحروب الأهلية، وحروب الصراعات بين الدول، وقد يتخذ العنف في هذه الحروب أبعاداً تصل بها إلى صراع رئيسي وحيد بين الإسلام والغرب، أو بين الإسلام وباقي العالم ” .
وفي الحقيقة إن آيات القرآن تنفي وترفض أي قوة أو إجبار في نشر العقيدة وهذا جاليا في قوله تعالى: ” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ “(يونس:99). وإن الله لم يأمر نبي من الأنبياء بقتال الذين لا يؤمنون بالله، بل بين الله لكل الأنبياء أن مهمتهم فقط التبليغ ، وبعد التبليغ عليهم ترك كل شخص يعتنق الدين الذي يريده بكامل حريته ” وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ” (الكافرون: 4-6). ولكن أمر الله نبيه بقتال فقط المشركون الذين يريدون القضاء على دعوة النبي ويقاتلون المؤمنين ” وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (البقرة: 190). وإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقتل طفل أو امرأة أو شيخ في كل الغزوات التي خاضها. ولم يبالغ نبي من الأنبياء في قتل الأسرى إذلال لهم وإظهار الغلبة عليهم ” مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ” (الأنفال: 67).
وبين الله لنا أنه فقط من سيحكم يوم القيامة بين جميع الملل والأديان والذين اشركوا فيما كانوا فيه يختلفون ” إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ” ( الحج: 17). الصَّابِئِينَ: عبدة الكواكب. وأخبارنا الله سبحانه وتعالى أن كل أمة أو قوم اختلفوا وتفرقوا بعد ما آتاهم الله العلم طلبا للرياسة ” مَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ” ( الشورى: 14) بَغْيًا بَيْنَهُمْ: طلبا للرياسة والزعامة.
ونظرا مما تعانيه أمتنا العربية والإسلامية من فتن تعود إلي جمود الفكر والغزو الفكري والثقافي لأمتنا من مئات السنين، يجب على كل غيور على دينه محب لله ورسوله أن يسعى لتصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام وإعادة النظر في فهم الدين في ضوء ثلاث معايير : 1- أن أساس بعثة النبي صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين ” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (الأنبياء: 107). 2- الهدف من بعثته إتمام مكارم الأخلاق ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” (رواه أبي هريرة). 3- إن هذا الدين العظيم يوافق الفطرة الطيبة التي أودعها الله فينا، فتعالى الله الرحمن الرحيم أن يأمرنا بشيء يتعارض مع هذه الفطرة مصدقا لقوله تعالى: ” فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (الروم: 30).
هند درويش
ماجستير في التفكر في القرآن الكريم وعلاقته بالتفكير الإبداعي
التعليقات