كتب :- محمد زكي
جاء افتتاح السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان الفترة السادسة لمجلس عُمان يوم 15 نوفمبر الجاري ليدشن مرحلة أخرى مهمة في بناء مؤسسات الدولة العصرية الحديثة وفقاً للخصوصية العُمانية وفي إطار من النهج التدريجي لمواكبة التطورات العالمية.
تمثل هذه الفترة الجديدة من مجلس عُمان أهمية محورية في بناء مستقبل البلاد بعد مسيرة أربعة عقود وخمس سنوات من العمل المتواصل لإرساء مرتكزات دولة عصرية منفتحة على العالم وفق قيمها ومعتقداتها السياسية داخلياً وخارجياً.
وتكتسب الفترة الجديدة لمجلس عُمان، الذي يجمع مجلس الدولة ومجلس الشورى، سمات متميزة خاصة أنها تأتي بعد تشكيل مجلس الشورى للفترة الثامنة، بانتخاب المواطنين لممثلي ولاياتهم يوم 25 أكتوبر الماضي، وبعد تشكيل السلطان قابوس بن سعيد لمجلس الدولة للفترة السادسة، وذلك بموجب المرسوم السلطاني رقم 47 / 2015 الصادر في السابع من نوفمبر الجاري.
لعل أهم هذه السمات، أنها تتميز بضخ دماء جديدة، والدفع بكوادر عمانية، مؤهلة وقادرة على القيام بأعباء عضوية المجلسين ، سواء في مجلس الدولة، أو في مجلس الشورى. ولعل مما له دلالة عميقة أن انتخابات مجلس الشورى دفعت بستين عضوا جديدا إلى عضوية المجلس في فترته الثامنة، أي بأكثر من 70 % من عدد الأعضاء. وفي الوقت ذاته فإن التشكيل الجديد لمجلس الدولة – في فترته السادسة – شهد تعيين 61 عضوا جديدا من بين أعضاء المجلس، وبنسبة تتجاوز 72 % من إجمالي الأعضاء.
وإذا كانت نسبة تتجاوز 70 % من أعضاء مجلس عمان بجناحيه، مجلس الدولة ومجلس الشورى، هم أعضاء جدد يدخلون إلى دائرة العمل في مجال الشورى للمرة الأولى، فإن ذلك يفرض درجة عالية من التفاعل بين الأعضاء الجدد والأعضاء القدامى، سواء في مجلس الدولة أو في مجلس الشورى، من أجل نقل الخبرات، واعتياد عمل المجلسين بجوانبه المتعددة، وبضوابطه ومتطلباته المختلفة.
وبقراءة تحليلية لحدث افتتاح الفترة السادسة لمجلس عُمان يمكن التأكيد على الأمور التالية:
أولاً: أن السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان ارتكز في بناء مؤسسات الدولة العصرية الحديثة على فكرة البناء المتدرج القائم على المؤسسات والهياكل الرسمية وفق المنهج المتدرج والسلمي، من خلال “مجلس عُمان” الذي يضم مجلسي الدولة والشورى، وهذا البناء هو الأقوى في إطار الرؤية العُمانية الجماعية نحو مسايرة التطورات العالمية.
وقامت فكرة البناء المتدرج على عدد من الأسس، أبرزها: توسيع عملية المشاركة السياسية لتحقيق قيم التحديث عبر مراحل متتالية، مع الحفاظ على الخصوصية التاريخية والاجتماعية للواقع العماني، والأخذ بأسلوب التطور التدريجي السلمي البعيد عن النظريات والأطروحات الخارجية التي لا تتفق مع الثقافة السياسية العمانية.
وتمثلت أهم الخطوات العملية في إدخال التعديلات المستمرة على مجلس الشورى، فعبر مراحله الثمانية التي امتدت على مدى ربع قرن من العام 1990 وحتى العام الحالي 2015، شهد المجلس بعض التعديلات التي تشكل في مجموعها نقلة نوعية في تجربة الشورى العُمانية وتكاملها من حيث توسيع المشاركة السياسية، واستيعاب النخب السياسية الجديدة التي تثري التجربة السياسية العُمانية.
ثانياً: تمثل هذه الفترة الجديدة مرحلة متقدمة من نضوج المجتمع السياسي العُماني، إذ تترجم هذه المرحلة نجاح فكرة التكامل بين المجلسين الشورى والدولة، وتكاتف مؤسسات المجتمع المدني مع الحكومة، ناهيك عن تكاتف المواطنين العُمانيين في الدفع بمسيرة البناء والتنمية قدماً إلى الأمام.
ولعل ما تحقق من انجازات عُمانية على الصعيدين الداخلي والخارجي وفي شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وعلى مدار 45 عاماً، يؤكد أن مسيرة الشورى العُمانية ماضية بثبات نحو المستقبل، وخاصة أن معظم التجارب البرلمانية في الدول العربية يعوق مسيرتها الكثير من العقبات والتحديات.
ثالثاُ: تمثل هذه المرحلة الجديدة بكافة تفاعلاتها المؤسسية لبنة أخرى مهمة في سياق خبرتها في إطار إرساء مؤسسات دولة حديثة يحكمها القانون، فإضافة إلى مجلس الشورى بتطورات مراحله الثمانية، ومجلس الدولة بمراحله السادسة، وبالتالي مجلس عُمان بفتراته السادسة أيضاً، كانت تجربة سلطنة عمان في المجالس المحلية البلدية وهي تجربة جديرة بالمتابعة لأنها تمثل إضافة لبنة جديدة في مؤسسات الدولة وفقا لقواعد منضبطة وذلك بالنظر إلى الشروط الواجب توافرها في المترشح لعضوية المجلس، والتي من أهمها، ألا يكون عضواً في مجلسي الدولة أو الشورى، وألا يكون موظفاً بإحدى وحدات الجهاز الإداري للدولة.
إجمالي القول، إن تجربة سلطنة عُمان في بناء مؤسسات دولة عصرية حديثة جاءت في إطار من الخصوصية العُمانية وفي سياق نهج تدريجي يستوعب النخب السياسية الجديدة التي تثري التجربة السياسية العُمانية، ولعل كلمة السلطان قابوس في افتتاح الفترة السادسة لمجلس عُمان توحي بحالة من الرضاء السياسي عما تحقق ما كان يُرتجى من المؤسسات السياسية في البناء والدفع بمسيرة التنمية قدما للأمام.
التعليقات