الأربعاء - الموافق 11 ديسمبر 2024م

الجلسات المشتركة بين مجلسي الدولة والشورى بسلطنة عُمان نموذج لتكامل المؤسسات

 

محمد زكى

ارتكز بناء الدولة العصرية الحديثة في سلطنة عُمان كما أراد لها السلطان قابوس على مجموعة من الثوابت والمبادئ، من أهمها أن يتم البناء وفق الخصوصية العُمانية وفي إطار من النهج التدريجي الذي يستوعب النخب السياسية الجديدة التي تثري التجربة السياسية العُمانية، وأن يكون في إطار من التكامل والتعاون بين مؤسسات الدولة العصرية الحديثة التي يحكمها القانون، باعتبار أن هذا التعاون بين مؤسسات الدولة تنفيذية وتشريعية يصب في خدمة الوطن والمواطن، الآن وفي المستقبل.

وقد تجلت صور التكامل في الجلسات المشتركة التي يلتقي فيها أعضاء مجلسي الدولة والشورى لمناقشة موضوعات، أو مشروعات قوانين، أو مواد محل تباين من حيث النظر إليها، من جانب المجلسين.

ولا شك أن التنسيق بين المجلسين قائم في كل ما من شأنه خدمة الصالح العام العُماني من خلال استعراض القضايا المتعلقة بالمجالات الاجتماعية والاقتصادية والقانونية إضافة إلى التعاون في تطوير آليات العمل وأن التعاون البناء يسهم بلا شك في تكامل الأدوار بين مؤسسات الدولة ويعينها على أداء الواجبات المناطة بها في سلاسة وتناغم وانسجام وهو الأمر الذي يساعد على تحقيق الأهداف الوطنية وتحقيق العيش الكريم والرفاهية للمواطن العماني ويسّرع خطى الوطن نحو آفاق جديدة من النماء والازدهار.

وقد كفل القانون هذا التكامل والتناغم بين المجلسين، إذ تنص المادة (58) مكرر (37) على أن تحال مشروعات القوانين من مجلس الوزراء إلى مجلس الشورى الذي يجب عليه البت فـي المشروع بإقراره أو تعديله خلال ثلاثة أشهر على الأكثر من تاريخ الإحالة إليه ثم إحالته إلى مجلس الدولة الذي يجب من جانبه البت فيه بإقراره أو تعديله خلال خمسة وأربعين يومًا على الأكثر من تاريخ الإحالة إليه.

وإذا اختلف المجلسان بشأن المشروع اجتمعا فـي جلسة مشتركة برئاسة رئيس مجلس الدولة وبدعوة منه لمناقشة أوجه الاختلاف بينهما ثم التصويت على المشروع فـي ذات الجلسة، وتصدر القرارات بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين وفـي جميع الأحوال على رئيس مجلس الدولة رفع المشروع إلى السلطان قابوس مشفوعًا برأي المجلسين.

وقد أثمر حرص المجلسين على انتهاج هذه الآلية عن التوصل إلى توافقات حيال الكثير من المواد محل التباين في عدد من مشروعات القوانين. وعادة ما يسبق الجلسة المشتركة اجتماع تنسيقي بين أعضاء من اللجنتين اللتين قامتا بدراسة المشروع بالإضافة إلى الأمينين العامين للمجلسين بهدف تحديد أوجه الاختلاف الجوهرية تمهيدًا لعرضها على الجلسة العامة.

وفي سياق التعاون والتكامل بين المجلسين يتم عادة التنسيق بشأن تمثيل السلطنة بوفود مشتركة في أنشطة الاتحادات والهيئات البرلمانية الإقليمية والدولية علاوة على التنسيق في العديد من المجالات الأخرى كالتدريب وفي هذا الإطار يعمل مركز التدريب بمجلس عُمان على الإعداد والتحضير والتنفيذ للبرامج التعريفية والتأهيلية والتدريبية التي يحتاجها المجلسان، وذلك ترجمة للتوجيهات السامية للاهتمام بالموارد البشرية وتطوير أدائها في مختلف المجالات.

وفي ما يتعلق بالرؤية المستقبلية والمشاركة المجتمعية، تشهد عُمان تنسيق وتكامل بين مختلف مؤسسات الدولة للإعداد والتحضير للرؤية المستقبلية (عُمان 2040) والتي تسعي إلى استيعاب الحاجات التنموية المستقبلية في جوانبها البشرية والاجتماعية والاقتصادية وفق أسس منهجية وعلمية بمشاركة مجتمعية واسعة توجت نهاية شهر يناير الماضي بعقد المؤتمر الوطني والذي ناقش الملامح التفصيلية للرؤية المستقبلية وأهمية التعاون الوطني لتحقيقها إضافة إلى استعراض أفضل الممارسات الدولية في ذلك وسيعقب ذلك الإعلان عنها بصورتها النهائية خلال الفترة المقبلة .

وفي هذا السياق يضطلع مجلس عُمان بدور محوري في الرؤية المستقبلية في مختلف مراحلها ابتداءً من مرحلة الإعداد وصولًا إلى مرحلة التطبيق إضافة إلى مراحل الرقابة من خلال مناقشة المجلس لها وللخطط الخمسية والتي تعد تفصيلًا لمحتوى هذه الرؤية المستقبلية.

كما يعمل مجلس عُمان على مؤازرة جهود الحكومة في سبيل تعزيز الاقتصاد الوطني ودعم قدراته لمجابهة التحديات التي تواجهه من منطلق الإدراك لأهمية الاقتصاد في دفع عجلة التنمية ولتأثيره الكبير على مختلف أوجه الحياة.

والمتابع لأعمال مجلس عُمان (بمجلسيه الدولة والشورى) يستنتج أن المجلس ومن خلال اختصاصاته وصلاحياته قدم العديد من الدراسات والمقترحات في الجوانب الاقتصادية إضافة إلى دراسة واستعراض العديد من القوانين الاقتصادية خاصة ذات الصلة بالتنويع الاقتصادي وتحفيز الاستثمار وجذب المستثمرين، علاوة على اقتراح قوانين جديدة أو تعديل قوانين نافذة ومناقشة ما يستجد من موضوعات وقضايا اقتصادية كما درج على مناقشة الميزانية العامة للدولة وخطط التنمية الخمسية وابداء مرئياته حيالها .

ناهيك عن التنسيق والتكامل بين مجلس عُمان (الدولة والشورى) ومجلس الوزراء، والذي يأخذ أشكالًا متعددة منها الاجتماعات الدورية بين مجلس الوزراء ومكتبي المجلسين كل على حده وكذلك الاجتماعات السنوية بين الوزراء المسؤولين عن الجوانب الاقتصادية ومكتبي المجلسين واللجنتين الاقتصاديتين بالمجلسين.

إجمالي القول أن التكامل بين المؤسسات العُمانية، يقتضي ضرورة تفعيل التعاون المشترك بين مختلف المؤسسات بما يسهم في ترسيخ مفهوم دولة المؤسسات والقانون وتكريس مبدأ الحوار الإيجابي للتوصل إلى رؤية مشتركة حول كافة مسارات العمل الوطني.

التعليقات

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

انت لاتستخدم دايناميك سايدبار

الفراعنة على فيسبوك