لا يختلف اثنان على الدور الذى تلعبه الدعاية بكافة وسائلها وتعدد أنماطها فى مسار الشعوب ، سواء كانت دعاية بيضاء أو سوداء أو رماديه ، وطبقا للاصطلاح العالمى الذائع البروباجاندا والذى
يعنى حرفيا كلمة دعاوه ، فان ذات المعنى أيضا يرمى الى ثلاث مترادفات أخرى ، وهى الدعاية والترويج والتبشير والتى يمكن بلورتها بشكل أعمق فى محاور ثلاث ، هى سياسيا الدعايه واقتصاديا الترويج ودينيا التبشير ، ويعزى للاعلام بكافة وسائله الدور الدءوب فى التنفيس عن حملات الدعايه ، والتى غالبا ما تحمل فى طياتها الضربات القاصمه للشعوب الغافله ، فقد مارست الأجهزة الاعلاميه نيابة عن الأنظمة السياسية العالميه أبشع أساليب القهر بأسرع أساليب المكر ، اذ كان الاعلام دوما هو لسان السلطة فى نشر الدعاية الأيديولوجية سياسيا ودينيا واقتصاديا ، فهذا هو الفكر الماركسى الملحد والذى انبعثت روافده المسمومه من روسيا الى أقاصى بلاد العالم ومنها يا آسفاه بعضا من الدول الاسلاميه ، وتلك هى الدولة النازيه الهتلريه وكيف أنها عمدت على استخدام الاعلام كوسيلة محورية فى الترويج للدعاية النازيه على أوسع نطاق من جانب ، وتضليل الرأى العام الألمانى من جانب آخر ، وكان جوزيف جوبلز منظرا لهذه الدعاية من موقعه كوزيرا لاعلام هتلر وله فى ذلك أقوالا منها أعطنى اعلاما بلا ضمير أعطيك شعبا بلا وعى ، وكذا قوله كلما كبرت الكذبه كلما سهل تصديقها ، وقوله أيضا كلما سمعت كلمة ثقافه تحسست مسدسى ، وغير ذلك من الأقوال التى ترجمت الى أفعال والتى جسدت أيديولوجية رجال الساسة فى قهر الشعوب عبر الأداة الاعلامية المسمومه ، ورغم اندثار النازية منذ عشرات السنين ، الا أن مدرستها مازالت موجودة فى العديد من دول العالم التى تبنت النازية الاعلاميه منهجا لحماية مصالحها من جانب ، والاجهاز على الشعوب الغافله من جانب آخر ، فيما عرف بعملية نزيف وتزييف العقول ، وقد لعبت الدعاية الاعلامية أيضا دورا محوريا فى المجال الاقتصادى ، وتجدر الاشارة هاهنا أن العالم بأثره انقسم بين اتجاهين للاقتصاد لا ثالث لهما ، أحدهما رأسمالى والأخر اشتراكى ، ومن الأهمية بمكان فان الأهداف الضمنية التى سعت لها حثيثا بعض النظم السياسية و الاقتصادية و الفكرية من نظرية المؤامره وترويض العقول عبر الاعلام المعاصر ليست نهجا مستحدثا ، بل كانت امتدادا لما قبل ذلك بآلاف السنين ، ويأخذنى غمار السياق الى البعد التاريخى الأشمل لدور الدعاية الاعلاميه فى مدى التأثير الفعلى على الناس ، وأتوقف هاهنا مع عصر صدر الدولة الاسلاميه وفيه مورس الاعلام على أمثل نحو وأشمل كيفيه ، فى التأثير على الناس ايجابا كان أو سلبا ، فهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرس أعظم دعائم الاعلام التنموى النهضوى فى نشر الدعوة على نحو فريد لم يرى نظيرا له فى التاريخ الانسانى قاطبه ، فكان صلى الله عليه وسلم يوظف الصحابة الكرام في نشر دعاية التوحيد الخالص لله رب العالمين ، بسمو أخلاقى يعجز عن وصفه اللسان والبيان ، وبينما كانت هذه الصورة المشرقه للاعلام الذى مارسه النبى صلى الله عليه وسلم وكم كانت الآثار حميده والبصمات مجيده والنتائج عظيمه ، فقد كانت هنالك صورة أخرى عكسيه للاعلام الفاجر والفاسق والمرجف ، وكانت تتجسد تلك الصورة فى أبولهب وزوجته حمالة الحطب ، وعلى الرغم من أن تاريخهما تجاه الاسلام ليس فيه تعذيب بالسياط ولا ضرب بالسيوف ولا اصابات بالجروح ، الا أن آرائهما فى تحريض الناس على عداوة الله ورسوله ،كانتا أكبر من المشاركة فى حرب المسلمين بالغزوات والمعارك ، وليس أدل على خطورتهما الاعلاميه من توعد الله لهما بالعذاب عندما أورد بشأنهما سورة كاملة بالقرآن الكريم هى سورة المسد ، فكم من البشر صدوا عن سبيل الله بكلماتهما ، وكم من أكابر قريش رجالا ونساء ، أعرضوا عن الاسلام متأثرين بالاعلامى الفاجر أبولهب وزوجته حمالة الحطب ، وكم تعرض النبى صلى الله عليه وسلم لسيلا من الافتراءات والأكاذيب على لسان الاعلامى الفاجر أبولهب وزوجته أم جميل ، رغم علمهما أنه الصادق الأمين ، وحسبك فقد مورس الاعلام فى صدر الدولة الاسلامية ببراعة واقتدار فى الاتجاهين الايجابى والسلبى ، دون أن تكون هنالك أساليب التطور التقنى والمرئى والمطبوع فى مخاطبة الناس على أوسع نطاق كما هو الحال الراهن ، ورغم ذلك فقد تأثر الناس هنا وهناك بفصاحة اللسان ورقة البيان ، فما بالنا باعلامنا المصرى العصرى وقد توفرت فيه جميع مقومات التأثير السلبى على المجتمع بالتهوين تاره وبالتهويل تارة أخرى وبالتطبيل تارة ثالثه ، وليس منى بافتراء ولا اجتراء على النظام الاعلامى القائم ، وقد استفحل أمره على كل صعيد ومنحى ، وتلك حقيقة دامغة عارية لا تخفى على القاصى والدانى ، واجمالا فقد ظهرت بجلاء شديد أهميه وخطورة الدعاية الاعلاميه ، في التأثير على الناس بأدلة قاطعة أوردناها سلفا وفرقنا بين الدعاية الساميه التى مارسها الحبيب صلى الله عليه وسلم ، والأخرى المسمومه التى روجها أبولهب وزوجته وكل من سار على نهجهما الشيطانى ، ولا يخفى على أحد نتائج هذه الدعاية وتلك على المديين القريب والبعيد ، ان الدعاية أصلها كلمه ، اما أن تحمل فى طياتها الخير واما أن تكون شرا ينفث السموم على الشعوب ، ويقذفهم فى الهاويه ، يا اعلاميو مصر ، احذروا عاقبة الكلمة الخبيثة ، حتى وان كانت مدعومة بالشهرة والملايين ، وتذكروا ماذا كانت عاقبة الذين من قبلكم ، فيسحتكم ربكم بعذاب أليم ، أما سمعتم قوله جلا شأنه ، ما ينفذ من قول الا لديه رقيب عتيد ، صدق الله العظيم
التعليقات