الفساد افة مجتمعية عرفتها المجتمعات الانسانية منذ فجر التاريخ، وهو مرض عضال تحمله كل الدول والمجتمعات سواء اكانت غنية ام فقيرة، متعلمة ام جاهلة، دكتاتورية ام ديمقراطية، قوية ام ضعيفة، وهو مما يرتبط ظهوره واستمراره برغبة الانسان في الحصول على مكاسب مادية او معنوية يعتقد في قرارة نفسه انه ليس له حق فيها ومع ذلك يسعى اليها، لذا فهو يلجأ الى وسائل سرية للوصول اليها منها اقصاء من له الحق فيها، او الحصول عليها عن طريق الرشوة او المحسوبية او الواسطة او اختلاس المال العام وغيرها.
ويعد الفساد اليوم ظاهرة عالمية شديدة الانتشار، ذات جذور عميقة تأخذ ابعادا واسعة تتدخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينهما، وسيكون الفساد هو التحدي الاهم والوريث المتوقع للإرهاب والذي ستجد الحكومات والمجتمعات نفسها في مواجهته، وفي حرب معه، ستكون على الاغلب أكثر شراسة وتكلفة من مكافحة الارهاب.
وجدير بالذكر أنه إذا لم نستطيع منع وقوع جرائم الفساد بتنفيذ التدابير الوقائية سالفة الذكر بحيث أصبحت الجريمة حالة وان كان ذلك يكشف عن وجود خلل في تطبيق تلك التدابير من قبل الحكومة والمجتمع إلا انه ليس في وسعنا في هذه اللحظة سوى أن نقوم بملاحقة مرتكب هذه الجريمة وإلحاق العقاب الرادع به وذلك حتى يكون عبرة للمجتمع ومصدر للاستنفار من الجريمة وذلك بالطبع بجانب محاولة إصلاح الخلل في تنفيذ التدابير الوقائية الذي أدى إلى ارتكاب هذه الجريمة.
وبالطبع لألحاق العقاب بمرتكب الجريمة لابد أن يكون هناك تشريع سابق على وقوعها يقوم بتجريمها ويحدد عقوباتها حيث أن الأصل هو الإباحة ولا جريمة ألا بنص ولذلك لابد من وجود ترسانة من التشريعات العقابية تقوم بتجريم جرائم الفساد وتحدد العقوبات التي توقع على مرتكبيها وذلك كإجراء احتياطي إذا ما حدث خلل في تطبق التدابير الوقائية أدى إلى وقوع الجريمة، وللتشريعات العقابية العديد من المصادر ففي جمهورية مصر العربية نجد القوانين العقابية والمعاهدات والاتفاقيات الدولية وغيرها
وتأتى هذه الأخيرة والتي تبرمها مصر سواء الثنائية أو الدولية في منزله القوانين وفقا لنص المادة 131 من الدستور ولذلك فإذا وقعت هذه الأخيرة على أي من هذه الاتفاقيات فتكون ملزمة بإجراء التعديلات اللازمة بقوانينها حتى تكون متفقة ومواءمة مع نصوص هذه الاتفاقيات، وتعد تلك دباجة لما يجب على المشرع المصري القيام به قبل القوانين المصرية الغير متوافقة مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والمبرمة في عام 2003 والتي تضمنت في الفصل الثالث منها تجريم العديد من الجرائم وذلك على النحو التالي: –
أولا: الرشوة: –
حيث تنص الاتفاقية على صورتين للرشوة يأتي الاختلاف بينهما في صفة الفاعل ومقابل الاتجار بالعمل الوظيفي واستغلاله وتتمثل الصورة الأولى في الصورة التقليدية للرشوة والتي تقع من قبل الموظف العام الوطني والذي عرفته الاتفاقية في الفقرة (أ) من المادة 2 بأنه ” أي شخص يشغل منصبا تشريعيا أو تنفيذيا أو إداريا أو قضائيا لدي دولة طرف سواء كان معينا أو منتخبا….
وكذلك أي شخص آخر معرف بأنه موظف عمومي في القانون الداخلي للدولة الطرف ” وقد أتى هذا التعريف يشمل عدد كبير من العاملين ولكن يعيب عليه أنه لم يكن هناك حاجة لتكرار الصفتين الإدارية والتنفيذية لكونهما يعبران عن ذات المعنى.
وقد أوضحت الاتفاقية أركان هذه الجريمة والتي لا تختلف عما هو وارد بالتشريع المصري من ضرورة توافر الركن المادي والمعنوي إلا أن أنها قد أضافت في الركن المعنوي الغرض ولكنه مصطلح غير دقيق لكونه يختلط بالباعث أو الهدف أو السبب وكلها مصطلحات غير مؤثرة في مجال الركن المعنوي للجريمة.
فضلا عن اشتراطها لتجريم فعل الموظف توافر العمد وبذلك تختلف الاتفاقية عما جاء بالتشريع المصري والذي جرم أيضا خطأ الموظف العام الذي يسبب ضرر جسيم بأموال أو مصالح الجهة التي يعمل بــــــها……… والاهمال في صيانة أو استخدام أي مال…. ،
أما بخصوص الصورة الثانية من جريمة الرشوة فهي صورة مستحدثة من قبل واضعي تلك الاتفاقية وليس هناك اختلاف بينها وبين الصورة الأولى سوى في كون الفاعل هو موظف عمومي أجنبي أو موظف مؤسسة دولية عمومية والتي عرفتهما في الفقرتين (ب)، (ج) من المادة 2، والغرض من هذه الجريمة هو الحصول على منفعة تجارية أو أي مزية غير مستحقة أخرى أو الاحتفاظ بها فيما يتعلق بتصريف الأعمال التجارية الدولية، ويأتي هذا التوسع في التجريم محمودا ولكن مع ذلك لم يقوم المشرع المصري بإصدار قانون يجرم الرشوة الدولية
ثانيا: الاختلاس: –
نجد هنا في تلك الجريمة قد اشترطت الاتفاقية أن يكون مرتكبها موظف عمومي ولم تتوسع كما فعلت في جريمة الرشوة وقد جاء التشريع المصري بذات المضمون في المادة 112 من قانون العقـــوبات.
ثالثا: المتاجر بالنفوذ: –
قد بينت الاتفاقية أركان هذه الجريمة حيث مثلت الركن المادي لها في وعد موظف عمومي أو أي شخص آخر بأي مزية غير مستحقة أو مجرد عرضها عليه أو منحة إياها سواء كان ذلك له مباشرتا أو عن طريق وسيط وذلك حتى يقوم باستغلال نفوذه سواء كان ذلك النفوذ فعلى أي ناتج عن قدرته في إصدار قرارات أو أوامر بحكم موقعه القيادي في المكان المطلوب الحصول على مزية غير مستحقة منه أو كان نفوذ مفترض أي ناتج عن وجوده في مركز قيادي كمجلس نيابي دون سيطرة فعليه على الإدارة المطلوب الحصول على ميزيه غير مستحقة منها وذلك بهدف الحصول لشخص المحرض الأصلي أو آي شخص آخر على ميزة غير مستحقة .
ولكن الاتفاقية لم توضح المقصود بعبارة ” ميزة غير مستحقة ” بينما نجد المشرع المصري قد أوضح في المادة 116 مكررا من قانون العقوبات المقصود بالمزية غير المستحقة وأورد صورا عديدة لها ومع ذلك قد آتى استخدام هذه العبارة في نص الاتفاقية مناسبا وذلك حتى يكون شامل ولا يدع مجال لوجود ثغرات فيه يستغلها الفاسدين في الهروب من العقاب، كما أن الاتفاقية لم تقتصر على صورة الركن المادي سالفة الذكر لتلك الجريمة بل جعلت لها صورة أخرى متمثلة في التماس أي طلب أو قبول أي مزية غير مستحقة من قبل الموظف العمومي أو أي شخص آخر للقيام باستغلال نفوذه للحصول على المزية غير المستحقة وقد أوضحت الاتفاقية الركن المعنوي لتلك الجريمة في تعمد الشخص الاتجار في النفوذ.
ونجد الاتفاقية لم تنص في المادة 18 الخاصة بالمتاجرة بالنفوذ على الشروع كفعل مجرم ولكنها قد وضعت نصا عاما لتجريم المساهمة والشروع في جميع جرائم الفساد المنصوص عليها في الاتفاقية وهو نص المادة 27.
رابعا: اساءة استغلال الوظائف: –
النموذج القانوني لهذه الجريمة قد جاء يتسم بالاتساع بقدر ما يفتقر إلى عناصر محددة مثلما الحال في جرائم الرشوة والاختلاس والاتجار بالنفوذ حيث أنه يواجه الفروض الأخرى لانتفاع الموظف على نحو غير مشروع من أعمال وظيفته بالمخالفة لأحكام القانون سواء كان هذا الانتفاع لنفسه أو لغيره ومع ذلك فلا يشكل رشوة أو اختلاسا للمال العام أو اتجار بالنفوذ. وقد نص المشرع المصري على تجريم ذلك الفعل في المادة 115 من قانون العقوبات.
خامسا: الاثراء غير المشروع: –
وقد أثارت تلك الجريمة جدلا كبيرا نظرا لكونها تنقل عبء الإثبات على الموظف العمومي المشتبهة فيه والذي تراء على موجوداته زيادة كبيرة لا تتناسب مع دخله حيث أن الأصل هو براءة الشخص وعلى من يدعى العكس أن يقدم ما يثبت، ولذلك قد جعلت الاتفاقية تطبيق المادة المجرمة لهذه الجريمة اختياري للدول الأطراف، فضلا عن أنه قد اقتصر النص على ذكر الموظف العام دون زوجته وأولاده القصر.
ونجد في جمهورية مصر العربية بخصوص تلك الجريمة اختلاف بين المشرع والقضاء حيث قام المشرع بتجريم هذا الفعل بموجب قانون الكسب غير المشروع رقم 62 لسنة 1975 بينما قضت محكمة النقض المصرية بان جريمة الكسب غير المشروع تمثل مخالفة للدستور فيما ينص عليه من إن الأصل البراءة.
سادسا: الرشوة في القطاع الخاص: –
يكاد لا يكون هناك اختلاف بين الجريمة الماثلة وجريمة رشوة الموظف العام التي نصت عليها الاتفاقية في المادة 15 منها حيث ينحصر الاختلاف فقط في صفة الفاعل ففي جريمة الرشوة في القطاع الخاص يكون الفاعل هو أي شخص يدير كيان تابعا للقطاع الخاص أو يعمل لدية بأي صفة، وليس هناك اختلاف بين الجريمتين من حيث الركن المادي والمعنوي.
ونجد المشرع المصري قد قام بتجريم الرشوة في القطاع الخاص بالمادة 106 من قانون العقوبات وقد أضاف صور لها لم ترد بالاتفاقية وهي ان تأتى المزية غير المستحقة في صورة مكافأة لاحقة على أداء العمل أو الامتناع عنه أو الاخلال بواجبات الوظيفة وبغير اتفاق سابق.
سابعا: اختلاس الممتلكات في القطاع الخاص: –
نظرا لأهمية القطاع الخاص لما له من دور في التنمية الاقتصادية قد نصت الاتفاقية على تجريم اختلاس الممتلكات والأموال التي تحدث به وذلك بالمادة رقم 22 منها.
وقد جرم المشرع المصري هذا الفعل بالمادة رقم 113 مكررا من قانون العقوبات وبذلك يأتي التشريع المصري متوائم مع الاتفاقية في هذا الشأن حيث أفرد لتلك الجريمة نص خاص لتجريمها ولم يعتبرها مجرد سرقة أو خيانة أمانة.
ثامنا: غسل العائدات الاجرامية:
لهذه الجريمة أهمية خاصة نظرا لكونها ليست جريمة واحدة بل هي تحمل العديد من الجرائم في محتواها فنجد في البداية جريمة أصلية يقوم بها أحد المجرمين ويحصل منها على عائد مالي ثم يريد أن يظهر هذا العائد الإجرامي في صورة مشروعة للكافة فيقوم سواء بنفسه أو عن طريق غيره بالقيام بعمليات تموهية مما يمثل في حد ذاته جريمة عرقلة سير العدالة حيث تؤدى هذه العمليات التموهية إلى صعوبة اكتشاف الجريمة وذلك فضلا عن أن تلك العمليات قد تتضمن نقل الأموال ذات التحصل الإجرامي من دولة إلى أخرى
مما قد يؤدى إلى حدوث تنازع في الاختصاص بين الدول بل قد يصدر حكم ضد المجرم في الدولة التي حدث فيها الجرم الأصلي بينما تكون الدولة التي تنفذ فيها عملية غسل الأموال تقوم بمحاكمته أيضا، ونظرا لذلك فقد وضعت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المادة 23 منها لمكافحة تلك الجريمة والتي حددت أفعال ذلك الجرم في الآتي: –
أ-إبدال الممتلكات أو إحالتها مع العلم بأنها عائدات إجرامية بغرض إخفاء أو تمويه مصدر تلك الممتلكات غير المشروع.
ب-إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للممتلكات أو مصدرها أو مكانها أو كيفية التصرف فيها أو حركتها أو ملكتيها أو الحقوق المتعلقة بها مع العلم بان تلك الممتلكات هي عائدات إجرامية. ج-اكتساب الممتلكات أو حيازتها أو استخدامها مع العلم وقت استلامها بأنها عائدات إجرامية. وذلك فضلا عن كون الاتفاقية قد أضافت المساعدة والشروع ضمن الأفعال المجرمة بهذه الجريمة وعيب عليها في هذا الشأن حيث لم يكن هناك داعي لتضمنهما في تلك المادة حيث تم النص عليهما في المادة 27 من الاتفاقية بطريقة عامة بحيث يتم تجرمهما في جميع الجرائم الفساد الواردة بالاتفاقية. كما يعيب على الاتفاقية في هذا الشأن أنها قد توسعت في محاولة تجريم هذا الفعل بأن جرمت إسداء المشورة حيث يأتي هذا الفعل الأخير واسع وفضفاض مما يعد خروجا على مبدأ الشرعية الجنائية والذي يستلزم أن تكون الجريمة محددة الأركان والعناصر على نحو دقيق، وكذلك قد حددت الوقت الذي يجب أن يتوافر فيه العلم لدى الفاعل بأن الممتلكات المستخدمة ذات عائد إجرامي بأنه وقت استلامها وذلك على الرغم من كون تلك الجريمة هي من الجرائم المستمرة بينما لم تحدد الوقت الذي يجب أن يتوافر فيه العلم في موضع اخر من ذات المادة كما أن الاتفاقية قد وسعت في تطبيق هذه المادة ليشمل أوسع مجموعة من الجرائم الأصلية بينما من ناحية أخرى قد أجازه أن يتم التضييف في ذات الشأن من قبل الدول الأطراف وفقا لقوانينها الداخلية.
وقد يرجع ما تتسم به هذه المادة من الاتفاقية من عدم اتساق نظري لكونه يقصد منها أفعال بعينها اشتملت عليها الاتفاقية بالرغم من عدم تجريمها وفقا لقوانين بعض الدول مثل جريمة الأثراء أو الكسب غير المشروع. وقد جاء التشريع المصري متفقا مع الاتفاقية الماثلة في هذا الشأن حيث قد جرم تلك الأفعال في القانون رقم 80 لسنة 2002 المتعلق بمكافحة غسل الأموال بل أنه قد أضاف صور أخرى لذلك الفعل المجرم.
تاسعا: الإخفاء: –
تأتى هذه الجريمة مشابها ومتداخله مع جريمة غسل الأموال وذلك لكون الركن المادي لهما يكاد يكون واحد، وقد فطنت الاتفاقية لهذا التداخل ولذلك تم النص في بداية المادة 24 منها على أن يكون تطبيق هذه المادة دون المساس بأحكام المادة 23 الخاصة بجريمة غسل الأموال.
وقد اعتبرت الاتفاقية هذه الجريمة مستقلة عن الجريمة الأصلية التي نتج عنها الممتلكات غير المشروعة ويتضح ذلك باشتراطها أن يكون فعل الإخفاء غير مقترن بالمشاركة في الجريمة الأصلية وبذلك فأن إعفاء أو الحكم بالبراءة في الجريمة الأصلية لا يعنى إفلات مرتكب جريمة الإخفاء من العقاب كما أن مدة التقادم سوف تبدأ من تاريخ زوال الإخفاء وليس له علاقة بالجريمة الأصلية.
وقد جرم المشرع المصري هذا الفعل بالمادة رقم 44 من قانون العقوبات.
عاشرا: إعاقة سير العدالة:
نظرا لأهمية هذه الجريمة لما قد ينتج عنها من إفلات مرتكب الفعل الإجرامي الأصلي من العقاب فقد جرمته الاتفاقية محل الدراسة في المادة 25 منها وجعلت له صورتين الأولى بأن تكون الإعفاء عن طريق استخدام قوة بدنية أو تهديد أو ترهيب أو وعد بمزية غير مستحقة أو عرضها أو منحها للتأثير على شاهد حتى يشهد زور أو ليقوم بتقديم أدلة ذائقه في إجراءات تتعلق بارتكاب أفعال مجرمة وفقا لهذه الاتفاقية.
أما الصورة الثانية فهي باستخدام قوة بدنية أو تهديد أو ترهيب للتأثير على موظف قضائي فما يخص مهامه الرسمية المتعلقة بارتكاب أفعال مجرمة وفقا لهذه الاتفاقية.
ونجد هنا أن الاختلاف بين الصورتين سالفا الذكر ينحصر في صفة الشخص الذي يقع عليه التأثير ففي أحداهما يكون شاهد بينما في الاخرى يكون موظف قضائي، فضلا عن عدم إضافة الوعد بمزية غير مستحقة في الصورة الثانية وذلك لكونها في هذه الحالة سوف تصبح جريمة رشوة.
وتستلزم الاتفاقية توافر العمد في تلك الأفعال لاكتمال أركان هذه الجريمة.
وقد قام المشرع المصري بتجريم الصورة الاولى وذلك بنص المادة 300 من قانون العقوبات كما قام بتجريم بعض حالات تغيير الحقيقة من جانب من يقومون بعمل من أعمال الخبرة أو الترجمة في دعوى جنائية وذلك بنص المادة 299 من قانون العقوبات، وعلى الرغم من ذلك فأن التشريع المصري مازال مفتقرا إلى تجريم بعض الصور الاخرى لعرقلة سير العدالة التي تضمنتها الاتفاقية.
مسئولية الشخصيات الاعتبارية: –
نظرا للأهمية القطاع الخاص في الوقت الحالي ودوره في الاقتصاد الدولي وتمتع الشركات والمؤسسات بالشخصية الاعتبارية المستقلة عن مؤسسيها وما قد يتصور من فساد قد يقع من قبل تلك الشركات والمؤسسات قد قامت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بتقرير مسئولية الشخصيات الاعتبارية إذ ما شاركه في الأفعال المجرمة وفقا لهذه الاتفاقية وذلك بالمادة 26 منها وقد جعلت إمكانية أن يكون الجزاء الموقع عليها جنائية أو مدنية أو إدارية وأن كان لا يتصور أن يتمثل العقاب في عقوبة مقيدة للحرية إلا أنه من الممكن الحكم عليها بالمصادرة أو الغرامة أو حرمانها من مزاولة نشاطها فضلا عن أن ثبوت مسئولية الشخص الاعتباري لا يمنع من إمكانية مسائلة الأشخاص الطبيعية التي يثبت أدانتهم في إحدى الجرائم الواردة بالاتفاقية جنائيا.
ونجد هنا المشرع المصري لا يعترف بالمسئولية الجنائية للأشخاص الاعتبارية الا بنسبة لجرائم محددة مثل بعض الجرائم التي تقع بالمخالفة لقانون الشركات أو لقانون حماية البيئة. ولذلك يجب على المشرع المصري إجراء التعديلات اللازمة حتى يتوافق التشريع المصري مع مواد الاتفاقية وذلك فضلا على أهمية التوسع في توقيع الجزاء الجنائي على تلك الأشخاص الاعتبارية حتى لا يتخذ منها الأشخاص الطبيعية درعا لحمايتهم من تلك المسئولية بقيامهم بارتكاب الجرائم الواردة بالاتفاقية تحت مسمى هذه الشخصيات. ويجب أن نوضح في النهاية أنه يجب أن تكون العقوبات الموقعة متناسبة مع درجة جسامة الجرم وهو ما أوضحته الاتفاقية في مادتها رقم 30 وهو ما يقصد به ضرورة الاهتمام بالتفريد الجزائي، ونجد هنا المشرع المصري في جرائم الاعتداء على المال العام قد خفف العقوبة إذا كان المبلغ المختلس أو الضرر الناشئ يقل عن خمسمائة جنية مصري وذلك بالمادة رقم 118 مكررا أ من قانون العقوبات مما يدل على مراعات المشرع المصري أن تكون العقوبة متناسبة مع الجرم المرتكب ولكن لا نجد مثل هذا الشأن في العديد من الجرائم الأخرى ولذلك على المشرع المصري أن يضمن النصوص العقوبية حد أدنى وأقصى أوسع للعقوبة حتى يكون للقاضي أن يقدر ويوائم بين الجرم والعقوبة المناسبة له وفقا لكل حالة. وإذا كان هذا هو الحال بالنسبة لجرائم الفساد التي ترتكب بعد ابرام هذه الاتفاقية فهناك سؤال يطرح نفسه هو كيف يمكن التعامل مع أشكال الفساد التي ارتكبت قبل التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ؟؟؟ وللأسف ليس هناك اجابة محددة على هذا السؤال حيث لم تتناول هذه الاتفاقية هذه المسألة.–
التعليقات