أن النظام السياسي لأي دولة يُفترض أن تكون له طبيعتهِ الخاصة، فضلاً على تشابهِ المؤسسات الدستورية، إلا أنه لا يمكن بيان الصورة الكاملة لأي نظام سياسي، وتزداد الصعوبة عند دراسةِ نظام عربي معين، الذي يحاول أن يجمع ما بين الحداثة والتقليد في جميع المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وهذا الحال يتطلبُ منا البحث في دراسةِ آلية صنع القانون بطريقةٍ دستوريةٍ، من خلالِ دراسةِ المؤسسات الدستورية مع دراسةِ ظاهرة الفصل بين السلطات، وفقاً لذلك توجد العديد من الخصائصِ والسمات المشتركة التي يمكن أن تكون مشتركة في أغلبِ أنظمة الحكم في الوطنِ العربي، وأن كان البعض يرى في هذه السمات بأنها جُزء من سلسلةِ خصائص، تشترك فيها المجموعة العربية مع دولِ عالم الجنوب والذي تُعدُ بلدان الوطن العربي جزءاً منها،وهنا سنبحث وبشكلٍ أكثرُ تحديداً السمات المشتركة بين الأنظمة السياسية في الوطنِ العربي وعلى النحو الآتي:
أولاً : المباعدة بين النصوص الدستورية والواقع العملي.
ثانياً : عدم رسوخ مفهوم الدولة وأزمة الهوية.
ثالثاً : غياب التعددية السياسية والحريات العامة.
رابعاً : تقييــد الإرادة السياسية نتيجة للتبعية الاقتصادية. وسوف يتم توضيح هذه الفقرات بالشكل الاتي :
أولاً :المباعدة بين النصوص الدستورية والواقع العملي :
في البدايةِ لابــد من تعريفِ الدستور على أنه (عبارة عن مجموعةِ قواعدٍ قانونيةٍ مهمتها تنظيم كيان الدولة والمجتمع البشري الذي يعيشُ ضمن حيز جغرافي معين )، ولكن عملية التنظيم لم تقتصرُ على الكياناتِ السياسية المُعاصِرة بل شهدتها المجتمعات القديمة، فالقواعد القانونية مرافقة للإنسان وتتطور مع تطورهِ، كما في المجتمعاتِ القديمة ( ما قبل الإنسان المتحضر ) أي الإنسان العاقل، أيضاً في المجتمعاتِ الحديثة تتماشى القواعد القانونية للإنسان وتنظم سلوكه وتصرفاته وعلاقاته مع غيرهِ وتطوره مع تطورِ المجتمع البشري الذي تعيشُ فيه.
إن الدستور والقواعد القانونية في حركةٍ مستمرةٍ؛ لأن الإنسان دائم الحركة والتطور، ومن هنا على الدستورِ، أن يعكس طموحات الشعب وآماله وأمانيه، وأن يتضمن الدستور حقوق الإنسان وواجباته. وعليه، فأن الوثيقة الدستورية في بلدٍ ما، هي التي تضع الإطار العام لنظام الحكم فيها. إذ توضح ما هي الدولة، وما هي سلطاتها ؟ وكيف يمكن أن تتكون سُلطات الدولة، وبيان علاقاتها ببعضها وعلاقاتها بالمواطنينِ، وما هي اختصاصات كل منها، وكيفية إيجادالتوازن بين تلك السلطات، بحيث تقوم كل منها باختصاصاتِها، ولا تتعدى على الاختصاصاتِ الأُخرى…أيضاً من المهماتِ الرئيسة للدستور في الدولِ الحديثة، إقامة التوازن بين مقتضيات السلطة والحرية، والغالبية العظمى من البلدانِ العربية، لديها دساتير مكتوب، وغالبية هذه الدساتير تُحدد سلطات رئيس الدولة، سواء كان ملِكاً أو رئيس جمهورية.
وفقاً لذلك ـ فأن الغالبية العظمى من تلك الدساتير، إن لم نقل جميعها، تضم العديــد من النصوصِ المختصة في الحقوقِ الأساسية للمواطنين، وتتناول حرية الاعتقاد والرأي والحق في تكوين أُسرة، وتكوين الأحزاب المنتظمة بقانون، وأن لا يجوز التجاوز على أي مواطن ما وما الى ذلك من الحقوقِ والحرياتِ العامة.ومع وجودِ هذه النصوص الواضحة، نجد أن الإنسان العربي في الغالبية العظمى من أقطارِ الوطن العربي، يعيش تحت وطأة الحرمان والقهر والتهميش والإذلال؛ بسبب سوء استخدام السلطات التعسفية في تطبيقِ تلك القوانين على الشعبِ.
وعلى سبيلِ المثال ـ في جمهوريةِ مصر ـ ينص الدستور في المادة خامساً، بعد تعديلها على حريةِ تكوين الأحزاب، ثم تأتي القوانين لتضع قيوداً خلافاً لما نص عليه الدستور. وعليه فالدساتير العربية كلها تتضمن وتتحدث عن حقوقِ الإنسان وحرياته العامة أمام القانون، وجميع هذه الشعارات قد تبناها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948م.
ومع ذلك فالمواطن العربي ينظر لتلك القوانين أنها لم تكن الحامي والضامن لحقوقه ضد التهميش والقهر والفساد والقضاء على الخوفِ من المستقبلِ المجهول للشعوب العربية، … الأمر الذي أصبح في إدراكِ المواطن العربي أن تلك الدساتير والقوانين هي مجرد شعارات براقة ولافتات توجد معلقة في كلِ مكانٍ، ولا تعني له من شيءٍ؛ لانعدام الثقة بالحكوماتِ وقوانينها، ووجود حواجز عدة بينهما لأن إدارتها لم تكن من جميعِ فئاتِ الشعب، بل تُدار من قبلِ أما عائلة أو حزب، ومجموعة لها ارتباطات مصلحية خاصة بعيداً عن المصلحة العامة.
لذلك أن هذه الظواهر والأفكار الخطيرة والموجودة في الغالبيةِ العظمى في الوطنِ العربي، هي إحدى الأسباب الرئيسة لعدم الاستقرار السياسي، وأحد مظاهر أزمة الشرعية والديمقراطية في الوقتِ نفسه.
ثانياً :الدولة بين عدم رسوخ المفهوم وأزمة الهوية :
لم تعد الدولة مجرد ( شعب وإقليــم وحكومة ) وإنما هنالك معيار أساسي للدولة الحديثة، ذلك هو معيار وجود المؤسسات الدائمة، وإعتبار الدولة نفسها ، مؤسسة المؤسسات وإعتبار الحكام ممارسين لإختصاصات محددة سلفاً، وليسوا ( مُلاكاً ) لسلطة الدولة فهم يمارسون سلطة الدولة، وفقاً لقواعد معينة ولكنهم لا ( يملكون ) سلطة الدولة.
فقد كان لويس الرابع عشر يقول ( أنا الدولة )، فكان يُعبر عن حقيقية سائدة في وقتهِ، وفي العصور السابقة عليه، فقد كان الفقه الدستوري يعبر عنها بشخصية سلطة الدولة، بمعنى التصاق سلطة الدولة بشخصية الحاكم واعتبارها ( مُلكاً ) له، وليست مجرد اختصاص يمارس. وأتصل بذلك وأرتبط به، وأن ميزانية الدولة لم تكُن منفصله عن أموال الحاكم، بل أن ذمة الحاكم كانت هي ذمة الدولة والعكس بالعكس.
ومما يقوله فقهاء القانون الدستوري، أن الدولة بمفهومها الحديث وجدت عندما انفصلت ذمة الدولة عن ذمةِ الحاكم أو الملك، وعندما أصبحت السلطة ( اختصاصاً ) وليست ( ملكاً ) أو ميزة شخصية. ولعل الأمثلة الحديثة التي توضح المعنى من ذلك للقارئ، ما أثاره الاتحاد السوفيتي عقب نجاح الثورة البلشفية عام 1917م، واستقرار النظام الجديد من عدم مسؤوليتهِ عن الديون التي عقدها القياصرة، وقد رفضت المحاكم الدولية والفقه الدولي هذا الرأي، باعتبارِ أن شخصية الدولة القانونية مستمرة مع تغير الحكم ومع تغير الأنظمة السياسية مهما كان عمق التغيير ومداه…
ولو كان ذلك المدى يتمثل في الانتقال من النظام القيصري الى النظام البلشفي؛ وذلك لكون شخصية الدولة وذمتها المالية مستقلة عن الأشخاصِ الممارسين للسلطة أو أصحاب الحق في التصرفِ في أموال الدولة. فمعيار الدولة بالمفهومِ الحديث، أصبح الآن قضية مفروغاً منها في الفقهِ الدستوري، والدساتير العربية في نصوصِها تقـر هذا المفهوم، ووجود الدستور يهدف أساساً الى تحديدِ وكيفية وجود الممارسين للسلطات وحدود سلطتهم واختصاصاتهم.
وفي ظلِ عدم وجود مؤسسات مستقرة ومستمرة، وغياب القانون وسيادة الولاء العشائري، تنتفي الغاية من وجودِ الدولة بمفهومِها الحديث، وهذا الحال هو الغالب في الدولِ العربية، ولابــد من أن ينعكس ذلك نفسه على نظامِ الحكم؛ لأنه سيصبح في الأغلب الأعــم نظاماً عشائرياً، لا يقوم على أُسس وحدود دستورية واضحة…
أما في البلاد ذات المؤسسات الدستورية فيتم تداول السلطات سلمياً… ؛ لأن فكرة المؤسسات السياسية والسيادة الوطنية، وسيادة القانون تمثل فيها أُسس وبناء أي عملية أو لعبة سياسية والتي يقوم أو يستند عليها أي نظام سياسي، والتي يتداول فيها الحكام اختصاصات حددها الدستور.
وفقاً لما تقــدم يمكن القول ـ بأن الحاكم العرب منهم من يحاول أن يمارس ما قال لويس الرابع عشر ” الدولة أنا وأنا الدولة “. وفيما يخص هوية الدولة، فتتضمن جميع الدساتير العربية على أن الإسلام هو دين الدولة ـ باستثناءِ الدستور اللبناني الصادر عام 1926م، والدستور المصري الصادر عام 1958م، والذين جاءا خاليين من هذا النص. وعليه فأن دين الدولة يقترن بتوضيحِ دوره في العمليةِ التشريعية، إذ ينص الدستور الصادر عام 1971م، والمعدل عام 1980م على أن ” الإسلام دين الدولة ومبادئه التشريعية الإسلامية، المصدر الرئيسي للتشريع “.
أما الدستور السوداني الصادر عام 1988م فينص على أن ” الشريعة الإسلامية والعرف مصدر التشريع “، ولما كان النظام السوداني يقيم شرعيته على أساسٍ ديني إسلامي، فقد ترك ذلك أثره الواضح في صياغةِ كثير من مواد الدستور ـ فتنص المادة التاسعة على أن الإنسان مستخلف ومسؤول عن عمارةِ الكون وعبادة الخالق والحكم أمانة، والمادة الثالثة عشر على أن ” الزكاة فريضة مالية تُجبيها الدولة… “وينص الدستور القطري الصادر عام 1972م على أن ” قطر دولة عربية مستقلة ذات سيادة دينها الإسلام، والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس لتشريعها… “. اما تونس فأن دستورها الصادر عام 1959م قد تميز بالغموضِ في تلك النقطة، حيث تُشير مقدمة الدستور الى أن ” الشعب التونسي مصمم على تعلقهِ بتعاليمِ الإسلام “، أيضاً الدستور العراقي الصادر عام 1970م ينصُ على أن ” الإسلام دين الدولة “لكنه لم يتعرض لوضع الشريعة الإسلامية بين مصادر التشريع في الدولةِ.
وفي بعض الأحيان يُعزز الدستور الانتماء العربي، بالنص على أن الشعب ( جزء من الأمةِ العربية يعمل على تحقيقِ وحدتها الشاملة ) كما في الدستور المصري. أيضاً تحرص الدساتير في دولِ المغرب العربي على تأكيدِ روابطها الإقليمية فيشير الدستور التونسي ـ مثلاً ـ على أن ” الشعب التونسي مصمم على تعلقهِ بوحدةِ المغرب العربي الكبير ” وكذلك التأكيد على ” انتمائهِ للأسرة العربية “. فضلاً على ذلك تشير الدساتير العربية أحياناً الى الروافدِ الأخرى التي تُغذي هويتها فتحدد ديباجة الدستور الجزائري خمس دوائر مختلفة للهوية الجزائرية بالنصِ على ” أن الدولة المغربية بيما فيها من سلطة وشعب واقليم تعد جزءاً لا يتجزأ من المغرب العربي الكبير، كما وهي بلد ينتمي الى البلادِ المتوسطية والأفريقية “.
ثالثاً :غياب التعددية السياسية والحريات العامة الأخرى :
تتسم بلدان الوطن العربي بحالة من غياب التعددية السياسية، فضلاً على غيابٍ تام أو شبه تام للحريات العامة منها. وفقاً لذلك سيتم البحث عن الحالتين وبالصيغةِ الآتية :
1ـ بلاد عربية تسمح فيها، تكوين الأحزاب السياسية من الناحيةِ الدستورية النظرية، لكن نجدها من الناحيةِ العملية الواقعية، توضع عراقيل وقيود في طريقِ تكوين تلك الأحزاب، سوى بأدوات تشريعية، أقل من الدستور أو بوسائلٍ عملية، وقد ينتهي الأمر أحياناً الى وجودِ حزبٍ كبيرٍ وهو ما يسمى بالحزب المهيمن، الذي تسانده السلطة والى جوارهِ أحزاب صغيرة، غير فعالة ولا مؤثرة على الساحة السياسية كما في مصر…
2ـبلاد تأخذ بفكرة الحزب الواحد، وهذا هو الحال في مصر، الجزائر، ففي مصر للفترة من 1953ـ 1976 وفي الأخيرة ( مصر ) يسمى تحالفاً، أما في الجزائر فيسمى جبهة.
3ـ بلاد تأخذ بفكرة الحزب القائد، والسماح شكلياً بوجودِ أحزاب صغيرة الى جوارهِ، وهذا الحال في سوريا وفي العراق قبل التغيير السياسي في عام 2003.
4ـبلاد ترفض الأحزاب جملة وتفصيلا، مثال ذلك السعودية وليبيا. لا سيما أن البلدين مختلفين وبينهما تناقض حاد. وفي غيابِ التعددية الحزبية تغيب المعارضة وبغياب الأخيرة يتم تركيز السلطة من جانبِ، والتمسك بها من جانبٍ آخر، وتصبح الطريقة الوحيدة لتغيير السلطة هي الانقلابات والمؤامرات والثورات، أما ما يتعلق بحقوقِ الإنسان وحرياته العامة، نجد أن سائر الدساتير العربية تنص على مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات. مثلاً الدستور القطري الصادر عام 1972م ينص على ” الناس متساوون في الحقوق والواجبات العامة، ودون تمييز بسبب العنصر أو الجنس أو الدين “، أيضاً ينص الدستور المصري الصادر عام 1971م على المبدأ نفسه، بأن ” المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوقِ والواجبات العامة ودون تمييز في ذلك، بسبب الجنس او اللغة او الدين او العقيدة “، لكن الممارسة تكشف في بعضِ الأحيان عن فجوة بينهما وبين النصوص القانونية من خلالِ احتكار أقليات سياسية او حزبية او سُلالية للسلطة وممارسة التمييز ضد بعض الفئات الاجتماعية والأقليات الأخرى، كما يحدث أحياناً كثيرة أن تأتي القوانين المقيدة لما أباحه الدستور وعلى سبيل المثال أن الدستور الكويتي قد نص في المادة 29 منه على أن ” الناس سواسية في الكرامةِ الإنسانية وهم متساوون أمام القانون في الحقوقِ والواجبات العامة دون تمييز بينهم، بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين “. وفي الوقتِ نفسه يمثل قانون الجنسية الكويتي انتهاكاً صريحاً وصارخاً لنص تلك المادة آنفة الذكر. فلو تأملنا أحكام هذا القانون الصادر عام 1959م وبتعديلاتهِ المختلفة، أي قبل صدور الدستور لوجدناه يُقسم المواطنين الى ثلاثِ فئات وهي كالآتي :
الفئة الأولى :أصحاب الجنسية بالتأسيس ويمثلها أولئك الذين عاشوا في الكويت منذ عام 1920م، وهو عام تكاتف فيه ابناء الكويت، لبناء سور لحماية المدينة، ويتمتع المنتمون لهذه الفئة بكل حقوق المواطنة بما فيها الحقوق السياسية.
الفئة الثانية :فئة أصحاب الجنسية بالتجنيس ويمثلها العرب الذين أقاموا في الكويت لمدة عشرة سنوات متصلة، وكذلك غير العرب الذين اقاموا فيها لمدة خمس عشرة سنة، ولا تتمتع هذه الفئة بالحقوق السياسية للمواطنة فلا يجوز لها الترشيح لعضوية البرلمان، اوانتخاب أعضائه، كما لا يحق لها أن تتقلد المناصب الوزارية…
الفئة الثالثة : فئة أصحاب الجنسية بالتجنيس الاستثنائي. وقد استقرت التعديلات على اعتبارهم اولئك الذين ادووا الخدمات المهمة للبلاد من بين العرب الذين ولدوا في الكويت من أمهاتٍ كويتيات، واقاموا في الدولة من دون انقطاع حتى بلوغهم سن الرشد وتنطبق على هذه الفئة شروط الفئة السابقة نفسها، أي انها لا تتمتع بمباشرة حقوقها السياسية. على أن أخطر من ذلك هو في وجودِ فئة يُطل عليها أسم ( البدون )، أي بدون جنسية، لاسيما انهم عاشوا في الكويت طيلة حياتهم، ومن ناحيةٍ أخرى، يلاحظ على تنظيم الدساتير العربية للحقوق والحريات السياسية، أنه يتم احيانا وبطريقة تعسفية، فنجد فيما يرتبط بحرية التعبير والرأي مثلاً، أن الدساتير العربية تتخذ مواقف مختلفة. فهناك دساتير تكفل هاتين الحريتين معاً، لكنها تقتصرهما على الالتزام بأيديولوجية الدولة، وهناك دساتير تسمح بحريةِ التعبير، ومجموعة ثالثة من الدساتير لا تتضمن أي إشارة للحريتين معاً كما في الدستور القطري.
وفقاً لما تقدم يمكن القول أن هناك عوائق تقف أمام تحقيق حقوق الإنسان وحرياته العامة، أولها : الاعمال القانوني أو الفعلي لقوانين الطوارئ. والثاني : هو محدودية المواثيق والاتفاقيات الدولية المتصلة بحقوق الإنسان التي تنظم اليها الدول العربية. بداية بقوانين الطوارئ فأن هناك دولاً تعلن العمل بها رسمياً مثل سوريا منذ عام 1963م، ومصر منذ عام 1981م، والجزائر منذ عام 1992م، وهناك دولاً تزاول العمل بها فعلياً من دون اعلان التزامها بذلك مثل العراق والبحرين، إذ لا تختلف الممارسات في الحالتين بكل ما تنطوي عليه من توسيع قاعدةِ الاشتباه، وتشكيل المحاكم الاستثنائية مع عدم توفر ضمانات العدالة لمحاكماتها، وتقييد حريات التعبير والرأي العام، وترد احدى وجهات النظر على المنطق الداعي الى العملِ بقانونِ الطوارئ، على أساس ضعف الوضع الأمني والخوف من شيوع ظاهرة عدم الاستقرار السياسي، وانهيار أركان الدولة.
رابعاً :تقييد الإرادة السياسية نتيجة للتبعية الإقتصادية:
من المعلوم أن بلدان الوطن العربي منها بالغة الثراء؛ نتيجة للثروة النفطية، وبعضها الآخر يعاني من أزمات اقتصادية طاحنة، وفي الوقت نفسه، تتسم المجموعتين بالتخلف والتبعية الاقتصادية. فمسألة التخلف فقد تحدثنا عنها سابقاً. أما الآن فنحن بصدد بحث الارتباطات الاقتصادية وهذه سمة جميع أو اغلب دول عالم الجنوب والبلدان العربية تقع ضمن هذا الحال، لذلك فالتبعية تبدو أكثر وضوحاً في أمرين هما:
1 ـ الأمن الغذائي.
2 ـ الأمن الحربي.
وإذا كان كُلا الأمنيين ـ الغذائي والحربي ـ تابعين للغير، وهنا لا يمكن تصور وجود إرادة سياسية حرة وبالنتيجة يكون هنالك حالة من عدم الاستقرار ومن ثم فقدان السيادة، وهذا حال اغلب بلدان الوطن العربي والتي تعيش حالة التبعية الاقتصادية والتي انعكست على تقييد الارادة السياسية.
وفي عالمنا المعاصر وعلى حدِ تعبير الفقيه الفرنسي موريس ( دوفرجيه ) من أنه لا توجد غير الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية ( الاتحاد السوفيتي سابقاً ) يتمتعان بالسيادةِ الكاملة بالمعنى التقليدي. وأن جميع الدول في العالمِ تعيش في ظلِ سيادة مفتوحة على نحوٍ أو آخر، ولكن ذلك شيء والتبعية الاقتصادية التي تؤدي الى تبعية سياسية أو بالأقلِ الى قيودٍ متفاوتة ولكنها موجودة على إرادتها السياسية شيء آخر.
—
التعليقات